نصوص أدبية

لبشير عبيد: حفريات في جسد المدى

قبل هطول مطر يناير

كانوا يمدحون الظلال

اخذتهم خطاهم إلى مدن الثلج

والرماد

ليس في دفاترهم حكايا الرحيل المباغت

إلى الملكوت

اصواتهم تجاوزت الشرفات

قبل مجيء الغروب، يأتي الغرباء

ذاهلين تراهم عيون العسس

حالمين بالافق والتلال البعيدة

كانها منارة امراء الحرب قبل ضياع

الفريسة

هنا وصايا الولد العنيد تكتبها سواعد

فتيان الرصيف

لم نر في وجوه العابرين

دهشة الأجداد حين غابت عنهم حكايا

الولد الأسير

كثير من نبيذ الشرق على طاولة الذكرى

قليل من بياض الروح حذو النهر المتاخم

للحنين

*

قيل لاولاد الروابي انهم جاؤوا من ضفاف

المدى

ليس لهم في المدينة ذاكرة وأحفاد

لا يخافون من الأنواء

لا يهابون الضجيج الطالع من افواه

السفهاء

لا مكان لهم في مشهد الغيم المتناثر

في الزوايا

ربما خذلتهم الأجساد

و تبعثرت ألأوراق

بامكان القوافل الآتية من بعيد

أن تحفر في دهاليز الزمان

للمدى ذاكرة وانوار

للصدى إنفتاح المسافات على بهاء

الصياح

للريح الآتية من جنوب الأقاليم

ولد جسور وصبايا ذاهلات

هنا حبري وغضبي وذاكرتي ودعاء الأمهات

إحداهن إسمها آمنة

كانت تقول لي فجر كل يوم:

أكتب يا ولدي

ولا تلتفت إلى الوراء

حبرك محلق في سماء الينابيع

أكتب أيها الآتي من الزمن البعيد

ولا تخف من سفهاء المرحلة

في البدء كانت الكلمة ونوارة الروح

ربما نسي الأحفاد ذاكرة الأجداد

و صار المكان القصي ملاذا للعابرين

هنا قريباً من الصدى ينام الفتى

بلا حقيبة باذخة

ولا مدد يأتي من الأنصار

لا خوف في الجسد النحيل

لا افق تراه العيون

لا أمل في القادمين من الأنفاق

كانهم جاؤوا من زمن بعيد

يحملون على الأكتاف بهاء اللغة

المشتهاة

هنا حبري ودمع الرجل الشريد

لم نكن وحدنا في لهيب العاصفة

كانت معنا الرياح اللواقح

ذاكر الأيام

إنفتاح الكلام على ورقات الحنين

إخضرار الشجر الحزين

قبل هبوب العاصفة

رحيل الخطى إلى الملكوت

*

للجسد الغارق في المتاهة

آهات وصيحات الآتين من الأقاصي

قبل مرور الشاحنات تباغتني امراة

النور بالسؤال اليتيم:

كيف صار المشهد قريباً من الغيم

و البلاد صارت سرابا....؟!

ستبقى أصوات الرعاة ملاذا للعابرين

هنا سرب من حمام الشرق

يعبر الأقاليم

على الأجنحة ذاكرة الفيافي

وإرتمام الجسد في النهر المتاخم

للرخام القديم

***

لبشير عبيد - تونس

28 فيفري / فبراير 2023

 

في نصوص اليوم