نصوص أدبية

إسماعيل مكارم: حكاية ستي

اسماعيل مكارموهي حكاية للأطفال مستوحاة من التراث الشعبي.

يا إخوتي الصغار، قد انقضى النهارْ، وحط الليلُ في كل مكان، فلنسمع الحكايةْ، وإليكم البداية ْ.

كان في قديم الزمان، في دولةِ هندوستان رجلٌ يدعى ُسليمانْ، وله زوجة ٌ تدعى زهرالبان، وبنتٌ جميلة ٌ يعجز عن وصفها اللسانْ، اسمها قمر نيسانْ، وابن اسمه نعمانْ.

لم يكن لدى سليمانَ الكثير من المالْ، لكنَّ أسرته لم تعرف الحزنَ، ولا انشغال البالْ، عاشوا بهدوءٍ وأمانْ، يعبدون ربهم ويحترمون، زعيمَ قومهم، وكانوا يسكنون بالدار ذات البستان . ومرت سنوات عجافْ، عم فيها القحطُ والجفافْ، وساءت الأوضاعْ، وانتشر الأشرارُ والرّعاعْ، والطّاعونُ والأوباء.

ومرضت زهرالبان، وتوفيتْ بعد فقدان الأملِ بتحسّنِ الحالْ، وبكى عليها زوجها والأولاد، وجاء الحزنُ إلى الدار.

ومرت الأيام.. وقضِيَ على نشاط الرّعاع، وعادتِ الأرضُ إلى العطاء، وُسمِعت الأفراحُ  في قصور هندوستان، ولكنَّ الفرحَ لم يعرفْ طريقه إلى دارِ سُليمان.

وقالتِ البنتُ يوماً لوالِدِها:

أراكَ ياوالدي قاطبَ الجبينْ، لا تكذبني ولا تحلف اليمينْ.

وفاة ُ أمي إرادة ُ ربّ العالمينْ. أنصحُكَ أن تختارَ بنتَ حَلالْ، لِتشرِفَ على العيالْ،  وتصلحَ في البيتِ الحالْ.

فسمعَ الوالدُ نصيحة َ ابنتِهِ  قمر نيسانْ. ولم يمضِ وقت طويلْ، حتى جاءت إلى البيتْ آمرأة ٌ غريبة في ثيابها البرّاقة ْ وعينيها، الصّغيرتينْ وقدميها الطّويلتينْ.

ولكنَّ هذه الخالة ْ ومن الساعاتِ الأولى صارت في عيون، الأطفال كأنها الغولة ْ. وأخذت البنتُ منها الحَذرْ ولم تستسلِم، للقدرْ. وفهمت البنتُ البريئة ْ أنَّ هناكَ خطيئة ْ. وأخذت الزوجة ُ، الشّرّيرة ُ السّاحِرة ْ تلعَبُ لعبتها الماكرة ْ، فهيَ للزّوجِ خاتم لبيكْ، عبدك بينَ يديكْ... بينما هي للأطفالِ الجنّيّة ُ بنتُ الجنيّاتْ، تحرمُ من تشاء الحياة.

وذاتَ يومٍ أرادت الخالة  أن تتخَلّصَ من الولدِ نعمان كي تعيشَ بنعمَة ٍ

وأمان، فأمَرَتِ البنت َقائلة:

قومي يا قمرية ْ، يابنتَ الدّهرية ْ، واستدعي لي على جناحِ السرعَة ِ

نعمانْ، لكنْ لا تُخبريهِ أنّي في المكان.

ويحدثنا الولدُ نعمان كيفَ نادتهُ أخته:

ونادتني أختي تعالَ ولا تأتِ. الدّارُ تدعوكَ ولا تدعوكْ،

الزّمَنُ ينتظِركَ ولا ينتظرُكْ. خالتي غائبة، خالتي حاضرة.

الحيزبون وراء الجدارْ، مرّاً لنا سيكون الحِوارْ.

قالتْ ليَ أختي تعالَ ولا تأتِ، شملكان غائبة، شملكان حاضرة

آذانها سامعة وعيونها ناظرة.

وجاء الطّفلُ.

وفرحت زبعبقْ لأملها المشرقْ(*). وقامت زبعبق

في جحرها المغلق بفعلتها المشؤومة ْ.

وتوفي الولدُ نعمان، وعمّ الحزنُ في المكانْ. وغادرتِ

البنتُ دارَ أبيها، وقلبها من الحزنِ ذليلْ، ومشت والحزنُ

رفيقها بقلبها الكسيرْ... حاملة ً جثمانَ أخيها. وراحت تسألُ

الوديانَ والآبارْ- من يستطيعُ إعادة َ النهارْ  بإحياء أخيها.

وسمع الماء في البئر وجاءَ صوت ٌ من الأعماق:

أنا البيرْ أنا البيرْ، إذا أعطيتِني جثمانَ إخيكِ طيرا أخضَرَ

سَيصيرْ. وفعلتِ البنتُ ذلك، وفهمت معنى الكلام، وبقدرة

الله  حصلتِ المعجزة ْ بعد ثلاثةِ أيامْ.

وما أن حطّ الطيرُ الأخضرُ على شجَرَةِ الرّمان، في

آخرِ البستانْ، حتى ماتت شملكانْ، وانكسرت كالفنجانْ،

وذهبَ سحرها وشرّها إلى غير مكانْ. وحلَّ في البيتِ

الدّفء والأمانْ، وزهّرَ البستانْ بعودةِ نعمانْ. وسلامتكم

كفاية ْ، وهذه النهاية ْ.

***

بقلم الدكتور إسماعيل مكارم

أكتوبر 1999 -  روسيا، كراسنودار

..................

هوامش:

*) زبعبق: عند أبي منصور الثعالبي تعني المرأة سيئة

الأخلاق، حيزبون: لقب اخترته لهذه الزوجة- الخالة،

شملكان: اسمها، ستي: جدتي.

هذه الحكاية لمن هم في سن مابعد الثانية عشرة من العمر.

في نصوص اليوم