نصوص أدبية

صبيحة شبر: وهل يحيي الندم ما مات مني؟

اوصت ابنتي ابنتها قائلة

- اعتني بجدك فهو ابي اولا وثانيا هو كبير السن يحتاج الى رعاية كبيرة

ترعبني وصية ابنتي التي ما احسست يوما انها بحاجة الى رعاية الاب الذي كنته، ماتت امها وهي في الشهر الاول من عمرها وتعهدتها بالرعاية امي، لم اشعر بحب نحو هذه الابنة التي تغرقني اليوم بفضائها الكبيرة، سارعت الى الزواج من امرأه ثانية بعد رحيل زوجتي الاولى، وشبت هذه الابنة التي اخذتني الى بيتها بعد ان طردني ولدي الاكبر الذي كنت اظنه سندا لي في كبري وحين يدركني العجز والمرض، ولم تر هذه الابنة المدرسة ولم تحظ بالعناية التي يلمسها كل المتعلمين، فكانت امية لا تعرف الكتابة والقراءة ولكنها كانت هادئة وطيبة يحبها جميع من يعرفها، خطبتها اختي الكبيرة لابنها الدكتور الذي لم يشتك يوما ان زوجته لا تناسبه فهو الدكتور الحاصل على ارقى الشهادات العلمية من بغداد ولندن، وزوجته امية لا تعرف التحدث في الجلسات التي يعقدها في منزله للمتعلمين والمثقفين امثاله ورغم انها لا تعرف اصول الكلام كما يعرف ضيوفها ولكن جميع من زارها احبها وحمل في قلبه الحب لها والتقدير الا انا، ولا ادري لماذا؟ ولم اسأل نفسي يوما لماذا لم ارع ابنتي هذه التي ترعاني الان في منزلها ولم اشعر نحوها بالحب كما هي طبيعة الاباء كلهم، وهل الذنب في هذا كله يقع على زوجتي التي استأثرت هي وولدها بكل اهتمامي، انا التاجر المالك لكثير من الشركات والبيوت والعمارات كيف استطاعت زوجتي ان تجعل من ابنها مسيطرا على ارادتي يوجهني الوجهة التي يشاء، انجبت ابنتي هذه الابنة الجميلة التي اصبحت طبيبة كابيها وتفي اليوم ببعض ما عليها من دين لوالدتها فهي لم تكن عاقة كما كان ابني، وابوها المنعم الكريم لم يتنكر لواجبات الاب كما فعلت انا، اسمع ابنتي تطلب من ابنتها:

- جدك كبير السن يحتاج الى نظام غذائي يختلف عنا نحن الذين ما زلن ننعم بروح الشباب .

اشعر بآثم كبير وانا استمع الى نصائح ابنتي

 حين مات زوج ابنتي جاءت الى منزلي ظنا منها انها تجد مكانا يضاهي منزل الراحل، وكانت ابنتها ما زالت في السنة الاخيرة من الجامعة، لم تمكث سوى اسبوع وجاء ولدي قائلا:

- الضيف يبقى يوما او يومين وهذه المرأة بقيت اسبوعا كاملا، هل تنوي بقاءها دائما؟

- ابنتها ما زالت طالبة وحين تتخرج نطلب منها المغادرة!

- وهل انتظر لذلك الوقت، اذهب الى عمها، واطلب منه ان يأتي ويأخذ كنته من منزلنا!

- هل ترى هذا يا ولدي؟

- نعم . اني امرك!

 لم تستوقفني هذه الكلمة من ولدي الذي تعبت في تربيته والذي صرفت عليه كثيرا ليتعلم خارج العراق مع اننا نملك في بلدنا المدارس الكثيرة والجامعات المتخصصة بمختلف الاختصاصات .

 في صباح اليوم التالي سافرت الى منزل عم ابنتي التي لم اعترف يوما انني ابوها، وحين استقبلني الرجل الكريم مرحبا وقام بواجبات الضيافة التي لم تجعلني اخجل من القول :

- تعال وخذ كنتك من بيتي!

- من؟ ام هناء؟ هي ابنتي ايضا كما ان الراحل العزيز كان ولدا لي

لبيت ما امرني به ولدي العاق الذي اشعلت له كل شموع حياتي، وبعد مرور عام على الحادث الفظيع الذي قمت به انا، ولن ازعم انني اب صالح وهذا الابن حولني وجردني من عناصر الطيبة التي يملكها الاباء، قال لي هذا الولد :

- وانت هل تظل هنا؟

- ماذا تعني؟ أليس هذا بيتي؟

- لا ليس بيتك، الم تكلفني ان اكون وكيلك؟ سجلت كل املاكك باسمي انا – عيب هذا!

- اي كلمة لا اريد! غادر الان، اذهب الى بيت الطبيبة!

***

صبيحة شبر

23 تشؤين الثاني 2023

 

في نصوص اليوم