نصوص أدبية

محمد غنيم: حكاية أقذر رجل فى العالم

محمد عبدالحليم غنيممسرحية فى فصل واحد

عن حكاية قصيرة من حكايات الف ليلة وليلة

***

"أسألك يا الله أنها تغضب على زوجها وأجامعها"

الحشاش سلاخ الغنم

الشخصيات:

- أمير الحج: رجل فى سن الخمسين.

- الحشاش: رجل فى بداية الثلاثينات.

- الزوجة: امرأة شابة.

- الراوى ا: (شاب) يرتدى زيا عصريا مناسبا.

- الراوى 2: (عجوز) يرتدى زى الراوى الشعبى التقليدى فى الصعيد أو الدلتا.

الزمان: الوقت الخاضر.

المكان: خشبة مسرح فى أى مدينة عربية.

الديكور: خشبة المسرح خالية إلا من أريكة عريضة لجلوس الممثل الذى يقوم بدور أمير الحج وبعض المقاعد الصغيرة بدون ظهر لجلوس الشخصيات الأخرى فى بعض الأحيان أثناء العرض.

***

الراوى 1: (يدخل الراوى 1 مباشرة) حكايتنا الليلة يا.. (صفير ومقاطعة من الجمهور ولكنه لا يبالى ويكمل) حكايتنا الليلة يا أصدقاء حكاية عجيبة وغريبة ويمكن أن تقولوا حكاية بذيئة.. دعونا نسميها حكاية " أقذر رجل فى العالم " إنها حكاية الحشاش سلاخ الغنم ذى الذراع الفتية والصحة العفية والرائحة النتنة وقصة ما حدث له مع الزوجة الثرية ذات المال والجمال والعفاف والرائحة الطيبة، الكريمة المعطاءة وكله بأمر الله وقضائه.

الراوى 2: (يدخل الرواى 2 وهو ينظر شزرا إلى الرواى 1. وقفة قصيرة. ينظر الرواى 2 الى الجمهور ويوجه خطابه فى حزن ظاهر) يحكى أنه يا سادة يا كرام.. يحكى أنه كان فى أوان الحج والناس فى الطواف بينما المطاف مزدحم بالناس وإذا بإنسان متعلق بأستار الكعبة وهو يقول من صميم قلبه.

(يدخل الحشاش متلفعا فى خرق قديمة، شاب عريض المنكبين عفى)

الحشاش: أسألك يا الله أنها تغضب على زوجها وأجامعها. بحق تلك الأيام المباركة أسألك يا الله أن تغضب على زوجها وأجامعها.

الراوى 1: وبينما الرجل يقول ذلك بصوت مسموع وقلب موجوع. سمعته جماعة من الحجاج فقبضوا عليه وأتوا به إلى أمير الحاج بعد أن أمطروه سؤلا وأشبعوه ضرباً.

(يدخل أمير الحج، رجل فى منتصف العمر، تبدو عليه سيماء النعمة ويفضل أن يكون سمينا عريضا، قليل الصبر، أهوج، ويتوجه فى بطء نحو الأريكة وقبل أن يجلس يخاطب الحشاش الذى لم يكن منتبها لدخوله)

أمير الحج: هل قلت ما قلت يا رجل؟

الحشاش: أه..هاه، سيدى..

أمير الحج: أقول هل قلت ما قلت يا رجل؟

الحشاش: نعم يا أمير، لكن قبل أن تقضى فى أمرى بحق الله أن تسمع قصتى وحديثى وبعد ذلك افعل بى ما تريد.

أمير الحج: (لمن حوله) فكوا قيوده.

(يتقدم الراويان فى عجل وكأنهما فى سباق فيتصادمان ويكادان ان يشتبكا فى شجار لولا وجود الأمير، يتجاهلهما الأمير ويوجه حديثه إلى الحشاش)

وأنت يا رجل احك قصتك باختصار، فلدينا قصص أخرى يشيب لها الولدان، ففى كل يوم يتحفنا هذا الزمان بالعجائب.

الحشاش: حكايتى يا أمبر أعجب العجائب وأغرب الغرائب وأنا على ثقة أنك سوف تسمعنى وتعذرنى، أقول ذلك وأقسم بالله ورسوله أنى لم أتعاطى حشيشة ولم أذق كأس خمر منذ ثلاثة أشهر.

أمير الحج: توبة مباركة يا رجل.

الحشاش: أقول الصراحة يا أمير ليست توبة ولكنها الحاجة التى..

أمير الحج: (غاضباً) إذن كفى يا رجل وادخل فى قصتك.

الحشاش: سمعاً وطاعة يا أمير. اعلم – وقاك الله - أيها الأمير أننى رجل حشاش أعمل فى سلخ الغنم فأحمل الدم والوسخ إلى الكيمان واتفق أننى رايح بحمارى يوماً من الأيام وهو محمل فوجدت الناس هاربين فارين مذعورين وكأنه يوم الحشر، والله -يا سيدى الأمير- ظننته يوم الحشر..

أمير الحج: أوجز يا رجل.

الحشاش: سمعاً وطاعة يا أمير. لما وجدت الناس يهربون ويفرون فى ذعر قلت لأحد الناس ما الأمر؟ فقال ادخل هذا الزقاق لئلا يقتلوك ويسلخوك كما تسلخ الغنم والحمير، وأنا والله يا سيدى لا أسلخ الحمير ولا أستطيب طعمها..

الراوى 1: مل الأمير من أسلوب الرجل فى الحكى، فالرجل مسكين من العامة، لا يجيد الحكى ولكنه بارع فى الجماع.

الراوى 2: تحشم أيها الراوى فى ألفاظك وكلامك.

الراوى 1: معذرة يا صديق، أعلم كم أنت تقى وورع.

الراوى 2: أتسخر منى؟

الراوى 1: لا أسخر ولكننى أذكرك بأننا رواه ننقل بأمانة ما يحدث وما قد يحدث، وأحياناً نتجمل ونضيف بعض الأحداث.

الراوى 2: أو بعض الألفاظ والعبارات الفجة بقصد إثارة الغرائز ولفت انتباه المشاهدين.

الراوى 1: إذن اقبل عذرى ودعنا نعود إلى حكايتنا (إلى الجمهور) اتفق يا سادة، معذرة. اتفق سيداتى وسادتى أن خدام وطوشى حريم أحد الأكابر كانوا يوسعون لها الطريق. وكان ذلك هو اليوم الرابع لها الذى تخرج فيه باحثة عن حاجتها فى تلك العطفة فى ذلك الحى الشعبى الفقير. وكانت حاجتها – يا كرام - غريبة وشاذة.

الراوى 2: احذف كلمة شاذة هذه.

الراوى 1: كانت حاجتها الحصول على أوسخ رجل فى العالم.

أمير الحج: (مقاطعا) وماذا تفعل به؟

الراوى 1: أن تزنى بأوسخ وأقذر رجل فى العالم.

الراوى 2: (غاضباً ومقاطعاً) قلت لك من قبل تحشم، وها أنت تعود إلى نفس الأسلوب القذر فى الحكى. احذف كلمة " تزنى " هذه.

الراوى 1: تخل أنت عن تكلفك وتصنعك الورع وادعاءك الفضيلة، ماذا أقول؟

الراوى 2: (يفكر وكأنه يكلم نفسه) تواعد، تلتقى، تقابل.. لا.. لا.. وجدتها " تجامع " تجامع أقذر وأوسخ رجل فى العالم.

الرواى 1: (ساخراً) برافو عليك " تجامع " فى الحلال أم فى الحرام؟

الراوى 2: عدت يا فسل تسخر منى من جديد؟!

الراوى 1: اسحب كلمة فسل هذه، أنا أحترمك لكبر سنك، وأراك فى مقام أبى.

(إلى الجمهور دون أن يسمع الراواى 2)

و أقدرأيضاً طعام زوجته الشابة (ثم غامزاً) وجمالها الفتان.

الراوى 2: هل أنت نسيت أننى أستاذك وأننى من علمك رواية الحكايات وحفظ الأشعار.

الراوى 1: طبعاً يا أستاذى، دعنا الآن نقوم بعملنا وإلا مل الجمهور وتركوا المسرح، أقصد تركوا المقهى..

(تظلم الإضاءة على الراويين، وتسلط على الحشاش وأمير الحج)

الحشاش: عند ذلك يا أمير بلعت ما تبقى معى من حشيشة، ووقفت حائراً لا أدرى ماذا أفعل. وإذا بى محاطاً بالخدم والطواشى وهناك من يسحب الحمارى وهناك من يضربنى وإذا بصوت كأنه القيثارة يقول: كفوا عن الضرب..

(تدخل الزوجة أمراة شابة بارعة الجمال)

الزوجة: (مقاطعة) كفوا عن الضرب، رفقاً به.امسكوا به فقط وآتونى به حيا. ذلك هو المطلوب.

الحشاش: تطلعت يا أمير إلى صاحبة الصوت فإذا بامرأة شابة (يشير إلى الزوجة) كأنها قضيب بان كاملة الحسن والظرف والدلال، وقل تبارك الله فيما خلق..

(تضحك الزوجة فى دلال غامزة الى الأمير)

أمير الحج: و ماذا تريد امرأة شابة جميلة (يغمز بعينه إلى الزوجة) من حشاش فقير قذر ذى رائحة نتنة مثلك؟

الحشاش: صبراً يا مولاى واعذرنى على أسلوبى المتواضع.

أمير الحج: دعك من الأسلوب واحك يا رجل. لقد شوقتنا

(يغمز بعينه من جديد إلى الزوجة)

الحشاش: قلت لنفسى ما أخذنى الطواشية إلا لأن سيدتهم شمت رائحة الوسخ فاشمأزت من ذلك او تكون حبلى أو حصل لها ضرر فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ومازلت ماشياً خلفهم إلى أن وصلوا إلى دار كبيرة ما أعرف كيف أصف..

أميرالحج: لا نريد وصفاً يا رجل. قل ماذا حدث؟ لقد شوقتنا يا رجل.

(وقفة قصيرة. يضحك الأمير)

الراوى 2: انفكت أسارير الأمير وأخذ ينصت فى سرور إلى حكاية الحشاش مع زوجة أحد الأكابر.

الراوى 1: والتى غضبت على زوجها.

الراوى 2: لا تقاطعنى.

الراوى 1: كنت أذكرك فقط (إلى الجمهور مشيراً إلى الراوى 2) غالباً ما تعضب زوجته عليه.

الراوى 2: والتى غضبت على زوجها فأرادت أن تنتقم منه.

الراوى 1: (إلى الجمهور) اللهم أكثر من غضبها عليه.

الراوى 2: (إلى الراوى 1) هل قلت شيئاً؟

الراوى 1: (غامزاً) لا. أكمل.

الحشاش: وصلت إلى قاعة كبيرة ما أعرف كيف أصف محاسنها (وقفة. ينظر إلى الامير. يومىء له بالحكى) ثم دخلت النساء تلك القاعة وأنا مربوط مع الطواشى، فقلت فى نفسى وأموت هنا ولا يدرى بموتى أحد ثم بعد ذلك ادخلونى حماماً لطيفاً من داخل القاعة. فبينما أنا فى الحمام ,

الزوجة: (بصوت عال إلى جوار متخيلة) نظفنه والقين بشراميطه هذه فى الزبالة وألبسنه ملابس جديدة وأغرقنه بالعطور. لا أريد أن اشتم أى أثر لرائحته القذرة.

الحشاش: وخرجت من الحمام يا أمير وأنا لا أعرف من أنا ولو كنت نظرت فى المرآة، لوقعت مغشياً على.

أمير الحج: (ضاحكاً) لا تنظر فى المرآة، فقد رجعت إلى صورتك الأولى(يضحك الأمير) هاهاهاها.

الحشاش: سحبتنى جارية من يدى فسرت وأنا سكران من غير سكر وراءها أو مثل طفل وراء أمه إلى قاعة أخرى والله ما أعرف كيف أصف محاسنها من كثرة ما فيها من النقش والفرش.

أمير الحج: قلت لك يا رجل لا تصف احك. لقد شوقتنا.

الراوى 1: جاء دورى فى الحكى. سيداتى سادتى الكريمات والكرام أبناء هذا العصر السعيد فى عهد ملكنا السعيد بن السعيد، دخل الحشاش الفقير. دعونى أسميه أقذر رجل فى العالم إلى قاعة السيدة الكريمة ابنة الأكابر ودعونى أسميها أجمل امرأة فى العالم. وكان تجلس فوق تخت من الخيزران، فلما رأته بالحالة التى عليها، حسن فى عينيها جداً..

الراوى 2: (مقاطعاً) تجاوزت الحد، كيف تقول ذلك ما أردات السيدة إلا الانتقام.

الراوى 1: (ساخراً) صبراً يا استاذى. وهل يمنع الانتقام من الاستحسان (غامزاً بعينه) فكم من النساء..

الراوى 2: (مقاطعاً بغضب) ليس لك شأن بالنساء التزم بالحكاية كما روتها شهرزاد فى كتاب ألف ليلة وليلة ولا تلمح وتغمز بعينيك وتتلفظ بالكلمات الداعرة.

الراوى 1: سمعاً وطاعة يا أستاذى (إلى الجمهور) أخشى أن يفسد علينا بتدخله حكايتنا الليلة. فمعذرة سيداتى سادتى. ولنتجاوز مسألة استحسان المرأة للحشاش.

(تقوم المرأة من فوق الأريكة، حيث يسلط الضوء عليها وتشير بإصبعها فيتقدم الحشاش منها، تمسك بيديه ويدوران معاً فى رقصة عصرية، ثم يجلسان على الأريكة متجاورين وعند ذلك تكون هناك مائدة مليئة بالطعام والشراب، تقوم المرأة بتقديم الطعام للحشاش، ث تسقيه من كأسها ويسقيها بكأسه أيضاً، ينبغى أن يمر هذه المشهد سريعاً، ويمكن للمخرج أن يعرضه على شاشة كبيرة خلف المسرح إذا توافرت الإمكانيات التقنية)

الحشاش: وكأنى يا أمير كنت فى حلم.

أمير الحج: أى حلم يا رجل. لك مطلق الحرية فى الوصف والسرد.

الحشاش: معذرة يا أمير كيف أحكى وأصف الآن وريقى كالحطبة وبطنى قرية خاوية وجيبى فارغ و..

أمير الحج: وعقلك خرف وأنت سكران طيبنة لا تدرى ما تقول وكيف تقول؟

الحشاش: لا والله، يا سيدى الأمير. لست بخرف االعقل أو سكران، ولكنى فى قمة صحوى مثل السكران، لكنى أيضاً أدرى ما أقول وأعرف كيف أقول.

أمير الحج: إذن أكمل قصتك ودعك من الفلسفة ألا تعرف مقولتنا الذائعة الصيت، " من تفلسف تذندق "

الحشاش: عفواً يا سيدى الأميرن أنا فى حرم الكعبة.

أمير الحج: لولا أنك فى حرم الكعبة..

الراوى 2: حشاش سكير وأيضاً زنديق. لا عجب أن يزنى بحليلة جاره.

الراوى 1: (منتظراً وساخراً) حاسب على ألفاظك يا أستاذى. ها أنت تأتى بألفاظ تخدش حياء الجمهور.

الراوى 2: (غاضباً) نعم يزنى بحليلة جاره.

الراوى 1: (غاضباً) من تقصد؟ الحشاش السكير أم من تقصد؟

الراوى 2: أقصد من أقصد، لنعد إلى حكايتنا. لا يطاوعنى لسانى على ذكر تلك الأفعال الشائنة من السيدة بنت الأكابر مع ذلك الحشاش القذر فى تلك الليلة وليال أخرى.

الراوى 1: ثمانية ليالٍ.

الراوى 2: لا تقاطعنى..

الراوى 1: فقط أذكرك ثمانية ليال يدخل فيها الحشاش القصر وقت العصر ليخرج فى صباح اليوم التالى قرب الظهر.

الراوى 2: كان يجامع فيها تلك السيدة.

(تختفى الإضاءة من على الراويين)

الحشاش: (بعد أن ينتهى من شرب الماء ويسمك بيده تفاحة) شكراً يا سيدى الأمير على كرمكم السخى.

الأمير: اطلق لسانك يارجل ولا تتحجج بالجوع والعطش.

الحشاش: سمعاً وطاعة (يغمز إلى الجمهور هذه المرة) وقامت جارية مثل القمر تسقينا على نغمات الأوتار فسكرت أنا وتلك السيدة الجالسة (تسلط الإضاءة على السيدة للحظة خاطفة) وكل ذلك وأنا أعتقد أننى فى حلم. ثم بعد ذلك أشارت إلى بعض الجوارى أن يفرشن لنا فى مكانٍ. ففرشن فى المكان الذى أمرت به، ثم قامت وأخذت بيدى إلى ذلك المكان المفروش ونامت ونمت معها إلى الصباح وكنت كلما أضمها إلى صدرى أشتم منها رائحة المسك والطيب وما أعتقد إلا أننى فى الجنة أو أننى أحلم فى المنام.

الزوجة: (تنهض من فوق الأريكة هى شبه نائمة) لم يكن ذلك حلماً. كنت أفى بنذرى.

أمير الحج: (لا يرى المرأة. يقاطع) أى نذر الذى تومىء به ايها المخبول.

الحشاش: أى نذر يا أمير؟!. أعتقد أننى فى كامل صحوى.

أمير الحاج: أكمل يا رجل، إنى منصت.

الحشاش: (يواصل) فلما أصبحت سألتنى عن مكانى فقلت لها فى المحل الفلاتى، فأمرت بخروجى وأعطتنى منديلاً مطرزاً بالذهب والفضة عليه شىء مربوط وقالت ادخل الحمام بهذا. ففرحت وقلت فى نفسى إن كان ما عليه خمسة فلوس فهى غذائى فى هذا اليوم، ثم خرجت من عندها كأنى خارج من الجنة، ثم جئت إلى المخزن الذى أسكن فيه..

أمير الحاج: (ضاحكاً) ولماذا تخرج من الجنة وتجىء إلى المخزن. كنت ابق فى القصر.

(تختفى الإضاءة من على الحشاش والأمير وتسلط على الراويين وهما ينظران إلى بعضهماً شذراً، وكانهما كانا فى معركة)

الراوى1: أقسم بالله هذا دورى فى الحكى ولن أسمح بذلك.

الراوى 2: سيداتى سادتى.

الراوى 1: (مقاطعاً بصوت أعلى) سيداتى سادتى (يتراجع الرواى 2 خطوة إلى الوراء) معذرة، يريد هذا أن يفسد علينا القصة، وهذا طبعا لشىء فى نفس يعقوب (غامزاً إلى الراوى 2)

الراوى 2: ماذا تقصد؟

الرواى 1: لا أقصد إلا ما أقصده. حكايتنا يا سادة، أعنى أيتها السيدات وايها السادة، حكايتنا بسيطة، ولكن ذات مغزى عميق، ربما مغزى لم يفهمه سيدنا يعقوب نفسه

الراوى 2: (بحدة مقاطعاً) بدأت تجدف. زنديق مثل الحشاش السكير. كيف تقول " مغزى لم يفمه نبى الله سيدنا يعقوب نفسه " قل لى كيف؟ كيف تتطاول على أنبياء الله؟ هذا إزدراء بالأديان؟ وعقوبته..

الرواى 1: الجلد.

الرواى 2: لا. عقوبته الحبس. جاهل مثلك لا يعرف قوانين مملكتنا السعيدة فى عصر ملكنا السعيد.

الراوى 1: جلد أم حبس أمر لا يعنينى. فأنا لم أزدر ديناً سماوياً كان أم أرضياً.

الراوى 2: مرة أخرى تجدق يا زنديق. ماذا تقول سماوياً أم ارضياً؟ وهل هناك دين أرضى. ألم اقل زنديق مثل الحشاش السكير. لا عجب فى ذلك فأنت تعجبك أفعاله. تتعاطف معه وتحب دوماً أن تحكى قصته، وخاصة وصف الأفعال الشائنة مع تلك السيدة المحترمة.

الراوى 1: (ساخراً) أتسميها سيدة محترمة؟ لن أعترض ولن أناقشك فى ذلك، فلتكن محترمة ولتكن مصونة ولتكن كريمة ولتكن..

الراوى 2: إلام تلمح؟ كلماتك ملقوية، تحتمل وجهى المعنى، ماذا تقصد بمصونة وكريمة؟

الراوى 2: لا أقصد إلا ما تقصده الألفاظ: محترمة ومصونة وكريمة. الزوجة فى حكايتنا ذات المغزى (وقفة قصيرة) ذات مغزى !

الراوى 2: (منفعلاً بحدة) فاسق مثل الحشاش السكير الداعر. أعرف ما تقصده بذات المغزى. لكن اعلم يا هذا (يزداد انفعالاً) اعلم يا هذا أن حرمنا محترمة ومصونة.

الرواى 1: (ساخراً) وكريمة !

الراوى 2: لا تقاطعنى يا فاسق (وقفة خفيفة، يستجمع أفكاره) يروى عن.. لا لا. قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا " اعلم يا هذا أن كل ما تسمعه، إن كنت قد سمعت مجرد تخرصات نساء أكلتهن نار الغيرة من زوجتنا المحترمة المصونة.

الراوى 1: الكريمة !

الرواى 2: قلت لك من قبل لا تقاطعنى.. (و كأنه يقرأ من كتاب. يواصل) فنقمن عليها ولفقن الأكاذيب العفنة.. (يضع يده على قلبه، يتألم) آه..

الرواى 1: أستاذى (يقترب منه ويسنده قبل أن يقع) استرح قليلاً.

(يجلسه على الأريكة بجوار الزوجة، تسلط الإضاءة عليهما، يجلسان كما لو كانا زوجا وزوجة، لكن الزوجة تبدو أقرب إلى عاهرة. ثم تختفى الإضاءة لتسلط على الراوى الثانى وحده)

الراوى 1: (يواصل إلى الجمهور) ألم أقل لكم أخشى أن يفسد علينا حكايتنا الليلة، دعونى أذكركم عنوان حكايتنا هو: حكاية أقذر رجل فى العالم (ينطلق بحرية فى الحكى بدون الراوى الأول) سيداتى سادتى الكرام، ما يحلى الكلام إلا بالصلاة والسلام على سيد الأنام. كنا قد توقفنا عند الحشاش وقد عاد إلى مخزنه الذى يسكن فيه بعد أن قضى ليلة فى الجنة مع السيدة المحترمة المصونة (مبتسماً) الكريمة.

الزوجة: (شبه معترضة) كنت أوفى بنذرى.

(تختفى الإضاء من على المرأة والراوى معا وتسلط على الحشاش وأمير الحاج)

أمير الحج: أكمل حكايتك، بعد أن خرجت من الجنة وذهبت إلى النار.

الحشاش: (ضاحكاً) لا تفول على يا سيدى الأمير وتذكر أننى فى حماكم وحمى الكعبة المشرفة.

أمير الحج: (مبتسماً) أكمل حكايتك، وكما قلت لك من قبل لا تتفلسف، فمن تفلسف تذندق.

الحشاش: معذرة يا اميرى " من تمنطق تذندق "

أمير الحج: (غاضباً) قلت من تفلسف تذندق أيها.. (يقطع الكلام فجأة مسيطراً على غضبه) اكمل يا رجل حكايتك، إنى انصت إليك بكل جوارحى.

الحشاش: فتحت المنديل فوجدت فيه خمسين مثقالاً من الذهب فأخذتها وقعدت عن الباب بعد أن اشتريت بفلسين خبزاً وإداماً وتغذيت ثم صرت مفكراً فى أمرى، وفيما أنا كذلك إلى وقت العصر وإذا بجارية قد أتت إلى وقالت لى أن سيدتى تطلبك، فخرجت معها إلى باب الدار واستأذنت لى فدخلت وقبلت الارض بين يديها وأمرت بإحضار الطعام والشراب على العادة ثم نمت معها على جرى العادة..

أمير الحج: (و قد تغير وجهه) نمت معها على جرى العادة.

الحشاش: (متجاهلاً مقاطعة الأمير).. التى تقدم أول ليلة فلما ناولتنى منديلاً ثانياً فيه خمسون مثقالاً من الذهب فأخذتها وخرجت إلى المخزن الذى اسكن فيه ودفنتها ومكثت على هذه الحالة مدة..

أمير الحج: (مقاطعاً بحدة) ماذا تقول أيها الرجل؟ هل سكرت من الماء والطعام؟

الحشاش: (متجاهلاً) ثمانية ايام أدخل عندها فى كل يوم العصر وأخرج من عندها فى أول النهار.

(تخفت الإضاءة على الحشاش وأمير والحاج، وتضاء على الراويين)

الراوى 2: أكمل أنت يا فتى. أشعر أننى مرهق، (إلى الجمهور) دعونى أكون صريحاً معكم لا أحب هذه الحكاية ولا أحب روايتها فى الواقع (يعود مرة أخرى إلى الرواى 1) أكمل أنت يا فتى.

الراوى 1: (متجاهلاً وكأنه لا يسمع) أستاذى مريض ادعوا له بالشفاء، وزاد الطين بله (مخفضاً صوته، وجانبا حتى لا يسمع الراوى 2) زوجته غاضبة عليه، زوجه الشابة غاضبة منه..

الراوى 2: هل تقول شيئاً يا فتى.

الراوى 1: لا. لنعد إلى حكايتنا العجيبة، حكاية أقذر رجل فى العالم والسيدة الشابة. (ساخراً) المحترمة المصونة الكريمة. فى اليوم الثامن، جاءت جارية..

(تسلط الإضاءة من جديد على الحشاش والأمير وهنا تظهر الزوجة بشكل واضح لكن دون أن يراها الأمير)

أمير الحج: ما الذى حدث فى اليوم الثامن؟

الحشاش: بينما أنا نائم عندها ليلة ثامن يوم وإذا بجارية تدخل على وتوقظنى وتقول لى لاهثة: قم فى سرعة اطلع إلى هذه الطبقة، فطلعت إلى تلك الطبقة فوجدتها تشرف على وجه الطريق. فبينما أنا جالس وإذا بضجة عظيمة ودربكة خيل فى الزقاق، وكان فى الطبقة طاقة تشرف على الباب فنظرت منها فرأيت شاباً راكباً كأنه القمر الطالع ليلة تمامة، وبين يديه مماليك وجند يمشون فى خدمته فتقدم إلى الباب وترجل ودخل إلى القاعة، فرآها قاعدة على السرير، فقبل الأرض بين يديها، ثم تقدم وقبل يديها فلم تكلمه، فما برح يتخضع لها حتى صالحها ونام عندها تلك الليلة.

(وقفة)

أمير الحج: وماذا بعد؟

الحشاش: صالحها زوجها.. (وقفة صغيرة) صالحها زوجها.

أمير الحج: وماذا بعد ايها الحشاش؟

الحشاش: (ساخراً ثم باكياً) صالحها زوجها.. صالحها زوجها.

(تخفت الإضاءة وتظلم تماماً على الأمير، بينما تتزداد تدريجياً على الحشاش والزوجة فقط، يدخل الراوى الثانى)

الراوى 1: سيداتى المحترمات المصونات الكريمات وسادتى أيضا. آه، كدت أنسى معى رسالة اعتذار من صديقى الراوى العجوز يعتذر إليكم عن المشاركة فى باقة الحكاية، حكاية أقذر رجل فى العالم. على أية حال لنعد إلى حكايتنا العجيبة. شاهد الحشاش زوج السيدة وهو داخل إلى البيت. ثم وهو خارج منه أيضا، وانتظر وانتظر وانتظر وإذا بالزوجة تصعد إليه بعد خروج زوجها..

(تخفت الإضاءة على الرواى 2)

الزوجة: أرأيت هذا الشاب الوسيم؟

الحشاش: نعم.

الزوجة: هو زوجى والآن أحكى لك ما جرى له معه، اتفق أننى كنت وإياه يوماً جالسين فى الجنينة داخل البيت وإذا هو قد قام من جانبى وغاب عنى ساعة طويلة فاستبطأته، فقلت فى نفسى لعله فى بيت الخلاء ثم دخلت بيت الخلاء، فلم أجده، فدخلت المطبخ فرأيت جارية فسألتها عنه فأرتنى إياه وهو راقد مع جارية من جوارى المطبخ.

الحشاش: (متعاطفاً) خائن.

الزوجة: نعم خائن، وأنا أخونه مثل ما خاننى.

الحشاش: (متحيراً) مع أى أحدٍ!!

الزوجة: لا. ليس مع أى أحدٍ.

 (يبتسم الحشاش وهو يشعر بالزهو)

(وقفة قصيرة)

الزوجة: (تواصل) أقسمت يميناً عظيماً أننى لابد أننى أخونه مع أوسخ الناس وأقذرهم.

(يمتقع وجه الحشاش)

(وقفة قصيرة)

 ويوم أن قبض عليك الخدم والطواشية كان لى أربعة أيام وليال وأنا أدور فى البلد على واحد يكون بهذه الصفة، فما وجدت أحداً أوسخ ولا أقذر منك. وقد كان ما كان من قضاء الله علينا وقد تحللت من اليمين التى أقسمتها.

الحشاش: (و هو يبتلع ريقه) ولكن يا سيدتى..

الزوجة: (بحسم) انتهى الأمر.

(ثم مبتسمة) لكن لا تقلق، متى وقع زوجى على الجارية ورقد معها مرة أخرى أعدتك إلى ما كنت عليه معى.

(تخفت الإضاءة على الزوجة وتسلط على الأمير والحشاش فقط)

الحشاش: صالحها زوجها.. برت يمينها.. برت يمينها.

أمير الحج: وماذا بعد؟

الحشاش: قالت لى متى وقع زوجها على الجارية ورقد معها مرة أخرى أعادتنى إلى ما كنت عليه معها، وها أنا يا سيدى أسأل الله تعالى أن تغضب على زوجها.

(تخفت الإضاءة على الأمير والراوى2. يدخل الراوى 1)

الراوى 1: (مخاطباً) وهكذا تنتهى حكايتنا، حكاية أقذر رجل فى العالم (يشرع فى الخروج ثم يعود فجأة) آه نسيت أن أبلغكم بخبر مؤسف ولربما يعنيكم هذا، هربت زوجة أستاذى الراوى العجوز، غاضبة عليه. أما هو فأصيب بالشلل ادعو له بالشفاء،

(يخرج الرواى 1بينما تخفت الإضاءة حتى الإظلام)

النهاية

***

المؤلف: د. محمد عبدالحليم غنيم

في نصوص اليوم