نصوص أدبية

محمد الصالح الغريسي: حصان طروادة

الحصان الّذي بات خلف أسوار المدينة،

لم يكن غنيمة حربٍ

و لا كان عنوان انتصارْ،

لم يكن طالع خيرٍ،

و لا كان عربون سلامْ ..

كان كائنا من جمادٍ،

في جوفه الموتُ والخرابْ ..

جمرًا ينام تحت رمادْ.

*

اللّيل ساكن رهيبْ ..

العيون خلف الأسوارِ ..

نائمةٌ يحرسها الأمانْ..

الأسوار عالية حصينةْ،

العسس يقظونْ،

و الأبواب موصدة متينةْ.

و في مكان ما،

كانت الخيانة تنام في حضن الغدرْ ..

كانا يمارسان طقوسهما

على فراش واحدٍ،

تحت سقف واحدْ،

بين نفس الجدرانْ.

*

في جوفِ اللّيلِ والسّكونْ،

تمخّض "الحصان الخشبيُّ"،

كان المولودُ خرابا ودمارا،

و احترقتْ طروادةْ.

كانت مأساةٌ وكانَ موتٌ..

و كانت دماءٌ ..

و كان حريقْ..

و المتّهمُ "حصان خشبيّ"...

*

تناسلت السّنونُ، ومن بعدها القرونْ..

كان لكلّ بلد طروادةٌ وحصانْ،

و لكلّ أمّة مأساةْ..

و في كلّ شبر من الأرض آلامٌ وموتٌ وفناءْ،

الكلّ في المعارك أبطالْ،

الظّالمُ والمظلومْ،

و الكلّ يبحث في الآخَرِ عن "كعب أخيلْ"..

لِيُهْدِيَهُ الموتْ.

*

يا أيّها التّاريخُ،

يا مركبا تائها بين جنون الموجِ ودفءِ المرافئِ،

بين لمعةِ سيفٍ وتغريدةِ نورسْ..

يا أسطورةً تنضحُ آلاما وجراحًا..

يا قِصَصًا للغدرِ والخيانةِ لا تنتهي..

و سيوفا تؤذِّنُ للانتقامْ ..

لوجبةٍ لا تُؤْكَلُ إلاّ وهي باردةٌ

فتنزلُ في البطون سعيرًا،

فهل من متّعظٍ أريبْ...؟!

*

يا أيّها "الحصان الخشبيّ"

أشهدُ أنّك بريءٌ من الغدرْ،

وأنتم أيّها "الأبطالْ" ،

يا من ترفعون على أشلاء الموتى

و بقايا الأطلالْ،

كؤوس النّصر في كلّ عصرْ..

لِتَعْلَمُوا أنّ لكلّ منكم "كعبَ أخيلْ"،

و أنّكم لا محالةَ مَيِّتُونْ

و أنّ الانتصار عملاق يقزّمه الباطلْ،

و أنّ الضّحايا

ليسوا سوى وقود لحقد الأقوياءْ

و أنّ الانتقامَ وحشٌ شرسٌ،

لا يفترسُ إلاّ من يطعمُهُ ويغذّيهْ.

فلا تزرعوا الشّوكَ،

إنّه لا يثمرُ غيرَ الأَلَمْ،

و لا تزرعوا الرّياحَ

كي لا تَحْصُدُوا النّدمْ.

***

25/06/2023

محمد الصالح الغريسي

في نصوص اليوم