نصوص أدبية

راضي المترفي: مع سبق الاصرار

وجد مدخل مركز الشرطة الذي يجري فيه التحقيق عن مقتل رجل مهم على فراشه مكتظا بالصحفيين والمصورين والمخبرين مما صعب وصوله إلى حيث يجتمع المحققين فسلم عليهم وقبل أن يسأله أحدهم عن سبب دخوله أخبرهم أن لديه معلومات عن القاتل فتركوا كل مايشغلهم ورفعوا أنظارهم المفتوحة باستغراب نحوه وتفحصوه إذ لم يظهر عليه خوف أو اضطراب أو تردد ودعاه كبيرهم إلى الجلوس أمامه وسأله من دون أن يأمر أحد معاونيه بفتح محضر ..

. ماذا تعرف عن الجريمة وما علاقتك بالمغدور؟

. انا القاتل والمقتول رفيق سلاح سابق وزميل عمل

. امجنون انت؟ وهل سمعت بقاتل جاء ليعترف بارتكاب جريمة قتل من دون ضغوط؟

. نعم انا بكامل قواي العقلية وارادتي

هنا التفت كبير المحققين وطلب فتح محضر التحقيق وإحضار شرطي مسلح للوقوف خلف المتهم ومراقبته

. امر كبير المحققين المدون بكتابة كل حرف وكل كلمة يلفظها المتهم وطلب من الشرطي المختص تشديد حراسته وسأل المتهم ..

. هل ترغب بحضور محامي عنك يحضر التحقيق فهز المتهم رأسه بالنفي

. لماذا قتلته مادام كان رفيق سلاح وزميل عمل؟

. في زمن النظام السابق رفضنا الانخراط في صفوف الجيش والمشاركة بأحد الحروب العبثية للنظام ونفذنا خطة بالهروب إلى الشمال ومن هناك حاربنا مع بعض الفصائل السياسية ضد النظام لكن بعد فترة عبرنا إلى إحدى دول الجوار وشاركنا من هناك أيضا بالحرب ضد النظام وعندما حانت الفرصة غادرنا البلد الجار إلى بلد آخر بعيد وتشاركنا الغربة والزاد والسكن حتى عرفنا كاخوين وبعد أن تعلمنا لغة أهل ذلك البلد ومهنة نعتاش عليها وحصلنا على الإقامة وجنسية ذلك البلد كنا نلتقي أهلنا في بلد مجاور في فترات متباعدة وفي إحدى الزيارات أخبرت امي برغبتي بالزواج من إحدى بنات منطقتنا القديمة ووعدتني خيرا وقبل نهاية الألفية الثانية بأشهر وصلتني رسالة من امي تطلب فيها وصولي إلى بلد الزيارة خلال شهر فاخبرت رفيقي وصديقي بالأمر ووعدني بالذهاب معي لكن قبل الزيارة تعرض إلى عارض صحي فتخلف ولما وصلت وجدت امي وامرأة أخرى بعمرها وشابة جميلة معها ورجل مسن وبعد عدة أيام اتممنا فيها كل شيء وعقدت قراني على تلك البنت واتممت تصديقه في سفارة البلد الذي أقيم فيه وسفارة بلدي الام ثم ودعتهم عائدين للوطن وعدت انا إلى بلد المهجر بعد يومين ، وهناك رحب بي صديقي وهناني وسألني عن صفات واوصاف العروس كثيرا ثم اطلعته على صوري معها فابتهج فرحا وأخبرني أنها أصغر بنات خالته ففرحت بهذا الخبر إذ أصبحنا أقرباء واصهار وتمنى لي كل السعادة بعد ذكر أهل العروس بكل الصفات الحميدة

. قال كبير المحققين..

انت جئت هنا لتعترف على ارتكاب جريمة قتل أو لقراءة سيرة حياتك ونضالك ضد النظام السابق؟

. كلها مرتبطة ببعضها وأن كنت غير راغب بسماعها فاكتب في محضر التحقيق اعترافي بالقتل من دون لماذا وكيف ومتى واودعني السجن أو اعرضني على القاضي؟

. يبدو أنك غير مبالي بخطورة ماقمت به من جرم ولا يهمك المغدور بقدر اهتمامك برواية قصة حياتك في المهجر وفي الوطن؟

. هنا حدثت جلبة وأخبر أحد الحراس كبير المحققين بوصول قاضي التحقيق لسماع أقوال المتهم شخصيا والإشراف على تدوينها في محضر التحقيق .

. وسع له كبير المحققين مجلسا بجانبه وأصبح المتهم بمواجهة الاثنين معا وبعد مجاملات وظيفية وضيافة بسيطة دخل القاضي معترك التحقيق وطلب الاطلاع على ما دون في المحضر ولما اكمل القراءة التفت إلى المتهم وقال بطريقة مريحة غير متشجنة .. نعم اكمل استاذ

فتوسعتا عيني كبير المحققين لما سمع القاضي يخاطب المتهم بلطف وكلمة (استاذ) وخمن في نفسه أن المتهم ذا شأن عالي وأن قاضي التحقيق لم يأتي من تلقاء نفسه إنما كلف بمتابعة التحقيق مباشرة من دوائر عليا لذا قرر ان يحني رأسه للعاصفة ولا يختلف معه أو يسيء للمتهم بمنطق أو سلوك بوليسي ثم ابتسم للقاضي وأشار بيمناه للمتهم بالتفضل ..

. استئنف المتهم ..

بعد سنة أكملت مراسم زواجي وأوراق (جمع الشمل) والتحقت بي زوجتي وسكنت معها في بيت خاص بنا وكان صديقي الذي هو قريب زوجتي ضيفنا الدائم حتى بدون مواعيد وتعاملنا معه كاخ لكلينا وهكذا سارت ايامنا حتى سقط النظام السابق وعدنا للوطن فمنحنا المسؤولين الجدد حقوقنا (الجهادية) وعوضونا عن ما لحق بنا ونسبنا إلى وظائف مهمة وحصل كل منا على بيت كبير لكن في منطقتين متباعدتين وأصاب علاقتنا بعض الفتور حتى جمعتنا ظروف الوظيفة في دائرة واحدة هو مديرها وانا نائبه من هنا بدأت الخلافات بيني وبينه من جهة بحكم سلوك كل منا في العمل وبيني وبين زوجتي من جهة أخرى بعدما كانت زوجتي تلاحظ الثراء الذي هو فيه والنعمة التي تدفقت انهارا من بيوت وعقارات ومزارع وسيارات مع انه لم يتزوج حتى تلك اللحظة مما اضطرني بسبب الخلاف أن أنقل خدماتي إلى دائرة أخرى ومن ثم الانفصال عن زوجتي حسب طلبها رغم أن لي منها ولد وبنت يحملان جنسية البلد البعيد ويقيمان فيه وبعد مرور سنة عرفت انه اقترن بطليقتي فعديته جاحدا ناكرا للاخوة التي بيننا وقررت قتله متى ماسنحت الفرصة مهما كلف الأمر وعندما سنحت الفرصة كتبت له رسالة ذكرت فيها اني قاتله خلال الليالي الثلاثة المقبلة ورميتها من تحت باب السياج ومضيت وعندما حانت الفرصة دخلت عليه في غرفته بعد انتصاف الليل وضربته طلقة واحدة وخرجت من دون أن أرى أحدا أو يراني

هنا قال قاضي التحقيق لكن في راس الضحية اطلاقتان

قال المتهم هذا سلاحي ويمكن فحصه

طلب منه قاضي التحقيق التوقيع على المحضر

بعدها وقع كبير المحققين والقاضي الذي أمر بالآتي

(يودع التوقيف على ذمة التحقيق لحين ورود تقرير الطب الشرعي)

. كان كبير المحققين يخطط للإيقاع بالمتهم من أقصر الطرق لكن ظهور قاضي التحقيق وتسيده المشهد دفع به إلى استبدال الغريم فقرر تتبع سقطات القاضي خصوصا أن هناك خفايا قد تحتاج إلى عقل بشري متمرس غير القرائن الشرعية فقام بالخطوة الأولى وهي ارسال أداة الجريمة (مسدس) المتهم إلى الطب العدلي لتحديد عدد المقذوفات  منه بعدها تصرف بشكل سري وحصل على ماصورته كاميرات المراقبة ولم يطلع قاضي التحقيق عليها .

. استلم قاضي التحقيق تقرير الطب العدلي الذي كان بضع كلمات (أطلقت على الضحية رصاصتان عيار ٩ ملم الأولى على بعد متران و ٧٠ سم من الإمام من جهة اليسار وأحدثت

جرحا في الفك السفلي وتحت الاذن والثانية عن بعد (١٥) سم وخرجت من مكان إصابة الطلقة الأولى وكان المدة الزمنية بين الاطلاقتين لا تتعدى الثلاثة ثواني .

. استدعى كبير المحققين زوجة القتيل ووجه لها تهمة القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد لكنه عجز عن إثباتها بعد أن عرف منها أنها سجلت افادتها ومكان تواجدها لحظة الحادث إضافة لعثورها على رسالة التهديد التي أخبرت عنها القاضي ثم سألها.. بمن تشكين في قضية مقتل زوجتك؟

. فأخبرته أن الحكم يصدر بناء على قرائن وليس شكوك خصوصا وأن الكهرباء في ليلة الحادث كانت معطوبة من المصدر

. تم إكمال الأوراق التحقيقية وفق الطريقة التي رغب بها قاضي التحقيق في سير التحقيق وقدمت إلى محكمة الجنايات التي لم تجرم المتهم الأول واعتبرت أن المتوفي مات منتحرا قبل إطلاق النار عليه من المتهم بقرابة الثلاثة ثواني وحكم بجنحة إطلاق النار على جثة بالسجن لمدة ستة أشهر مع وقف التنفيذ .

لكن كبير المحققين لازال مقتنعا أن القاتل هو الزوجة وأن ماتم هو تصفية حسابات وقرارات المحكمة جاءت بناء على ذلك .

***

راضي المترفي

في نصوص اليوم