نصوص أدبية

صبيحة شبر: الرحيل

الحدث يقع على رأسك كالصاعقة، الجميع يبكون بصوت عال، وانت جفت لديك الدموع، رحلت من كانت بقربك تتعاونان معا على مآسي الحياة وأهوالها، تشتركان في مواجهة الصعاب الكثيرة، والمسرات النادرة، مرضها العسير لم يجعلها تفقد الأمل، وظلت الابتسامة مرسومة على محياها وهي تصارع الآلام الكبيرة، وأنت تنظرين إليها بإعجاب، مقتدية بقوتها،تراجعين معها عيادات الأطباء الخصوصيين والمستشفيات الحكومية، ويجرون لها التحليلات الكثيرة واصفين الدواء، تمتلئ بالعزيمة على عدم السماح للمرض أن يفترس الإرادة، ترفض الأوجاع الجارية لاستيطان الجسد والقضاء على مقاومة الروح، تراجعين معها الأطباء وأنت معجبة بابتسامتها الواثقة وضحكتها المتواصلة الهازئة بالعراقيل، تعتني بك رغم مرضها الخبيث، وتقوم بمساعدتك بتحمل الأعباء المختلفة،تمدك بالقوة، تحاولين أن تبعدي فكرة رحيلها الدائم الوشيك،

- مرضها صعب والأمل في بقائها ضعيف!

من يقف بجانبك وقد بعد عنك الأحباب وسافر الأهل والأصحاب،وبقيتما وحيدتين في معترك الحياة تصارعان حوادثها الأليمة بنضالكما الكبير..

- الضعف يستولي على قلبها، والمعدة استقرت بها الجراثيم، ولم تعد قادرة على استقبال الطعام..

تذهبين بها إلى الأطباء في داخل البلاد وخارجها، وأنت تأملين أن يجد احدهم الدواء الشافي لمعاناتها المستمرة وألمها الممض، لم تكن تصرخ مشتكية من الآلام المبرحة، بل تضحك باستمرار، وتستبدل بالصرخة ضحكة متواصلة لإبعاد شبح المرض المستقر بالجسد، روحها قوية، تتناسين تعبك الشديد وأمراضك، تستمدين القوة من إصرارها على تحدي الأوجاع،والانتصار على نتائج المرض، كلاكما تجد سعادتها مع الأخرى وتنهلان من منبع ثر من الحنان

- معدتها ضعيفة، سنحاول ان نستخرج الماء، ليتمكن الغذاء من إرواء جسدها الظاميء

يأتيك صوتها واهنا، فلا تدعين المخاوف تفترس يقينك ان العلاج سوف يكون بمقدور الطبيب

تهرعين بها الى المستشفى علهم ينجحون في الحصول على العلاج المأمول، لم يجدوا الماء هناك، بل بقع من الدماء، استيطان الداء الخبيث رغم عمليتي استئصال الثدي، يتمدد المرض الى خلايا الجسم، ولم تعد وصفات الأطباء قادرة على منع زحفه المستمر، تنظرين الى الباب بلهفة، علّ المداوي يأتيك بالخبر السار، يفتح الباب، ويقول كلمات لاتتمكنين من استيعاب معناها، الجارة كانت تحبها وتحترم صفاتها،ينطلق منها صوت البكاء عاليا، ماذا جرى؟ ولماذا البكاء والنحيب؟ إنها عزيزتك الغالية، وهل تذهب دون وداع؟ لاتصدقين الخبر

تسارع جارتك الى الاتصال بالمعارف والأحباب، تنبئهم بالخبر الفاجع، يأتون تباعا لتعزيتك..

الجميع يوالون الصراخ، أحقا يحبونها كحبك أنت؟، تجف عندك القدرة على البكاء، تفقدين صوتك، وتجدين قدميك عاجزتين عن حملك، يحيط بك الحاضرون، محاولين ان يعينوك على مصابك الأليم، لا تصدقين ما حل بك، هل رحلت حقا؟ ولم يعد بمقدورك أن تكوني معها، من سيبقى معك، من تبثينه شكواك من عقوق الناس وغدر الزمان، وجفاف الأنهار من مائها العذب،من يستطيع أن يقف بجانبك، تستمعين إلى همومه ويصغي إلى معاناتك، محاولا تخفيف الجراح، وجهها امامك مازال مبتسما معبرا عن ارادته القوية في التصدي للصعاب.

المصاب أليم، تنظرين إلى الوجوه، التي غشيها الحزن، فجعتهم الحادثة، مشاعرهم صادقة، الجميع سيهرعون الى منازلهم،بعد يومين، من يقف معك، هل ستكونين وحيدة، والغربة تملأ أيامك وتفترس لياليك، وأنت مهيضة الجناح، تحاولين الوقوف، لا تلبي رغبتك قدماك، ما عادتا تأتمران بما يحمله رأسك من أمنيات، يا رب رحمتك من لك بهذا العالم؟ شقيقتك رحلت، لا تتحملين نظرات الإشفاق، تعاودين المحاولة، تسقطين على الأرض، نظرات الإشفاق تنهمر عليك، لعنات تصفع مشاعرك، تصممين على الانتصار، ينتظرك السقوط مرة أخرى مكشرا عن أنيابه الهازئة، تمتد إليك الأيادي، تتجملين بالصبر، تطل عليك بابتسامتها الواثقة ونظرتها الحنون، أليس الأجدر بك أن تتسلحي بالقوة التي كانت تبثك إياها، فلتحاولي مرات آخر .. تهطل دموعك، تخفف عنك كثافة الأحزان، تمتد إليك احد الأيادي، تمسكين بها لحظة، تشكرين صاحب اليد المساعدة، وتواصلين المسير وحدك.

***

صبيحة شبر

13 آب 2010

 

في نصوص اليوم