نصوص أدبية

الباحث الأكاديمي العربي دحو وجهوده في خدمة الثقافة الشعبية

في الجزائر ودراسة الأدب المغربي القديم

جمع الأديب والباحث الأكاديمي الأستاذ الدكتور العربي دحو عدة صفات جعلته يتبوأ مكانة متميزة في عالم الأدب، والثقافة، حيث إنه أحد أبرز الذين اهتموا بالثقافة الشعبية، وركزوا جهودهم على جمع الشعر الشعبي في مختلف المناطق، فهو أحد العناصر النشيطة، والفاعلة في خدمة الحركة الأدبية، و العلمية في منطقة باتنة، والجزائر قاطبة بكفاءة، و جهد، ومثابرة، وصدق ويمتد التاريخ الأكاديمي للبروفيسور العربي دحو إلى أكثر من نصف قرن، و خلال حياته العلمية، أثرى المكتبة العربية بعدد كبير من المؤلفات، ومن المساهمات الأدبية، والتربوية، والثقافية.

إنه واحد من الجامعيين الجزائريين الذين قدموا خدمات جليلة للأدب الجزائري، كما أنه من ألمع الشخصيات الأدبية، والثقافية الجزائرية منذ السبعينيات من القرن المنصرم، أسهم مساهمة فعالة في خدمة التراث الشعبي، ودراسة الأدب المغربي القديم، وتحقيق بعض الدواوين الشعرية المغربية، التي تكتسي أهمية بالغة، وقد تناوله الباحثون في مقالاتهم، وكتاباتهم على أنه أديب،، أو أنه شاعر، وأكاديمي، و تهدف هذه الورقة إلى إلقاء الضوء على بعض مصنّفات هذا العلم البارز من أعلام الأدب، والدراسة، والتحقيق في الثقافة الجزائرية،

وتتناول في شقها الأول: جهوده في خدمة الشعر الشعبي الجزائري، فتتحدث عن بعض مصنّفاته المتميزة في هذا الميدان، وتُقدم في الشق الثاني منها بعض الإضاءات على منجزاته العلمية في مجال دراسة الأدب المغربي القديم.

إننا نُلفي في كثير من الشهادات التي قدمها مجموعة من الأدباء، والمثقفين الجزائريين الذين عرفوا الأستاذ الدكتور العربي دحو أصداء لجهوده، ومنجزاته في المشهد الثقافي الجزائري، حيث يقول عنه الناقد المعروف الدكتور عبد الملك مرتاض: «العربي دحو وجه من وجوه الحركة الثقافية، والأدبية المعاصرة في الجزائر، فقد عرفناه متعدد النشاط الثقافي، والسياسي، والاجتماعي، فبينما هو شاعر يقرض الشعر، هو في الوقت ذاته جامعي يلقي المحاضرات على طلاّب جامعة باتنة، ويبحث في الأدب الجزائري قديمه، وحديثه، وفصيحه، وشعبيه، وبينما هو عضو قيادي سابق في اتحاد الكتاب الجزائريين، هو عضو سابق في البرلمان الجزائري على عهد الحزب الواحد. تجمعني بالعربي دحو علاقة ثقافية، وعلمية خاصة، تبلون حين كنا في قيادة اتحاد الكتّاب الجزائريين أيام الحزب الواحد، فقد كنا نقضي أياماً معاً في أنشطة ثقافية بالشرق، والغرب، والوسط، كان الاتحاد يقيمها، كما أتيح لنا السفر معاً إلى خارج الوطن، بحكم ذلك...» (1) .

وقد كشف الدكتور عبد الملك مرتاض لدى ترجمته للأديب العربي دحو عن بعض الرؤى النقدية، والفكرية التي تميز بها، حيث يشير إلى معرفته بأن العربي دحو كان يرى أن« الناقد لا يكون ناقداً متألقاً خريتاً في جنس أدبي ما، إلا إذا كان أديباً فاعلاً في ذلك الجنس، فناقد الرواية لا يكون ناقداً متمكناً من إجراءاته ما لم يمرّ بالتجربة في الكتابة الروائية، و لا يقال إلا نحو ذلك في ناقد الشعر، وهلم جراً... » (2) .

وقد جاء في موسوعة العلماء والأدباء الجزائريين التي أعدها الأديب والباحث الأستاذ رابح خدوسي: « دحو العربي من مواليد: 12-09-1942م، بمروانة (باتنة)، أستاذ جامعي، حاصل على دكتوراه دولة، من مؤلفاته: أهازيج جزائري عاشق (شعر 1988م)، و ذاكرة الظل الممتدة (شعر1988م)، وبعض النماذج الوطنية في الشعر الشعبي الأوراسي خلال الثورة التحريرية (دراسة1986م)، ودراسات وبحوث في الأدب الجزائري (1991م)، والشعر المغربي (1994م)، وديوان أبي الربيع عفيف الدين التلمساني الصوفي (1994م)، عضو المجلس الوطني لاتحاد الكتاب الجزائريين عام: 1998م. (3) .

أولاً: أضواء على جهوده في خدمة الشعر الشعبي الجزائري:

لقد أصدر الدكتور العربي مجموعة من الكتب، والمؤلفات العلمية، كما كتب عدداً كبيراً من الأبحاث الأكاديمية، نُشرت في مختلف المنابر الأكاديمية الجزائرية، والعربية، و شارك في عدة ملتقيات أدبية، وعلمية، وقد كان عضواً في عدد من الهيئات العلمية المرموقة، والحق أن آثار الباحث الأكاديمي العربي دحو هي أرحب، وأوسع من أن تحيط بها قراءة، أو بحث، مهما بُذل فيه من جهد، وأود في هذه الورقة أن أقدم إلى القارئ الكريم، وبشيء من الإيجاز، في هذا القسم الأول من البحث، ما تيسر لي من الاطلاع على مؤلفاته في ميدان الأدب الشعبي، أو الثقافة الشعبية، كما يُفضل بعض الباحثين تسميتها، وذلك على أساس أن الثقافة (4)، أوسع دلالة، وأشمل من مصطلحي الشعر، أو الأدب، وبدءاً أقول إن هناك من يُبرر دراسة الأدب الشعبي لجُملة من الأسباب الموضوعية، ومن بين هؤلاء العلاّمة المغربي عباس الجراري، الذي يُحدد أسباب تركيز الدراسة على الأدب الشعبي ب:

1-إن الأدب الشعبي صورة للشخصية الوطنية، مهما كانت باهتة فهي أكثر وضوحاً من الصورة التي يعيشها الأدب المدرسي المثقف.

2-إن دراسته تعزيز لإقليمية الأدب، وتقرير لمذهبه الذي نؤيد الداعين له منهاجاً للكشف عن أدب الأقاليم العربية المختلفة، وسبيل الأمة العربية إلى لم شتات أدبها المبعثر المجهول.

3- إن الأدب الشعبي مكمل للأدب المدرسي، وأن من شأن دراسته أن تُساعد على الربط بين الأدبين، واجتياز الهوة الكبيرة التي تفصل بينهما (5).

1- لمحة عامة عن الأدب الشعبي ونشأته:

والحق أن مسألة دراسة الأدب الشعبي لهي مسألة مثيرة للجدل، وقد خاض في غمارها الخائضون، ونستشهد في هذا الشأن بمنظور العلاّمة الجزائري (أبو القاسم سعد الله)، حيث يقول في شهادته عن الأدب الشعبي: «بيني وبين ما يُسمى بالأدب الشعبي علاقة غير ودية، فهو عندي علامة على جهل أصحابه، وأميتهم، يلجأون إليه، بدل الأدب الراقي الجميل، للتعبير عن خلجات نفوسهم ومشاعرهم.أما المثقف عندي فيترفع عن الأدب السوقي، أو العامي، كما يترفع في حياته، وآدابه، ودروسه، ومؤلفاته عن الكتابة، أو الحديث بلغة العامة، لأن ذلك ينحدر بمستواه الثقافي، وربما الأخلاقي والاجتماعي أيضاً، فيصبح في نظر المثقفين عاجزاً عن أداء أفكاره بلغة راقية تحتوي على عناصر الفن الأصيل، والجمال الأدبي، الذي يرفع صاحبه إلى مصاف الفحول، والمبدعين ويبوئه المكانة التي يستحقها، والتي هي الإسهام في تربية المجتمع، وترهيف الذوق، وخدمة اللغة.ومن أجل ذلك لا أحترم الأديب المثقف الذي يدعي أنه يكتب بالفصيح، والملحون (أو النبطي عند بعض أهل الخليج). وهذا الموقف مني ليس موقفاً استعلائياً، ولا طبقياً، وإنما هو اعتراف بواقع، فكما أن الناس، والطبيعة، والأشياء درجات، ومقامات، فكذلك الأدب، وخاصة الشعر: منه الراقي، والوضيع، والجميل، والقبيح، والفني، والسوقي. لذلك يُمكن للأدب الشعبي في نظري أن ينقل الأخبار، وأن يبث دعوة، وأن يروج لفكرة، أو لشخص، ولكنه لا يُمكن أن يُربي ذوقاً، أو يُرقق حساً، أو يؤسس لحضارة» (6).

ويذهب شيخ المؤرخين الجزائريين إلى أن الأدب الشعبي مضر باللغة القومية، وتراثها القومي، فهذه اللغة هي الرابطة المشتركة بين صاحب النص الشعبي، وقومه الذين ينتمي إليهم، ويتقاسم معهم، ويشترك في حب التراث، والدفاع عنه، عندما تُفاخر الأمم بأمجادها، وإرثها الحضاري، بما فيه الأدب الخالد، مثل: المعلقات، والشاهنامة الفارسية، فتمجيد الأدب الشعبي، والرفع من شأنه (وهو بطبعه أدب غير رفيع)، سيخرجه من دائرته ليصبح أدباً ذاتياً لا يفهمه إلا صاحبه، فإذا توسع فقد يصبح أدباً للغة أخرى هجينة، تتطور تدريجياً لتصبح لسان حال قوم جدد، وعصبيات مصطنعة، والنقطة الأخرى التي يُبه إليها العلاّمة سعد الله هي أن الأدب الشعبي قد تم استغلاله من قبل الاستعمار الفرنسي، الذين اتخذوه دلالة على تشرذم اللغة الواحدة، ومن ثمة تفكك مجتمعها، وابتعاد أهلها عن بعضهم، نظراً لعدم قدرتهم على التفاهم بلغة واحدة (7).

والجدير بالذكر في هذا الصدد أن الزجل (الشعر الشعبي، أو العامي) يعد فناً من فنون الشعر التي استحدثت في البلاد الأندلسية، حيث ظهر بعد الموشحات، إذ يُرجح العلاّمة عبد الرحمن بن خلدون أن دخوله كان مُتأخراً، ونفهم أن ظهوره جاء بعد الموشحات، في قوله: «ولما شاع فن التوشيح في أهل الأندلس، وأخذ به الجمهور لسلاسته، وتنميق كلامه، وترصيع أجزائه، نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله، ونظموا في طريقته بلغتهم الحضرية، من غير أن يلتزموا فيه إعراباً، واستحدثوا فناً سموه الزَّجل، والتزموا النظم فيه على مناحيهم إلى هذا العهد، فجاؤوا فيه بالغرائب، واتسع فيه للبلاغة مجال بحسب لغتهم الأعجمية» (8)

إن جميع القرائن تؤكد على أن الزجل قد جاء مُتأخراً، بعض الوقت عن فن التوشيح، أو الموشحات، فهو يندرج تحت لواء المرحلة الثالثة لتحول الشعر في بلاد الأندلس، فالمرحلة الأولى-وفق منظور الباحث مصطفى الشكعة-هي مرحلة الفصيح الذي استمر، وسوف يستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والمرحلة الثانية هي مرحلة إدخال العامية إلى الشعر مع تحوير في بناء القصيدة، وتعدد الأوزان والقوافي، فقد أُدخلت العامية من خلال الخرجة في الموشحات، والمرحلة الثالثة هي مرحلة قول منظومات عامية تلتقي مع رغبات العامة، ومن لا يُجيدون العربية من أبناء البلاد، وملوك البربر، وقد عُرفت هذه المنظومات العامية باسم الزجل (9)

والجدير بالذكر أن النقاد العرب القدماء، قسموا الشعر العربي إلى سبعة أنواع، هي: « الشّعرُ القريضُ، والمُوشَّحُ، والدوُّبيت، والزَّجل، والمواليَّا، والكانْ وكانْ، والقوما قوما، ومنهم من جعل الحُمَّاق من السبعة، وفي ذلك اختلاف، وعند جميع المحققين أنَّ هذه الفنون السبعة، منها ثلاثة معربة أبدًا لا يُغْتَفَرُ اللّحن فيها، وهي الشعر القريض، والموشَّح، والدُّوبيت، ومنها ثلاثة ملحونة أبدًا، وهي: الزَّجل، والكان وكان، والقوما، ومنها واحدٌ، وهو البرزخ بينهما، يحتمل الإعراب واللّحن، وهو المواليا، وقيل: لا يكون البيت منه بعض ألفاظه معربة، وبعضها ملحونة، فإنَّ هذا من أقبح العيوب التي لا تجوز، وإنّما يكون المعرّبُ منه نوعًا بمفرده، ويكون الملحون فيه ملحونًا لا يدخله الإعراب» (10)

فما نفهمه من هذا النص الذي أورده الأبشيهي أن الزجل، يعد نوعاً من أنواع الشعر العربي، وإن كان مكتوباً بلغة غير فصيحة، لغة الحديث اليومي بين عامة الناس، وقد وضح صفي الدين الحلي قاعدة هذه الفنون الشعرية في كتابه: «العاطل الحالي والمرخص الغالي»، ورأى: أنَّ أهل العراق، وديار بكر، ومن يليهم يثبتون الخمسة منها، ويبدّلون الزجل والحمّاق بالحجازي، والقوما، وهما فنان، اخترعهما البغاددة للغناء بهما، في سحور شهر رمضان خاصة في عصر الخلفاء العباسيين، وعذرهم في إسقاط الزجل، هو أن أكثرهم لا يفرّقُ بين الموشح، والزجل، والمُزَنَّم، فاخترعوا عوضه الحجازي، كما اقتطع الواسطيّون المواليَّا، وهذا يشبه الزجل في كونه ملحونًا، وأنَّه يعد كل أربعة أقفال بيت، ويخالفه بكون القطعة منه لو بلغ عدد أبياتها ما بلغ لا تكون إلا على قافية واحدة، وعذرهم في إسقاط الحماّق، هو أنّهم لم يسمعوه أبدًا، فعوّضوا عنه بالقوما، وإذا أضفنا الفَنينِ اللذين أوردهما صفي الدين الحلي لأهل العراق، وهما الحجازي والقوما، ثم الثالث وهو المُزَنَّم، والبليق، الذي عرفه المصريون، وبعض الشوام، كان عددها أحد عشر فنًا منظومًا، وقد اقتبس بعضها من الشعر الأندلسي المغربي، كالموشجات، والأزجال، واقتبس بعضها الآخر من بغداد، وفارس كالدوبيت، والمواليّا (11)

وقد تحدث صفي الدين الحلي في الباب الأول من كتابه: «العاطل الحالي والمرخص الغالي»، والذي وسمه ب: (الفن الأول: الزجّل)عن موشح ذائع الصيت لابن غرلة، عُرف بالموشح العروس، وهو يعد من موشحاته المزنمة، و المُزَنّمُ: مشتقة من التزنيم، وهو ما أعرب من ألفاظ الفنون الأربعة: الزجل، والمواليّا، والكان وكان، والقوما، والتزنيم في الأصل: هو المستلحق في قوم، وليس منهم، والمنتسب لغير أبيه.

حيث يقول صفي الدين الحلي في قسم (الفن الأول: الزجّل): «وقد كان ابن غُرلة، وهو من أكابر أشياخهم، ينظم الموشح والزجل والمزنم، فيلحن في الموشح، ويعرب في الزجل، تقصداً منه واستهتاراً، ويقول: إن القصد من الجميع عذوبة اللفظ، وسهولة السبك، وكان الوزير ابن سناء الملك يعيب عليه ذلك، ولهذا لم يثبت شيئاً من موشحاته في (دار الطراز)، فمن موشحاته المزنمة، الموشحة الطنانة الموسومة ب (العروس)التي نظمها عند عشقه رُمبْلة أخت عبد المؤمن الموحدي، ملك الأندلس.وقتله الملك بسببها، لتوهمه من مطلعها وما يليه اجتماعه بها، والواقعة مشهورة، وكان حسن الصورة، جليل القدر، ذا عشيرة، وكانت هي أيضاً جليلة القدر، جميلة الخلق، فصيحة اللسان، تنظم الأزجال الرائقة الفائقة» (12).

وإذا كان مؤرخو الأدب الأندلسي، لم يذكروا من قريب، أو بعيد من اخترع فن الزجل، إلا أنهم أشاروا إلى أول من أبدع القول فيه، وقد نبه عدد من المؤرخين إلى أن الأزجال التي قيلت قبل أبي بكر بن قزمان، لم تظهر حُلاها، ولم تنسكب معانيها، ولم تشتهر إلا في زمانه-أي زمان ابن قزمان-.

ومن بين النصوص التي تشير إلى الجانب التاريخي في نشأة الزجل، نص أورده العلاّمة عبد الرحمن بن خلدون، جاء فيه: «أول من أبدع في هذه الطريقة الزجلية أبو بكر بن قزمان.وإن كانت قيلت قبله بالأندلس، ولكن لم تظهر حُلاها، وانسكبت معانيها، واشتهرت رشاقتها، إلا في زمانه، وكان لعهد الملثمين.وهو إمام الزجالين على الإطلاق.قال ابن سعيد: (ورأيت أزجاله مرويةً ببغداد، أكثر مما رأيتها بحواضر المغرب.قال: وسمعتُ أبا الحسن بن جُنحدر الإشبيلي، إمام الزجالين في عصرنا يقول: ما وقع لأحد من أئمة هذا الشأن مثل ما وقع لابن قزمان شيخ الصناعة)» (13)

فما يُستنتج من مختلف الأخبار أن أبا بكر بن قزمان المتوفى سنة: 554هـــــ، والذي عاش في ظل حكم المرابطين بالأندلس، هو أول من أبدع في فن الزجل، ولم تُعرف الأزجال التي قيلت قبله، وربما قد يكون أخذ منها، أو اقتبس، أو استفاد.

حيث يذكر ابن قزمان لدى تقديمه ديوانه: «ولقد كنت أرى الناس يلهجون بالمتقدمين، ويُعظمون أولئك المقدمين، ويجعلونهم في السماك الأعزل، ويرون لهم المرتبة العليا، والمقدار الأجزل، وهم لا يغرفون الطريق، ويذرون القبلة، ويمشون في التغريب والتشريق، يأتون بمعانٍ باردة، وأغراض شاردة، وألفاظ شياطينها غير ماردة، وبالإعراب، وهو أقبح ما يكون في الزجل، وأثقلُ من إقبال الأجل...» (14)

إن ما يتضح هو أن هناك من سبقوا ابن قزمان، وحاولوا الإبداع في فن الزجل، والأمر الذي يرجح، أنهم كانت لهم قصائد شعبية، بيد أنهم لم يبلغوا مبلغه، ولم يصلوا إلى مستواه الفني، ويُمكن القول إن الزجل الذي نشأ في الأندلس، قد انقسم إلى قسمين رئيسين: زجل العامة، وزجل الشعراء المعربين.

بالنسبة إلى زجل العامة، أو شعر العامة، فهو يتجلى في الأغنية الشعبية العامية، والتي تنبع تلقائياً لدى العامة بباعث تجربة شخصية، أو من وحي واقعة معينة، أو حدث عام، أو موقف مُعين، ثم تنتشر تدريجياً على ألسنة الناس، فيتغنون بها فرادى وجماعات..

أما زجل الشعراء المعربين، فيبدو أنه قد جاء تابعاً في النشأة لزجل العامة، ويبدو أن الشعراء الذين حاولوا هذا النوع من الزجل قبل عصر ابن قزمان، كانوا مدفوعين إليه، رغبة منهم في أن تنتشر أزجالهم المصطنعة بين الطبقات المثقفة كنوع من الطرافة، أو رغبة في أن يُعرفوا لدى العامة معرفتهم لدى الخاصة، ولعل دوافعه لدى بعض الشعراء المعربين أنهم وجدوا أنفسهم لايقعون مع فحول الشعراء المعاصرين لهم في شيء، فسلكوا سبيل الزجل ليتميزوا بينهم، بيد أن أولئك الشعراء الذين اصطنعوا الزجل اصطناعاً، لم يستطيعوا في مراحله الأولى أن يتخلصوا فيه من الإعراب، وهذا ما عابه عليهم ابن قزمان، حين قال: إنهم يأتون بالإعراب، وهو أقبح ما يكون في الزجل، ولم يشهد ابن قزمان لأحد من الزجالين الذين كانوا قبله بأنه كان مُجيداً لفن الزجل، ومتفوقاً فيه، باستثناء الشيخ أخطل بن نُمارة، الذي تميز بسلاسة طبعه، وإشراق معانيه، وتصرفه بأقسام الزجل وقوافيه.

ويظهر أن الرعيل الأول من الزجالين الذين جاؤوا قبل ابن قزمان، وسمّاهم في مقدمة ديوانه ب (المتقدمين) قد ظهروا خلال القرن الخامس، ويبدو أنهم لم يجدوا العناية الكافية، فملوك ذلك الزمان لم يكونوا مهتمين بالأدب العامي، أو الشعبي كونه يُمثل انحطاطاً في المستوى (15)

إن الحقيقة التي يقع الإجماع عليها، هي أن الزجل قد كانت نشأته نتيجة للانحطاط، فالزجل شعر منظوم بالعامية، وهو ينسجم مع مستوى الذين لا يُجيدون اللغة العربية من أبناء البلاد، وملوك البربر، ومن بين الوقائع التاريخية التي تُذكر في هذا الشأن أن المعتمد بن عبّاد«كان قد شجّع بعض الشعراء لكي يمدحوا يوسف بن تاشفين، فلما انتهوا من الإنشاد، قال المعتمد لابن تاشفين: أيعلم أمير المسلمين ما قالوه؟قال: لا أعلم، ولكنهم يطلبون الخبز، ولما انصرف ابن تاشفين إلى حاضرة مُلكه شمال إفريقية، كتب له المعتمد رسالة تضمنت بيتين من نونية ابن زيدون (بنتم وبنّا فما ابتلت جوانحنا شوقاً...)، فلما قرئ البيتان على ابن تاشفين، قال للقارئ: يطلب مني الجواري السود والبيض، فأجابه القارئ لا يامولانا، ما أراد إلا أن ليله كان بقرب أمير المسلمين نهاراً، لأن ليالي السرور بيض، فعاد نهاره ببعده ليلاً، لأن ليالي الحزن ليالٍ سود، فقال: والله جيد، اكتب له في جوابه: إن دموعنا تجري عليه، ورؤوسنا توجعنا من بعده» (16)

إن هذا الكلام يدل على أن اللغة العربية، قد انقسمت بين لغة خاصة بالمثقفين والنخبة، ولهجة عامية دارجة سادت على ألسنة العامة، وقد كانت نشأة الزجل نتيجة طبيعية بعد أن استولى البربر على البلاد الأندلسية في عهد يوسف بن تاشفين، فالزجل جاء ليقدم صورة عن انحطاط المستوى، وشيوع الزجل، يشكل نزولاً إلى مستوى الذين لا يفهمون اللغة العربية، فظهور الزجل يعد انتكاسة للشعر الفصيح، فقد أصبح الشعراء ينظمون بالعامية، حتى يفهمهم فريق من العوام، ومن بينهم الحكام البربر الذين يُخاطبون بالأدب الشعبي حتى يتسنى لهم فهم المقاصد.

ومما يؤكد أن ظهور الزجل، يعد نزولاً في المستوى، ويُشكل انحطاطاً، أن ابن قزمان اشتغل في أول أمره بالشعر المعْرَب (الفصيح)، فلم يسطع أن يبرع فيه، إذ قصر فيه عن أنداده ومعاصريه، فقد كان مُعاصراً لابن خفاجة، ولم يتمكن من الوصول إلى مستواه، فانقلب إلى الزجل (الشعر العامي).

والجدير بالذكر أن أبا بكر محمد بن عيسى بن قُزْمان الأصغر، لُقب بالأصغر تمييزاً له من عمّهِ أبي بكر محمد بن عبد الملك (ت: 508هـ)، وُلد سنة: 470هـ-1078م في قُرطبة في بيت جليل، خرج منه أعلام، ونبهاء كثر، وقد سلك ابن قزمان الأصغر في حياته طريق اللهو والاستهتار، والمجون، والغرق في الملذات، حيث يُذكر أنه كان كثير التردد على إشبيلية من أجل النزهة واللهو.

ومن بين الذين مدحهم ابن قزمان في حياته يحيى بن غانية، وهو حاكم معروف بأنه آخر وُلاة المرابطين في الأندلس (ت: 541هـ)، وقد عاش ابن قزمان الأصغر حياة صعبة في بُؤس وذلة، ثم أصبح إمام مسجد، بعد أن قضى كل حياته في اللهو والمجون والاستهتار، ويبدو أنه أصبح يُشرف على المسجد للحصول على الكفاف في العيش، وقد توفي ابن قزمان الأصغر في قرطبة في: 29رمضان من سنة: 555هـــــــ (2-10-1160م)، على الأرجح (17)

لقد طارت شهرة ابن قزمان في الزجل، وأضحى يحتل في ميدانه مكانة مرموقة، حيث إنه لا يُمكن لأي دارس أن يتحدث عن الزجل، دون أن يُغفل الحديث عن أزجاله، وجهوده، حيث يقول الشيخ العلاّمة صفي الدين الحلي في كتابه: (العاطل الحالي والمرخص الغالي)«واختلفوا فيمن اخترع الزجل، فقيل: إن مخترعه ابن غرلة المقدَّم ذكره، استخرجه من الموشح.وقيل: يخلُف بن راشد، وكان هو إمام الزَّجل قبل أبي بكر ابن قُزمان، وكان ينظم الجزل القوي من الكلام، فلما ظهر ابن قُزمان، ونظم السهل الرقيق، مال الناس إليه، وصار هو الإمام بعده.ونظم ينكر عليه قوة النظم زجلاً مطلعه:

زَجَلك يابن راشد قوي متين وإن كان هُوّ للقُوَّة فالحملين

يريد: إن كان النظم بالقوة، فالحمّالون أولى به من أهل الأدب.

وقيل: بل مخترعه مدْغليس.وهذا اسم مركب من كلمتين، أصله: مضَغَ اللِّيس.واللِّيس: جمع ليسة، وهي ليقة الدواة.وذلك أنه كان صغيراً بالكتب، فمضغ ليقة، فسُمي بذلك.ولسان المغاربة والمصريين يبدلون الضاد دالاً.فأطلق عليه هذا الاسم، وعُرف به.وكنيته في ديوانه ( أبو عبد الله بن الحاجّ)، عُرف بمدغليس. والصحيح أنه ليس مخترعه، لأني وجدت في ديوانه زجلاً مدِيحاً، يذكر في آخره أنه نظمه مُعارضاً لابن قُزمان.وهذا دليل على أنه معاصره، أو متأخر عنه» (18)

إن مدغليس يعد واحداً من الزجالين الكبار، إذ يعده أهل الأندلس خليفة لابن قزمان، ويعتبرون مكانته في الزجل موازية لمكانة أبي تمام في الشعر الفصيح، ومن بين الزجالين الذين اشتهروا بالبلاد الأندلسية: ابن جحدر الإشبيلي، وابن غرلة، و (أبو زيد البكّازور البلنسي)، و (أبو بكر بن صارم الإشبيلي)، وغيرهم.

ويؤكد ( تقي الدين أبو بكر بن حجة الحموي) أن مخترع الزجل هو ابن قُزمان، حيث يقول في هذا الصدد: «...وناهيك بهذه الصلة التي هي على مثله عايدة، واغتفر له أهل عصره اللّحن، وعدُّوه له من مطرب التلحين، فإنه أتى في نظمه بنكت تحرك العيدان، وتغني عن القوانين، ولهذا عدل قِبلة المغرب، وهو الإمام أبو بكر بن قُزمان، تغمده الله تعالى برحمته ورضوانه، واخترع فناً سمَّاهُ الزجل، لم يُسبق إليه، وجعل إعرابه لحنه، فامتدت إليه الأيدي، وعقدت الخناصر عليه.

ولما نظم بلفظ العوام تمكن منه أديب الطبع، وكان قد حبس عنانه عن العربيات، ورأى بيوته واسعة الفنا، فأسكن مخدرات نكته بتلك الأبيات..» (19)

2- الشعر الشعبي والثورة التحريرية بدائرة مروانة (1955-1962م):

صدر هذا الكتاب عن منشورات ديوان المطبوعات الجامعية بالجزائر، دون ذكر لتاريخ الطبع، وقد نبه الدكتور العربي دحو لدى تقديمه لهذا الكتاب إلى الأسباب، والدوافع التي دعته إلى تركيز الاهتمام على هذا الموضوع، والتي أرجعها إلى دوافع ذاتية، وعاطفية، ودوافع معرفية تتعلق بسد فراغ معرفي، حيث يقول: «يعود اهتمامي بهذا الموضوع إلى مسقط رأسي من جهة، وإلى معايشتي للثورة التحريرية من جهة ثانية، وإلى إكباري لهذه الثورة المظفرة من جهة ثالثة، وإلى حاجة الجامعة الجزائرية إلى متخصصين في هذا الميدان من جهة رابعة، وإلى خلو المكتبة الجزائرية باللغة العربية من هذه الدراسات حتى الآن، والتي تعتبر حديثة العهد في العالم، وإلى اقتناعي أولاً، وأخيراً بوجود أشياء كثيرة في النص الشعبي، لا نجدها في النص المدرسي، ومن هنا اقتنعت باختيار هذا الموضوع الذي أتعبني كثيراً عندما دخلت ميدان التطبيق لأسباب منها ما يتصل بإمكانياتي المادية، ومنها ما يتصل بنفسية الشعراء، والرواة الذين اتصلت بهم، والذين كانوا يمدونني بالنزر القليل كل مرة، بالرغم من كل الأساليب التي استخدمتها معهم، وخاصة أولئك الذين اعتلوا خشبات المسرح، وظهروا على شاشة التلفزيون، وتعودوا أخذ المقابل عما يقدمونه، إذ لا يعرفون أهمية البحث العلمي، ولا غايته، وفوائده، ومادامت الوسائل المادية التي استخدمتها في الجمع، والبحث معاً كلها كانت من إمكانياتي الشخصية، ومن هنا كان التأثير البالغ علي إذ لولا حبي للعلم، ولولا أستاذي الفاضل، ومساعدته مع أسرته الكريمة ما قطعت المسافة إلى هدفي الذي سعيت إليه أول الأمر، ولما بلغت ببحثي هذه المرحلة» (20).

يتضح من خلال هذا التقديم مدى ما كابده الدكتور العربي دحو من جهود مضنية في سبيل تأليف هذا الكتاب، فقد بذل صاحبه كثيراً من الجهد، فهذا الكتابي هو ثمرة مرحلة مهمة من حياته مليئة بعمل دؤوب لا يعتري صاحبه سأم، أو كلل، لأن الحافز عليها الطموح العارم، والجامح، والرغبة الأكيدة في تحقيق الذات بهدفها الأسمى، وخدمة الوطن، والتأريخ بدقة لثورة التحرير المظفرة، التي يُكن لها من الحبّ، والإخلاص، والوفاء، ما لا يعلمه، ولا يجزي به إلا الله.

يستهل الباحث الجاد الدكتور العربي دحو كتابه هذا، في بابه الأول بالحديث عن منطقة مروانة، وسكانها، وشعبها قبل اندلاع ثورة التحرير الجزائرية، وقد نبه منذ البداية إلى أنها ليست قديمة العهد في الحقيقة، وقد عُرفت بهذا الاسم الذي اختلف فيه، ولكن الاعتقاد السائد أن رجلاً اقترف جريمة قتل يدعى (مروان)، ثم اختفى في الوادي الذي سُمي بعدها باسمه، وبعدها نُقل إلى (مروانة)، وهناك من يشير إلى أن الكلمة مأخوذة من كلمتي (مروا)، ومن (هنا)، والمقصود أن جماعة عبرت المكان، فضل أفرادها طريقهم، وبعد عبورهم الوادي، واجتيازه، وجدوا أثر مرور أصحابهم، فقالوا (مروا)، ومن هنا، ثم تم التحويل من أجل الاقتضاب، والاختصار، فقالوا (مروان)، أو (مروانة) (21).

وقد قدم الدكتور العربي دحو لمحة عن السكان في العهد الفرنسي، حيث نبه إلى أن إخضاع منطقة (مروانة) لم يكن دفعة واحدة، حيث لقي الاحتلال الفرنسي مقاومة شديدة سنة: 1858م، وقد تم احتلال المنطقة كاملة سنة: 1895م، ومن جملة ما ترتب عن الاحتلال نزع الأراضي من أصحابها الحقيقيين، ولاسيما منهم أولاد فاطمة، وحيدوسة، حيث تم تقسيم الأملاك على المعمرين، وبالنسبة إلى لغة السكان، وعلى الرغم من إنشاء المدارس الفرنسية بالمنطقة، غير أن إقبال السكان كان ضعيفاً جداً، لأن أغلاب الآباء كانوا يعتقدون أن التعلم في المدارس الفرنسية حرام، وقد كان تعلم العربية متوفراً في الكتاب، حيث كان تعليم القرآن الكريم، وقد كانت تتوفر مدرسة واحدة أنشأتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بمدينة مروانة، ولغة السكان المعروفة هناك هي (اللهجة العامية)، أو (الدارجة) على المستوى العام، وعلى مستوى القبائل، فتوجد لديهم (لهجات الشاوية)، والتي هي متداولة بينهم (22).

وقد تطرق الدكتور العربي دحو في هذا القسم من الكتاب إلى بعض الأماكن التاريخية التي وردت في النصوص الشعرية التي قام بجمعها: الجبال، والسجون، والشوارع، والمدن، والقرى والعواصم، كما قدم لمحة عن الشعر الشعبي قبل ثورة التحرير الجزائرية المظفرة، وقدم عدة ملاحظات مهمة في هذا الشأن، لعل أبرزها تأكيده على أن المنطقة تمتاز في مختلف فتراتها، ومراحلها بوجود نصوص شعرية تعبر عن أفكار أصحابها، وتسجل قضاياهم، وتنقل أحاسيسهم، وبالنسبة إلى موضوعات النصوص السابقة لثورة التحرير، فالدكتور العربي دحو لم يجد فروقاً كبيرة بين مستوى النص قبل الثورة التحريرية، وخلالها، سواء ما يخص اللغة، أو طول النفس، أو طريقة الإنشاد، أو الألحان التي كانت تعطى لها، حيث اتسمت لغة النص بوجود اللهجة العامية، واللهجة الشاوية (23).

وقد انقسمت أنواع النصوص في هذه الفترة إلى نصوص دينية، ونصوص تُجسد الأفراح، والمناسبات العامة، مثل: الزواج، والختان، وبعض الحرف، إضافة إلى أغاني الأطفال، وبعض النصوص التي تُبرز ظاهرة الهجرة والحنين.

وقد سلط الدكتور العربي دحو الضوء في الباب الثاني من الكتاب على اندلاع الثورة التحريرية المظفرة، ومواكبة الشعر لأحداثها، حيث كانت قرية (سريانة) هي المنطلق الأول لاندلاع الثورة، حيث تعرضت ثكنة بها إلى هجوم، وقد جسدت النصوص الشعرية بعض الأحداث، والأماكن التي شهدت الأحداث الأولى للثورة، وقد رمى أصحاب النصوص إلى جملة من الأبعاد، من بينها: البعد السياسي، والبعد الاجتماعي، والبعد العسكري، والبعد الاقتصادي، والبعد التاريخي، وقد خلص الدكتور العربي دحو في ختام دراسته لهذه الأبعاد، وعرضه لها إلى أنه لا يمكن لأحد أن يدعي بأن « هذه الأبعاد المستنجة من بعض النصوص قيلت في فترة الثورة التحريرية بالمنطقة (مروانة)، هي وحدها المحددة لوظيفة النص الشعبي بالنسبة لموضوعاته، أو لمعانيه التي نجدها فيه، بل إن هذه الأبعاد ما هي إلا مفاتيح عادية تمكن الراغب في الدخول إلى الجوانب الأخرى...أقول (العربي دحو)أنها-الأبعاد-قد حددت وظيفة النص الشعبي في هذه الفترة، بالنسبة لهذه المنطقة، وهي وظيفة في مجملها أدت خدمات جليلة للثورة، وأصحابها، ولعامة الناس في أوانها، وزمانها...، كما أنها قدمت علاجاً واضحاً، وناجحاً للإنسان إبان الحرب، بصورة عامة، لأنها جددت العزم لكل من خارت قواه، ووجهت كل من ضل دربه، وأهبت مشاعر كل من عقد العزم على الاحتراق بالنار، وأججت العواطف لدى كل من تعود الخمول، والركود» (24).

توقف الباحث الدكتور العربي دحو في الباب الثالث، والأخير من الكتاب مع الخصائص الفنية العامة للشعر الشعبي في دائرة مروانة، حيث لاحظ أن الألفاظ، والكلمات التي استخدمها الشعراء الشعبيون في النصوص يُمكن إعادتها إلى العربية الفصحى بنسبة عالية جداً، وهناك إخلال بقواعد الكتابة، والعبارات كانت عادية وبسيطة جداً، ولا يوجد فيها أي تعقيد، كما درس الدكتور العربي دحو الخيال، والعاطفة، والوزن، وقد نبه الدكتور العربي دحو بالنسبة إلى الخيال، والعاطفة، والوزن إلى أن الخيال« كان مُصوراً للواقع الخصب بالأحداث التي فرضتها الظروف الجديدة، فكان بذلك متصلاً بالحقيقة ناقلاً لها، أكثر مما قدم صوراً فنية بمعناها القديم، أو الحديث، أي أن سمة الخيال الشعبي المعروف بالصفاء هي نفسها التي نجدها تميز نصوص فترة الحرب التحريرية، مع اختفاء الجنوح، أو الغلو المعروف عنه في القصص الشعبي في هذه النصوص....، ونفس الشيء يمكن قوله عن العاطفة، أعني أنها مع نبلها تمتاز بانبعاثها من أعماقهم بصدق وإخلاص، وإعجاب بالثورة، والثوار، مما جعلها عبارة عن لهيب مشتعل، وخاصة عندما تؤدى النصوص بألحانها، حتى ولو كانت موضوعاتها نقدية، فإن صدقها لا نعدمه في أي نص كان، ولعل خيالهم الصافي من جهته يؤكد صدق عاطفتهم، أو عواطفهم، لأنهم لا يتكلفون فيما يقولون...، أما الوزن فإن تأثير اللهجات الشاوية على لغة السكان العامية جعلت ضبطه غير ممكن....، والوزن الذي نجده قريباً من نصوصهم هو بحر المتدارك في الغالب، وفي بعض الأحيان بحر الرجز وإن كان قليلاً جداً» (25).

ومما يجري مجرى هذا الكتاب، تأليف آخر للدكتور العربي دحو، يبين جهوده في خدمة الشعر الشعبي، عنوانه: «بعض النماذج الوطنية في الشعر الشعبي الأوراسي خلال الثورة التحريرية-دراسة تاريخية فنية مقارنة في نصوص الشعر الشعبي الأوراسي وأشعار بعض الأقطار العربية-».

3-بعض النماذج الوطنية في الشعر الشعبي الأوراسي خلال الثورة التحريرية:

طُبع هذا الكتاب ضمن منشورات ديوان المطبوعات الجامعية بالجزائر، دون ذكر لتاريخ نشره، ويبدو أنه قد نُشر خلال سنوات الثمانينيات من القرن المنصرم، ولقد افتتح الدكتور العربي دحو كتابه هذا (بعض النماذج الوطنية في الشعر الشعبي الأوراسي خلال الثورة التحريرية-دراسة تاريخية فنية مقارنة في نصوص الشعر الشعبي الأوراسي وأشعار بعض الأقطار العربية- )، بالتساؤل: لماذا نماذج المقاومة في الأوراس أثناء الثورة التحريرية؟ هل هذه وحدها يُمكن أن يعتمد عليها كموضوع يعطينا دراسة كهذه؟، أم أن أقرب الزمان الذي برزت فيه هذه النماذج هي التي دفعتنا إلى هذا الغرض؟أم المناسبة هي التي أجبرتنا على اختيار الموضوع؟

يُنبه الدكتور العربي دحو بعض إثارته لهذه الأسئلة إلى أن كثيراً من الباحثين اعتادوا ذكر الدوافع التي أجبرتهم، أو وجهتهم لتناول الموضوع الذي يبحثونه، وذاك أمر طبيعي في الحقيقية، بيد أنه لا يسير في الفلك نفسه، حيث نلفيه يقول في المقدمة: « لأني في الواقع أخاف أن لا أضبط كل الدوافع والأسباب التي جعلتني أبحث الموضوع، لأن صلتي به قديمة، وتناولته من زوايا متعددة، وفي كل مرة أجد موضوعاً جديداً يدفعني إلى الكتابة، ومن هذه الموضوعات هذا العنوان الذي اخترته لهذا البحث، فضلاً عن دراسة وثائقية تنتظر فارسها مُستقبلاً، وعساي أكون صاحبها مرة أخرى، وهي تسجيل رواية النماذج الحية من أبطال ثورة نوفمبر الخالدة في كتاب، أو في دراسة تكون مصدراً أساسياً لكل الباحثين، وخاصة أبطال الفاتح من نوفمبر الذي التقوا في (أولاد موسى)، وفي أماكن أخرى، وما زالوا على قيد الحياة.

فضلاً عن المهمة الوطنية، والإنسانية، والواجب الأخلاقي، والتاريخي التي تدعونا مجتمعة إلى الالتفات لهذه المنطقة المجاهدة، وأهاليها الأبطال، وتسجيل بطولاتهم حتى تكون قدوة تحتذى، وحفظاً للأحداث التي سجلت هذه البطولات، وقدمتها لنا النصوص في شكل وثائق تاريخية حية، ستستكمل ملامحها-التاريخية خاصة-عندما تحل الرموز الواردة فيها، وتفسر الإشارة التي احتوتها، وتحدد أماكن، وأسماء الأشخاص التي وردت فيها تحديداً علمياً دقيقاً...

ومهما يكن فهذه الدراسة تظل حتى الآن وحيدة في ميدانها بالنسبة للمنطقة-حسب معلوماتنا الحالية-ولذلك سيكون لها فضل السبق على الأقل في توجيه الأقلام إلى هذا الموضوع الخصب الثري» (26).

تحدث الدكتور العربي دحو في المدخل الذي وسمه ب: (مع التاريخ)، عن عدة قضايا تتصل بتحديد جملة من المصطلحات، ورصد أبعادها المعرفية مثل: الجهاد، والمقاومة، والثورة، ونبه إلى بعض الرؤى، والأفكار المتصلة بشعر الثورة الشعبي تاريخياً، كما أشار إلى قضية النموذج في هذه النصوص الشعبية، وأشار كذلك إلى جملة من الإشكاليات المعرفية، من بينها بيئة هذه النصوص، وطرائق تدولها.

وقد جعل الفصل الأول للحديث عن هذه النماذج، والفصل الثاني تحدث عن بعض أقطاب أول نوفمبر1954م، مثل الحاج لخضر، والشهيد ابن بولعيد، وقرين بلقاسم، والفصل الأخير أشار إلى مكانة هذه النصوص بين النصوص العربية، كما قدم عدة ملاحظات عن شتى الجوانب الفنية في هذه النصوص، مثل: اللغة، والصورة التي رأى لدى رصدها أن الشعراء قد ركزوا على التراث الإسلامي، وعلى العادات والتقاليد العربية الإسلامية، كما نبه إلى بعض القضايا المتصلة بالوزن، والجوانب الموسيقية.

4- ديوان الشعر الشعبي عن الثورة التحريرية بالعربية والأمازيغية (الشاوية):

صدر هذا الديوان في طبعته الثانية، عن منشورات مؤسسة بونة للبحوث والدراسات بعنابة، سنة: 1433هـ/2012م، بالتعاون مع وزارة المجاهدين الجزائرية بمناسبة الذكرى الخمسين لعيد الاستقلال، وقد جاء في مستهل غلافه: جمع، وتوثيق، وتصنيف، وشرح، وتعليق، وترجمة إلى العربية، وتقديم: الدكتور العربي دحو، وقد نبه المؤلف إلى أن هذا الكتاب في طبعته الأولى لم ينل التوزيع الكافي على مؤسسات وزارة الثقافة التي تكفلت بتمويله، بيد أنه كان له حضوره المحترم في الوسط الجامعي المختص، والثقافي العام، وحتى الفني، حيث اعتمدته دراسات في مذكرات التخرج، في الماجستير، والدكتوراه، كما تمت الإفادة من مضامينه في الدراسات، والمحاضرات، سواء منها التدريسية العادية، أو المقدمة في الندوات، والملتقيات، والاحتفاء بالمناسبات الوطنية، كما استفادت من مادته وسائل الإعلام، ولاسيما منها المرئية، والمسموعة، كما نبه الدكتور العربي دحو في مقدمته إلى بعض الأصداء التي لقيتها الطبعة الأولى من هذا الكتاب القيم، فنلفيه، يقول: « في الطبعة الأولى لهذا الجهد كنت قد نوهت إلى أني أسعد كثيرا بأي شيء يرد عني بخصوصه. وبالرغم من أن العمل لم يسوق ولم ينل التوزيع الكافي على مؤسسات وزارة الثقافة التي تكفلت بتمويله، فقد كان للعمل حضور محترم جدا في الوسط المختص (الجامعي) والثقافي العام، وحتى الفني. بحيث اعتمدته دراسات في مذكرات التخرج، والماجستير والدكتوراه. كما استعملت مادته في الدراسات والمحاضرات سواء منها التدريسية العادية أو المقدمة في الندوات والملتقيات والاحتفاء بالمناسبات الوطنية.

كما استفادت منها (المادة) وسائل الإعلام، وبخاصة المرئية منها، والمسموعة، إذ تعود إليها بتقديم منها نماذج عن الموضوعات التي تتناولها، وتتواصل معي في حوارات بشأنها من حين لحين ومنها على سبيل الذكر حصة " ألوان من بلادي " التي اعتمد جل عملها على نصوص المدونة هذه والتي فازت بها في مسابقة التلفزيونات العربية قبل مدة، إلى جانب اعتماد مغنين عليها في أداء نصوص منها إلى غير ذلك مما أعتقد أن المتلقي يعرف ذلك ولا شك. وفي موقعي في الشبكة العنكبوتية وصفحة الفايسبوك بعض تلك الردود، وهذه غاية ما يتمنى أي باحث أو كاتب لكن هناك متطفلا على الموضوع لا يستحق ذكر اسمه لبعده بعد السماء عن كل ما هو علمي أكاديمي أو ثقافي فني قد أخذ بعض النصوص ونشرها في وريقات في عمل له سماها (موسوعة) فشوهها أيما تشويه إذ أسقط عناوين كل النصوص التي أثبتها وهي عبارة عن رباعيات، وأدمجها في نص واحد على أساس انها قصيدة واحدة ما شوه المعنى، وافقدها بنيتها الفنية والشكلية ويبدو انه تعمد ذلك حتى لا يحيل على المصدر الذي أخذ منه، وهو ما لم يفعله فعلا.

ويطول الكلام الذي يمكن أن يقال عنه، وسأثبته لاحقا، وبالتفصيل عندما تصدر الطبعة هذه في موضعي بالشبكة العنكبوتية وبالشواهد التي شوهها.

وحتى لا استطرد في متابعة ما قيل عن المدونة، فإني ارتأيت أن أخالف المعهود في مقدمات طبع الكتب فأورد جملا للأكاديميين تعنيها. فهي أبلغ تعبير وأفيد أيضا للمتلقي بعامة والمختص بخاصة... ومن الأقوال التي تعني الموضوع قول الدكتور (لخضر عيكوس): "هذه النصوص الشعرية ... [ تعد ] مصدرا هاما من مصادر الثورة لأنها من أدق الوثائق التاريخية التي لم يصبها الزيف ولم يتسرب إليها التملق، ... ومن ثم ستظل هذه النصوص محامي صادقا مخلصا دافعا لكل دعوى تحاول تزوير الحقيقة، وتسعى لطمس جهود تضحيات أناس ..."

أما الأستاذ الشاعر (شراف شناف) في بحث له مطول عن المدونة فنأخذ منه الآتي: (تنطلق الثورة من رحم الشاعر الشعبي لتعانق كل ذرة من ذرات هذا التراب الزكي، العابق بدماء الشهداء، الذين ضحوا بالنفس، والنفيس لأجل أن يعيش أبناء هذا الوطن سالمين، غانمين معافين...تنبثق الثورة من رحم الظلم، فتمور، وتهيج لتنسف غبار الركود المنسدل على الذاكرة الشعبية.

إن صرفنا النظر إلى الشعر الشعبي، وشبكة العلاقات التي خلقها، يُمكن أن نهدم البؤرة الأولى، ونزيحها من مكانها، ليتجلى الشعر الشعبي بؤرة مركزية، إذ يُشكل قطعة المغناطيس التي تستقطب كل ما هو ممكن، عن طريق الحساسية المفرطة التي يخلقها الشعر، أو جو الشعر بالأحرى، حين يرقص على الأوتار النفسية للإنسان الثوري، ويُحرك الكوامن الداخلية فيه.

ومن جملة ما يراه الدكتور (أمحمد عزوي) بخصوص المدونة نورد من بحثه المطول كذلك قوله: "ويمكن أن نعتبر هذا الجانب الفكري الذي اضطلع به الأستاذ، مهمة وطنية كلف نفسه بنفسه، القيام بها، دون أن ينتظر جزاء ولا شكورا.

وذلك بإصداره مجموعة قيمة من الدراسات تتعلق بالشعر الشعبي إبان الثورة التحريرية الكبرى (54-62) وبذلك يكون قد حقق نتيجتين هامتين:

الأولى: أنه ساهم بشكل فعال في إثراء الدراسات الشعبية بصفة عامة، والأدب الشعبي الجزائري بصفة خاصة. وهو مجال قلَّ من يتجه إليه، على الرغم من أهميته المتمثلة في ربط الجذور بالفروع وبهذا يكون وضع لبنه في أساس الدراسات التنظيرية للأدب الشعبي الجزائري.

أما الثانية: فبعمله هذا يكون قد سجل تاريخا بأكمله، لفترة هي من أكثر الفترات تعقيدا، ولازال الكثير من الشباب لا يعرف عنها إلا القليل لعدم الكتابة الجادة حول هذه الفترة وذلك بجمعه لنصوص شعرية متنوعة زمانا ومكانا" » (27).

إن هذا الكتاب يُمكن أن نصفه بأنه بمثابة موسوعة شعرية شاملة، رصد فيه الدكتور العربي دحو جُملة من القضايا المتصلة بثورة التحرير الجزائرية، كما جسدها الشعراء، فأدرج القصائد المتعلقة بالمكان، وبالأشخاص والمجموعات، والمؤسسات الاستعمارية، وبالأشخاص والمجموعات والمؤسسات الوطنية، وبالمعارك والأحداث، وبالعتاد والآلات العسكرية، و التاريخ بالأيام، والسجون والمعتقلات، والأشقاء، والأصدقاء، وفرحة الاستقلال، كما وضع فيه مجموعة من الأبيات، والرباعيات، والمقطوعات المتنوعة.

ثانياً: أضواء على جهوده في دراسة الأدب المغربي (أدب المغرب العربي) القديم:

1- لمحة عامة عن بلاد المغرب العربي والعصور الأدبية المغربية:

أ- اسم المغرب ومدلوله:

تقع بلادُ المغرب في القسم الشمالي من القارة الإفريقية، على ساحل البحر الأبيض المتوسط من جنوبه، وقد اختلف المؤرخّون والجغرافيون في تحْديد مدلولِه، فقد كان يُراد باسمِ « المغرب » في أوّل الأمر كل ما يقابل المشرق من البلاد (، ولهذا أدخل فيه بعض المؤرخين مصر والأندلس كالمقدسـي « أحسن التقاسيم » وعلي بن سعيد المغربي صاحب كتاب «فلك الأرب، المحيط على لغة العرب »، « وفي أيام العباسيين زاد مدلول المغرب اتساعا فصارت الشام أيضا ضمن المغرب، إذ يروي المسعودي أنّ العباسيين قسّموا مملكتهم إلى قِسمين، وهما: المغرب، ويشمل الشام ومصر وإفريقية وما يليها غربا، والمشرق ويشمل بلاد فارس وما يليها شرقا، وأبقى آخرون على « المغرب » الحالي كابن عِذَاري في البيـان المُغرب، وابن أبي دينار في المؤنس، فأخرجوا منه الأندلس، وجعلوا حدود المغرب تمتد من بحر النيل شرقاُ حتى ساحل المحيط الأطلسي غرباُ.

بينما نجد طائفة من الكتاب ظلّت تخْلِطُ بين لفظي: « المغرب » و«إفريقية » كالبكري الذي يقول في كتابه وصف إفريقية: « و حد إفريقية طولها من برقة (بنغازي ) شرقاً إلى طنجة الخضراء غرباً... »، ولكن ذلك لم يستمر طويلاً، فلم يلبثْ معنى كلٍّ من اللفظين أنْ تحدَّدَ

ولقد انتهى مصطلح« المغرب » عند المؤرخين و الجغرافيين العرب إلى أنْ يشمَلَ كُلَّ ما يلي مصر غرباً حتى المحيط الأطلسي، وقد قُسِّمَ المغرب إلى ثلاثة أقسام كبيرة بحسب قربها أو بعدها من مركز الخلافة في المشرق، و هي: أ. المغرب الأدنى: ويسمى أيضا إفريقية، ويبتدئ من مدينة السّلوم المصرية شرقا إلى مدينة بجاية الجزائرية غربا. وكانت عاصمته القيروان أيام حكم الأغالبة، ثم المهدية أيام الفاطميين، ثم مدينة تونس منذ عهد الحفصيين إلى اليوم.

ب. المغرب الأوسط: وهو من مدينة بجاية شرقا، إلى وادي ملوية غربا، وهذا الوادي يقع بين مدينتي تلمسان الجزائرية، و (تازا) المغربية، وكانت عاصمته مدينة تيهرت في عهد الدولة الرستمية الخارجية الاباضية (160-299هـ)، وفي الأيـام الأولى للدولة الزيرية الصنهاجية (361-543هـ) التي خلفت الفاطميين في حكم المغرب، صارت العاصمة مدينة أشير بالقرب مدينة المدية الجزائرية، ثم انتقلت العاصمة إلى قلعة بني حماد، ثم بجاية أيام الدولة الحمادية (405-547هـ)، وفي أيام دولة بني زيان (عبد الواد) صارت العاصمة تلمسـان في القرن السابـع الهجري (633-962هـ)، وأخيرا صارت جزائر بني مزغنة، وهي مدينة الجزائر الحالية، هي العاصمة حتى اليوم، وذلك منذ أن حكم العثمانيون هذه المدينة نحو سنة 1526م.

ج. المغرب الأقصى: من وادي ملوية شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، وترددت عاصمة المغرب الأقصى بين مدينتي فـاس (البيضاء) ومرّاكش (الحمراء)، فالأدارسة أسسوا مدينة فـاس سنة 191هـ، واتخذوها عاصمة لهم، ثم جاء المرابطـون وأسّسـوا مدينـة مرّاكـش سنة 463 هـ واتخذوها عاصمة، ثم اتبعهم الموحدون في اتخاذ مرّاكش عاصمة كذلك. ثم جاء بنو مرين في القـرن السـابع الهجـري (647-814هـ) فاتخذوا مدينة فاس قاعدة لحكمهم، وتبعهم في ذلك بنو وطاس في القرن التاسع الهجري إلى أن جاء السعديون في القرن العاشر الهجري، فنقلوا عاصمتهم إلى مدينة مرّاكش، أمّا عاصمة المغرب اليوم فهي مدينة الرباط التي اختارها الفرنسيُّون أيام الاحتلال لتكون مركزاً إداريا لهم سنة 1912م .

وتقسيم المغرب العربي إلى الأقسام الثلاثة السابقة تقسيم قديم يرجع إلى عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان آخر القرن الأول الهجري، وقد ظل إلى القرن العاشر الهجري، ثم لمّا استولى العثمانيون على المغربين: الأدنى والأوسط قسموهما تقسيما جديدا حسب الدول التي أنشؤوها فيهما فانقسما إلى: ليبيا وتونس والجزائر. أما المغرب الأقصى فَلأَنّهُ سَلِمَ من الحُكم العثماني، ظلّ له اسمُه العربي القديم وهو (المغرب) مع كلمة الأقصى أو بدونها، ولو أنه كان يعرف إلى عهد قريب باسم (مَرّاكُش) عاصمة الجزء الجنوبي منه.

أما أهل التاريخ، و السياسة في وقتنا الحاضر، فالمغرب عندهم لا يعني سوى تلك الأقطـار مجتمعـة ( ليبيـا، وتونس، والجزائر، والمغـرب، وموريتانيا)، ويطلق على مجموعها اسم « بلاد المغـرب العربـي » (28).

عصور الأدب المغربي:

قَسّم الأستاذ رابح بونار في كتابه (المغرب العربي: تاريخه وثقافته) العصور الأدبيـة في المغرب العربي إلى خمسة عصور حسب تصوّره واستقرائه، وهي:

1- عصر النشوء الثقافي: ويبتدئ من الفتح الإسلامي، وينتهي بقيام الدولة الأغلبية (50-184هـ).

2- عصر النهضة الثقافية: ويبتدئ بقيام الدولة الأغلبية، وينتهي بسقوطها أواخر القرن الثالث الهجري (184-296هـ).

3- عصر الازدهار الثقافي: ويبتدئ بقيام الدولة الفاطمية، وينتهي بسقوط دولة بني زيري (296-547هـ).

4- عصر النّضج الثقافي: ويبتدئ بقيام دولة الموحدين، وينتهي بسقوط دولة بني زيان بالجزائر (547-958هـ).

5- عصر الانحطاط الثقافي: ويبتدئ بقيام دولة الأتراك (العثمانيين) بالجزائر وتونس، وينتهي بالانبعاث الثقافي في أوائل القرن العشرين بالجزائر (1515-1931م)

لقد كان تقسيم الأستاذ رابح بونار منطقيا واضحا في جملته، ماعدا العصر الأخير الذي سمّاهُ (عصر الانحطاط)، فإنّي أرى أنه لم يكن عصر انحطاط بل كان عصرا مزدهرا، ومن يجادل في ذلك يعود إلى كتاب تاريخ الجزائر الثقافي للدكتور (أبو القاسم سعد الله). وأقترح أن يسمّى: عصر العثمانيين والسعديين... (1515-1830م).

6- العصر الحديث: ويبدأ منذ الاحتلال الفرنسي للجزائر سنة 1830م إلى اليوم... « وهو تاريخ حاسم يُعتبرُ درجة التّدهور العام للمغرب (العربي) خلال العصور الوسطى » )29).

والحقيقة التي يقف عليها كل من يُتابع قضايا أدب المغرب العربي القديم، و الأدب الجزائري التليد، هي أنه لم ينل حظاً وافراً من العناية، إذ ليس يخفى أن الأدب الجزائري القديم لم يحظ بالعناية الكافية من لدن مختلف الدارسين، والباحثين، ولعل أحداً لا يحتاج إلى كبير عناء لكي يدرك هذا الأمر، فالملاحظة التي يخرج بها كثير من المهتمين بقضايا الأدب الجزائري القديم، هي أنه لقي صدوداً، وإعراضاً من قبل جملة من مؤرخي الأدب، وهذا ما عبر عنه الباحث رابح بونار في مقدمة كتابه: «المغرب العربي: تاريخه وثقافته»، بقوله: «إن الباعث الحقيقي على تأليف هذا الكتاب هو إيفاء الحركة الثقافية، وتاريخها بالقطر الأول (الجزائر)، وقد أغفله مؤرخو الآداب إغفالاً، وجهل كثير من الدارسين نشاط علمائه، وأدبائه في مختلف العصور»(30).

ويؤكد الشيخ العلاّمة عثمان الكعاك هذه الملاحظة في كتاب يكتسي أهمية بالغة، وسمه ب: «بلاغة العرب في الجزائر»، حيث يذهب إلى القول: «إن العلماء قد اعتنوا بالتنقيب عن آداب اللغة العربية، وتاريخها، وتطوراتها في مختلف الأصقاع الإسلامية، إلا الجزائر، فإنهم أغفلوها، ولو سألت أحدهم أن يسمي لك أديباً جزائرياً لعجز عن ذلك، مع أن الجزائر قد أخرجت من الأدباء، وعشاق البلاغة، ورسل الفصاحة، والبيان ما يكون لها به الفخر، وما تسمو به مرتبتها في تاريخ الأدب العربي العام»(31).

ومن بين الدراسات الحديثة التي اهتمت ببعض قضايا الأدب المغربي القديم، دراسة الناقد المعروف الدكتور عبد الملك مرتاض المعنونة ب: «الأدب الجزائري القديم-دراسة في الجذور-»، فهذا الكتاب ثمرة جهود جديرة بكلّ تقدير، درس فيه الدكتور عبد الملك مرتاض بمنهجية علمية لافتة للنظر، قضايا تكتسي أهمية بالغة، تتصل بالأدب الجزائري القديم، وحلل فيه بعض النصوص الأدبية التي تعد درراً تراثية ثمينة، وقد ساعد الناقد الدكتور عبد الملك مرتاض على إنجاز هذه الدراسة شغفه، وانكبابه على قراءة، ومطالعة التراث الجزائري القديم، مستقصياً الأخبار، والنصوص الأدبية القديمة، حيث أفاد أيما إفادة من قراءاته المتنوعة عن تاريخ الأدب الجزائري القديم، وتناول الموضوع من وجوه عديدة، ومن ميزة الباحث الجاد عبد الملك مرتاض أنه لا يترك عنصراً من عناصر الموضوع، إلا بعد أن يوفيه حقّه من الدراسة، وقد استعان بمصادر، ومراجع كثيرة، ومتنوعة في الصنف، والمادة.

إن العلاّمة الدكتور عبد الملك مرتاض يُدرك أهمية دراسة الأدب الجزائري القديم، وحاجة المكتبة العربية إلى مثل هذه الدراسات الجادة، حيث يحدد الأسباب التي دعته إلى تأليف هذا الكتاب بقوله: «أمّا ما حملنا على دراسة هذه الفترة المبكرة من عمر هذا الأدب الطويل، فقد يعود إلى ما رأيناه من تقاعس الباحثين الجزائريين، الشباب خصوصاً، وإصرارهم على التجانف عن مُدارسة التراث الوطني بحجج واهية، وعلل خاوية...»(32).

ومن باب النقد الذاتي، يرى الدكتور عبد الملك مرتاض أن من أسباب عدم الإقبال على دراسة الأدب الجزائري القديم، من قبل الباحثين الشباب، هو التقصير في التوجيه، والقصور في تدريس هذه المادة (الأدب الجزائري القديم)، التي قُررت في الجامعة الجزائرية منذ أكثر من ربع قرن.

في مقدمته التحليلية الشائقة تساءل الدكتور عبد الملك مرتاض: (الأدب العربي القديم في الجزائر: هل؟ وما؟ ولماذا؟ وكيف؟).وهو يرى أنه لا يجوز أن نتحدث عن هذا الأدب دون إثارة مثل هذه الأسئلة، و يذهب إلى التأكيد على أن الأدب العربي القديم في الجزائر موجود ما في ذلك ريب، وأن قدمه ينطلق، أساساً، من تاريخ تأسيس الدولة الرستمية التي يرتبط بعض الشعر، والنثر بحكامها أنفسهم.

وقد أوضح الدكتور عبد الملك مرتاض أن الشاعر (بكر بن حماد)، هو الذي يمثل الأديب الجزائري الأول بحق، وذلك طوال عهد الرستميين، بحكم أنه أكثر الشعراء الذين ينسبون إلى هذا العهد، وهو أجملهم نسجاً، وألصقهم مكانة بالشعر، وهذا ما دفعه إلى القيام بدراسة تحليلية معمقة، وطويلة في قصيدته الشهيرة التي عُرفت بقصيدة (ذكر الموت).

وبالنسبة إلى أهم المصادر الثمينة، التي استعان بها الدكتور عبد الملك مرتاض، وأفاد منها، فقد قام بتوصيفها، وقدم لمحة عنها، و من أبرزها:

1.البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، لابن عذاري المراكشي، وقد عبر المؤلف عن رؤيته لهذا المصدر، وقيمته، بالإشارة إلى أنه«ولئن كان هذا المصدر من أقدم الوثائق التاريخية التي تحدثت عن الشعر الجزائري على عهد الرستميين، فإنه لم يكد يختص تيهرت وشعراءها، إلا ببضع صفحات من الجزء الأول.

وقد وقع ابن عذاري في خطإ تاريخي لدى ترجمته لبكر بن حمّاد (و هذه الترجمة هي التي عوّلت عليها، فيما بعد، جميع المراجع التي لها صلة بهذه المسألة)، حيث ذهب المراكشي إلى أن بكراً حين ألم على بغداد التقى فيها، من بين من التقى بهم هناك، بمسلم بن الوليد المعروف تحت لقب (صريع الغواني) الذي توفي سنة: 208هـ، في حين ابن حماد ولد بتيهرت سنة: 200هـ، ولكن الأغرب من هذا أن كل الذين ترجموا لبكر بن حماد وقعوا، هم أيضاً، في هذا الخطإ المتولد عن سهو من الشيخ المراكشي في إضافة هذا الشاعر إلى جملة الشعراء البغداديين الذين التقى بهم بكر بن حماد، في بغداد، ومنهم حبيب بن أوس أبو تمام الطائي، ودعبل الخزاعي ، وعلي بن الجهم... »(33).

2-المسالك والممالك، لأبي عبيد الله البكري المتوفى عام: 487هـ

يرى المؤلف أن لهذا المصدر أهمية أدبية لا تقل عن أهميته الجغرافية، حيث إنه يثبت كثيراً من المقطوعات الشعرية، وقد أفاد منه الدكتور عبد الملك مرتاض، حيث وجد فيه ثلاث مقطوعات لها صلة وثقى بمدينة تيهرت، من بينها قصيدة في وصف مدينة تيهرت لبكر بن حماد.

3-الأزهار الرياضية في أئمة وملوك الإباضية، لسليمان بن الشيخ عبد الله الباروني النفوسي

وهذا الكتاب مصدر مهم في دراسة الأدب الجزائري القديم على عهد الرستميين، حيث أورد هذا المصدر كثيراً من النصوص الشعرية، والنثرية المهمة التي تناقلتها المراجع الجزائرية المؤلفة، فيما بعد عهده، ومن أهمها:

- الدر الوقاد من شعر بكر بن حماد، لمحمد بن رمضان شاوش

- المغرب العربي: تاريخه وثقافته، لرابح بونار

- تاريخ الأدب الجزائري، لمحمد طمار .

و يبدو أن عدم وجود دراسات في الأدب المغربي القديم هو الدافع، و السبب الرئيس الذي دفع الباحث الدكتور العربي دحو لتناول مجموعة من قضايا الأدب المغربي القديم:

2- مدخل في دراسة الأدب المغربي القديم:

صدر هذا الكتاب عن منشورات ديوان المطبوعات الجامعية في الجزائر، وقد دفع الدكتور العربي دحو دراسة هذا الموضوع غياب كتابات علمية بأقلام مغربية، وغياب الدراسات التي تهتم بالأدب المغربي عموماً، وهو أدب خصب، وثري، وفيه إبداع رائع، كما يذكر الدكتور دحو في مقدمته، وقد خصص الدكتور العربي دحو الفصل الأول منه للحديث عن: «الأرض والإنسان بين مختلف الآراء والدراسات في النسب واللغة»، فأشار إلى الأرض المغربية، وتطرق إلى طبيعة سكان المنطقة قبل الفتح الإسلامي، فتوقف مع تاريخ الأمازيغ، أو البربر، باسمهم القديم، كما أشار كذلك إلى لغة السكان قبل الفتح الإسلامي، وأدبهم، حيث يقول عن هذا الموضوع: «تسكت الدراسات التي اطلعنا عليها عن قضية تعريب سكان شمال إفريقيا، ويبدو أن اهتمام هذه الدراسات بأصول السكان، وبالفتح الإسلامي صرف نظر هؤلاء الباحثين عن هذه القضية، وأن ظروف الفتح الطويلة التي عرفت المد، والجزر، قد ساعدت كذلك على عدم تحري هذه النقطة، فضلاً عن طبيعة السكان الذين نجدهم قد امتزجوا في ظروف عديدة، ومنها فترة الفتح الإسلامي، الأمر الذي جعل ظهور لغات متعددة في مختلف الفترات على ألسنة هؤلاء من السمات البارزة التي ميزت لغة السكان، وإذا عدنا إلى التاريخ محاولين تلمس بعض المظاهر اللغوية التي كانت تعرفها المنطقة قبل الفتح الإسلامي، وتعريب السكان، أمكن لنا أن نسوق سلسلة من الآراء التي لها صلة بالموضوع، منها التي تحدثت عن اللغة نفسها، أو منها التي وصفت هذه اللغة ذاتها محاولة تحديد خصائصها، ومنها التي تحدثت بطريقة أو بأخرى عن أدب هذه اللغة، أو السكان المتحدثين بها، وهي آراء في مجملها مقتضبة، فقيرة إلى الأدلة، والشواهد العلمية الكاشفة عن تعابيرها الفنية، التي تمكننا من خصائص أدبها، وتراكيبها المختلفة»(34).

وقد عرض الدكتور دحو منظور الباحث محمد الطمار الذي ذكر أن لغة قدماء المغرب كانت بسيطة، ثم تطورت مع الأيام، وتأثرت مع لغات الأمم التي جاورت البربر، أو استوطنت بلادهم، وهي ذات لهجات متنوعة كما يشاهد بين سكان القطر الجزائري، فهناك لهجة خاصة بزواوة تختلف في بعض مظاهرها عن لغة الشاوية، وبني مزاب، والتوارق، ويُطلق على هذه اللغة اسم تمازغت، وقد كانت لها كتابة، ومن أبرز الأدلة على وجودها ذلك الخط الذي عُثر عليه في مختلف الجهات، والذي يُشبه خط الطوارق، وقد كانت حروف اللغة البربرية تمثل رسوماً، وكان الخط البربري يتشكل من عشرة أحرف يسمونها (تيفناغ)، أي الحروف المنزلة بخلاف من عند الله، وأما الأشكال فهي خمسة، ويسمونها (تيسد باكير)، أي الدليل على العمل، والتوسع، وهي عكس (تيفناغ) من وضع البشر، ويذهب بعض المؤرخين إلى أن الخط البربري حديث العهد، إذ يرجع اختراعه إلى (ماسينيسا) في القرن الثالث قبل الميلاد، وقد وضعه على الحروف الهجائية الفينيقية(35).

كما تناول الدكتور العربي دحو منظور الباحث المعروف شكري فيصل، الذي نبه إلى وجود ثلاث لغات هي: اليونانية التي كانت اللغة الرسمية السائدة في الإدارة، وفي غيرها، وفي ولاية (بيزنطة)، ولغة سكان المدن التي هي عبارة عن خليط من اللغات اليونانية، واللاتينية، والفينيقية، ثم لغة السكان الأصليين، التي قال عنها: «اللغة البربرية التي تُخالطها اليونانية في السواحل، أو قريباً منها، ولم تقض عليها من تأثر بها، فقد كانت دون هذه اللغات حظاً من الاتساع، والغنى...كانت لغة فقيرة لا تكاد تعدو حياة البربر اليومية الضيقة إلى شيء وراءها من الثقافة والفكر»(36).

عالج الدكتور العربي دحو في الفصل الثاني من الكتاب، والذي جاء تحت عنوان: «السماء: العقيدة واللسان»، جملة من الأفكار، الرؤى المتصلة بالفتح الإسلامي لبلاد المغرب، وأشار إلى قضية تعريب السكان، كما توقف مع بعض الرؤى التي قُدمت عن نشأة الأدب العربي المغربي.

وفي الفصل الأخير من الكتاب، والذي وسمه ب: «أشعة الشمس تُفجر الإبداع على ألسنة أهل المغرب»، تناول الدكتور العربي دحو بعض قضايا الأدب المغربي في ظل الولاة (85-184)، فتوقف في القسم الأول مع الشعر، حيث خرج بملاحظة مفادها أن موضوعات الشعر المغربي في عهد الولاة، كما تجلى من خلال المقطوعات، والقصائد التي انتقاها بدا أنه «تتجاذبه عدة مميزات، توجز في اتصاله الوثيق بموضوع الشعر العربي المشرقي الذي يتناول الحياة اليومية للإنسان العربي عاملاً، أو مجاهداً، أو متوتراً متألماً لحدث من الأحداث، أو مهدداً متواعداً لسبب، أو لآخر، وهو دون ذلك الشعر في جمالياته اللغوية، والأسلوبية، وفي نفسه المحدود، الذي لا يتجاوز إنجاز فكرة يمكن أن تشكل ملحمة بكاملها...وتصقله العفوية والتلقائية، فيأتي بسيطاً بساطة الجو الذي أنتجه، واللحظة التي أعطته، وهذا يعني بالضرورة أننا عند تناولنا هذا الشعر لا ينبغي علينا أن نُحمله أكثر مما يُطيق، بل علينا أن نضعه في كفة، وقائليه في كفة أخرى...»(37).

وفي القسم الثاني أشار إلى بعض الخصائص الفنية المتعلقة بالنثر في تلك الفترة.

3- الشعر المغربي من الفتح الإسلامي إلى نهاية الإمارات الأغلبية والرستمية والإدريسية (30-230هـ)-جمع وتوثيق وتعليق ودراسة-:

طُبع هذا الكتاب في ديوان المطبوعات الجامعية بالجزائر، سنة: 1994م، وقد خصص الدكتور العربي دحو القسم الأول منه للدراسة، حيث يتكون الشق الأول للكتاب من تمهيد، وفصلين، فالتمهيد تطرق من خلاله إلى رؤى متنوعة تتصل بما قيل عن تعريب السكان، ونشأة الأدب العربي في المغرب العربي، وهو يرى أن الموضوعين أغمط حقهما من الدراسة، والبحث، والتحليل، والنقاش، في حين جعل الفصل الأول من هذا الكتاب لمعالجة مضامين شعر الديوان، الذي جُمع عن الفترة المحددة، والتي قام بجمعها، وهي تزيد عن ألف بيت من الأشعار المتعددة الأغراض، وبالنسبة إلى الأسباب التي أدت إلى تعدد الرؤى فيما يتصل بأولية الأدب المغربي القديم، وأول من أبدع فيه، فالدكتور العربي دحو، يوجزها في:

1- ضياع المصادر المغربية المبكرة، ولاسيما منها التاريخية، كما اندثر كذلك الكتب الأدبية، وهي خير مظان الشعر الذي قيل خلال تلك المرحة التي تكتسي أهمية كبيرة.

2- بعد الشقة بين المغرب، والمراكز الأدبية القوية في العراق، والشام، وفي المراكز التي احتفت بالأدب درساً، ونقداً، وتدويناً.

3- أولوية شعر البلاط لدى كثير من المهتمين بدراسة الأدب في تلك الفترة.

4- الضعف النسبي لكثير من شعر الفتوح، نظراً لملابساته، التي تبعث على العجلة، وعدم التنقيح، فإذا كان المشرق قد احتفظ بقدر من شعر فتوجه، فهذا الأمر يعود إلى وفرة المصادر المشرقية التي وصلتنا.

5- طبيعة السكان التي لم تكن تسمح لهم بتلقف النصوص الشعرية باللسان العربي، خلال السنوات الأولى من الفتح الإسلامي، فقد كان من الصعب تناوله، وتداوله، وحفظه، والاهتمام به، كونهم لا يتقنون اللغة العربية، ولا يستطيعون تدوينه، أو روايته.

6- إن الفاتحين أنفسهم لم يكن لهم استقرار في المنطقة طوال القرن الأول الهجري، حيث تأكد تاريخياً أن حملاتهم كانت تتميز بالمدر، والجزر، وأن مكوثهم في المنطقة في البداية كان محدوداً جداً، ففتح المنطقة نفسها لم يتم إلا في سنة: 84هـ، أعقبها التوجه إلى المغرب الأقصى، لتدعيم، وإرساء أسس الدولة الإسلامية، ثم تلاها التوجه إلى البلاد الأندلسية سنة: 91هـ.

7- ما يُلاحظ إلى اليوم على جل سكان المغرب العربي من عدم الاهتمام، والاحتفاء بالثقافة الأدبية، ولاسيما منها الشعرية، وذلك خلافاً للمشارقة، ولعل ما يروى من هجرة شعراء المغرب العربي إلى المشرق، لهو خير دليل على هذا الأمر(38).

قدم الدكتور العربي دحو في الفصل الأول من الكتاب مقاربة وصفية لمحتويات الديوان، وموضوعاته، وأشار إلى أهم الأغراض الشعرية منها: الفخر، والحكم والشكوى، والزهد، والمدح.وفي الفصل الثاني أشار إلى الخصائص الفنية.

خاتمة:

إن هذا البحث ما هو إلا مجرد قراءات مقتضبة في بعض جهود الباحث الأكاديمي المتميز العربي دحو، فجهوده هي أكبر من أن تحيط بها قراءات سريعة، فهو واحد من الأساتذة المتميزين علمياً، ظل طوال حياته ينتج، ويبدع في مختلف ميادين المعرفة، وما يزال كذلك يتجاوب مع مختلف الأنشطة الثقافية التي تقام، و له صلة وثيقة بقضايا الثقافة الشعبية، والأدب الجزائري، والأدب في المغرب العربي، وليس من شك في أن جهود الباحث الأكاديمي العربي دحو تستحق الإشادة، والتنويه، اعترافاً بمكانته، وتقديراً لخدماته الجليلة في حقول الأدب، والتراث، والتربية، وإنه لمن الصعب أن نلم بنشاطاته الكثيرة إلمامة وافية، وسيتذكر كل من عرفه، وقرأ له، إنجازاته الأدبية القيمة، وسيذكرون ذلك الأديب المبدع، والأستاذ الجامعي الأكاديمي المنفتح الذهن على الثقافات، والأفكار، والذي تميز بإخلاصه لمهنته، ولطلابه، فقدم عصارة فكره، وجهده، وعلمه، بكل أمانة، وصدق، وأسهم بفعالية كبيرة في إثراء المسيرة العلمية، والأدبية.

***

  الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقـة

 كلية الآداب واللُّغات، جامعة عنابة، الجزائر

.......................

الهوامش والمراجع:

 (1) د.عبد الملك مرتاض: معجم الشعراء الجزائريين في القرن العشرين، منشورات دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2007م، ص: 395.

 (2) د.عبد الملك مرتاض: معجم الشعراء الجزائريين في القرن العشرين، ص: 396.

 (3) رابح خدوسي: موسوعة العلماء والأدباء الجزائريين، منشورات دار الحضارة للطباعة والنشر والتوزيع، 2002م، ص: 166.

 (4)الثقافة من » الثَّقْفِ «، الذي له عشرة معانٍ في لغة العرب، حسبما هو مدّون في القواميس، والمعاجم الموثوق بها عند علماء اللغة، ومن أهمها: تسوية الشيء، وتقويم اعوجاجه، تقول: ثقفتَ الرُّمح، أو القوس، أو أي شيء معوج، إذا قوّمتَه، وسويته من اعوجاجه، فيغدو مثقّفًا مُقوّمًا، وعلى هذا الأساس استعيرت لفظة: » مثقف « إلى كُلّ ما هو مستقيمٌ صَلْبٌ، وكذلك فهي الحِذْقُ والمهارة في إتقان الشيء، قال ابن منظور: » ثقف الشيء ثقفًا، وثقافًا، وثقوفه، حذقه، ورجلٌ ثَقْفٌ، وثقِفٌ، وثقَفٌ، وثَقِفَ الرّجلُ ثقافة، أي: صار حاذقا فطنا، فهو ثَقِفٌ، وثُقُفٌ، مثل: حَذِرَ، وحَذُر...، «، وقد ورد هذا المعنى نفسه في بعض عبارات المتقدّمين، مثل: عبارة أبي حيان التوحيدي في » المقابسات «، وعبارة ابن خلدون في » المقدمة«.و الثقافة في أدنى مستوياتها هي مجموع الاستجابات، والمواقف التي يواجه بها شعب من الشعوب – بحسب عبقريته – ضرورات وجوده الطبيعي من مأكل، وملبس، وتناسل، أمَّا على المستوى الأرفع فإنَّ للثقافة أوجهًا ثلاثة هي: تنمية الفكر، وترقية الحس النقدي، وتكوين الحس الجمالي، و وإرهاف الذوق، والاستمساك بالقيم، وغرس الحس الأخلاقي. وقد اعتمدتُ في صياغة هذه التعريفات من عدة مراجع: د.محمد بن عبد الكريم الجزائري: الثقافة ومآسي رجالها، شركة الشهاب للنشر والتوزيع، الجزائر (د.ت)، ص: 9 وما بعدها.و ابن منظور: لسان العرب، مادة: ثقف.و التوحيدي: المقابسات، مطبعة الرحمانية، القاهرة، 1929 م، ص: 375.و ابن خلدون: المقدمة، منشورات مكتبة المدرسة، ودار الكتاب اللبناني، بيروت، 1967 م، ص: 448. ويذكر الباحث سيد غدريس هاني أن الحضارات هي هويات ثقافية في التقليد الأنثروبولوجي الأمريكي، وهم نادراً ما يُفرقون بين الثقافة والحضارة، وقد اعتادوا في الترجمات ذات الأصول الأمريكية أن يترجموا الثقافة بالحضارة، والحضارة واحدة والثقافات متعددة، ففي«عصر ثورة الاتصالات هناك حضارة واحدة، في الماضي سمعنا عن وجود حضارات، وهذا إنما يرجع إلى أزمة التواصل ومشكلة العزلة، إن الحضارة ليست هي مطلق الحضور، كما ينحو الجميع، فمالك بن نبي مثلاً وهو الرأي التقليدي السائد، بالنسبة إليه الحضارة هي أخص من الحضور، إنها حضور أمثل وأقوى، والحضارة هي القوة، والثقافة هي أمر ملازم لكل أشكال الحضور، الثقافة هي إفراز وجودي لكل الكيانات الاجتماعية، لكن الثقافة ليست بالضرورة حضارية، فالثقافة تمثل من الحضارة مرحلة القوة، والحضارة تمثل من الثقافة مرحلة الفعل، والحضارة أخص من الثقافة، فالقوة واجبة في حق الحضارة، ممكنة في حق الثقافة، ما يعني أن كل ثقافة تملك إمكانية التحضر، ولا يجب لها التحضر حتى تصبح قادرة على إنتاج القوة»

الحضارة: - عند اللغويين - » خلاف البداوة «، وهي عند ابن خلدون: » تفنُّن في التّرف وإحكام الصنائع «. أمَّا في نظر الدكتور محمد بن عبد الكريم، فهي: » ظاهرة اجتماعية، تتبلور في نظم محكمة، وآثار ماثلة «. فقولنا: » ظاهرة اجتماعية «، احترازا من الظاهرة الفردية التي مبعثها الثقافة. ونعني بـ » النظم المحكمة « كل ما يقتضيه النظام والإحكام في تسيير شؤون الإنسان المتحضر: مثل: النظم السياسية، والاقتصادية، والإدارية والقضائية، والحربية، والثقافية، والزراعية، والتجارية، والأسرية، وهلمَّ جرًّا... ونعني بـ » الآثار الماثلة « فن العمارة بجميع أنواعها: مثل: تخطيط المُدن، وتمصير الأمصار، وتشييد البنيان، ثم النحت، والرسم، والتصوير، والزخرفة، وجميع الفنون الجميلة..، وهناك فرق بين » الثقافة « وبين » الحضارة « من عدة وجوه. أولاً: إذا كان مفهوم الثقافة ينزع إلى الخصوصية، فإنَّ الحضارة تنزع إلى العمومية، فالثقافة هي الحضارة الخاصة بأمة من الأمم، لا يشاركها في شأنها أحدٌ، تحمل صيغة هذه الأمة، وتتّسم بسماتها، ووراء كل حضارة دينٌ، وقد تصبُّ عدة ثقافات في نهر حضارة واحدة. فالثقافة العربية التي ننتمي إليها هي في أدنى مستوياتها مجموع تقاليدنا وعاداتنا، أمَّا على مستواها الأعلى فهي النهج الذي نهجه الغزالي في الجانب الروحي، وابن رشد في الجانب الفكري، وابن حزم في الجانب الأخلاقي، وابن خلدون في الجانب الاجتماعي، ونشكل – نحن العرب – بثقافتنا مع ثقافات أخرى – الفارسية والتركية – نشكل الحضارة الإسلامية التي ساهمنا جميعا في إنشائها وإثرائها.

ثانياً: أنَّ الثقافة تصور وإرادة، وأنَّ الحضارة أثر ونتيجة لهما.

ثالثاً: أنَّ الثقافة وصف عـام للفرد والأمة، وأنَّ الحضارة وصف خـاص بالأمة، أي: مثلها مثل » العلم «. يقـال: » حضارة الأمة الفلانية «، ولا يقـال: » حضارة الشخص الفلاني «، بخـلاف » الثقافة «، فتصدق على الشخص والأمة.

رابعاً: أنَّ الحضارة تتجسم في النظم السياسية، وفي العلوم، والصنائع، والاختراعات على وجه العموم، وأنَّ الثقافة تتمثل في اللغات، والآداب، والتواريخ، والفلسفات، وجميع العلوم الإنسانية، أي: إنَّ الثقافة تقدّمٌ من الوجهة الخُلُقية والفكرية، والحضارة تقدّمٌ من الوجهة الاجتماعية على وجه العموم.

خامساً: كل أمّة مثقفة يصدق عليها أن تكون متحضرة، وليس العكس، لأن هناك الكثير من الآثار الحضارية القديمة التي مازالت قائمة ومرئية حتى الآن، بَيْدَ أنّ إيجادها لم يكن بدافع ثقافي: مثل أهرام مصر، ومختلف الأسلحة المحفوظة في المتاحف الدولية، فتلك شُيّدت بدافع وهمي – على أحد الأقوال في سبب بنائها - وهذه صُنعت من أجل الدفاع عن النفس تارة، وسفك الدماء بها تارة أخرى. وما قيل في ذلك يقال في القنابل الذرية والأسلحة الفتاكة، المصنوعة في العصر الحاضر، فإنَّ صنعها لم يكن بدافع ثقافي، وإنَّما كان بدافع الترهيب، وحُبّ التسلط على البشرية، وسفك دمائهم، وهذا منافٍ للثقافة، التي تهدِفُ إلى تهذيب الأخلاق، وتقويم السلوك، وحب الخير، وإصلاح المجتمعات. وعلى هذا الاعتبار فالثقافة أعلى من الحضارة، وأرقى منها في سلم الحياة. وهي، على وجه العموم، روحية في الجوهر... أمَّا الحضارة فمادية في جوهرها ومحسوسة، والثقافة سابقة على الحضارة في الوجود... وليس في الإمكان ضبط الحد الفاصل بين الثـقافة والحـضارة بوجه دقيق. ويرى بعض الدارسين أن مفهوم الحضارة لم يلق إجماعاً على دلالته بين مختلف الحضارات الإنسانية التي عرفها التاريخ، على الرغم من اشتراك هذه الحضارات في الكثير من القيم الإنسانية التي تشكل جوهرها، فمن يرغب في المضي في مسار حوار الحضارات عليه أن يتفق على حدود دنيا لمفهوم (الحضارات الإنسانية)، ولتصنيفاتها التي تتفاوت نظراً لاختلاف المعايير، وهناك«أمر آخر، وهو أننا ننسب الحضارات الإنسانية في محاولتنا تصنيفها إلى القارة حيناً (فنقول الحضارة الغربية)، وإلى اللغة أو الأمة حيناً ثالثاً (فنقول الحضارة العربية، أو الحضارة الصينية، أو الحضارة اليابانية)، وإلى العقيدة حيناً رابعاً (فنقول الحضارة الإسلامية)، وإلى الإقليم أو النهر أو الوادي خامساً (فنقول حضارة بلاد الرافدين)وإلى العصر سادساً (فنقول الحضارات القديمة، أو الحضارة الحديثة)، وإلى غير ذلك مما يقع المرء عليه في قراءاته لتاريخ الحضارات الإنسانية، ولكننا نادراً ما نسأل أنفسنا هل ثمة حضارة صرف نقية لا تشوبها شائبة من حضارة أو حضارات أخرى؟ونمضي أحياناً في نزعة التمركز حول الذات فنتحدث عن (عبقرية الحضارة)التي نتماهى معها، وننتسب إليها، أو نرغب في الانتساب إليها». وقد اعتمدنا في صياغة هذه الفوارق من عدة مراجع متنوعة منها: أحمد مسجد جامعي: كلمة افتتاحية لكتاب محاضرات في حوار الحضارات، منشورات المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بدمشق، 1421هـ/2001م، ص: 9.و د.محمد بن عبد الكريم: الثقافة ومآسي رجالها، ص: 38. و د.سعد بوفلاقة: حوار الثقافات في الغرب الإسلامي، مجلة دراسات، مجلة دورية محكمة تصدر عن جامعة الأغواط، الجزائر، العدد: 02، جوان2005م، ص: 114-115.و د.عبد النبي اصطيف: حوار الحضارات في عصر العولمة، بحث منشور في كتاب محاضرات في حوار الحضارات، ج: 01، ص: 323 وما بعدها.

 (5) مصطفى يعلى: نحو تأصيل الدراسة الأدبية الشعبية في المغرب، نموذج (من وحي التراث)، دراسة منشورة ضمن كتاب: الأدب المغربي: إشكالات وتجليات (دراسات مهداة للأستاذ عباس الجراري)، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، جامعة محمد الخامس، المملكة المغربية، 1427هـ/2006م، ص: 157.

 (6) أبو القاسم سعد الله: حاطب أوراق، منشورات دار عالم المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، ط: 01، الجزائر، 1431هـ/2010م، ص: 104.

 (7) أبو القاسم سعد الله: حاطب أوراق، ص: 105.

 (8) ابن خلدون: المقدمة، منشورات مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر بيروت، 1956-1961م، ج: 3، ص: 404.

 (9) مصطفى الشكعة: الأدب الأندلسي موضوعاته وفنونه، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط: 04، 1979م، ص: 448.

 (10) الأبشيهي: المستطرف من كل فن مستظرف للأبشيهي (تح: مفيد محمد قميحة)، ج2، ص: 448، دار الكتب العلمية، بيروت، وقد نقل الأبشيهي باختصار هذا النص من كتاب العاطل الحالي والمرخص الغالي لصفي الدين الحلي.

 (11) صفي الدين الحلي: العاطل الحالي والمرخص الغالي، (تح: د.حسين نصار (، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، مصر، 1981 م، ص: 2 وما بعدها.

 (12) صفي الدين الحلي: العاطل الحالي والمرخص الغالي، ص: 11.

 (13) مقدمة ابن خلدون، ص: 53.

 (14) عبد العزيز الأهواني: الزجل في الأندلس، منشورات معهد الدراسات العربية العالية، القاهرة، مصر، 1957م، ص: 52.

 (15) عبد العزيز عتيق: الأدب العربي في الأندلس، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 1976م، ص: 397.

 (16) فضائل الأندلس وأهلها، ص: 33 (رسالة الشقندي).

 (17) عمر فروخ: تاريخ الأدب العربي، ج: 5، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط: 03، نيسان/أبريل1992م، ص: 229.

 (18) صفي الدين الحلي: العاطل الحالي والمرخص الغالي، ص: 13.

 (19) ابن حجة الحموي: بلوغ الأمل في فن الزجل، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، سوريا، 1974م، ص: 52.

 (20) د.العربي دحو: الشعر الشعبي والثورة التحريرية بدائرة مروانة (1955-1962م)، منشورات ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر (د.ت)، ص: 5-6.

 (21) د.العربي دحو: الشعر الشعبي والثورة التحريرية بدائرة مروانة (1955-1962م)، ص: 15.

 (22) د.العربي دحو: المرجع نفسه، ص: 26.

 (23) د.العربي دحو: المرجع نفسه، ص: 35.

 (24)المرجع نفسه، ص: 103.

 (25)المرجع نفسه، ص: 143 و144.

 (26) د. العربي دحو: بعض النماذج الوطنية في الشعر الشعبي الأوراسي خلال الثورة التحريرية-دراسة تاريخية فنية مقارنة في نصوص الشعر الشعبي الأوراسي وأشعار بعض الأقطار العربية-، منشورات ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر (د.ت)، ص: 7.

 (27)د. العربي دحو: ديوان الشعر الشعبي عن الثورة التحريرية بالعربية والأمازيغية (الشاوية)، منشورات بونة للبحوث والدراسات، عنابة، الجزائر، 1433هـ/2012م، ص: 7-8.

 (28) استقينا هذه المعلومات من كتاب د.سعد بوفلاقة: دراسات في أدب المغرب العربي، منشورات بونة للبحوث والدراسات1428هـ/2007م، ص: 15 وما بعدها.

 (29) رابح بونار: المغرب العربي: تاريخه وثقافته، منشورات الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1981م، ص: 8-9.

 (30) رابح بونار: المغرب العربي: تاريخه وثقافته، منشورات الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1981م، ص: 05.

 (31) عثمان الكعاك: بلاغة العرب في الجزائر، نقلاً عن: رابح بونار: المغرب العربي: تاريخه وثقافته، ص: 07.

(32) د.عبد الملك مرتاض: الأدب الجزائري القديم-دراسة في الجذور-، منشورات دار هومة للنشر والتوزيع، الجزائر، د، ت، ص: 10.

(33) د.عبد الملك مرتاض: الأدب الجزائري القديم-دراسة في الجذور-، ص: 18.

 (34) د.العربي دحو: مدخل في دراسة الأدب المغربي القديم، منشورات ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، (د.ت)، ص: 29.

 (35) د.العربي دحو: مدخل في دراسة الأدب المغربي القديم، ص: 30.

 (36) د.شكري فيصل: المجتمعات الإسلامية في القرن الأول، منشورات دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط: 04، 1978م، ص: 180، نقلاً عن: د.العربي دحو: مدخل في دراسة الأدب المغربي القديم، ص: 31.

 (37) د.العربي دحو: مدخل في دراسة الأدب المغربي القديم، ص: 87-88.

 (38) د.العربي دحو: الشعر المغربي من الفتح الإسلامي إلى نهاية الإمارات الأغلبية والرستمية والإدريسية (30-230هـ)-جمع وتوثيق وتعليق ودراسة-، منشورات ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1994م، ص: 38 وما بعدها.

في نصوص اليوم