نصوص أدبية

محمد تقي جون: الزعيم يرثي نفسه

كنا نمشي أنا وكاظم الطعان في (الصالحية) فمررنا أمام مبنى الاذاعة والتلفزيون حيث أعدم الزعيم عبد الكريم قاسم، فأشار اليه وقال (هنا قتلوا الحسين بن علي): فقلت أو هو قال يرثي نفسه:

***

قتلوني فهذهِ الأرض طفّي

وكثيراتٌ في العراق الطفوفُ

*

لم يقتَّل فيه الحسينُ وحيداً

بل رأى ما رأى الحسينُ ألوفُ

*

ومصابي بكربلائي مصابٌ

سوف يبقى والدمعُ فيهِ ذروفُ

*

وصليبٍ للحب ظلتُ عليه

وقلوبٌ لها عليه رفيفُ

*

مات حانٍ - لمَّا قتلتُ - عليها

وعليها جنى جناةٌ صنوفُ

*

ودمايَ التي على الشَّعب سالت

هي منِّي وجسمه المنزوفُ

*

المساكين حينما قتلوني

ساكتون، ينظرون، وقوفُ

*

لم يقولوا كلا وفي كل شخص

ألف كلا تَخافُ وهي تخيفُ

*

نحروني كما الغزال المسجَّى

نحروه ولا أقول الخروفُ

*

لا لنفع لهم ولكن عليهم

هو شعبي وطبعه معروفُ

*

فحثثتُ الخطى تَصَبَّبُ جرحاً

حيث ألقى بيَ المصيرُ الرسيفُ

*

وحضنت الموتَ المقدَّر شوقاً

كحبيبٍ الى لقاء يشوفُ

*

حين ناديتُ بالحقيقة حاطتني

كروبٌ وعاجلتني حتوفُ

*

وهوى سيفُ المجرمين برأسي

كي يظلَّ الخنا وتبقى السدوفُ

*

فاستحالتْ من بعد موتي حياة

لمماتٍ، وكلُّ شيءٍ يخيفُ

*

كان موتي بداية لا انتهاءً

أو كما يحجب الشموسَ كسوفُ

*

خاب ظن العدى.. وخيَّب شعبي

أن رأياً به استدلوا كفيفُ

*

وبذوراً زرعتها في الغدِ الهشِّ

رعاها دون الربيعِ الخريفُ

*

قتلوني وفي العيون دموعٌ

وبنفسي حزنٌ عليهم منيفُ

*

واضطرابي ما زال نفس اضطرابي

حين أسعى لأجلهم وأطوفُ

*

وحياتي حياتهم قد فقدناها وكلٌّ معذبٌ ملهوفُ

*

فلتذرِّ العيونُ دمعاً على عمري التقضَّى وكلُّه تأفيفُ

*

ولتغنِّ الأيامُ ألحانَ أحزاني فيشفى بها سقيمٌ أسيفُ

*

ولتنادِ الرياحُ من جانب القبر: هوتْ راية وماتَ رفيفُ

*

وأريحَ الجهادُ واستوقفَ الزحفُ

ونامتْ ملءَ الجفونِ السيوفُ

*

أيها القبرُ ما شفيتَ جروحاً

بفؤادُ ولا اختلاني النزيفُ

*

لا أقول الشعبُ الذي خانني بل

خانتِ الشعبَ والبلادَ الظروفُ

*

ذاتَ يومٍ سيستفيقُ ندائي

بين شعبي ويستجيبُ الشريفُ

*

فلتسجَّلْ هذي الحروفُ على

قبري لتبقى عنِّي تقول الحروفُ

*

قتلوني فهذهِ الأرض طفّي

وكثيراتٌ في العراق الطفوفُ

*

لم يقتَّل فيه الحسينُ وحيداً

بل رأى ما رأى الحسينُ ألوفُ

***

أ. د. محمد تقي جون

في نصوص اليوم