نصوص أدبية

نجاح العرنجي: أوراق من عيادتي

-..بعد عدة إتصالات مع الممرضة عفاف، أكدت ليلى الموعد بعد غدٍ الأربعاء الساعة الحادية عشرة ظهرا

ترددت الممرضة عفاف في تثبيت الموعد وفي إخباري عن مريضة تتصل وتطلب موعدا وجلسة علاجية ثم تعتذر عن الحضور،،

-..نظرت إلى عفاف نظرة خاطفة وقلت لها من واجبنا احترام المرضى مهما كانت حالتهم النفسية والأمراض التي يعانون منها وهذا جزء من القسم الذي أقسمناه أثناء قبولنا كمعالجين وأطباء وممرضين أليس كذلك ؟

-..أطرقت عفاف وجهها خجلا وقالت:

نعم هذا صحيح

وفي تمام الحادية عشرة من ظهيرة يوم الأربعاء كانت ليلى وهو اسم المريضة تجلس بكامل أناقتها ورائحة عطرها تعبق في العيادة، ونظارتها السوداء تغطي عيون بلون القهوة التي ترتشفها من فنجان حار قدمته لها عفاف اللطيفة ذات الإبتسامة الدائمة .

-..خرجت الممرضة تغلق الباب خلفها ..

-..بعد أن استقر بنا المجلس في العيادة

طلبتُ من ليلى أن تحدثني  عن مرضها وأعراض مشكلتها؟..

-..حدقت ليلى في فراغ العيادة وتغيرت معالم وجهها واختفت نضارة وجنتيها ..

تنهدت بحسرة وقالت بصوت مخنوق وبكاء مكتوم…

*-كنت سعيدة بعملي  ومقتنعة بما قسمه الله لي بعد وفاة زوجي وأغتراب أولادي

كنت ضيفة وحدتي في كل ليلة أسامر طيوف أولادي  والذكريات

إلى أن ظهر أحمد في حياتي .

كان رجلا في العقد السادس من عمره

بعد عدة لقاءات في أماكن عمله كمدرب ومشرف على تدريب الكوادر البشرية ونشر ثقافة الوعي الأسري والتواصل مع طلبة الجامعات من أجل تأمين فرص عمل لهم بعد التخرج بإعتبار أحمد مسؤول عن قطاع التوظيف في الوزارة التي يعمل بها ..اتفقنا على الزواج..

لا أدري كيف تسرب حبه في ثنايا قلبي وروحي

وكنت منقادة لأوامرة بكل طواعية ..

كان بيتنا جميلا يفيض بالدفء والحنان

وكنا نخرج في كثير من الأحيان  ولم يلحظ أحد علاقتنا الزوجية  لأننا كنا نظهر في أماكن العمل وكل واحد منا له عمله الخاص…

كنا نسافر في مؤتمرات.. ونلتقي في جلسات عمل وثقافة ناجحة جداً..

-..مضت ثلاثة أشهر ونحن سعداء..

أعود قبله إلى البيت المرتب والنظيف والهادئ

وحين يحضر كنا ننسى العالم خارج جدران بيتنا المتطرف قليلا عن مركز العاصمة..

-..

في سفره خارج القطر لأداء بعض المهمات كان يتصل ليطمئن عليّ وعلى عملي

لم أكن أتصل بأحد

ولم يكن أحد يعلم بزواجي إلا قلة قليلة من معارفنا..

كنت أصلي في كل ليلة وأشكر الله على هذه النعمة التي اسبغها الله عليّ بعد معاناتي الماضية..

وكان أحمد يغدق عليّ الهدايا ويقول: ليتني عرفتك في أيام الصبا والشباب أنت جنتي في دنياي..

ويعبر عن مدى حبه وتعلقه بي بالكرم وحسن المعاملة والتهذيب…

إلى أن جاء ذاك اليوم المشؤوم…

خرج أحمد في ذاك الصباح بعد ان تهندم وتعطر وحمل حقيبة أوراقه ومفاتيح السيارة

وأوصاني كالعادة بعد قبلة الوداع اليومية بأن انتبه لنفسي  وصحتي في فترة سفره إلى محافظة بعيدة بمهمة رسمية مكلف بها من قبل الوزارة التي يعمل بها…

رتبت البيت وجهزت أوراقي للخروج إلى عملي كالمعتاد وأنا بكامل أناقتي ودسست أوراقي الشخصية في حقيبة يدي.. لأن زوجي المسافر  كان يوصيني بذلك في كل سفرة يغيب بها عن البيت خشية تعرضي لأي حادث طارئ في فترة غيابه.. .

-..

وفي غمرة سرعتي لم انتبه إلى ظرف كان على الطاولة بجانب المزهرية.. فدسسته بين الأوراق بسرعة دون أن افتحه  وخرجت للعمل كالمعتاد تودعني تلويحة يديه عبر الهاتف وهو يقود سيارته في طريق سفره وأغلق الهاتف بسرعة ..

-..ومضيت إلى عملي بفرح وهمة وسرور..

في المساء جلست أرتشفُ قهوتي المعتادة

وأحاول الإتصال بأحمد لأطمئن عليه لكنه لم يرد..

وهي عادته إذا كان مشغول..

تفحصت أوراق حقيبتي وسارعت إلى الظرف وفتحته..

كان به مبلغا من المال..

وعقد إيجار الشقة الموسوم بإسمي

وعقد القران المؤقت والذي ينتهي أجله يوم غد…

قرأت تاريخ العقد أكثر من مرة..

لأدري كيف لم يخطر ببالي ان يأتي ذاك اليوم الذي ننفصل عن بعضنا

لقد كنا روحا واحدة تسكن جسدين..

وتمضي الأيام

***

د. نجاح حسين العرنجي / سورية

في نصوص اليوم