نصوص أدبية

زهرة الحواشي: على خدّي الأيسر

عاد بيَ الحنين إلى مدرستي الإبتدائية العزيزة وإلى ساحتها المزهوّة بالأشجار والعصافير وصخب التّلاميذ وأوقات الرّاحة وفجأة وجدتني أمرّر يدي على خدّي الأيسر في ذكرى لم تمّحّ آثارها من خاطري.

كتت بالسّنة الثالثة ابتدائي وكنت الأولى في المرتبة دأبي منذ أول امتحان.

و كان معلّم الفرنسية صديقا لعائلة إحدى زميلاتي الميسورة ويسكن مجاناً جانبا من منزلهم الكبير لكونه أصيل منطقة قصر هلال.

كان ذلك المعلّم منزعجا من وجودي ومن نشاطي داخل القسم ومن أعدادي التي مكّنتني من نيل المرتبة الأولى في كلّ امتحان وقد تعمّد في كلّ مرّة أن ينقص أعدادي التي تخصّ الموادّ الفرنسية التي تعود له بالنظر. إلّا أنّ مدير المدرسة ومعلّم العربية كانا معجبَين بنتائجي وخاصّة المدير الذي كان يراقب عن كثب أحوال التّلاميذ النّجباء في مدرسته ولا يغفل عن استدعاء أوليائهم كلّما تراجعت أعدادهم أو تغيّبوا عن أقسامهم.

و لولا هذه العناية والرّقابة الجديّة للإدارة آنذاك لكنتُ أنا وعديد التّلاميذ ضحيّةالمحاباة والحَيف وتضخيم الأعداد للبعض وربّما كنّا انقطعنا عن الدّراسة لما يصيب التّلميذ من إحباط نتيجة مثل هذه الممارسات من معلّمه او أستاذه.

استعصى على ذلك المعلّم أن يؤخّر مرتبتي ويضع زميلتي ابنة صديقه تلك في المرتبة الأولى لجدّية المدير ويقضته

إلا أنّه ذات يوم اضطرّ لمغادرة القسم لبعض الوقت فترك تلك الزّميلة تحرسنا وأمرها أن تسجّل اسماء كلّ من يترك مكانه او يشوّش في غيابه.

قامت الزّميلة بمهمّتها ولمّا رجع أشارت له ببعض الأسماء فأنّبهم تأنيبا خفيفا ولم أكن من بينهم لأنّي لازمت مقعدي وهدوئي خوفا منه فقد بثّ في نفسي الرّعب.

و ما راعني إلّا أنّه أمرني بمغادرة طاولتي والإلتصاق بالجدار وزميلتي تقول له وتعيد : " لا سيدي زهرة خاطية ما شوّشتش !" لكنّه أمرني بوضع يديّ وراء ظهري وصفعني على خدّي الأيسر صفعة تورّم لها وجهي وخلّفت آثارا على عيني لعدّة أيام.

و في الغد قدم أبي إلى الإدارة واستدعى المدير المعلّم واستجوبه وكذلك زميلتي. لكنّها غيّرت أقوالها تحت ضغط والدها وشهدت ضدّي.

مازالت تلك الصّفعة تُحرق خدّي إلى الآن.

فهل يا ترى تذكّر ذلك المعلّم ولوْ مرّة واحدة ما فعلهُ بي....

***

زهرة الحواشي

من مجموعة: كُتّابُ أبي

في نصوص اليوم