نصوص أدبية

نضال البدري: سيد الثعابين

كان الضجر واضحا على زوجها، الذي كان بالكاد يكتم سخطه وشكواه وتذمره من الحياة، التي باتت تسير عرجاء في المنزل، بعد ان طالت فترة رقودها على فراش المرض، لأسباب غير معروفة وغير واضحة والذي بات من الصعب تشخيصها، ومعرفة أعراضها خصوصا بعد ظهور البقع الزرقاء على جسدها، وارتفاع كبير في درجة حرارتها وبشكل ملحوظ، بالإضافة الى الشحوب الذي كان واضحا على وجهها، والذي ظنت في بادئ الأمر بأنها وعكة صحية ستزول ولا تستحق كل هذا القلق .

كان ايمانها بالأدعية والمعالجة بالطرق الروحانية كبيرا، ربما بسبب نشأتها المنغلقة وحياتها البسيطة، لذا استعانت في بادئ الامر، بالمعالجين الروحانيين لاعتقادها، بأنها ستشفى وتتخلص من هذه الألآم. تنبئ لها هؤلاء وقالوا بأن مرضها آت من العالم السفلي، وان علاجها سيقتصر على حجابا ستحمله تحت ثيابها، مكتوبا بالزعفران الاصفر وماء الورد المختوم تحت النجوم، وهكذا وبكل قناعة حملت الحجاب، ولاسيما وانه سيبرئ جسدها ويذهب بالمرض بعيدا عنها لكن لم يتغير شيء، وكأن الطلاسم قد فقدت قوتها . لكونها مازالت تطلق أهات الالم، وحالتها تسير من سيء الى أسوأ بل وتفاقمت كثيرا، كانت تبكي خلسة وتكفكف دموعها كي لا تظهر ضعفها أمام زوجها الذي نظر اليها وحدثها قائلا: لم يعد الوضع يحتمل أكثر صحتك في تراجع عليك بمراجعة الطبيب فورا البيت بدء ينهار وأنا بصراحة بحاجة لزوجة قوية .

لجأت أخيرا بعد كلام زوجها و الحاح من اولادها واقاربها ايضا الى مراجعة الاطباء، لم يكن من السهل تشخيص حالتها لان اعراضها كانت محيرة، لكن بعد فحوصات وتحاليل دقيقة، تبين انها تعاني من انخفاض كبير في كريات الدم البيضاء، التي سببت لها نقص حاد في المناعة، مما جعلها تتهاوى سريعا وتمرض امام اي نزله برد او زكام قد تتعرض له، لذلك اوصاها الطبيب بالعزلة واخذ الاحتياطات اللازمة، من تعقيم ولبس الكفوف والكمامات كي تتجنب العدوى أيضا لحين التشاف. اثرت تلك العزلة على علاقتها مع زوجها، وخلقت فجوة عميقة بينهما، واصبحت تتحاشى أي جدال بينهما لئلا يتسبب لها باي بمشكلة رغم انها كانت تتوقع الحب والاهتمام، لكنه على العكس، بدء يبتعد عنها فلم يعد يحتمل حياته مع امرأة تفوح من فمها رائحة كريهة، ومن جسدها رائحة المعقمات التي ملئت البيت وحولته أشبه بمستشفى، لعقت جراحها بصمت وتبتلت بالدعاء من الله ان يرزقها العافية ويشفيها .

وفي احدى الليالي ارتفعت حرارتها حتى شعرت بان روحها قد استلت من جسدها، فقد رأت حلما عجيبا وتمثل لها وبشكل حقيقي ثعبانا كبيرا اسودا برأس كبير وعيون صفراء مخيفة ... كان لسانه يتلوى بسرعة فائقة مخترقا نابية الطويلين البارزين، اقترب منها و حراشفه السوداء منتصبة تلمع وكأنه يود ابتلاعها. كانت تبكي بشدة وهلع وتتوسله ان لا يقتلها، تسارعت ضربات قلبها، حين أقترب منها أكثر براسه الكبير .

قائلا لها: بصوت اجش مخيف لا تخافي انا سيد الأفاعي " العربيد " الكبير، جئت اليك لكي اخلصك مما انت فيه بقدرة الله، لا تخافي يا امرأة سوف اسحب السم من جسدك واخلصك منه، ستشفين ولن اسبب لك الأذى . لكنها كانت مرعوبة ولا تصدق كل هذا الذي يحصل وتمنت لو ان هذا الكابوس ينتهي، نظرت في عين العربيد الاسود متوسلة له بصمت، كان ينظر اليها بهدوء، مرت الدقائق ثقيلة عليها، وهو يقول لها مدي يدك اليسرى اريني اياها. ثم اقترب بهدوء وهو ينظر في عينيها، شعرت بانها اصبحت مستسلمة له، ولا تستطيع فعل أي شيء لإيقافه، مدت يدها في استسلام عجيب، ففتح فمه الكبير ثم أطبق فكيه على يدها حتى شعرت بوخز انيابه وهي تخترق يدها مصحوبة بحراره كبيرة، سببت لها ألما فصرخت بصوت عال، على أثره فزع أبنائها وزوجها الذين هرعوا اليها ليروها تمسك بيدها وهي تقف منتصبة في وسط فراشها وتشير الى ثقبين في يدها سال منهما الدم.

***

نضال البدري - بغداد / العراق

في نصوص اليوم