نصوص أدبية

سنية عبدعون رشو: في اليوم الأول

دخل المطعم فتى نحيل الجسد لم يكتمل نمو شاربه بعد.. معتدل القامة تميل بشرته لصفرة باهتة.. تبرز حبيبات على صفحة وجنتيه.. وشعره الاشعث يميل لسواد مغبر.. لا تبدو علية علامات الاناقة التي يتصف بها رواد هذا المطعم الفاخر الذي يتوسط المدينة

بموقع ممتاز تتقدمه مساحة واسعة مليئة بالأزهار المتنوعة والحشائش الخضر..

عمد صاحب المطعم ان يعلن عن افتتاحه لمطعمه لدى بعض قنوات التلفزة وعلى صفحات الفيس بوك بعد ان تم تجهيزه بأثاث فاخرة واختار لعماله الملابس الأنيقة.. وبذا يكون قد أهدر الكثير من المبالغ المالية مقابل نشر دعاية تليق بمطعمه.. وغص المطعم بزائريه وحتى الصحفي الذي صور حفلة افتتاحه  

صاحب المطعم مهندس زراعي لم يحالفه حظه للحصول على وظيفة تليق باختصاصه فعمد ان يجمع مبلغا ماليا جيدا بجهود مضنية من أجل مشروعه هذا.. الذي استنفد طاقته وكل مدخراته..

 كانت ملامح الفتى النحيل تعلن عن اضطرابه وقلقه وتلفته يمينا ويسارا مما جعل النادل ذو البذلة البيضاء الأنيقة ان يرمقه بنظرات الريبة والشك ثم انه تناول طعامه على عجالة غير معهودة..

وبعد مغادرته بناية المطعم انتبه النادل ان الفتي.. قد ترك كيسا أسود منتفخا بعد تناوله وجبة طعام الغداء.. أحكمت ثنيات فتحته العليا بطريقة فنية متقنة.. تركه تحت طاولته التي غادرها توا مستغلا انشغال عمال المطعم وكثرة زبائنهم..

لم يخمن النادل ما بداخل الكيس.. فربما الفتى قد تسوق بعضا من الحاجيات المنزلية حمل النادل الكيس متجها الى الحديقة الأمامية للمطعم.. لكنه بذات الوقت شعر بتوجس وقلق تجاه هذا الكيس المنتفخ الثقيل.. همّ ان يلحق بالفتى لكنه قد اختفى عن الانظار بطريقة غريبة ومريبة أيضا..

وهذا مما زاد في تخوف النادل وإثارة شكوكه.. ولكن عليه عدم افتعال ضجة تزرع ارباكا وهلعا في نفوس الزبائن دون مبرر مقنع.. تركه في الحديقة ومضى

في ذات الوقت كان الجالسون لا يعيرون اهتماما لمن يدخل ويخرج الى المطعم..

بهدوء تام توجه النادل نحو صاحب المطعم الجالس خلف منضدة غريبة الطراز مصنوعة من خشب الصاج اللامع وربما يعود صنعها لفترة زمنية قديمة.. تقع قرب مدخل الباب الرئيسي..

انحنى النادل وهمس بإذنه بشان ذلك الكيس الاسود المنتفخ.. وبشأن حركة الفتى وسرعة اختفائه وشكله المريب

لم يتفوه صاحب المطعم بكلام محدد.. ولكن غبار الخوف أخذ يتسرب الى روحه وبان واضحا على ملامح وجهه ورعشة يديه وهو يمسك بجهاز الهاتف النقال ليتصل بأقرب مركز للشرطة.. ثم أشار للنادل ان ينصرف الى عمله بصمت تام خوفا على سمعة المطعم ومراعاة لنفوس رواده.. وكان عمال المطعم بحركة دؤوب منتظمة ولم ينتبه أحد منهم لشيء الا الصحفي الذي كان يتابع حركة الفتى والنادل..

بعثت الشرطة أكفأ رجالها في معالجة ابطال المتفجرات.. وانطلق هؤلاء الخبراء بحذر وسرية يفككون تلك العبوة.. اكتشفوا على الفور أمرا في غاية الخطورة اذ تبين ان الكيس الاسود لا يحتوي على متفجرات فقط بل هناك المواد السامة والمسامير الحديدية القابلة للانفجار والانتشار..

 ما زال الامر يحمل السرية التامة بالنسبة لرواد المطعم.. وهذا ما طلبه صاحب المطعم من عماله ومن رجال الشرطة ايضا..

إلا ان الصحفي قام بتصوير دقيق للحادث.. ومن ثم قام بعرضه على احدى القنوات الفضائية لتتلقفه بقية القنوات الأخرى..

وبذا خسر صاحب المطعم الكثير من زبائنه في أول يوم الافتتاحية..

***

سنية عبدعون رشو

في نصوص اليوم