نصوص أدبية

لمى ابوالنجا: بحثاً عن الحب في زمن الصحوة

الجزء الثالث من: مناوشات عاطفية

الحب والحرمان معضلتي الأزلية منذ سن المراهقة كبرت على فكرة أن الحب عار وفضيحة إلا للزوج وما الحب قبل الزواج إلا دعارة ومعلمات دين في حصص النشاط والفراغ يخبرننا في حلقات دينية تقام في المصلى قصصاً وأساطيراً حول مآسي الحب والعلاقات والفضائح فتارةً يعرضون على تلفاز رمادي صغير بشاشة مهزوزة أشرطة فيديو لقصة فتاة عصت أهلها وانجرفت خلف خطوات الشيطان وخرجت مع شاب في سيارته وماتت في حادث على معصية الله وأخرى كانت تستمع لأغنية راشد الماجد وماتت وهي تردد "ويلاه ضاق الصدر" بدل من الشهادتين وأخرى قتلها أهلها لهروبها مع حبيبها وكأن جرائم الشرف كانت نتيجة طبيعية ومقبولة لتمردها.

و شاب كان يتفرج فيلماً ومات وهو ممسك بجهاز التحكم بيده ودفن معه وتارةً مشاهد لإنهيار مرقص في إسرائيل لرجال ونساء يرقصون على مسرح وانخسفت بهم الأرض من غضب الله في منظر مهيب وسط بكاء وصرخات وخلفية موسيقية مليئة بالآهات ومؤثرات الصدى والتحذير والوعيد وبين كل قصة وأخرى مطوعاً يصرخ ( أختاااه أختاااه إحذري إحذري) وتظهر العبارة على الشاشة باللون الأحمر يرافقها أنين ونحيب غريب وغير مبرر ،كنا نجلس بحلقة دائرية متسمرين وسط أجواء مشحونة بكل هذا القدر من الرعب والعنف قاسية على إنسانة مثلي خلقت بقلبٍ إسفنجي يتشرب كل شيء نبكي بكاءً مريراً كل أسبوع ومع كل مرة يعرض علينا نفس الشريط بنفس القصص رغم الألم النفسي الذي تتركه الأشرطة الدينية هذه علي إلا أنني دائما ما أترجى المعلمة بالإستزادة منها ..بل ان علبة مناديل المصلى لم تكن كافية لشفط تيارات دموع التوبة الجارية خلال ساعة ونصف ،كنت أخرج من المصلى مبلله بدموعي المنهمرة على مريولي الأخضر وتمسك بيدي صديقتي تعكزني بسبب فقدان توازني من شدة البكاء ومعلمة الدين تنظر إلي بإعجاب وتضع يدها على كتفي قائلة: "كلما إشتد الألم وإشتد البكاء كلما عظمت التوبة" وأدخل في نوبة بكاء أخرى محتقرة لذاتي كيف أصارحها بصور المطرب جواد العلي المعلقة على باب وجدران غرفتي أقبّلها كل صباح ومساء؟ ماذا لو علمت أني أفتتح صباحي بمشاجرات مع أخي الذي ينتزع كل يوم "بوستر" صورة جواد العلي من على باب غرفتي ويعلقها على باب الحمام..كيف أقول لها أني كتبت إسم جواد في كل ركن من الغرفة بقلم مضيء في الظلام والحرب الطاحنة التي حصلت عندما تعاون مع أختي وسرق القلم لتشويه إسم جواد وإستبدال حرف الجيم بحرف القاف على إحدى الجدران، ماذا لو علمت أني وشمت إسمه على كتفي بموس الحلاقة وكلّفت صديقتي الباكية بجانبي بحشو الوشم بعصير الفيمتو "التوت" المركّز حتى يدوم وقت أطول.

في الجامعة صدمت أن تلك الخطيئة هي السائدة والفضائل التي اعتقدتها هي الغائبة ، كان حباً منتشراً بالأجواء وفتيات جريئات يتحدثن عن علاقاتهن الغرامية الفاحشة مع الجنسين بكل أريحية بلا خجل بلا تأنيب بلا خوف بل إن السؤال الأول في أي مرحلة تعارف هو :"عندك حبيب؟" لم أعرف ماذا أجيب ولم يصدقوني بكل الأحوال إن أجبت بالنفي فكنت دائماً ما أنبذ وأترك وأبقى وحدي لأن مظهري يغدر بي ويعطي إنطباع بالدهاء والغرور لفتاة ملعونة تجيد الغواية والألاعيب العاطفية وتجويع الرجال وكأني بالعامية (مقطعة السمكة وذيلها) بينما الحقيقة أني غضة بريئة لاتدرك من كل هذا شيئاً ولم تصبني عدوى الحب.

مع الوقت اضطررت للكذب ولإختراع قصص غرام ملتهبة ولابد ان تكون فاشله حتى أجاريهن بالكلام ولأنها لم تكن مقنعة وخالية من التفاصيل كان أمري يفتضح سريعاً.

وأنبذ من جديد حتى أصبح أكبر التحديات التي واجهت هو التعرف على أي صديقة تؤنس علي روحي .

وأخيراً صادفت في أحد إختبارات معمل مادة الأحياء الدقيقة فتاة كان لها حضور طاغي، تداخل الأعراق في جيناتها وطول قامتها وشخصيتها التي تجبر الجميع الى النظر إليها رأيت فيها مايشبهني ووجدتني وبلا شعور مني جلست بقربها وعرضت عليها مراجعة المادة قبل الإمتحان.

على الرغم من هذا الحضور الأخاذ فقد بدا واضحاً عليها "أنها لم تذاكر المادة" فمددت إليها بعض البراشيم كعربون ثقة مبكر ثم أصبحنا صديقتين مقربتين فيما بعد صارحتها بأمري و"غشامتي" وبرائتي رغم كراهيتي لتلك الصفات فتعهدت بإرشادي في هذا الطريق الوعر خطوة بخطوة.

أخبرتني أن علي فتح قلبي أولاً للحب ولفكرة دخول شخصاً ما لحياتي ..

وبالفعل .. فتحت باباً دخل منه

(المتردية والنطيحة وما أكل السبع)

***

لمى ابوالنجا – كاتبة وأديبة سعودية

في نصوص اليوم