نصوص أدبية

راضي المترفي: المنحوس

راضي المترفيماتت امه بعد ولادته بقليل فتكفله الوالد رعاية وحبا وتعويضا ولم يتزوج مرة أخرى بسببه وهكذا سارت أيامه طفولة ودراسة وشبابا وعلمه مهنته حتى برع فيها ولم تمض أيام طويلة حتى تعرض الوالد إلى حادث عمل مات على اثره فورث عنه قطعة ارض كبيرة مشيد على نصفها بيت للسكن فاره مريح وعلى النصف الآخر معمل نجارة بكامل معداته وأدواته.

. عاش وحيدا لأكثر من سنة ودعي إلى مناسبات عائلية عديدة تعرف في احداها على قريبة له تماثله في السن ونشأت بينهما رغبة بالتواصل تحولت بمرور الأيام إلى علاقة حب تحت نظر ومراقبة والد الفتاة واعتاد على زيارة بيت اهلها بين الحين والآخر حتى كاد أن يكون عضو في الأسرة لو لا نظرة ام الفتاة له على انه (منحوس) اذ ماتت امه في أيام ولادته وتعرض أبيه إلى حادث بعد انهائه دراسته الجامعية وتعلمه مهنة النجارة وكانت تخاف على ابنتها من الارتباط به لكنها لم تعلن رفضها بعد أن رأت ابنتها تتزداد تعلقا به كل يوم بمباركة والدها .

. رأى فيها كل حياته واماله وبادلته الشعور حتى اقتربا من بعضهما أكثر وأصبح قضاء الليل بعيدا عنها أسوء ما في حياته وطلب منها ان تخبر والدها بقرار ارتباطهما رسميا وان يحدد موعد قريبا لزيارة اهلها خاطبا فوعدته بذلك وطمانته مع معرفته بموقف والدها من قضية زواجهما لكنه كان يخشى رفض امها غير المبرر من وجهة نظره .

. وافق الوالد وأجل تحديد موعد الزيارة لحين التباحث مع زوجته ومحاولة اقناعها وفي الليل تكلم معها وقلبا الامر على كل الوجوه لكنها تمسكت برفضها استجابة لهاجس يلح عليها بأن هذا الزواج لن يمر بسلام لذا أجل الحديث معها إلى وقت آخر وخلد للنوم وبقيت هي مسهدة يساورها القلق على حياة ابنتها ان وافقت على الزواج من هذا المنحوس الذي بقي وحيدا في الدنيا وهو في بداية الشباب ولم يغريها بيته الفاره ومعمل النجارة ووجوده وحيدا من غير عائلة وظلت تقلب أفكارها حتى تسرب النعاس إلى اجفانها .

. التقيا عصر اليوم الثاني في مقهى قريب حسب موعد مسبق وقبل أن يستقر بهما الجلوس سألها عن رد والدها فاعتذرت له وأخبرته انها نامت مبكرا ليلة أمس ولم تنتظر حتى يرد عليها وأضافت.. عموما ان لم يرد اليوم فغدا او بعده فكتم غيضه وابتسم لها وامضيا وقتا جميل معا ثم اوصلها إلى بيتها وعاد من دون أن يدخل ويلقي التحية على والديها .

. بعد نقاش طويل وافقت الوالدة على الزواج على ان يكون الوالد هو المسؤول أمامها لو حصل لابنتها مكروه فوافق الوالد ضاحكا ثم اخبر ابنته باستعدادهم لاستقبله ظهر يوم الجمعة القادم وعليه أن يأتي معية أقارب او جار ففرحت وتمنت لو انها تملك جناحان تطير بهما اليه وفي الصباح عرجت عليه في المعمل قبل ذهابها للعمل وابلغته الخبر السعيد فأصبح بفرحة لا توصف .

. لم يحتار بمن يأخذه معه لخطبة الحبيبة فخالته وان كانت تسكن في أطراف المدينة يمكن احضارها بسهولة وقريبه الآخر موجود ومتيسر بعدها انشغل بإكمال احتياجاته من ملابس و( نيشان خطوبة) وغيرها حتى اكمل عصر الخميس كل شيء وجاء بخالته للمبيت عنده وذهب مساء للحلاق ليضع آخر اللمسات .

. تحرك الموكب بعد ظهر الجمعة إلى بيت العروس وسط مظاهر فرح واستقبال واضحة وسارت الإجراءات بيسر وسلاسة الا في قضية المهر حيث أصرت ام العروس على ان يكون مبالغا فيه لكن العريس وافق بدون تردد ثم حدد موعد الزفاف بعد شهر وخرجوا من بيت العروس مودعين بحفاوة .

. باع كل معدات ومكائن معمل النجارة وتركه أرض بلقع الا من كراسي ومناضد قديمة من أجل دفع المهر ولوازم العرس وتكاليفه حتى لايضطر للاستدانة وتم له ما أراد وزفت عروسه اليه وذهبا لقضاء أيام العسل في مكان جميل وبعد العودة عمل اجيرا في أحد المعامل واتفقا في أحد الليالي على دعوة ام العروس وابيها لزيارتهما في البيت فاعتذرت الام وقبل الوالد لكنه طلب ان تكون زيارته مفاجأة وغير محددة بوقت ليتمكن من شراء هدية زواج تليق بهما فوافقا .

. بعد أيام رجع من العمل متعبا وبحث عنها في البيت فلم يجدها لكنه وجد على منضدة المطبخ كوبين فارغين من القهوة واعقاب سجائر فاشتعل غضبا وغيرة لكنه سمع صدى ضحكات مشتركة تأتي من جهة المعمل فنظر من فتحة صغيرة في جدار المعمل فراها تشبك أصابعها مع رجل يبدو من ظهره أنيقا وتتضاحك معه فلم يطبق صبرا واخرج بندقية والده وحشاها بالرصاص ثم أطلق عليهم من فتحة الجدار عدة اطلاقات اصابتهما بمقتلا وسارع لدخول المعمل فوجد جثتها تحتضن جثة أبيها وقريبا منهما تشغل المكان مكائن وأدوات ومعدات معمل نجارة كاملة مع يافطة كبيرة كتب عليها .. لاجمل عروس لابنتي الغالية وعريسها العزيز اقدم هديتي .

***

راضي المترفي

في نصوص اليوم