نصوص أدبية

نسرين الأحقاف: الغرفة 716

نسرين الاحقافالوضع يشي بعدم الاستقرار في هذه المستشفى

المنسية ..

فجأة يعلو صوت الانذار ليكسر حاجز الصمت الذي طال

الرجاء من الطبيب التوجه فورا الى الغرفة 716 الحالة خطرة..

في الاثناء تنشأ حركة غير عادية بالرواق..أصوات تقترب ..أشباح بيضاء تجتاح الممر انه فريق طبي يهرول نحو الغرفة المذكورة لاريب

من أن مكروها ما قد وقع ..

ماان ولج الطبيب الغرفة 716 حتى هاله المشهد

بالزاوية يوجد ممرضة ملقاة على الارض و على يديها اثار رضوض و كدمات أما بالجهة الاخرى المريضة تصرخ بشكل هستيري و تضم دمية الى صدرها و تنتحب.

أسرع الطبيب الى الممرضة ليسألها عما حدث

-حدثيني " ماالذي حصل"

تجيب بصوت متقطع " حاولت أن اخذ منها الدمية كي تنام لكنها هجمت علي اخافتني كثيرا"

-ألم تتطلعي على تقريرها الطبي..

-أنا الممرضة الجديدة..

حسنا تعالي الى مكتبي فورا..

تذهب الممرضة الى مكتب الطبيب بعد أن تتلقى الاسعافات الاولية فيتابع تحركاتها بعينيه وهي تلج المكتب بقدمين مرتعشتين و بخطوات بطيئة متثاقلة

-أريج أعلم انك لازلت على وقع الصدمة..انت تتعاملين مع مريضة تعاني حالة اكتئاب ذهاني تعتقد ان تلك الدمية التي بين يديها هي طفلتها ..

هذا ملفها الطبي و تلك مجموعة من الرسائل كتبتها هديل لابنتها عليك

أن تتطلعي عليها أرجو أن تلتزمي الحذر الشديد في التعامل معها

و الا تعبثي بأشيائها لانها حساسة جداا و تلك الحساسية المفرطة تنعكس سلبا على المحيطين بيها..

-حسنا دكتور..أشكرك

 **كان حديث الدكتور مع أريج غامض نوعا ما مما أثار فضولها لتطلع على قصة هديل تلك المرأة ذات الوجه الطفولي و الشعر الاملس و الابتسامة الخجلى التي تحولت الى شخص عنيف ساخط..

اثار الندوب البادية على يديها تخزها من حين الى اخر فتحتضن براحتيها الصندوق و تدنيه من صدرها ..

 غريب أمر ذلك الصندوق ..تحيط به هالة من الدفء وكأنه هدية

من السماء..

ذات صدفة تتعثر وهي تلج غرفتها فتتساقط كومة من الرسائل و كأنها

ندفات ثلج هشة فتسرع أريج لتلتقطها لكن فضولها جعلها تفتح

احداها لتجد..

أيلول 2015  

أسيلي" ابنتي"

أكتب اليك لأنني فقدت القدرة على مواجهة هذا العالم بمفردي..أكتب

لان غيابك قصم ظهري فخارت قواي و سيطر الشلل على أعضائي

أتحدث معك لان الناس اتهموني بالجنون و زجوا بي في هذه المستشفى

اللعينة جورا و بهتانا لأتلقى صدمات كهربائية و أتناول عقاقير مرة

كالعلقم ...

غيابك مر يا أسيل ..أشتاقك حد الهذيان ..حد أن أشق عن صدري

و ألطم وجهي و أقيم حسينية في بيتي..

أسيلي" ابنتي يا فلذة كبدي ماذا لو كنت على قيد الحياة ..لو تسنى لي سماع صوتك.. طالتك يد المنية قبل ان تحتضنك يداي ..

هذا القدر قصم ظهري يوم رأيتك جثة مرمية ..أي قبر هذا الذي سيحتويك

أسيل ..ياملاكي الذي حلق بجناح مكسور و نفذ الى السماء السابعة أراقب حركة الاطفال أمام المدرسة كل يوم وأنتظرك طويلا ..حتى يمل مني حارس المدرسة أتخيلك تسرعين الي فأفتح يداي لأحتضنك طويلا وأسألك عن دروسك ..عن

يومك و أربت على كتفك بشوق

أتخيلك معي في البيت و نحن نطبخ معا وجبة الغداء ..أمرر يدي على شعرك

أتحسس جدائلك فتقولين "ماما" و أجيبك "حبيبتي" ..أدفع ماتبقى من عمري يا أسيل لأسمع منك هذه الكلمة بالذات ..و ما العمر بعدك الا هباء..

أما أنتم يا أصحاب الاذان الصماء يا من دفنتم قلوبكم تحت التراب يا دفنتم

وتورطتم في خطة دميمة لتزجوا بي في هذه المستشفى اللعينة أطمئنكم

لم أفقد عقلي البتة وانما فقدت رغبتي في الحياة أنتم تحتضنون أبنائكم

تحتفلون بنجاحهم أما أنا فقد دفنت ابنتي بكلتا يدي و سلمتها

الى الرفيق الأعلى ..

ابنتي تنام الان في قبر موحش ضيق ..ابنتي لم تلاعب دميتها و لم تلبس

فستانها الزهري و لم تطفىء شمعة عيد ميلادها الأول..

....

تجمدت أريج في مكانها احتضنت الرسالة كانت شهقاتها تخرج من بين

رئتيها كسكاكين حادة .. تمرر يديها تتحسس بأناملها اثار الخدوش تغمض عينيها لتستحضر المشهد ..مشهد أم منكسرة حزينة نفذت أيادي المنية الى

رحمها فولد رضيعها ميتا ..أي قدر هذا يا الله

الغرفة" 716" لم تكن سوى سجن صغير لأم كانت ضحية مؤامرة دميمة

بين زوج مل حزنها الباذخ و تناسى ذكرى طفلته وزج بها في المستشفى ليتسنى له الزواج بأخرى

و بين قدر ظالم صفق على خدها بقوة وجر ضاحكا ذيله ..

وبين هذا و ذاك تتجرع "هديل" مرارة حزنها الكاس تلو الاخر حتى

تثمل في حانة "الذكرى" لتستفيق على أصوات الممرضين استعدادا

لجلسة للعلاج بالصدمات الكهربائية عسى أن تستعيد "رشدها"

فتبتسم ساخرة من سذاجتهم و تتمدد على السرير و تبسط يديها

بكل طواعية ..

قد حررها "الألم" و حلق بها جناح "الفاجعة" فما عاد شيء يأسرها.

***

نسرين الأحقاف 

في نصوص اليوم