نصوص أدبية

عبد اللطيف رعري: رأيتُني بدون صلاة

شجرتي

لست من يتحجّبُ عن مخفياتي

ولا أنت من يراني مجرَّدَ دخانٍ في الغابة

أوَّلَ أمسٍ

تفتتتْ أوراقك بضحكةٍ غرائبيةٍ

وغاب عنكِ اللَّمع

طبعاً كنت مدجّجاً بأصل الكونِ

ليس الماء.. ليس الهواء فقط

بل بالنقيض والمضاد

بالشيء واللاشيء..

أنا برادوكس أتلف نعمانة صغيرة

في حدائق جنَّتك..

كل من ينقب من فوق رأسي حبَّةَ جنونٍ

هو حرٌّ..

ليس لي خاتم سليمان

ولا أحتمي بحضنِ مُرضِعةٍ

لأردَّ دورةَ الأرضِ الى الصفرِ

ليس لي عصا موسى الحكيمِ

لأزلزلَ البحر..

رحلاتي لا تتوقفُ أبداً..

سفينتي تخلَّتْ عنِ الشِّراعِ الأزلي للجاذبية.. بوصلتي في كف ساحرٍ معتوهٍ..

مجدافي أقصر من قامتي..

غالباً ما تتحاشني الدلافين أمام بوابة البحر.. لكنَّ لحمي مالحٌ..

ليس لي بوراق يقودني الى أفقٍ أبعد من السَّماءِ..

في حينٍ أسأل الرّبَ طلةً من وراء الحجاب..

لقد سخّر لي الشرُفات، وألهم الجبال مرونةً لأسعى فيها بلا كلاٍ..

رأيتُ ما لاتراهُ العيون..

أبو الهول مشنوقاً..

رأيت كارل ماركس وسبينوزا يعرقان..

رأيتني بدون صلاةٍ..

وجهتي بتلفِ العُميان ترصدُها الخوارقُ..

عاكفٌ على حفرِ كفوف الموتى..

لا جدل ولا جدال..

وحدها سعاد عروسة بين يدي القديس..

كانت تقامرُ بعيونها لأجلي..

بودها لو تعرف مآل السًجَّان..

عمر الإنتفاضة..

ثورة الخبز..

وعشقِ الإنسانِ للإنساِن..

ما ألهمني ربي بطلةٍ الاَّ والقمر جانبي..

هنا لا جدوى للكلام..

لا طائلة من التفكير وصياغة أفق السعادة..

لا خيال ولا تخيُّل..

طلقة يتيمة تركت الأعراف في يدٍ واحدةٍ

شعلةً ُمطفأة..

ترى من صفَّد الأقدام بحبلٍ فولاذي.. ؟

وصنعَ ثابوتاً بخشب شجرتي..

أأضاعت قدسيتها بين شهوة الرجالِ.. ؟

هي أثمرت مرةً واحدةً..

لتسقطَ آدم ..

المهزومون ينتظرون انتهاء ضجيج المرايا

ليبتلعوا صبيب الصَّمتِ في شكٍ وارتيابٍ..

الكلُّ يرى ساعة حائطه تنكسر

لحسن الحظِّ بُعِتنا جمعياً مبصرون.

آه شجرتي من أعياكِ..

هذا كتابي بيميني أو بيساري

أنا صاحبُه..

لا تنشغلي فهو أضخم ممَّا كنت أتصورُ

أسأل من وهبني طلّتي

أن يغفرَ ذنبي

شجرتي..

لا تبكي ..

سأستظلُّ بظلّك يوم تنتهي الظِّلالُ

سأحرسُكِ من الآيادي الطَّويلةِ

من البندُقياتِ والعيُّون..

صوتي لا تأكل منهُ العُقبان..

ولنْ أطأ بقدمي رماداً دائمَ الإشتعالِ..

أنا عرشٌ من أعراشكِ

وإنْ أخذتني العزَّةُ بالتَّمنِي..

أنا عينٌ في مجسَّمكِ الفضيِّ أقرعُ أجراسَ السكوتِ..

وأمتصُّ صدأ تعب السِّنين..

لا تقتلعي من أدغالكِ ندى الأفنَانِ

زهرتي اليوم تشرب من طيفِكِ تمهُّداً لإحترافِ الهاويةِ..

***

عبد اللطيف رعري

03/03/2023

.................

دائماً.. وفي مثل هذا اليوم أستحضرُ تاريخاً عميقاً بذاخلي، كلُّهُ أوهام وحسرة، وانزعاج، مضايقات، كلُّه اعتراضٌ لسبلِ

الحُرية وحقوق الإنسان.. واليوم وأنا أرسمُ الطريق المؤدي الى حتفي يحضرني نفسُ الإحساس..

في جوقة مروعة لإستعراض فنون النصب والإحتيال خطفتُ قصيدتي هذه..

لا أعرف يدي ترتجفُ.. وجسدي بدأ يعرق.. هل تخلّصت من ثقلي أم لا.. هل أنا الان محاطٌ بمن يقرأ على جثتي بعض ما تيسَّر من الذكر الحكيم.. سلام وبعده سلام

في نصوص اليوم