نصوص أدبية

محمد غنيم: بثينة

أنسل من الغرفة المعتمة في الطابق التاسع، أسير في رفق عبر الطرقة الطويلة على أطراف أصابعي، وعيني على باب غرفة حسنين، ألمح الباب مغلقًا،أحمد الله وأتنفس الصعداء (لحسنين أذن رهيفة السمع، يسمع بها دبة النملة) تهدأ خطواتي، وتتزن أقدامي فوق الأرض. تتجسد على الفور صورة بثينة واضحة أمامي، أضغط على زر المصعد، ثوان معدودة ويفتح، فإذا بي أجد حسنين أمامي، أرتبك، وأخشى أن يلمح ارتباكي، فأباغته بسؤالي:

-  نازل؟

يومىء برأسه، يختلط ارتباكي بشك وحيرة، نازل أم طالع ؟ وأكاد أسمع صوت بثينة "احذر  حسنين"، يسألني:

- إلى أين؟

أجيب على الفور:

- الجمعية الإستهلاكية، خضار.

يصمت وعلى شفتيه ابتسامة غامضة تشي بالاتهام وعدم الاقتناع.

نخرج سويًا من باب المصعد، يتزاحم كتفانا وكأننا نتسابق على الخروج، نسير متجاورين عدة خطوات، نفترق مع نهاية الممر، اتجه نحو شارع قابوس، أتركه دون كلمة وداع، خطوات قليلة وألتفت إلى الوراء، أراه يتجه نحو المبنى المقابل، حيث الفرن في الطابق الأول، وبثينة في الطابق الثالث، أتطلع إلى أعلى، أجدها تنظر من النافذة مبتسمة وكأنها تسخر منا، أهمُ بأن ألوح بيدي، فأتراجع على الفور، أواصل طريقي وأجد نفسي داخل مبني الجمعية الاستهلاكية، تكاد تخلو من الزبائن، أشعر ببرودة الجو في الداخل، بفعل جودة أجهزة التكييف وقلة الزبائن ،أملأ في شرود عدة أكياس من الفاكهة والخضار، أضعها في العربة، أجرها وأتجه إلى المحاسب، أدفع وأستلم الفاتورة وأخرج، أعود إلى الغرفة الخالية، اكتشف أنني نسيت بعضا من أكياس الخضار والفاكهة، أنزل مسرعًا، ولا يخطر في بالي أبدًا أن ألتقي حسنين من جديد، يا ألله ! حسنين فى الطرقة يسير نحو المصعد، أحاول أن أتجاهله، لكنه يباغتني بالسؤال:

- إلى أين هذه المرة ؟

- الجمعية.

- من ثان .

- نسيت الأكياس.

يبتسم في خبث ويقول متهكمًا ولكن فى شرود ظاهر :

- اللي واخد عقلك.

لا أبتسم وأقول، لا أعرف كيف خرجت الكلمة قوية وحادة:

- بثينة.

 

يقف مندهشًا، لا ينبس بكلمة، يفتح باب المصعد، أدخل، فلا أدعوه إلى الدخول، وأنزل بالمصعد دون أن آبه به.

(تمت)

***

قصة: د.محمد عبد الحليم غنيم

في نصوص اليوم