نصوص أدبية
رعد الدخيلي: يا جسرَ بغداد!

يا جسرَ (بغداد) كم مرّتْ بكَ الغُرَبا
لكنْ بقيتَ طوالَ الدَّهرِ منتصِبا
*
تغفو على النهر .. لم تخضع لأوَّلِهم
ولم تحِد لحظةً مُذْ صِرتَ مُقْتَرَبا
*
ما بين (كرخٍ) بهِ يهوى أحبَّتُنا
وجهَ (الرُّصافةِ) ؛ كلٌّ ودَّ وانتسبا
*
فكان من كان يهوى العشقَ في ولهٍ
يمشي عليكَ .. يداوي النفسَ و العَصَبا
*
من أهلِ (بغدادَ) .. آنَ الخيرِ في زمنٍ
هم يعبرونَ لكي يهدوا لنا الرُّطَبا
*
وهم يجولونَ مثل النحلِ في شغفٍ
رهنَ العطاء .. وما منهم ضحىً تَعِبا
*
وكم تجلّى عليكَ البدرُ في أُفُقٍ
في الليلِ .. حتى أزاحَ العتمَ و السُّحُبا
*
وكم بقيتَ حديدياً بكَ اشتبكتْ
أقسى المعاول ؛ لكنْ شُلَّ مَنْ ضَرَبَا
*
راحوا جميعاً فلن يبقَوا على بلدٍ
فيهِ البطولاتُ .. كلٌّ طاحَ أو هَرَبا
*
تزهو بقيتَ على الشَّطَّين مبتهجاً
تستقطبُ الكُردَ و الأتراكَ و العَرَبا
*
لمّا أتاكَ (مغولُ) السُّحتِ في شَرَهٍ
لمّوا الدنانيرَ و النفطاتِ و الذَّهَبا
*
لمّا مشيتُ عليكَ اليومَ في أملٍ
أنْ ألتقيكَ ؛ رأيتُ العُجْبَ و العَجَبا
*
فما وجدتُ برأسِ الجسرِ من عشقوا
وما وجدتُ بنيناً يسندونَ أبَا
*
ولا وجدتُ على الأمواجِ نورسةً
تُحَلِّقُ الظُّهْرَ .. إلّا أُذعِبَتْ رَهَبا
*
ولا وجدتُ عيونَ الغيدِ ناظرةً
إلّا بكتكَ .. فجاشَ الجسرُ مُنتَحِبا :
*
قد ضيَّعوني ؛ فما ذنبي إذا اختلفوا
كيما يهدّونَ جسراً مشفقاً حَدِبا !؟
*
كم كنتُ لحناً رقيقَ العزفِ أُسمِعُهمْ
حتى أماتوا بيَ الإحساسَ و الطَرَبا
*
وكان يأتي من الشُّطآنِ في سَحَرٍ
صوتُ الرباباتِ ممهوراً بمن طَرِبا
*
وكان يسري غناءُ العشقِ مُنسَرِبا
مِنْ لوعةِ القلب منساباً و منسكِبا
*
ليوقظَ الشَّوقَ في أنياطِ سامعِهِ
فلا ينامُ .. فيأتي الصُّبحُ مُلتَهِبا
*
فتطلعُ الشَّمسُ بالإشراقِ ضاحكةً
لمّا ترَ الناسَ ذاتَ الناسِ مُذْ غَرُبا ..
*
أمسُ الأصيلِ على أفقٍ بهِ اجتمعا
العاشقانِ برأسِ الجسرِ و اقترَبا
*
تفجَّرَ الجسرُ وانهارتْ قوائمُهُ
لكنْ أعادوهُ في بغدادَ مُنتَصِبا
*
كيما يعودُ لنا ليلٌ يسامِرُنا
و يُرجِعُ الحُبُّ و الأحبابُ ما سُلِبا
*
وكلَّ مَنْ كانَ فوقَ الجسرِ نُرجِعُهُ
من عادَ بالحُبِّ مشتاقاً ومَنْ ذَهَبا
***
رعد الدخيلي