نصوص أدبية
وحيد خيون: يا مظفر

في يومِ فقدِكَ يا مُظفّرْ
كبُرَتْ جراحُ القلبِ أكثرْ
*
وبكلِّ منعطَفٍ عليكَ
مُكبِّرٌ في الناسِ كبَّرْ
*
وبكى عليكَ بكلِّ جيبِ
مُناضلٍ قلمٌ ودفترْ
*
حَمَدٌ يقولُ لكَ البنفسجُ
صارَ يومَ رحلتَ أصفرْ
*
ودعوتُ (ياسَ) لكي يغني
(الريلَ) لكنْ قد تعذّرْ
*
فالقهوةُ الآنَ اسْتَوتْ
و(الريلُ) مرَّ وقد تحسّرْ
*
مَن كانَ كالنوّابِ قالَ
وعنْ جميعِ الناسِ عبَّرْ
*
ودَعَا العراقُ إلى النِّضالِ
فكنتَ للثوّارِ خِنجزٌ
*
ودعتْ فِلَسْطينُ الحبيبةُ
فانبسطتَ وصرتَ مَعْبَرْ
*
وأقلُّ ما فعلَ الملوكُ
على أقلِّ القولِ تُحظرْ
*
هم معشرٌ لم يعجبوكَ
وأنتَ لم تطمعْ بمعشرْ
*
يا باسطاً للشعرِ كفَّكَ
إنّ شعرَكَ قد تكدّرْ
*
وبدَتْ قصائدُكَ الكبارُ
كما اليتيمِ وصارَ يُقهرْ
*
ولطالما تلكَ القصائدُ
أحْرَجَتْ ملكاً تجّبَّرْ
*
ما طبَّعوا حتى رأَوْا
خُسِفَ الهلالُ وقيلَ أدْبَرْ
*
ونعاكَ ناعي القُدْسِ
مرتَجِفاً وصاحَ اللهُ أكبرْ
*
رَحَلَتْ زَرَازِيرُ البَراري
حيثُ نهرُكَ قد تصَحَّرْ
*
وتساءَلَ الشُّعراءُ مَنْ
منّا بشعرِكَ ما تأثّرْ
*
وتساءَلَ الثوّارُ مَنْ
منَّا بصوتِكَ ما تحيَّرْ
*
وتساءَلَ الرؤساءُ مَنْ
مِنّا أمامَكَ ما تَقَهْقَرْ
*
رجُلٌ بلونِ الماءِ لكنْ
مثلَ طوفانٍ تفجَّرْ
*
رجلٌ كصوتِ النايِ لكنْ
مثلُ صورٍ ليسَ يُقهرْ
*
إنْ أنكرَ التأريخُ مثلَكَ
فَهْوَ تأريخٌ مُزوَّرْ
*
كمْ من صغيرةِ موقِعٍ
كُتِبتْ بخطِّ يدٍ مُكبَّرْ
*
قلْ لي متى التأريخُ أنصفَ
مَن على مَلِكٍ تنمَّرْ؟
*
قلْ لي متى النَوّابُ في
حربٍ تقاعسَ أو تأخّرْ؟
*
يا مَن لهُ في كلِّ أرضٍ
في العراقِ حقولُ عنبرْ
*
ولهُ بقَدْرِ العاشقينَ
قضيّةٌ في كلِّ مَخْفرْ
*
ها أنتَ مُتَّ وشيَّعوكَ
ولا يزالُ عليكَ مَحْضَرْ
*
ماذا أقولُ لِمَنْ عَتَا
وعلى مُصَوِّرِهِ تكبّرْ
*
يلوي اللسانَ على الذي
ربّاهْ في نسَقٍ وقدّرْ
*
هل كانَ ذلكَ ناسياً
وبيومِ موتِكَ قد تذكّرْ
*
حسدوكَ إذ بَكَتِ المَدائِنُ
في دمشقَ وأرضِ تَدْمَرْ
*
وبكى نَبُوخَذُ نُصَّرٍ
وجنائنٌ كانتْ لنُصّرْ
*
وبكتكَ أُوررٍ، بابلٌ
أكدٌ وآشورٌ وسومرْ
*
وقد استوى حزنٌ عليكَ
لَدَى المؤنثِ والمُذكّرْ
*
ولأنتَ أجدرُ بالوفاءِ
وتستحقُّ الدمعَ أكثرْ
*
ولقد خرجتَ من العراقِ
وأنتَ في الزمنينِ مُجبرْ
*
فرجوتَ عمرَكَ أنْ يطول
لكي تردَّ وقد تقَدَّرْ
*
واخترتَ قبرَكَ أنْ يكونَ
مجاوراً لأبيكَ حيدرْ
*
كم أنتَ مظلومٌ وكم
تبقى كذلكَ يا مظفرْ
*
أرجوكَ سامِحني إذا
أعرضتُ عما قد تستَّرْ
*
وقدِ اختصرتُ فلا أُريدُ
تجاوزَ الزمنِ المقررْ
*
يا عاقلاً منذُ الطفولةِ
يا أميرَ لمَنْ تأمّرْ
*
ولقد بدأتَ وقد رحلتَ
ولم يقلْ أحدٌ تَهَوَّرْ
*
فإذا بحثتُ عن النجومِ
وجدتُكَ النَّجْمَ المُوقّرْ
*
وإذا علا النجمُ الكبيرُ
يكونُ في العينينِ أصغرْ
*
وإنّ أدنى ما يُقالُ
مُظفّرٌ قد كانَ مَصْدَرْ
*
ومُظفرٌ إنْ ننتظرْ
حتى النهايةِ ما تكررْ
***
وحيد خيون - لندن
٢٨ مايو ٢٠٢٢