نصوص أدبية

راضي المترفي: تحرش

اقامت امراة ستينية دعوى تحرش على رجل تجاوز الستين بأكثر من خمسة واوكلت محامي عنها فتم توقيف الرجل ثم أطلق سراحه بكفالة ضامنة لحضوره يوم جلسة الحكم وبعد عدة مرافعات حدد حاكم محكمة جنح الرصافة (خ. ك. ت) جلسة الحكم وأكد على حضور طرفي النزاع الجلسة وفي صباح ذلك اليوم صدح المنادي.. محكمة

مرر القاضي نظره على أوراق الدعوة ولاحت ابتسامة خفيفة على محياه ثم نادى على المشتكية وطلب منها تلاوة شكوتها فضج الحاضرين بالضحك وترددت هي فضرب القاضي المنصة بمطرقته مرتين وأمر الجميع بالصمت

قالت المشتكية..

في صبيحة ذلك اليوم كنت ذاهبة الى دكان المضمد لقياس مستوى (الضغط) عندي فوجدته هناك لقياس مستوى السكر في دمه وجلست قريبا منه فهمس هو بالقول..

(اول مرة بحياتي ارى غزالا في غرفة مضمد)

فضج الحضور بالضحك وابتسم القاضي وقهقه المتهم الواقف داخل قفص المحكمة ثم كرر القاضي ضرب المنضدة بالمطرقة وطلب منها أن تكمل..

قالت المشتكية فسألته..

تقصد من بكلامك هذا؟

فرد علي: لا عليك انا أصاب بالهذيان كل ما ارتفعت نسبة السكر في دمي ومع هذا تقبلي اعتذاري وطبطب على ركبتي التي كانت قريبة منه، هنا ثارت ثائرتي وشتمته وارتفع ضغطي حتى تدخل المضمد وفحصني ثم قدم لي كأس من شراب الليمون البارد

فسالها القاضي:

مادام اعتذر منك لماذا الثورة يا حاجة؟

فردت المشتكية:

تمنيته كان شجاعا وأعترف انه كان يقصدني وليس هذيان شخص ارتفعت نسبة السكر في دمه

فاردف القاضي:

وماذا يغير من الوضع لو انه اعترف بأنه كان يقصدك؟

. يتغير كثير يا حضرة القاضي

. كيف؟

. عندما يعترف انه يقصدني سيخالجني شعور وإحساس جميل اني لازلت جميلة والفت نظر الرجال وادفعهم للتحرش بدلا من أن يعتذر بالهذيان.. الست أنثى ولي مشاعر لماذا لا يحافظ عليها هذا المدعي زورا انه يهذي وليس متحرشا بفتاة دخلت دكان المضمد صدفة.

هنا تعالى ضحك الحضور ودوى تصفيق للمرأة صاحبة الضغط والشكوى والستين والاحاسيس الأنثوية .

ضرب القاضي المنضدة بمطرقته الخشبية وهو يقهقه ويفصل كفيه عن بعضهما بعد أن شارك الحضور بالتصفيق.

ثم سألها القاضي وماذا تريدين الآن؟

. اريده أن يكون صريحا ويعترف انه يقصدني بعدها يعتذر مني بقبلة يحددها القضاء أن رغب على خدي أو فوق جبيني.

قال القاضي لك ذلك لكن لنسمع دفاع المتهم الآن ثم التفت القاضي نحو المتهم وسأله:

. بماذا تدافع عن نفسك؟

فقال المتهم..

عذرا سيدي انا لست متعلما بما يكفي ولا اجيد رصف الكلمات وتزويقها من اجل الحصول على حقوقي في الماضي وبراءتي اليوم من تلك التهمة التي هي تدفع للبكاء وليس الفرح او الاتخار بها كما يحصل مع البعض فهل تسمح لي بالكلام على طبيعتي؟

. نعم تفضل لكن مع مراعاة اختيار الألفاظ من غير إساءة

. امرك سيدي

. تكلم

. سيدي انا سكري غير منضبط ويتعبني احيانا وبعد أن تجاوز الحد هرعت للمضمد ورغم ارتجافي كان المضمد مشغول بهاتفه الشخصي ثم دخلت الست (المزيونه) وعطر المسك يسبقها فظننت أن المضمد سينشغل بها ويهملني فقلت ما قلت عسى أن تتنفرز وتترك المكان ليفحصني المضمد.

. ماذا لو قمت بإحالة أوراق الشكوى إلى المحكمة الشرعية وطلبت من قاضيها عقد قرانك عليها بسبب تحرشك بها؟

هنا تعالى تصفيق الحضور للقاضي ولوحت المشتكية بيدها تحية له لكن المتهم استمر بقهقهة عالية فسأل القاضي علام القهقهة أيها المتهم؟

فقال المتهم..

سيدي..

انا مواطن انهكه التعب في بلد لايرحم المسحوقين فيه وعندما سلبني هذا الوطن فتوتي وشبابي وقوتي وبقية عمري رماني على قارعة طريق الامراض من دون ان يعطف علي هذا الوطن بثمن بخس يحميني من غوائل الدهر والامراض لذا كان (المضمد) هو الباب الوحيد الذي يفتح عندما اطرقه هروبا من اوجاعي وهي امراة تنعمت بعيش في كنف والد كان ذا حظوة ووجاهة ومال في عهد سابق وعند الزواج انتقلت الى حضن زوج من الوارثين الجدد الذي جمع المال من كل اطرافه لكنه مات مؤخرا في صراع مع شركائه وهي الان تبحث عن عوض يدفيء فراشها وشيخوختها وابحث انا عن مهديء لأوجاعي في دكان مضمد هل من الانصاف ياسيادة القاضي ان اكون انا عوضا مرتين من دون ان يفكر بي الوطن والقانون ولو مرة واحدة؟

الى هنا ضجت القاعة بالتعاطف معه حتى عجز القاضي عن السيطرة فامر باخراجهم واكمال المحاكمة.

***

راضي المترفي

 

في نصوص اليوم