نصوص أدبية

صادق السامرائي: بلغة!!

على جَبلٍ من الأخطارِ كُنّا

تُحاوطُنا حَنافيشٌ ودُمْنا

*

بنا عَبثتْ حروبٌ دونَ جَدْوى

نقاتلُ بَعْضَنا والخُسْرُ إنّا

*

ثلوجٌ مِنْ تَحامُلِها عَليْنا

تُدَثّرُنا بأطنانٍ وعِشْنا

*

تمُرُّ بنا ليالينا برُعْبٍ

كأنّ النومَ قتّالٌ تَجَنّى

*

خَنادِقنا مَغاراتٌ بصَخْرٍ

بها عُمْراً على عُمْرِ حَجَرْنا

*

إلى قِمَمٍ بإجْهادٍ صَعَدْنا

ومِنْ قِمَمٍ على سُفُحٍ دَرَجْنا

*

تُراقبنا عيونُ الرصْدِ دَوْما

وتُرْدينا بما أهْدَتْ إليْنا

*

تَذكّرْتُ المَنايا حينَ طاشَت

تُخبِّطنا بعْشواءِ احْترَنّا

*

نَجيعُ شَبابنا رهنُ انْسِكابٍ

على رَمْضاءِ مَبْقولٍ تَشنّى

*

فكم طاقاتُنا ذهبَتْ لهَدْرٍ

وكمْ خَسِرَتْ بلادٌ أحْرَقتنا

*

نُكرّرُ فِعْلةً ذاتَ انْسِجارٍ

وما تُبْنا ولا مِنها اتْعَظنا

*

تَعيلُ شبابَها نيرانُ شرٍّ

تُحَنّذهم على حَجرٍ مُدَنّى

*

مَطالبهمْ بها أمِنَتْ حَياةٌ

فتحْبطُهمْ عَقابيلُ المُكنى

*

قسائمُ حَتفهمْ تُهْدى لأهْلٍ

وجُثمانٌ يُبعّثهمْ أنيْنا

*

يَديْ خَطّتْ شهادةَ مَنْ تهاوى

إلى حَتْفٍ يغيّبه ُحَزينا

*

يَطيشُ رَصاصُها والقتلُ نَصْرٌ

وما انْتصَرتْ وإنْ دارتْ سِنينا

*

صِراعاتٌ بلا جَدْوى ومَغزى

يُنازلُ غَرْبَها والشرْقُ يَضْنى

*

أحاطونا بليْلٍ مِنْ صَقيعٍ

تأسّرَ بعْضنا والبَعْضُ يَفنى

*

وجاءَ الصُبْحُ يُخبرُنا بصَوْلٍ

ومَعْركةٍ على جَبلٍ فغِرْنا

*

تَساقطَ بَعْضُنا طُعْماً لوادٍ

وسارَ البعضُ مَأموراً مُعنّى

*

تقدّمْ أنتَ مقتولٌ شهيدٌ

كذا صُنِعَتْ حُروبٌ تَشتهينا

*

وَثَبْنا نحوَ مَقتلِنا بجَهْلٍ

تؤازرنا العواذلُ فاحْترَقنا

*

وما بلغَتْ كما شئنا سلاماً

وقد ذبَحَتْ على نزقٍ فَطينا

*

ومنْ رُعُبٍ إلى رُعُبٍ خُطاها

تُمزّقنا وتجْعلنا طَحيْنا

*

جًحيمُ الليلِ في جَبلٍ أرانا

نجوماً ذاتَ نارٍ تزْدَرينا

*

هو الموتُ الذي فينا تَواصى

وحتفُ وجودِنا أضْحى القَرينا

***

فكانتْ جَبهةً فيها انْتِحارٌ

تُبادلهُ الأوامرُ إمْتِهانا

*

تبقّلَ رأسُها فحَمى وَطيْساً

وأشْعَلها وألقمَها ارْتِهانا

*

تَساقطَ جيلُها هَدراً وجُرْماً

فدربُ الموتِ قد أدْمى مُنانا

*

تسجّرَ عَقلها والقلبُ يَشقى

وقاضيةٌ كأرْقامٍ تَرانا

*

بَلغنا بَلغةَ الأرْدى كجَمْعٍ

لتأكُلنا جَوارحُ مُنتَهانا

*

أرى جُثثا مِنَ الآنامِ تَبقى

تُراقبُها لتقتلنا عِدانا

*

فلا أحدٌ يُحاول أنْ يَراها

عَدوٌّ قانِصٌ أشْقى خُطانا

*

خَسِرْنا من سَذاجَتنا رجالاً

وأشبالاً فطاشتْ مُبْتغانا

*

بخفَّيْها رجَعَنا مِثلَ بَدْءٍ

تُسائِلُنا عَواقِبُ مُنْطوانا

*

تذكرتُ المَواجعَ يومَ أجّتْ

على قِمَمٍ توطنَها أسانا

*

حُطِبْنا دونَ ذنبٍ أو لجُرْمٍ

وجَوْهرُنا تطامى مُسْتدانا

*

بها جارَتْ نوازعُ إسْتياءٍ

لسيِّئةٍ تؤمِّرُ مُحْتَوانا

*

لقد ماتوا وعِشنا باغْترابٍ

تُعذّبنا مَواجِعُ مُكْتوانا!!

*

فلا وطنٌ بنا يرقى عَظيماً

ولا شعبٌ تَسامى في رُبانا

*

تقيّحَتْ النفوسُ وما تشافَتْ

ومِنْ دُمَلٍ على بَعْضٍ حَنَقنا !!

***

د. صادق السامرائي

2\2\2016

.................

*من الجبال العاليات العاتيات في شمال العراق، أمضينا أشهرا على قمته النائية الزمهريرية القاسية البيضاء، وتفوح من حولنا رائحة الموت والدماء.

في نصوص اليوم