نصوص أدبية
عبدالإله الياسريّ: غريبانِ في مطار
قَعَــدتْ فمــالَ بهـــا إِلـيَّ المَقعَـــــدُ
وبَـدا ربيعـــــاً لي المطــارُ الأَجـردُ
*
وتَبسَّــمـتْ، فانشـقَّ غيـــمُ كــآبـتــي
عن صفوِهـا، وابيضَّ ليـلي الأَســودُ
*
وتَســاءلـتْ نظـراتُـنــــا عنَّــا، ومــا
كَـذَبَ الجـوابَ على الوجـوهِ تَجسُّـدُ
*
بانـتْ عليهـا "الغوطَتـانِ" نضــارةً
وعَلَيَّ للشـعـــراءِ بـانَ "المِـربَــــدُ"
*
وبــلا كــــلامٍ قـد تــأَكَّــــدَ أَصلُنــــا
إِنَّ العيــــونَ جــوابُــهـنَّ مُـؤكَّــــــدُ
*
وتَدَمْشَــقَــتْ غُنْجـاً لتُخفـيَ للهــوَى
صُــوَراً، أَخـذتُ بكشـفِــهــا أَتبغـــدَدُ
*
ولكَــمْ كذَبــتُ مُسـمِّيـــاً حُبِّـي لهــــا
شَغَفـاً، وحُبِّي ــ لو صدقـتُ ــ تَعبُّـــدُ
*
خيــرُ الصـلاةِ لـديَّ بينَ عيــونِهــــا
ولغيـرِ عُشَّـاقِ الجمـــالِ المسـجــــدُ
*
وليَجتمِــعْ قُبـــحُ الجهالــةِ كلِّـهـــــا
ليقـــولَ عنّي: كــافـــــرٌ أَو ملحـــــدُ
*
هي وحـدَهـا بانـتْ، وليسـتْ وحدَهـا
كانـتْ جيـــوشُ جمــالِهــــا تتحشّــدُ
*
طالعـتُ نهديهـــا نظيـــرَيْ غربـتي
بهمــــا جمـــوحٌ مثلهـــــا وتَمــــرّدُ
*
إِنْ لم تَمـرَّ على حريــــرِهمـا يــدي
لمســـاً؛فقـد مــرَّتْ لعَيــنٍ لـيْ يــــدُ
*
وطمعتُ في عطشِ الورودِ بخـدِّهـا
فشرعتُ أَبـــرُقُ كالغمــامِ وأرعـُــدُ
*
ولئـنْ تَــــردَّدَ أَنْ يُقـبِّـــلَهـــــا فـمي
حرَجـاً، فمـا مَنــــعَ الســــلامَ تَــردُّدُ
*
ودنـوتُ.لاأَدري ــ وقـد حَيّيتُهــــا ــ
أَيُــــذمُّ دانٍ نحـوَهــــا أَمْ يُحـمَـــــدُ؟
*
ـ: أَنا، شهــرزادُ، اسمِي فقلتُ لهــا: أَنا
عبــدالإِلــهِ وفي العـــراق المولـــدُ.
*
سـفـري غـداً. قالتْ، فقلتُ لهــا: إذنْ
لـمْ يَبـقَ من عمــري هنــا إِلَّا غــدُ
*
قـالـتْ: بقــاؤُكَ في فنائِــكَ عاشـقـــاً
لا تُبـقِ منــكَ عليــكَ شـيئـاً يُوجَـــدُ
*
لولم تَضـلَّ النـــاسُ عن حُـبٍّ لـهــا
مـا كــانَ عيسَى هـاديـــاً ومُحمَّــــدُ
*
وتَنهَّـدتْ وهي الضحوكُ فـزادَهـــا
لطفــاً علَى لطف الســرورِ تَنهُّــــدُ
*
وبرملـــةِ الصوفيّ في تـأويـلهـــــا
للـديــنِ غـــاضَ مُثَـلِّــثٌ ومُوِحِّــــدُ
*
مــا اللَّــه إِلّا كـامــنٌ فيـهــــا.بـــــلا
حَـــدٍّ.ومـــا مِــنْ مُطلَـــقٍ يَـتحــــدَّدُ
*
لا أَوَّلٌ للحُســنِ في أَبـعــــادهـــــــا
أبـــداً، ولا لـــه آخِـــرٌ.هـو ســرمــدُ
*
أَعيتْ مقـالـي كالسـرابِ صفـاتُهـــا
أَجــري لهـــــا ظمــأً، وعنّي تَبـعـــدُ
*
شـاميَّــةٌ كالكنــــزِ إنْ صَمَتَـتْ؛وإِنْ
نطقـتْ تَنـــاثــــرَ لــؤلــؤٌ وزُمـــرّدُ
*
أَعظمـتُ فيهـــا ـ كلَّمــا حدَّثـتُـهــا ـ
معنىً، وأعظمُـــه العميــقُ الأبعــــدُ
*
وَرِثــتْ أبـا تَمّــــامَ في تَـلميــحِــــه
ماكـدتُ أَفهـــمُ مـاتَـقـــولُ وتَقصــدُ
*
يــومَ التقينـــا لائـــذيــنِ بـغـربـــــةٍ
من شـفــــرةٍ تُدمِي، وعيـنٍ تَرصُـــدُ
*
طيريـنِ قد بَلـِيَ المُقيــــمُ ونحـن في
ريــحِ التغـــرُّبِ جنحُنـــــا يَتجــــدّدُ
*
لـن تَقبـــلَ الأقفــاصَ عِقبــانُ الفـلا
حتَّى إِذا هيَ فِضَّـــــةٌ أو عسجـــــدُ
*
مَنْ قــالَ ماطابـتْ لنـــا أوطانُـنـــا؟
مـاطــابَ قمـــعُ مواهــبٍ وتَبلُّــــــدُ
*
لولا انحطـاطُ العـيــشِ بين دواجـنٍ
ماشــاقَ نَسـراً في الجبـــالِ تَشــرُّدُ
*
أوَما ارعوَى ذو الحكمِ من بَغيٍ لـه
وشـعـــارِ"حـزبٍ" خُلَّبٍ لايُــورِدُ؟
*
كــمْ "كُوفَـةٍ" مفجوعـةٍ في أَرضِنـا
منــه، و"حَجَّـــاجٍ" علينـــا يَحقــــدُ!
*
أَنَّى نَكـنْ يَشـنِـقْ سواقيَـنــــا صَدىً
منـــه، ويَغْتَــلْ زرعَنــا لـــه جلمــدُ
*
ومتَى نَقُـلْ: "لا"، يَسـتبـِـحْ أَصواتَنـا
صمتُ العبيــدِ، وبالثُبُــورِ نُهــــــدَّدُ
*
لاذنْـبَ إِلّا أنَّ مصبــاحــــاً لنـــــــا
أَمسَى يَـدلُّ إلى الطريــقِ ويُرشِـــدُ
*
حُلمــاً بأَنْ يَنفــكَّ عن أَقــدامِنـــــــا
قَيــدٌ، ويَسـمــــعَ مــانقــــولُ مُقيِّـــدُ
*
أَ سَـمَاءَنــا الثكلَى، ومابــرحَ الأَسَى
مُذْ موتِ شـمسِـــكِ ليـلُـــه يَتلبَّــــدُ
*
هلْ بعـدَ نـــــارِ الحقــدِ من ماءٍ لنـا
تَشفـَى بـه كبــدُ الــــودادِ، وتَبـــرُدُ؟
*
أَيَّــانَ سُـحـبُ دمائِنــــا ودموعِنـــا
عن بسـمــــةٍ لشفـــاهِنـــا تَتَبَــــدَّدُ؟
*
لابدَّ من فجـــرٍ يُطـلُّ بـ"ســوريــا"
يوماً، وطيـــرٍ بــ"العــراق" يُغــرِّدُ
*
ونَحُطُّ في "بغــدادَ" رَحـلَ قلوبِنـــا
أو في "دمشقَ"، وبَعـدَ هـمٍّ نَسـعَـــدُ
*
وإِذا طوانــا ـ شـهــرزادُ ـ ثَراهمــا
موتـاً، فإنَّــا في الــربيـــــعِ نُــــورِّدُ
*
كــمْ من ســـراجٍ أَطفـأَتْـــه عــداوةٌ
وســراجُنـــا بسَـنَى المـودَّةِ مُـوقَــدُ
*
مهمـا يُثَـنِّ ذوو الغبــاوةِ روحَنـــــا
لفظـاً، ففي معنَىً لــها هـــي مفــردُ
*
لولا المحبَّـــةُ غــايــــةً ووسـيلــــةً
مـاكـانَ آدمُ في الوجـــودِ سـيَخلُـــدُ
***
غريبان في مطار/عبدالإله الياسري