نصوص أدبية

نجيب طلال: قِطط فاسيَّة!!

قِطط تعُج فضاء المدينة شرقا وشمالا.! وتستعمر الازقة والزقاق غربا!بحيث تتجول فيه بتوأدة! وتنتشر في والدروب والشوارع جنوبا؛ وتسترخي جسدها بغنج؛ أينما شاء لها دون خوف من المارة! ولا وَجل من الراجلين! إنها قطط فاسِيَّة: قيل أنها كانت تخاف من ظل طفل! وتفر لحظة تصفيق أحَدهم! لكن في إحْدى الأزقة التاريخية؛ القريبة من مدرسة " الصهريج" إحدى معالم المرينيين؛ وآثر السلطان أبو الحسن. أخرجت ُقِنينة ماء من محفظتي المعلقة بين كتفي؛ لكي ارتوي عَطشي من حرارة ذاك اليوم. فاذا بقطة لا ادري من أين جاءت،لترتمي على يدي محاولة اختطاف الكيس البلاستيكي الذي يحْمي القنينة من سيلان عفوي لقطرات ماء على ما في داخل المحفظة. معتقدة أن فيه مأكولات هكذا أحَسَّت وأدركت؟ فقفزتُ من هَول الارتماء التي أحْدثته تلك القطة! وأخرى اعترضت سبيلي، بلمسات جسمها على قدمي الأيسر: استعطافا؟ إنَّهم يريدون عشاء: هكذا قالتها إحدى السيدات التي شاهدت المشهد. لكن ابنتها لم تفتر من الضحك،،،ربما ضحِكت:

على قفزتي المفاجئة؟

أم على ارتماء القطة على الكيس البلاستيكي؟

أم على القنينة التي ساح ماؤها في الأرض؟

أم على صراخ أحَد المارة بلكنته الجبلية؟:

البلاد أصبحَت ْزريبة، ما تكفينا مع بَز*؛ تزادوا القطوط والكلاب...البلاد ولاتْ زريبة... أتفو..... أتفو….أتفو

تابعْت طريقي ورأسي يطنطن بأسئلة ربما بليدة:

من سمح لهاته القطط أن تنتشر في كل الطرقات والحواري؟

وما الهدف من وراء هذا العَرمرم من القطط؟

لماذا لم تعُد القطط خائفة من البشر؛؛؛؟

هَل هي روح بشرية؛ في صفة قِطية؟

ربما ستحتل مكان البشرية؛ وستكون لها السيادة وسلطة القرار، رغم بكمها؟

حتى ولِجْت دكان أحَد الجزارين؛ لاقتناء بعض الحاجيات؛ فانتظرت دوري؛ وإذا بسيدة طاعنة في السن، تنطق بانفعال: لم تعد القطط ولا الكلاب تعترض سبيل الناس؛ بل حتى الدجاج! انظر ياسيدي إلى ساقي؛ إنها منخورة كأن رصاصة اخترقتها... نظرتْ إلى ساقها سيدة تجاوزتِ العقد الأربعين فتأففت؛ وقالت:

قلت لكم قبل قليل؛ لم يبق إلا الحيوانات، التي ستهجم علينا؛ وفي عقر منازلنا؟

ابتسم شاب في مقتبل العمر؛ بعدما نظر إلى ساقي تلك السيدة: دجاجة فعلت كل هذا؟ ردت عليه السيدة بقول حزين:

ليست دجاجة... بل ديك أكثر مني شيخوخة! ارتمى علي من الخلف، غارسا أظافره في ساقي هكذا... رفعت يديها؛ وفتحت أصابعها بقوة؛ حتى بدت كمخالب، ووضعتهم على ظهر الشاب.

نطق الجزار بلكنته الصحراوية:

يا حفيظ...يا حفيظ... وماذا بعْد يا أمِّي السَّعْدية؟

حتى كِدت أن أسقط على وجهي؛ فلولا أحَد المارة، جزاه الله خيرا، الذي أنقدني من الهجوم والسقوط لكان وجهي مهشما.... ولن آتي عندك؛ لكي أقتني بعْض شطائر اللحم.

ربما عَشقك الديك يا مي السَّعدية؟ نطقها الجزار وهُو يضحك ضحكات رنانة.

انتهى زماني؛ وجمالي يا الجيلالي؟ هكذا ردَّت عليه تلك السيدة، لكن تدخلت تلك الأربعينية:

هل العاشق سيتهجم هكذا بوحشية أسي الجيلالي؟

رغم أن مشواري لازال طويلا لكي أصل لعشتي؛ استحليتُ الانتظار؛ وعَشقتُ حِوار أهل المدينة القديمة... حوار العفوية والبساطة؛،،، حوار البسطاء والشعْبيين؛ بحيث نطق ذاك الشاب:احمدي الله؛ آلوليدا * أن ديكا نطَّ عليك وكفى، أما أنا فلقد تهجمت علي ثلاث قطط... عَم الضحك في الدكان؛ والجزار وضع السكين الذي كان يقطع به قطع اللحم لقطع صغيرة * فقال والضحك لم يفتر من فمه: أبوك لم يكذب ولو مرة في حياته....

إذن، أنا كذاب... انظر إلى قدمي؛ هاهو الأصبع الأكبر يعطيك دليلا... إنه منخور بأسنان القطط! هل كنت نائما؛ أم سكرانا يا ولدي؟ سألته التي تنتظر" الكباب"

بل كان في غيبوبة "حَشيشية" كعادته؛ أجابها الجَزار والضحك لم يفتر من فمه.

وأنت نسيتَ نفسك؛؛؛ نسيت يَوم خطفَ القط من داخل دكانك "كِلية " أحَد الخرفان المعلقة؛ هل كنتُ في غيبوبة وحضرة عيساوية؟

لم أنتبه لدخوله؛ لأنني كنت منهمكا في إعْداد...قاطعته المُسِنة؛ وهي جالسة على أريكة الانتظار؛ ذات اللون الأحمر:

السَّبْسي وما أدراك ما السبْسي*، قلها ولا تخف أسي الجيلالي؟

أي نعَم! السبْسي وما أدراك ما السَّبْسي! أحسن من الحشيش؛ أليس كذلك؟

هوَ كذلك أبا الجيلالي؟ لكن لتعلم أن قدمي كانت آنذاك مبللة بقشور وبقايا السمك الذي أنظفه للزبائن؛ ولم أشعر إلا وبانقضاض مباغت على أصابعي؛ تضرر الأصبع الأكبر فقط... هيا اضحك الوالد؛ كيْفما شئتَ... إنها قطط فاسية وليست صحراوية...

وهل هناك فرق بين القطط الآن.. كلهم يريدون الأكل والبحث عنه؛ قالتها الأربعينية وهي تهُمُّ بالانصراف بعْدما تحوزتْ بطلب "الكباب" ليأتي دور ما تبقى من الزبائن....

***

نجيب طلال

.....................

توضيح:

* أطفال صغار

* الأم / الوالدة

* الكباب (نوع من أنواع اللحم)

*آلة لتدخين عشبة الكيف

 

في نصوص اليوم