نصوص أدبية

محمد غنيم: وجه مألوف

محمد عبدالحليم غنيمقصتان قصيرتان جدا

1- المرة الأولى

- هذه هى المرة الأولى.

- لا بأس.

- أشعر بالندم.

- طبيعى

- سأظل أشعر بالندم.

- لن يستمر طويلاً

- أعرف نفسى.

- أنت لا تعرف شيئاً.

- آه.

- ألم تستمع؟

- آه.

- هل شعرت بمثل هذا الشعور من قبل.

- هذه هى المرة الأول التى....

- أعرف، لا تكمل، لكنك استمتعت  أليس كذلك؟

- ماذا تقصدين؟

- أقصد أنك استمتعت وأنت تغوينى. اسستمتعت وأنت تكذب على زوجتك وتقول هناك عمل آخر...

- لكن...

- لكن ماذا؟

- لكننى لم أكن أعرف...

- تعرف ماذا؟ أننى جيدة فى...

- لا أقصد.

- لماذا تنكر أنك استمتعت وأنك أنت الذى بدأت تغوينى، هل تنكر؟

- لكن...

- أمازلت تشعر بالندم؟

- الندم؟

- هل تندم على متعتك؟

- لكنى؟

- لكنك ماذا؟

- لكننى مازلت أريدك؟

- لكننى اكتفيت.

- أرجوك.

- لا.

- أتوسل إليك.

- إذن لم تعد تشعر الآن بالندم.

- نعم.

- حقاً؟

- حقاً.

- اخرج.

- أتوسل إليك.

- اخرج ولا ترينى وجهك بعد الآن.

ثم انقلبت إلى عجوز شريرة، بارزة الأنياب منكوشة الشعر، صرخ بصوت عالٍ وهو يكاد يسقط من فوق السرير، فى تلك الغرفة المظلمة التى تركته فيها زوجته الآبقة. تلمس خطاه فوق الأرضية الدبقة، محاولاً الوصول إلى مفتاح الإضاءة. بعد ذلك جلس فوق حافة السرير واضعاً رأسه بين يديه وهو يشعر بندم حقيقى لأنه لم يقتلها وهى تتوسل إليه وتبكى ’’ هذه هى المرة الأولى ‘‘.

***

2- وجه مألوف

انتبه لوجودها.

هذا الوجه مألوف جداً، لا يمكن لذاكرته أن تتجاهل مثل هذا الوجه،وإلا فهى ذاكرة غبية أوبليدة، بلا إحساس، قال لنفسه :’’ هذا الوجه مألوف جداً ‘‘ ثم  تراجع خطوة للخلف، كاد ينطق بالاسم  إلا إنه تراجع فى اللحظة الأخيرة، اختلطت فى ذهنه الأسماء، سعاد.. سلوى.. سناء،  أطال مدّ الألف فى سناء، ومع ذلك شعر أنه ليس الاسم الصحيح. وأخيراً نطق، لكنه لم يذكر اسماً، قال كلمة أخرى :

- أنتِ !

ابتسم ابتسامة من يحاول أن يعرف، شجعته بابتسامة أجمل وأعرض من جانبها، فعاد وقال من جديد :

- أنتِ !

اتسعت ابتسماتها، وقالت وهى تفتح ذراعيها :

- أنت !

تكررت’’ أنت ‘‘واستطالت بينهما وهما يتعانقان.

همس :

- حبيبتى !

وهمست

-  حبيبى !

انتبها معاً لوجود الناس من حولهما،عقدت لسانهما الدهشة، تراجعت خطوة للخلف، وتراجع هو أيضاً خطوة، ثم على غير توقع اقتربا بشدة، ودونما اعتبار لأحد حولهما فى الحجرة الممتلئة بالبشر، والتى تزداد ازدحاما بمرور الوقت، تعانقا من جديد، وبصوت مسموع هذه المرة، قالت :

- أحمد.

صاح هو من جانبه :

- سعاد.

ثم سحبته من يده وخرجا معاً، دون أن يأبه أحد بهما.

عندما سارا معاً فى الطريق العام،وقد تحررت يده من يدها، لم يقل شيئاً، ولم تقل شيئاً، افترقا وكأن لم يلتقيا أبداً من قبل.

***

تأليف: د. محمد عبد الحليم غنيم

في نصوص اليوم