نصوص أدبية
نجاة الزباير: ظل يتبع ظلي...

أيتها السماء.. مُدِّي قدحا لذاكرة النسيان
كي لا أسمع إيقاع الشتاء الطويل في دمي
***
إلى قارئ لا أعرفه
يدي تتساقط مني ولا أحد يخيط جرحها، حتى خطواتي أصبحت مجرد ظل لظل يتبعني...
فهل جربتَ حزنا يخترق ضحكاتك فيُنصب خيام حرائقه التي تحول كل قرى نفسك إلى هذيان يعزف على أوتار العالم الشريد، فتشتعل نيران لا يطفئها ماء الحياة؟
ستقول لي: من منا لم يدخل قلبه إلى مختبر الفقد، فلم يخرج منه معطوبا يجُرُّ الخيبات، ليعرف بأن كل المشاعر وَهْمٌ، لأن لا شيء حقيقي غير الموت؟.
فيا أيها الحزن ارفع نخب الحنين لكل الفراشات التي احترقت في قلبي..!
حتى عمر العاشرة؛ كان والدي صديقا لي، وبعدما أصبحت حدائقي تزهر، وأنبت الوقت ربيعا من الحب الذي طاردني بقوة في مجاز الحلم، كرهتُ حياتي التي أصبحت مجرد كوابيس يبكي عليها النهار.
تمنيت لو أضيء أصابع الظلام بقبس من رؤياي، فأنا لا أحيا إلا بطلقات سماوية تميتني وتنقذني من العدم، وحين ينزف دمي أجمع شتاتي وأقول:
ـ إلهي أنا معطرة بنورك.. فخذني إليك كي أنساني، فما أنا سوى نبتة في محرابك.
يا قارئي الذي لا أعرف..
إيقاع كل يوم بئيس يحرق كل أوراق شغفي، يسرع الخطى نحو مرآة واحدة تعكس رحيله..
لن أنكر أننا لم نلتق أبدا إلا حول ريح منسية تحملنا إلى كل مكان ممهور بالسفر الطويل والتمرد، ولن أنكر أنني بقيت تحت قدميه أصرخ بملء الروح:
ـ حدق في يدي وفي قلبي، لن تجد غير دمي يعانق ومْضَ حلمك، أو ليس الغياب هو الذي يرتدي قميص أحلامنا فلا يلملم جرحنا غير فم يردد اسم الله؟
*
فيا قارئي الذي لا أعرف
كم بحث عن شبيه لوالدي عبد الرحمان دون أن أدري، كان مدرسا أنيقا، يرتدي ربطة عنق جميلة وبذلة بألوان فاتحة. يردد دائما على مسامعنا في الفصل قصائد رائعة، فكنت أغدو مثل فراشة لا تعرف غير المسرح والغناء والشعر، فكبرت وأنا شغوفة بشمس ربيعية تسللت لقلبي البِكر، كي تولد نجاة التي لا تعرف من وجه الحياة غير الحب النبيل.
*
يا قارئي الذي لا أعرف
ها هو قطار المساء قد ترجل في دمي، ولم يعد في قلبي أحد سواه، وبعض حروف أحاول من خلالها أن أنسى، لكن رماد أمسي يجرني نحو وحدة قاتلة، كيف أغفو وهو تحت التراب، يجرفني بوح حزين نحو تلك الصبية التي تمسك بيده الكبيرة، ويبتسم في وجهها فخورا بأرضها التي تبنيها من أحلامها الصغيرة.
لماذا أتيتُ إلى مراكش كي ألتقي بالحزن الذي استقبلني في مطار المستحيل كل عمري؟، وأي صمت هذا الذي ثرثر في روحي مثل عرافة مجهولة، فتحولتُ إلى حمامة لا ترى في الكون غير حب يغتاله وفاء مزيف.
إنني أرى ذلك الفنجان الذي قدمته لي الأرض وهي تُربكني بزلازلها..
ـ نامي في جسد القصيدة واكتبي وجعي الأخير؟
لم أجد وأنا أجلس بيني وبيني غير قُبرات تتحسر على أيكها، هو الخريف يحصد كل الأغاني الجميلة، فأتساقط بين يديه أوراقا صفراء كانت تكتبني بلغة الورد، لكني لا أجد الآن غير شوك يُدمي صمت قلبي.
فيا إلهي كم كان والدي يخاف علي من الانكسار.!
ـ سأغفو قليلا . قلت للبوح
لكنه شد قميص نفسي ومزقني بأنينه، فرأيت في أعماقي كل المدن التي عمها الخراب.
غزة هنا؛ تصنع في داخلي وطنا جديدا من الدماء، أعانق أشجارها كي أنام من التعب، لكن غبار كل معلقات الشعراء الذين مروا أيقظوني كي أصير بالونا في الهواء، فما جدواي، والأبجدية بشموخها تخونني فتترك ظلي موشوما بالبكاء؟
***
نجاة الزباير
4/4/2025