نصوص أدبية

قصي الشيخ عسكر: عقد قران

قصي الشيخ عسكرالفصل السادس من رواية صفرة ما على الجدران

يبدو أن الأمور تجري لمصلحته حسب الظاهر.لن تصبح كلّ النساء لعنة في حياته سوف يشطب سالمة وابتهال أما إذا تزوج فلا بدّ أن ينقطع عن الصّحو قبل الخامسة ليهبط فيلتقي أيّ وجه يطالعه في النفق.. لا ينكر أنّ زاهية كثيرة الثرثرة في الخامسة والأربعين من عمرها اشترت قبل أيام قليلة بعد نوبة رياض الأخيرة قبرا في توستغوب لتطئمن.. لكنها ثرثارة هذا لايهم طيبة القلب.. والبراءة.. ثمّ إنها مثيرة حقا أكبر منه بعشر سنوات ومن رياض بخمسة عشر.. ساقاها اللذان كشفتهما ورقبتها، وجهها أيضا يعلن عن أنها في الثلاثين.

لم تعش طفولتها..

رأت نفسها أكبر من عمرها

ولعلّ ذلك سرّ نضارتها

وفتنتها

حين قابلها على الرصيف مع شخص لا يعرفه لعبت في رأسه الظنون فاستوقفها يستطلع ماالخبر، كأنّها هي الغيرة أو إحساس شبيه بذلك .

علامة أخرى تنبئ بشئ

يكاد يدركه

أو يقترب منه

وغابت الهواجس مجرد أن علم أنّه مترجم من تونس دفعت له أجرا كي يكون معها طول اليوم حتى تتمّ كتابة القبر باسمها.

لماذا تفكر بالموت مع أننا كلنا في الطريق إليه؟

تأنف أن تدفنها البلدية ترميها في حفرة كما تلقي نفايات الحاويات

لم تقل ذلك علنا غير أنّه يشعر بها تقوله وهي تذكر البر الذي ينتظرها وكلفته.

امرأة عجيبة جدتها هربت من موت محقق وهي تريد أن تزوره في حفرة بيدين فارغتين أو مع حزمة ورد كلّ أسبوع، قبل أيام سألها لم تبتاع قبرا فقالت بسذاجة أو دهاء القبر هو الشئ الوحيد إذا اشتريناه لا نقدر أن نبيعه ولا يدخل مزادا ولا بدّ من أن يبتاعه الإنسان حيا كان أم ميتا.فلسفة لا يخوض فيها وكلمات يعيها ولا يفهمها مثل اللغة الدنماركية التي تظل تركض وراءها غير أن مايدركة حقا لو كانت المسألة قضية قبر لكان الأولى برياض فهو أقربنا إليه .. يسمع أنّ أصحاب فقر الدم المنجليّ لا يعيشون أكثر من خمسة وخمسين عاما.. ربما يكون عمره في المستقبل أطول من عمر أيّ واحد من سكان المجمّع، فلم يفكّر بالغد ولا شئ أمامه سوى أن يهبط إلى الصالة في القبو أسفل العمارة فيقضي الوقت بلعب.الطاولة مع أحد الساكنين أو يشغل نفسه ب play stationحتى يحين الوقت المناسب ليصارحها.. لا يخدع نفسه هذه المرّة هي المرأة الوحيدة التي أحبها حبا يراه أكثر صدقا ممّا مرّ به.كان يخيّل إليه أن طليقته ابتهال هي حبه الأبدي الوحيد.حب ممكن أن يغيّر الكون به وماحدث أنّه هو الذي تغيّر في حين بقي الكون ثابتا في مكانه حتّى جاءت سالمة الأرملة التي يعرف الجميع أنها خطفت هي التي خطفت زوجها في لبنان من أهله.. امرأة مشتهاة، بستين رجلا، ذات ملامح جديرة بالروعة فاستلطفها واستلطفته ومع مرور الزمن راحت اللهفة إلى ابتهال تخفّ:

تخفت

تتلاشى

تضيع كقطرة في الرمال

 لم تكن تردعه حتى صارحها ذات يوم بحبه، وتهامس سكان مجمع Rovsingsgade من العرب أن هناك شيئا ما بينهما

لا أحد يتهمها ويتهمه

ولا يفكر أحد بوقوع ذنب

لكنهم يتداولون قصة حب تجمعهما كشفتها الأيام.تساءلت:

وماهي نتيجة هذا الحب؟

هل تتزوجينني؟

ماذا عن زوجتك وطفليك؟

تزاحمت في رأسه أفكار وحسابات.لايجرؤ أن يتحدث أمام تلك المرأة القوية عن زواج عرفي ّلا شكّ أنّه تردد جرفته دوامة كانت زوجته تعرف شأنها شأن الأخريات أن سالمة خطفت زوجها الفلسطيني بعد أن رفض أهله زواجهما ثم حدث بين ابتهال وسالمة شجار فاتهمتها زوجته بالسرقة وخطف الرجال.أما التجربة الجديدة فيظن أنها الأقوى يمكن أن يحتفظ بها إلى الأبد!

قصد ماكنة القهوة، وجلس على بعد من إفغانيين يلعبان الشطرنج ثم انتقل إلى التلفاز وأدار زر الplay station كان يلاعب كراش ويتلذذ بالقهوة ومع انتهاء الشوط رمى الموجه ال remoteبحركة عصبية حتى كاد يكسره لابدّ من أن يصارحها ولا يؤجل الأمر.خرج إلى الشارع واستعرض الطريق والمقبرة وانحدر نحو البحيرة.. استقر قليلا على إحدى المساطب ودفعه الملل للعودة، صعد إلى شقة رياض فلم يجده، وعاد إلى غرفته، لحظتها فكّر بالقطعة التي في جيبه، هو أمام دقيقة قادمة عجيبة يحاول الملل والضيق، يقتلانها.. يدفعانها لأن تفلت من يديه أما العلاج ففي جيبه..

سلاح ذو حدّين

يطرد الملل الذي يطارد فرصة تراوده وتواتيه!

مطّ القطعة وقربها من لهيب خافت، ثم لفّها وراح يدخن بشراهة.. فحمل نفسه إلى السرير وغط بنوم عميق.

وبين اليقظة والنوم، وجد نفسه ينهض من الفراش يتسلل بخفة إلى الممر ابصر نورا خافتا من شبّاك المطبخ.. ملامح الاضواء تشير إلى دخول الليل.. لا تهمة أيّة كانت الساعة قد تكون نسيت شباك المطبخ مفتوحا .. حاول أن يطرق الباب وفي آخر لحظة استثنى.كم نام لا يدري وربما ترقد في هذه اللحظة، خفض هامته وانحرف في الزاوية الضيقة للباب.. ترآى له خيال ما ثمّ تيقن أنها هي..

لم يصدق عينيه

التفت في الممر يتفادى أن يكون أحد ما يكشف مصادفة سرّه..

أو زائر غريب.

سمعه وبصره مشدودان كلّ منهما باتجاه.. لا ليست هي زاهية ذات الخامسة والأربعين.. قامة من الجمال والحيوية.. تقف أمام مرآة الصالة تستعرض جسدها العاري إلا منشفة طويلة تنسدل على على نصف ظهرها وصدرها .

محال أن تكون دخلت العقد الخامس .. يشكّ في أنها زوّرت عمرها ويستبعد احتماله السخيف.. أمٌّ وجدةٌ في الوقت نفسه .تزوحت في العشرين في سن ابنتها الآن وتكشف ساقها البضة الحيية أنّ السنين لم تغيرها، فلِمَ تتلاعب بالزمن ولِمَ سوء الظن؟

تستعرض لحظة ثمّ تدلف إلى الحمام فتصفق بابه بقوة مرعبة.

فجأة..

يتأكّد من أنّه انساق في حلم جميل مخيف، حلم يمكن أن يكون حقيقة لا يتحرر منها أبدا.كان يفكّر أن يذهب إليها بعدما يصحو ليسألها إن كانت راغبة فيه.. هو شرع الله ابنتها تزوّجت مسلما.ولا ينقص من إيمان الأم أن تفعل ذلك.

نهض إلى الباب، ورآى رياضا بشكل آخر وجه ينمّ عن الحيويّة، ابتسامة واسعة وزهو يتدفق من عينيه.

فقال وهو يأخذ مكانه على الأريكة:

هل تبارك لي

مبارك لك لكن على ماذا؟

قبل كل شئ كنت في البنك سأدفع لك حقك

ولو.. المهمّ صحّتك لكنك تأخرت؟

نسيت أن أخبرك عن موعد لي اليوم الثانية عشرة مع الطبيب النفسي

ياسيدي

لم أجدك في الشقة وفي الطريق قابلت زاهية كانت مع المترجم حيث ذهبا إلى توستغرب لتشتري في مقبرتها قبرا

اشترت وسأصحبها لأراه كلّفها 6000 كرونه.

أظنّه غالي الثمن.

ولو وجدته هنا في المقبرة القريبة منّا لما ترددت في أن تدفع 8000كرونه.

فابتسم جمال ابتسامة باهتة:

على أيّة حال كلّها حفرة بأيّ ثمن كانت!

لو لم يكن عندي موعد مع الطبيب لذهبت معها لكنها عادت قبل ساعات (ملأ الكأس الخاوية من الدورق على المنضدة ازدرده دفعة واحدة وواصل وهو يضع رزمة نقود على المنضدة) يا أخي أنا لا أحبّ الحرام ولو وجدت إبر السيسيكون كما هو الحال في العراق لما دخنّت! الحشيش.

يا سيدي للضرورة أحكام وهؤلاء الدنماركيون تيوس حتى الحبوب المنومة لا يحبذونها .

مثل الطب في روسيا.. المهم دعنا من هذا راودتني جرأة غريبة فصعدت إلى شقة زاهية جثوت أمامها من دون أيّة مقدمات هل تتزوجيني يازاهية؟

ماذا؟ غير معقول؟

كانت تبتسم تمسح على رأسي كنت أنتظر هذه الكلمة منك

ابن الكلب.. أووه أنت كنتَ في غيبوبة واستفقت وأنا كنت صاحيا وغبت في نوم طويل مارأيته من حضور مهيب كان حلما لا يروي من عطش ولا يشبع من جوع حلمت بزاهية تتعرّى لي خِلسة، وهي في الحقيقة تتعرى لك:

مبارك ياسيدي مبارك لكن هل قلّبت الأمر من عدة وجوه أكبر منك بخمسة عشر عاما ألا تفكر بالخِلفة .. المستقبل .. ألا ترغب أن يكون لك أطفال؟

لا أبدا لا أريد أن أورّث مرضي لأحد!

لم يجد شيئا يقوله بحث في فراغ عن كلمات ما.. عجز عن أن يقول شيئا فالتقط النقود من على المنضدة وضغط على يد صاحبه وه يقول:

خذها ياصديقي أنا كنت شريكك فيها ولا تعكّر مزاجي في مثل هذا اليوم. السعيد.

إذن ستكون أنت أحد الشاهدين على الزواج في المركز الإسلامي وستكون معنا في الكنيسة حسب رغبتها

على العين والرأس وماذا بعد؟

وفي مجلس البلدية لتوثيق الزواج

ونهض رياض ليغادر.. فاستوقفه لحظة متسائلا:

آمل ألا تراودك نوبة جديدة في الوقت القريب هل يمكن أن أستلف قطعة من التي تركتها عندك أروم بعضا منها لصديق بأمسّ الحاجة إليها.

حاضر لكن ألا تمر على زاهية لتباركها:

فقال بابتسامة باهتة كادت تفضحه:

بالتأكيد.. أنا قادم معك

***

قصي الشيخ عسكر

***

قصي الشيخ عسكر

 

في نصوص اليوم