نصوص أدبية

نضال البدري: سلالة

كانت توزع المرايا على جميع جدران المنزل وفي كل زاوية من زواياه (تجر الحسرات)، وهي تنظر الى وجهها وتتحسسه بيدها كأعمى يتهجس بعصاه الطريق. تتوقف يدها فجأة حين تقترب وتلامس شفتها العليا وانفها الافطس.

كانت وصية جدهم الاكبر، هو عدم الزواج من الاغراب مهما كلف الأمر ومن يخالف ذلك يطرد ويحرم من الميراث.

لذلك حرص الجميع على أن يحترم وصيته، ويعمل بها وكأنه حاضر بينهم. لم يخرج الارث والمال خارج العائلة بل تضاعف كما و تضاعفت أعدادهم ايضا وازدادت كجحافل من النمل. الجميع سار على خطا الجد الأكبر وامتهن (الدلالية) وهي مهنة مربحة في بيع وشراء العقارات، وأخذوا يتبارون بمن يملك عقارا يفوق به الاخر، وكان عدوى قد سرت بينهم. وتم شراء جميع المنازل المجاورة لمنازلهم، وتعدى ذلك بأن يمتلكوا الشارع بطوله ثم الحي بأكمله، حتى تم أطلاق عليه تسمية حي (الارانب) تسمية غريبة بعد ان تعددت الزيجات داخل العائلة، تسبب بشذوذ في شكلهم وتغيره مع مرور الزمن وكأنهم من سلالة مختلفة، وصارت جميع نسائهم تلد أطفالا بشفاه أرنبيه، كانوا يتفاخرون بالمال والشكل الذي تميزوا به الا ان ذلك ترك اثرا كبيرا في نفس (خلود) وهي واحدة من سلالة (حي الارانب). كانت تشعر بالاختلال في شكلها وخصوصا حين تكون خارج حيها، بدأت تفقد شعور اللامبالاة وهي تطالع وجهها في كل مرة بالمرآة والشق الطولي يقسم شفتها العليا بل وتعدى ذلك بان يحدث شرخا كبيرا سرى الى كامل روحها وجسدها، كل كنوز الارض لم تخفف عنها هذا الشعور. حاولت الهروب من النظر الى وجهها بالمرأة لكن دون جدوى، ارتفع منسوب الكأبة لديها وصار التفكير يؤرق نومها (الشجاعة ليس أن يرضى عليك الاخرون بل أن تتخطاها وتجد نفسك). استمدت كل شيء من قرارة نفسها، كتعبير عن رباطة الجأش والثقة بالنفس. معللة ذلك محدثة نفسها: بأن نتائجه حتما ستنهي كل معاناتي وتقربني ممن أحب و كشف مشاعري نحوه. قررت القيام بإجراء عملية تجميل وردم ذلك الشق والى الأبد ومضت في قرارها دون النظر لمطبات الطريق الذي سارت فيه وتجهل وعورته، تخلصت من الشق الأرنبي اللعين بعد اجراء العملية والتي تكللت بالنجاح، أصبحت تتمتع بشفاه قرمزية كحبه كرز أضافت لشكلها جمال جعلها تتهادى ولأول مرة في مشيها كأنثى طاووس تتباهى بحسنها، أثار ذلك سخط جميع النساء في حيها وحتى بعضا من الصديقات المقربات اليها، أصبحن يرمقنها بنظرات تنم عن غيرة قاتلة بثت سمومها وفحيحها نحوها !! بدأت أصوات ضحكاتهن الساخرة تتعالى، بسبب شكلها الجديد الذي كان يمثل انتماءها لحي الارانب وصارت حديث الساعة، وما أشيع وتناقلته الألسن بأنها تخطط للهرب مع شاب غريب من خارج حيها، وقعت في حبه وقد تكون تحمل داخل أحشائها طفلا منه. وما أكد ذلك رفضها لكل من تقدم لخطبتها، تلك الإشاعات أيقظت داخلها جسامه الموقف وتغير الحال وأصبحت مغتربة بذاتها. أنتشر الخبر سريعا وتعالت الأصوات ضدها رافضين وجودها بينهم والتخلص منها وغسل عارها وصار الجميع يطلق عليها أسم (الزانية)، ربما يقوم حي الارانب بطردها او قد يقومون بقتلها او حرقها والتخلص منها !! هذا ما أخبرته بها والدتها بعد ان تصاعد قلقها وشعرت بالخطر الذي يهدد حياة ابنتها، حاولت أن تخبئها و تبقي عليها داخل المنزل وعدم خروجها مهما كلف الامر لان الوضع يزداد سوءا كل يوم أكثر من سابقه. وفجأة وفي احد الايام طرُق الباب في وقت متأخر من الليل، تناهى الى سمعها صوت والدتها وهي ترحب بهم، كان الصوت لأولاد عمومتها واحدهم  يسأل عنها.

قائلا: أين خلود؟

أجابت الأم: نائمة

أصابها الهلع وجلست منتصبة على سريرها جلوس المتهم، وهي ترتجف تضم ساقيها نحو صدرها بقوة، فتح باب غرفتها ودخل ثلاث من ابناء عمومتها أمسكوها من ذراعها محاولين اصطحابها معهم قائلين: لها لا تخافي فقط كوني مطيعة وأنهضي معنا دون أن تصدري صوتا سنعود بك بعد قليل كوني مطمئنة، نهضت معهم مستسلمة وقد تذكرت مشهدا لاحد الافلام حين اتهمت واحدة من نساء القرية بالزنا وتم رجمها بالحجارة حتى الموت، الفلم الذي الهم الكثيرين ممن يتمسكون بعادات عشائرية ومنها غسل العار، استمروا في سيرهم في ليله غاب فيها القمر بثلاث مركبات وسط صمت مطبق لا يسمع فيه سوى صوت ضربات قلبها، شعرت بأنها تسير في جنازتها بعد ان توقفت بهم السيارة خارج المدينة على رابية ترابية ثم قاموا بسحبها خارج السيارة توسلت اليهم ان يعودوا بها الى الدار

..لا مجيب لتوسلاتها كانوا صما كزبانية جهنم ربطوا يدها الى الخلف وعصبوا عينيها وطلبوا منها أن تستغفر الله على الذنب الذي اقترفته وان تنطق الشهادتين قبل ان تطيح برأسها اول رصاصة تطلق عليها، فقدت القدرة على الوقوف ولم تعد قدماها تحملنها نطقت الشهادتين وأهتز جسدها خوفا ويدها ترتعش وهي تبحث عن زر الكهرباء عسى للنور يهدىْ من روعها.

***

نضال البدري

 

في نصوص اليوم