نصوص أدبية

ماهر نصرت: الفراشــة

ها أنذا عدت ثانية بصحبة دموعي لأقف أمام صورتك المشرقة. أتأملك بعد سنوات من ظروف قاسية أبعدتني عنك مرغمة، ها أنذا أسيرة حبك الذي حفظته كأسمى ومقدساتي، ها أنذا أسيرة شذى عبـيرك فهو كنسيم الرابية في فجر الربيع، كنت أشعرك في أحلامي ويقظتي، لم أنس أبدا" ذاك المساء الساحر الذي ضمنا سوية " خلف الأشجار نغازل القمر، رائعا" كنت.. مازالت حرارة يديك تغزو مشاعري ، لمسات يدك الجريئة كانت تشدني إليك وأنا أرتجف، أحاول أن ألتصق بك أكثر، ألتحم مع جسدك الأشقر في لحظات جنون تنقلني معك الى عالم اللاوعي.. عالم لم تطأه قدما أنسان من قبل.. نتسلق قمـة.. نطفو فوق نسمة.. نختلي في زورق نجوب به آماد البحر وندع الأمواج تقذفـه حيثما تشاء.. نغور في أعماق صدفة مهجورة نمتلك فيها بعضنا ونجعلها مملكتنا الأبدية، يا لجنوني العذب، يا لروعة انطلاقي وشرودي..

عدت ثانية أنهض كل صباح مبكرا"، أقبّل أزهار حديقتي التي قدستها من أجلك، أنظر هناك.. تلك الفراشات عادت تحلّق متموجة ببهجة وسرور، تتغازل فيما بينها تقف كل واحدة منهن أمام الأخرى فخورة، متكبرة، تغيض صاحبتها بجمالها.. ما أروع ألوانها.. ما أروع الحب..

ومضيت أتأملك....

أتأمل ليلتنا الساحرة خلف الأشجار وأتذكر وقاحة أناملك الدافئة، أشعر أنك بجانبي الآن.. كأن دفء كفيك يرفعني نحو سماء من سراب.. نطوف الاثنان معا" على بحار لاشواطىء لها.. نسابق الطيور المهاجرة ونخترق أروقـة السحاب.. نحلّق عاليا" فوق سماء الشرق كطيرين عاشقين يهجران الدنيا.. لا نلتفت وراءنا.. نبحث عن بلاج جزيرة مهجورة نستلقي فوق الرمال ونستسلم للشمس.. للمشاعر.. للرغبات..

أصحيح يا حازم أحببت غيري؟ لا أصدق، لو كان ذلك حقا" فأنك تحطمني وتقذف بي صوب الفناء، لم أقترف ذنبا" أستحق به لوعتي هذه سوى أني أحببتك مخـلصة وما زلت، حازم تكلم، أتوسل إليك.. كانت نظراتك صادقة يوم التقينا، أحسست أن نبرات صوتك المرتجفة وقتها لا تكذب، أنك تحبني أليس كذلك؟ أخذت لمسات يديك الساحرتين خلف سور المنـزل في تلك الليلة المقمرة تفجر في جسدي بركان من الرغبة، لم أشعر بعدها ما حصل لمشاعري. مازالت مغمى عليها ، أحسست لحظتها أنك تسرق سنين عمري في جنون ارتشافك المتوحش لهما، كنت وكأنك تشحن برضابي بطاريتك الروحية، وعندما تغلغلت يدك متسللة إلي شعري، أغمي على روحي.. جسدي هو الآخر سقط صريع لمساتك الساحرة.. أذكر وقتها أنك تضمني بعنف، تريد أن !!.. أنك مجنون.. مجنون..

حازم، لماذا لانرحل عن المدينة إلى ما وراء الطبيعة والشمس، وراء الصوت والصدى، لاندري إلى أين ولا نريد أن ندري، ندعو موجة صماّء تحملنا بعيدا" حيث الشهب الهاربة والنجوم المتألقة، نتحول إلى نيزكين، إلى ذئبين، إلى عصفورين، نصنع حضارة بأيدينا، حضارة عذراء لاتلوثها ثرثرة منافق أو غدر حاقد، حازم أنتظر، أتوسل إليك، أسمعني قبل أن ترحل، لن أدع تلك المرأة التي أسمها أنوار أن تخطفك مني، أليس يا حازم أسم عذراء أجمل من أنوار؟ سأقتلها، سأقتلك معها ! أنتما أعدائي ! سأقتل العشاق جميعا"، سأقتل الفراشات الكاذبة، سأمزق الزهور المزيفة..

حازم أرجوك.. انتظر لاترحل..أنتظر.. أني متعبة.. أني...  

*** 

ماهر نصرت

في نصوص اليوم