نصوص أدبية

صفاء الصالحي: روح حاضرة

صفاء الصالحييمسح بيمينه ذقنه الذي غزاه الشيب مبكراً، ويطالع صورة أولاده الأربعة المنثورة أمامه على الطاولة، يفرز منها صور أبنه البكر، ومع كل صورة يفرزها ينظر إلى الأعلى واليمين ثم يضعها جنباً بعدما تثير في ذهنه بيادر ذكريات حملتها، ثم يفرز أخرى حتى وصل إلى أخر صورة التقطها قبل حفل تخرجه يوم غد.

تلصصت عينا شقيقه من خلف رأسه على الصورة الأخيرة قبل أن يقبلها ويضمها إلى صدره بإحساس عميق تسربل بالفخر.

نهض وقد مُلىّ وجهه حبورا، فأوقد شمعة بنفسجية، وطاف أرجاء البيت تمعن أركانه ودقق في الوجوه، وحالما انتهى بمواجهة شقيقه بادره الأخير:

- صباح الخير؛ أراك على غير عادتك هذا الصباح! لم أرَ ابتسامة تعلو وجهك كل الذي أراها اليوم؟

تبهج ورد بحبور:

- زفرات هموم كانت مكتومة طردتها شهقات محملة بلحظات سعيدة انتظرتها طويلاً.

- آه.. كنت أجاهد دوماً لأصد عنك غارات الهموم التي أخفقت قلبك العليل.

- علينا أن نتقبل الحياة كما هي بفرحها وحزنها، وخيرها وشرها، ونتصالح مع أقدرانا.

- الأفراح تعيننا على تحمل قسوة الأقدار، وما نفقده في الدنيا ليس غاية الفقد، لأن الربح المؤجل أكبر بكثير.

تبسم ابتسامة خفيفة تساوت به زوايا شفتيه وضيقت العينين

- لا بأس. قد أسقطت فرحة تخرجه معظم صواريخ الحزن، وليكن الفرح ميراثنا المقدس.

- لكن! لمَ لا تبدو عليك علامات الاستعداد لحضورك حفل التخرج؟

- يبدو أن الجامعات تتجاوز جميع القيود التي تفرضها حتى المبتذلة والتي تتعارض مع الذوق العام؛ إلا في عدد الحضور الذي اقتصرته على شخصين فقط، وأني زاهد بهذا الفرح لأجلك؛ عسى أن تنفض رماد المرض الذي التصق بك منذ فترة.

ثم رمقه بنظرة ممزوجة بالأسف والسرور، وسقطت منه دمعة وانصرف يردد سأغيب جسداً وأكون بينكم روحاً.

ما إن انصرف استفاق شقيقه على صوت نداء:

- قد تأخرنا يا عم عن موعد الاحتفال. 

في الطريق يروي أبنه الأكبر رؤياه لأبيه، وقد بللت دموع الفرح التراب المحيط بخده في القبر .

***

صفاء الصالحي

 

في نصوص اليوم