نصوص أدبية

محمد الدرقاوي: رفقا بالقوارير

القسم (4) من: ذكريات من رماد

4ـ رفقا بالقوارير.. (حادثة عارضة بعد ثلاثة اشهر من زوجهما)

دلف الى مكتبه بعد حديث قصير مع كاتبته وكأنه يوصيها بشيء، ثم حرك راسه لحارس المتجر كاشارة تعودها منه الحارس لجلب قهوته الصباحية..

كان ظهره لباب المكتب، موليا وجهه لخزانة حديدية، حين سمع بكرة الباب تدار، دون أن يلتفت قال:

حليمة دعيني ارتاح أولا، الم اقل لك اني مرهق؟

من خلفه رد صوت: طيب، وانا أنتظرك حتى ترتاح.. .

بسرعة التفت حين أدرك ان الداخل عليه لم تكن حليمة كاتبته.. ما أن رأى الزائرة حتى هل وجهه بضحكة واسعة، ترك ما في يده وهرول إليها يعانقها ـ

أهلا للاحماتي العزيزة.. هذا صباح مشرق سعيد ان تكوني اول من يدخل مكتبي.. الخير آت لامحالة..

سحب لها أريكة وأشار عليها بالجلوس، ثم استوى قبالتها على أخرى.. رفعت نظارتها الشمسية على رأسها.. ورمت البصر على المكتب كأنها تتفحص محتوياته..

ـ دقيق في كل شيء.. فاناقته تطول حياته كما تمتد لمكتبه.وهذا مما يعجبها فيه..

ظهور حماته حسسه بالانسلاخ من عيائه وأن ما به من تعب قد بدأ يتلاشى، فأنشراح حماته ووجها الضحوك قد رمى عليه رداء من راحة كان يفتقدها وهو يلج باب المتجر منذ قليل..

أنيقة كعادتها، ماكياج خفيف يزيد لوجهها تألقا، وقد ارتدت جلبابا شبحي اللون، وعلى جيدها لفت شالا بنفسجيا فاتحا، وانتعلت حذاء رماديا نصف عال..

حين فتحت فمها لتكلمه بادرها:

ـ لقد طلبت قهوة قبل دخولي، ماذا تشربين؟

قالت مازحة:

ـ لهلا يجعل حبابنا ينساونا الا بالخير: أنسيت ما أفضل؟

بسرعة رد: لا لا حاضر.. كيف أنسى وانا أحتفظ لحماتي بألذ وأجود ما وصل الى متجري من أنواع الشوكولاطة..

قام وطلب من الكاتبة حليبا بشوكولاطة ثم فتح دولابا على يمين الباب واخرج منه علبة ذهبية قدمها لها..

كم اسعدها أن تجد على العلبة حرفين من حروف اسمها مما يؤكد أن العلبة كانت مخصوصة لها..

وهو يجلس على الاريكة قال:

ـ خبريني أولا كيف صار حماي العزيز مع الضغط والسكري؟ سلمى بخير؟ هل ارتاحت نفسيا؟

ركزت فيه نظرة قرأ ما وراءها من عتاب.. تنهدت وقالت:

ـ الكل بخير وانت أحق منا بالسؤال عنك جميعا..

كنت أظن أن بعد سفر الحاجة لن تجد بيتا غير بيتنا، لكن ربما أحبابنا وجدوا غيرنا.. سوء تفاهم حدث بينك وبين سلمى ونحن ما ذنبنا؟

أدرك انها تجامله ومجاملتها مبطنة في عتاب، فهي تملك لسانا رطبا، وقدرة ديبلوماسية على بلوغ ما تريد. بارعة في توطئات تجعلها دوما منتصرة، وكما يقول عنها حماه: "سياسية في البيت لا تقهر"..

هو نفسه ليس جديد عهد بمعرفتها، هي أم المرحومة زوجته الأولى كما انها ام زوجته الثانية بعد المرحومة.. يعيها جيدا ويعرف مدى حبها له، ويقدر هذا الحب وكما يقول دوما:

ـ جميع الناس لهم أم واحدة، ولي اثنتان، لا استطيع أن أميز بين أم وأم..

ركزت النظر في عينيه كأم تحسس ابنها بثقتها وإعجابها قالت:

ـ سعد بلا مقدمات.. سلمى تريد العودة الى بيتها.. بربك ألم تشتق اليها كما هي اليك قد اشتاقت؟ بنتي فاض صبرها، أما ابني فعنيد استحلى برودة السرير.. أو الفى في أحلام الليل مايغنيه عن دفء العناق؟ !!..

يعرف أنها أنثى متفتحة وأنها لاتتورع في ضرب مثل اذا كان المثل طلقة تصيب به الهدف، وكلماتها أتت كأنها تيار بارد هز نفسه وعليه أن يدقق في كل كلمة قبل ان يتفوه بها حتى لا تمسكه من لسانه، تنهد ثم قال:

ـ وهل خرجت سلمى من بيتها حتى تعود اليه؟

أدركت انها أمام رجل لم يقطع حبل الود، رجل بقلب كبير، يتصرف بعقل وتقدير، وأن حبها له هو حب لقلب لا يعرف معنى الكراهية، سوء فهم ربما تسرعت سلمى في الحكم عليه..

"لا حاجة الى تعليق وانما حاجتي الى مشاعر تحسس ابني اني أكبر فيه هذا السلوك.. فنعم من ولد ونعم من ربى.. "

هي لم يرزقها الله الا ببنتين، وها هو ابن لها لم تلده جدير بالافتخار، هو عطية من الله الكريم أن يكون زوجا لابنتيها معا، فقدت الاولى اثر اول وضع لها، وحرصت على أن تكون الثانية عوضا باتفاق مع والدته حتى تسهر على تربية بنت أختها المتوفاة.. .

أحس كل منهما ان دمعات تسابق العيون فتعانقا..

قالت وقد هدأت قليلا: لن اعلق لكن سننتظرك على العشاء الليلة..

مسح الأرض بعينيه وقال:

ـ أنا ماتعودت من المرحومة ضحى أن تغضب أو تحكي عما يحدث بيننا من سوء تفاهم، ولا تعودت منها أن تهدد بمغادرة البيت، فحتى حين كنت أمزح معها بالقول:

ـ سيري علي لدار باك وهنيني كانت ترد:

"ابي لما سلمني اليك، اقسم بالطلاق الا اعود اليه ابدا، فلابيت لي الا هذا ".

لكن سلمى غير المرحومة، وكأن كل واحدة منهما قد تلقت تربية مخالفة عن الأخرى رغم الطبيعة المنقوشة.. وحين قالت سلمى "اني ساذهب الى بيتنا" كان ردي:

ـ لوذهبت فلن أتبعك.. عبارة قوية لن أنكر.. لكن وحق الله كنت اروم منها صد ما بعدها..

حماتي العزيزة، نحن لم يمر على زفافنا أكثر من ثلاثة اشهر، فبماذا سننتهي إذا بدأنا بالشك وجرجرة الكلام..

كانت الحماة على وشك الوقوف لتنصرف لكن رده جعلها تتحرك في مكانها قبل أن تستقيم، وقد ترنحت من كلماته ألتي أخافتها، نقرت بوسطاها على مكتبه علامة على قلق جاهدت أن تخفيه عنه ثم قالت:

ـ سعد حبيبي، أولا عبارتك قوية لا يمكن أن تصدر من رجل واع ومثقف أبوه يرحمه الله كان لا يكلم امه من عشق الا همسا، وأمه كانت عاشقة متيمة بابيه.. ضحى ياسعد لم تلاحظ عليك يوما ما يقلقها، فبمجرد ما استيقنت من حبك وخبرت تعلقك بها، أتت اليك خاطبة لتكسر تقاليد مجتمع بكل تركيباته وطقوسه، وأنا من شجعتها على ذلك، لاني كنت اعرف معدن وسمعة الأسرة التي سنصاهر، لكن سلمى أتت وفي حياتك أختها من قبلها، وغزت حياتك أخريات بعد موت أختها ؛ ضحى كانت محامية وشاعرة تقرؤك وهي تفتت بواطن الكلمات أما سلمى فعقل رياضي يتغلب فيه المنطق عما سواه ؛ مع ضحى لم تكن لك علاقات مع بنات منتديات عربية تستحوذ العاطفة عندهن على القلب قبل العقل، وتتحول الصداقة لديهن حبا يولده غرور الثقة، فيعشن خيالات الوهم.. سلمى لا تعرف شيئا عن عادات وسلوكات الشرق، وانت نفسك ما تعرفت على الشرق الا من خلال تخصصك الدراسي ثم عبر المنتديات العربية التي أدمنت عليها بعد موت ضحى التي لم تقرأ لك رسائل حب شرقية من بنات المنتديات..

أدرك ما تلمح اليه، وحيث انه يعرف صراحتها وصدقها، وان ما تقوله هو مجرد تذكير بما أثر في سلمى وفي صدرها قد حفر قال:

ـ لقد حاولت أن أشرح لها الواقع لكنها لم تحاول أن تقتنع، أوربما تسرعت في اتخاذ قرارها..

قالت: أي واقع؟ سلمى لا تتسرع ولم تحك عن أي شيء، ولو حكت لعرفت كيف اقنعها بوجهة نظرك لاني خبزتك كثيرا واعرف عجيني واصالة خبزي، سلمى احبتك بعيون مغمضة، وماعرفت غيرك في حياتها.. سلمى تنازلت عن وظيفة سامية من أجلك وفضلت ان تؤسس عملا حرا على ان تبتعد عنك، وانت تدرك هذا، ألست من شجعها وساعدها ماديا ومعنويا؟.. تربية سلمى وثقافتها علمتاها ان الابيض ابيض والاسود اسود ولا مكان بينهما لمنطقة رمادية.. كل بنت تشب وفي حياتها شاب أو أكثر، لكن سلمى شبت ولا رجل يتملكها غيرك..

ماقرأته سلمى على حاسبوك هو ماحرك غيرتها بل أجبرها على غيرة لم تكن تعرفها، خوفا على حب تتنفسه كهوائها، وعلى بيت تصونه كذرة من ذراتها، وقلقا من أنثى تراسلك باستمرار، وتناديك حبيبي، وتعد مراسلتها خيانة منك لوفائها..

بادرها محاولا ألا يضعف أمام كلماتها

ـ ابدا ليست خيانة ولن تكون..

اليه رفعت البصر في نظرة تلميح وقلق ثم قالت:

ـ وماذا تعدها أنت؟ صداقة بريئة من أنثى عربية؟ لو لم تتعود طبع فتيات المنتديات العربية لصدقت لكن.. صمتت قليلا ثم استرسلت وقد استاءت من رده:

ـ سعد !.. ألايلزمك قطع هذه العلاقة حفاظا على سعادة بيتك، وكرامة أنثى أحبتك منذ طفولتها؟.. سعد !.. أستغرب لاقوالك هذه.. ما بك؟واي شيطان يتلاعب بعقلك؟

تنهد ثم زفر وقبل ان يرد وقف ليتسلم ما طلب من كاتبته:

ـ ابدا لن استطيع قطعها فانا عن تلك الأنثى مسؤول؟

انفلتت منه العبارة وهو لا يدري كيف يبررها، هل معناه يضع نقطة نهاية لحياته الزوجية؟

بسرعة شرع يبحث في مخزونه الفكري عن تبرير يقنع حماته ولا يفضحه أمامها.. استغربت الحماة من رده، وقد تفاجأت بغرابة ما تفوه به رجل تعتز بعقله وحكمته:

ـ هل تدرك ما تقول سعد؟ معناه تضع حدا لأنثى يكاد حبها يكون لك عبادة؟ هل تدري ان سلمى قد تنتحر. لو سمعت هذه العبارة.حرام عليك.. كاني امام رجل لا اعرفه.. أنت ابني حقا، لكن سلمى بنتي كذلك..

ادرك أنه في وضع لم يحسن فيه التعبير، وقد صار امام حماته في حرج خصوصا ونظراتها تخترق دواخله بتحذير، تفسخ كل جزيئة فيه بتشريح ومن وراء نظراتها نظرات أخرى حية وميتة.. شرع يبحث عن كلمات تسعفه ليوضح الوضع، وقبل أن يفتح فاه للكلام قالت حماته:

ـ سعد انا امامك بين قولين.. من لحظة قلت: هل خرجت سلمى حتى تعود.. والآن اسمع انك لا تستطيع قطع علاقتك بالأخرى، فهل تريد الحريم في بيتك؟ لا اظن أن بيوتنا تبيح الحريم، ولا أظن ان في وطننا أنثى ترضى أن تشاركها أخرى زوجها..

ادرك ما تقصد، فهي متيقنة أنه لن يكون شرقي النزعة فبادرها بالقول:

الانثى التي تتكلمين عنها تعيش في وطن اشل زوجها بقذيفة، وجعل ابناءها الثلاثة عرضة للتشرد وربما الموت، وانا تعهدت بنفقات دراسة الابناء ويشهد الله اني لا اعرف غير عنوان خالتها وعليه أراسلها، ولست ممن يرضى لنفسه أن يكون طائرا يشارك غيره في نقر كرزة واحدة.. أنا فقط فاعل خير، ومن هذا السلوك بدات السيدة تناديني أخي حبيبي..

كأن يتحدث وفي صدرة ألف توسل لله أن يغفر له كذبه، هو حقا لم يلتق بمن يتحدث عنها، لكن يعرف كل شيء عنها من صورها، من حديثهما اليومي تقريبا..

كانت يده اليسرى على حافة مكتبه وهو يتكلم، مدت الحماة يدها ووضعتها على يده كأنها تؤمن على كلامه وقد أوعزت اضطراب يده الى انفعاله الزائد ثم قالت:

ـ اهدأ سعد.. صدقتك، لكن لماذا لم تخبر سلمى؟، لماذا لم تشاركها في قرارك كما تعودت؟

وضع يده اليمنى على يدها وقال: وحق حب الامومة الذي ينفثه صدرك في صدري والذي لا أميزه عن حب الحاجة لي اني أخبرتها وظننت ان الامر صار عاديا بالنسبة لها.. لكن يبدو ان التعبير كثيرا مايخونني حين يتعلق الامر بالحديث عن نفسي أو عن خير اقدمه لوجه الله.. وأفضل ان يظل مستورا..

ـ لا هي صراحتك وثقتك بنفسك.. أعرفك سعد ,اصدقك انت ابني واحمد الله اني لم ألدك والا لما وجدت شابا مثلك لابنتي..

كلماتها اعادت اليه بعضا من هدوء، ربما قبسا من اقناع.. لا يدري..

أوربما كانت تريد ان تنفخ الطمأنينة في صدره، ورغم البسمة التي تملأ محياها فقد كانت عيونها تقول أكثر مما يتلفظ به اللسان، عيونها حب وتحذير، سعادة وقلق، حيرة وخوف عليه من ان يكون مستغلا ممن تكاثروا على بوابات التواصل الاجتماعي بالادعاء والكذب والايقاع بالناس، فالناس صاروا طباعا واحوالا، فسلوكه مهما كان غريبا الى حد ما فهو يبدو مقبولا خصوصا وهي تعرف سوابق له وللمرحوم والده في مجال الخير ومد اليد، حتى أمه جعلت جزءا من دخلها الشهري وقفا على إحدى دور العجزة..

بقدر ماكانت حماته تحت وقع المتناقضات كان هو يدرك أنثاه المشرقية، يعرف حبها وتعلقها به، يعرف أن زواجها كان غصبا وتحكما قاهرا من والدها، يعرف كم بحثت عنه بين المنتديات كي تجد له اثرا فقط لتعتذر حتى لايظل حانقا عنها غاضبا.. .لايمكن أن يداخله شك في حبها..

تطلعت حماته الى ساعة يدها ثم قالت: تأخرت سيظل حماك بلا غذاء اليوم..

هم أن يمسك بيدها لكن خشي أن تحس اضطرابه مكتفيا بوضع يده على ذراعها اليمنى وقال:

ـ لا لن تهيئي غذاء، سنتغدى جميعا في ضيعتنا فموسم جني التفاح والبرقوق قد بدا.. انتظري..

اخرج هاتفه وكلم المشرف على الضيعة أن يذبح خروفا ويهيئ الغذاء، ثم التفت اليها وقال:

ـ سنلتقي على ارض محايدة ومريضنا ماعنده بأس.

كان يريد الا يتركها تنصرف الا وفي عقلها رسالة واضحة تبلغها لسلمى، وضع يديه على كتفيها وقال:

ـ لو أدركت سلمى أن هذا الصدر لا يهتز الا بها لما اقامت قيامة حركتها غيرة طائشة، ما كنت أظن أنها تنمو خفية في صدرها.. مهما بلغت أنثانا من وعي وثقافة فلن تمحي لها خصوصية..

ـ هي فطرتنا يا سعد ورغم ذلك فغيرة سلمى غيرة عقلانية من قلب صاف سليم..

عانقته وبوادر دمعة لمعت في عينيها: أنت عندي حب وتقدير ياسعد وعند حماك قدوة ؛وانا وهبتك جوهرتين واحدة بعد الأخرى لاني اعرف أصلك وفصلك فلا تعذب سلمى بعناد، فهي ما تبقى لي وعليها أأتمنك..

ضحك وقال:وأنا؟

ـ والله انت أثمن الجوهرتين وافضل مافيهما من لمعان، ولكن رفقا بالقوارير..

قال وقد بدأ يستعيد بعضا من هدوئه:

ـ صدقت.. وانت من القوارير أما وحماة، ومدافعة عن سعد وملينة مواقف..

ضحكت لعبارة استنجاده، عانقته وقالت: آه منك ومن لسانك يافلذة كبدي !!..

حين انصرفت هاتف والدته المسافرة في زيارة لعايدة ابنته في بوسطن وزف لها الخبر عساها ترتاح مما اصابها بعد سماع ذهاب سلمى الى بيت أهلها.. حتى أنها منعته من الاتصال بها الا بعد عودة سلمى الى البيت..

قالت:

ـ انت ماعدت سعد الذي ربيت، ومن غيَّرك أعرفه، وسأعرف كيف أعمل حدا لابالسة حياتك من حولوها الى خريف وخرافات قبل الأوان..

أدرك ما ترمي اليه والدته فهي لا تغيب عنها شاردة، قد لا تتدخل في حياته ولكنها صارمة فيما قد يغير وجهته نحو مالا ترضاه، وحين يبلغها أن سلمى البنت التي أحبتها وسهرت على ألا يكون غيرها بديلا لابنها قد غادرت البيت فمعناه أن ابنها قد غيرته ظروف خارجية استغلت غيابها ويلزمها ان تقف بالمرصاد لكل دخيل قد يشتت لحمة أسرة كانت متوائمة أبدا.

وصل سعد متأخرا الى الضيعة فقد حبسته بضاعة وصلت متـأخرة وكان يلزمه البقاء الى ان تدخل بأمان الى المخازن حتى أن حماه قلق عليه وهاتفه مرتين..

كانت حماته تدردش مع أحد الفلاحين، أما حموه فقد كان يقرأ جريدة مسائية تحت ظل شجرة تين وارفة..

كانت عيونه تبحث عن سلمى بشغف وقد لمحها تمرق من نافذة المطبخ، فما أن اشار على احد الفلاحين بافراغ ما في الصندوقة الخلفية للسيارة حتى اقبلت سلمى وفي يدها بريوة صغيرة ألقمته اياها وهي تضحك ثم ابتعدت..

هي بريوة بلوز وعسل ورمزيتها كبيرة جدا فهي تورية للذوق والتمييز والصمت كما انها رسالة حب تقول الكثير.. أدرك الدرس الخلفي الذي مارسته حماته..

كان يتمنى ان تعانقه، أن يضمها اليه، لكن فضلت الاشارة والرمز على الفعل، رآها تدخل احدى الغرف فلحق بها، ما أن ولج باب الغرفة حتى ارتمت عليه، وشرعت تبكي..

ـ ما ظننت ان حبك يفتر الى هذه الدرجة ياسعد.. ظننتك ستلحق بي من اللحظة التي غادرت فيها البيت، ماذا فعلت؟ خفت عليك من غيري. !!. سعد حبيبي أنا أحببتك بلا مكان ومنك تعلمت كيف أتحرر من الزمن، احببتك كما أعبد ربي ثقة وصدقا واخلاصا..

حين فتح فاه ليرد عليها وضعت يدها على فمه، ضحكت وقالت:

ـ البريوة في فمك فضمني وهبني من فمك قطعة، لم يقع أي شيء يستلزم حوارا وشروحا، ربما أخطأت وفي لحظة ضعف انهارت ثقتي..

ضمها اليه وغابا في قبلة كان نداء حماته صحوة منها.

***

محمد الدرقاوي ـ المغرب

في نصوص اليوم