نصوص أدبية

فتحي مهذب: دمعتان على طاولة التشريح

قلبك أيها الميت

ترك دمعتين على طاولة التشريج.

**

كان يرضع حليب المسدسات

بدلا من حليب الأم.

لذلك أمسى قناصا

من البلكونة

يفتح النار على ظلال المشائين.

**

قبل موتها بثلاث سنوات

أنا وأمي وكرسيها المتحرك

كنا مثل إخوان الصفا

نتأمل الفراغ الذي يمشي مقلوبا على رأسه

تحت قدميها المتجمدتين.

حيث تتبدى الساعات الطوال

مثل أحجار كريمة.

والندم كلب أسود

ينبح في باحة البيت.

**

موتي خسارة لا تقدر بثمن

لأني منذ ستين سنة

عيناي مسمرتان إلى أعلى

لعل الله يمضي مسرعا من هناك.

**

النهار وحش قذر

الناس سيئون للغاية

وغير جديرين بفاكهة العناية الإلاهية.

بينما العزلة تملأ خزانتي بالذهب.

**

قدري أن أمثل دور الأبله

في هذا المسرح العبثي.

**

قلت للسماء: أنت لاشيء.

سأطردك بعكازة الفيلسوف

لأنك كذبت علي سبعين ألف مرة.

**

المرأة فراشة

هشة وقصيرة النظر

مكلفة جدا جدا

ومغرية حد الإغماء.

**

في المبغى

المومسة تطعم الجسد

لفيفا من السراخس

مثل أرنب بري.

**

جن في المنفى

لم يجد زهرة  تشيعه

إلى بستان العائلة.

**

أنت تعاملين قلبي

مثل سيدة فرعونية مطلقة

ترغبين في تحنيطه

لإكسابه معنى أبديا

وإخفائه في مكان سري

داخل إهرامات (الجيزة)

مثل كنز ثمين من كنوز توت عنخ أمون.

قلبي لا جىء فلسطيني عالق في معبر (رفح)

لا يهمه غير شميم عرق الأسرى.

أنا يا سيدتي

ليس لي متسع من الفقد

لأحدق في تابوت العلاقات المحنطة.

**

أنا ممزق جدا يا سيدتي

لعبة الكوريدا لم تتوقف أبدا

في الحلبة اللامتناهية.

عقلي ثور جامح

بقرنين من البرونز الخالص

يهاجم دائرة الضوء الأحمر

وقلبي مصارع ثيران

مشبع بأنساغ الميتافيزيقا.

الحرب دائرة على قدم وساق

وأنا بحجم ألف ضحية في اليوم.

**

كأي مهاجر  غير شرعي

أبحث عن إمرأة جيدة

بقامة سبعين موجة

لتنتشل حياتي البائسة من الغرق

في الوحل والجنون والماليخوليا.

**

الشتاء قادم على مهل

وكهوف قلبي مشرعة تماما

مليئة بأسماك السلمون

بمياه النوستالجيا الحار

في انتظارك يا دببة أفكاري المتوحشة.

في انتظار قيامتي الأثيرة

***

فتحي مهذب - تونس

 

 

في نصوص اليوم