نصوص أدبية

نصوص أدبية

بمناسبة اليوم العالمي للغة الضّاد .

كان يكون كونا

فعل الكون

والأمر منه: كُنْ !!

*

واستكان يستكين استكانا.

هو السداسي استفعل يستفعل استفعالا.

والجذع واحد .

*

الفعل السداسي له ثلاث دلالات:

طلب الشيء

طلب الشيء والحصول عليهح

ووجود الشيء على صفة

*

مثل طلب الشيء

استنجد واستغاث

واستعان

*

ومن الاستعانة

من ارتد على الأهل والأوطان

واستعان عليهم

بالطغيان والعدوان

*

فاستباح

واستكان

وخان

*

وبين كان واستكان

تاريخ..... وعبر

*

وأما مثل طلب الشيء والحصول عليه

فمثله استفاق

واستنار

واستبان

*

فمن يستفق من غيبوبته

ويطلب العلم ويكشف الفعل

ويرفع الجهل

ويقدم العقل عن النقل

فقد أنار

واستنار

*

وبين كان واستكان

علوم ... وكنوز

كالدرر

*

وأما في باب وجود الشيء على صفة

مثل كان يا ما كان

في قديم الزمان

وسالف العصر والأوان

*

فقد تشابه الإنسان بالحيوان

وانحنى للكذب والبهتان

والشعوذة والأديرة والرهبان

والخرافة

وسلطة الأديان

*

فاستعبدوه

واستضعفوه

واستنزفوه

واستلبوا منه الذكاء

والبرهان

*

فما كان بل استكان

وبين كان واستكان

صراع وصروف.... وعبر

*

ثم تقدم الزمان

وتعاظم الإنسان

إسأل الإغريق.... واسأل الرومان

علوم وفلسفة وبيان

وتبيان

*

واسأل الأطلس

ولا يدخلن علينا

إلا العالم الفنان،،

*

وسقراط وانشتاين

والنسبية.. والمجرات

والأرض وڨاليليو

وعلوم الميكانيكا

والأرض والدوران.ّ.

*

وبين كان واستكان

كامل علوم الإنسان

قارات وأقطار.... ومصر

*

وهنا الإنسان لم يستكن

بل صنع التاريخ والمجد ..

فكان !

*

وبين كان واستكان

يفرق التاريخ

بين الإنسان ... والحيوان

فكن أنت ألإنسان...

أيها الإنسان...!!

*

فبين كان واستكان

معان ...... وعبر .

***

زهرة الحواشي

من كتاب رأسي في قفص الاتهام

 

تاريخكُمْ أوكــــــــارُ

وفَصِيلكمْ مَكَّـــــــارُ

*

وحُلُومـــكمْ يلهو بها

الجِنْسُ.. والـــدولارُ

*

ودِماؤكمْ يَجري بها

إبليسُ.. والأحبـــارُ

*

فصنيعكمْ مُتَسَتِّرٌ

وضميركمْ مِنْشارُ!

*

وصغاركم مَطِيَّـــةٌ

وكباركم تُجّــــــارُ!

*

وتَغَوَّلَتْ أفكـــاركم

فتفجَّرَتْ أقطـــارُ!

*

وبفضلكمْ قد قَتَّلَوا

أطفالنا..وأغـــــاروا

*

والدين أصبح سلعةً

يبتاعها الكفـــــــارُ !

*

بِعْتُمْ (قضيتنا) لَهُمْ

وتبــــــاكت الأعذارُ !

*

فَرِهانكم في كفَّةِ الــ

خُسْــــــــــرَانِ أوزارُ

*

رأس البلاءِ أساسهُ

وأساســـكم أشرارُ

*

تحت النِعالِ أُنوفكمْ

ياأيها الأقــــــــذارُ!

***

محمد ثابت السميعي - اليمن

٢٠٢٣/١٢/١٣م

وقصص قصيرة جدا

1- عندليب

ذات  مساء رأيت عندليبا حزينا فوق صخرة قلت ما بك أيها العندليب؟

غرد تغريدته الحزينة ومن ثم طار غير عابئ بسؤالي.

**

2 – أنين

ذات صباح خلف حرش يابس عوى ثعلب وقرب سياج حقل، هدلت يمامة وحين المساء كانت اليمامة بين أنياب الثعلب تئن.

**

3 - امراة

امرأة كانت تحمل زنبيلا وكان هناك كلب ينبح خلفها وفجاة ظهرت قطة في الجانب الاخر من الشارع فجن جنون الكلب وشرع ينبح على القطة بحقد فهرولت المراة تجاه منزلها شاكرة الله لخلاصها من عضة كلب محققة.

***

سالم الياس مدالو

أفزعها أزيرالرصاص الذي كان يخترق الآفاق كوابل من المطر مرعوبة من هول المفاجأة لتصحى من نوم عميق كانت تغط فيها بعد أن نقلتها من عالم اليقظة الى عالم الأحلام واضعة عشرها على رأسها غارقة في حلمها الذي لم يكتمل بعد أن فشلت في إستذكار ما حلمت به لتعبث بخصلات شعرها المتدلي على وجنتيها مغمضة العينين ترتجف من الفزع فلا أنيس يؤنسها سوى مواء قطة صغيرة دأبت على إطعامها ومداعبتها لتجد نفسها وحيدة في منزلها الذي غادره أهلها تحت جنح الظلام خوفاَ من عصابات داعش التي داهمت القرية لتقع فريسة سهلة بيد أعداء الإنسانية وتجد نفسها سبية تباع في سوق النخاسة وهي لا تتعدى العاشرة من عمرها لتتلقى شتى أنواع التعذيب على يد سجانيها ناهيك ما تقوم به كخادمة لخدمتهم ليلاَ ونهاراَ، وكل حلمها الذي كان يراودها أن تكمل دراستها لتتخرج طبيبة تخدم بني جلدتها التي إبتعدت عنها عنوة لضعف حالتة ذويها المادية، حاولت جاهدة تتحين الفرص للخلاص من قبضة المجرمين لتغير مسار حياتها ويحدوها الأمل في النجاة من قبضة المجرمين بمساعدة أحدهم حتى تمنكت من الإفلات سراَ وفي ساعة متأخرة من ليلة ليلاء لتنجو بنفسها بعد أن قطعت عشرات الكيلومترات مشياَ على الأقدام حتى تصل منطقة الأمان بعيدة عن عيون المتوحشين وفي مخيلتها تبحث عن أغلى ما عندها من المفقودين من أفراد أسرتها ناسية لغتها الأم بعد سنوات عجاف عاشتها في كنف عديمي الضمائروعشاق الجرائم وتخزن في ذاكرتها قصة عذاب يندى لها جبين الإنسانية من سوء المعاملة الوحشية التي تلقتها على يد أولئك الأوباش لتعيش وحيدة بقية عمرها بعد أن علمت بفقدان أفراد أسرتها بإنفجار لغم تحت عجلات سيارتهم التي أقلتهم هرباَ من بطش الحاقدين.

***

حسن شنكالي

....................

* هذه قصة معاناة من خيال الكاتب الذي عاش الحدث بمخيلته لاحدى الفتيات كنموذج من بين آلاف الضحايا اللاتي وقعن أسارى وأصبحن سبايا بين ليلة وضحاها بيد خوارج العصر مجرد أنهن لا يتفقن معهم في العقيدة والرأي وهو أمر خارج عن إرادتهن لأنهن ولدن وترعرعن في عوائل تحمل تلك العقيدة المنحرفة حسب وجهة نظرهم بل ويكفرونهن لحد أنزال القصاص بحقهن، يا ترى في أي زمن نعيش وبأي عقلية نفكر بعد آلاف السنين من تعاقب الأديان السماوية التي تدعو جميعها الى التسامح والإخوة والمساواة، أين نحن من حقوق الإنسان في زمن التكنولوجيا وعصر العولمة خلافاَ لمبدأ التعايش السلمي بين مكونات المجتمع كافة بجميع مللهم ونحلهم وطوائفهم وقومياتهم وأديانهم ومذاهبهم والذي نص عليه الدستور العراقي، ألسنا أحراراَ في عقيدتنا وتفكيرنا أم لا زلنا عبيداَ نباع ونشترى في سوق النخاسة كما يحلو لهم، ألم يقل الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم (لكم دينكم ولي دين).

 

مِنْ سِنينْ

كانَ لا فَرْقَ لديْكِ

بينَ شكٍّ و يقينْ

كنتِ لا تَسْتَفْسِرينْ

لا تُجِيبينَ، ولا تَسْتَغْربينْ

والدّروبْ

بكِ تَمْتَدُّ

وتَمْتَدُّ

ويَمْتَدُّ السّرابْ

كلّما أوغلتِ فيها

كلّما اِزدادُ الضّبابْ

*

كُنْتِ لا تَلْتَفِتِينْ

للوراءْ

فمراراتِ السنينْ

عَلّمَتْكِ

كَيْفَ تمشين على الشوكِ...

وكَيْفْ

لا تَحُسِينَ ببردٍ في شِتاءْ

لا تَحُسِينَ بحرٍّ  يومَ صَيْفْ

كُنْتِ تمشينَ و لا تكترثينْ

للَّذينْ

حاولوا أنْ يَحْجِبُوا

عنكِ آفاقاً بها تَسْتَبْشِرينْ

وفناراتٍ بها تَسْتَرشِدِينْ

*

كَبَرَ العُمْرُ، وها أنتِ كَبَرْتِ

فَغَدَوْتِ

تَحْسِبِينْ

إنّكِ الآن أخَذْتِ

تَعْبرينْ

بَحْرَ  نيرانٍ و لا تَحْتَرِقِينْ

***

شعر: خالد الحلّي

عاد من عمله متأخرا بعد الثالثة زوالا بقليل، فتح باب البيت بمفتاحه الخاص ثم دلف الى البيت؛ كان يدندن بأغنية شعبية قديمة.. هدوء يعم البيت، يدرك أن الخادمة غير موجودة من يومين، فقد سافرت الى قريتها لحضور زواج أخيها. ربما بديعة زوحته قد عادت مبكرا من عملها فنامت..

استغرب كيف لم يجد مائدة الغذاء معدة كما تعود!!..

فتح باب غرفة النوم ودخل، لم يفاجئه نومها، فقد رقدا مـتاخرين بعد ليلة ساهرة:

ـ ترى متى عادت من عملها؟ ربما كانت تعبة؟

وضع سبابته على خدها ثم رفعها الى فمه يقبلها..

غير ملابسه، هل يوقظها؟ فجأة وكمن لسعته عقرب يتذكر أن زوجته قد أخبرته أنها ستزور طبيبتها لتتأكد من حملها:

ـ يا ويحي ماذا فعلت؟ كيف نسيت حدثا رائعا كهذا؟

أعمال كثيرة في مكتبه شتتت ذاكرته، مذ تعين المدير الجديد وهو يرزح تحت ضغوط العمل بحكم أقدميته وخبرته، فلايتعامل مع المدير الجديد الذي نزل بلا أهلية بمظلة قرابة حزبية الا كل متملق وصولي، وإلا كيف يمكن تفسير تعيين شاب صغير بلاخبرة، حديث تخرج من معهد أجنبي على رأس إدارة للتصدير والاستيراد؟

 بلا حس أخرج جلبابا خفيفا من بين جلابيبه، دخل فيه وخرج حذرا أن يصدر منه صوت فتنتبه زوجته..

صار يذرع قيسارية الذهب حانوتا بعد أخرى، عيونه لا تستقر على هدية حتى تزيغ الى غيرها، احتار..لاول مرة في حياته يجد نفسه في موقف لاخبرة له به، لو كانت زوجته بديعة معه لاختارت بسرعة، بارعة في هذا المجال..

لماذا لا يسأل صاحب المتجر؟.. أليس هو أحسن من يمكن أن يرشده الى مايريد؟..

صوت أنثوي خلفه يقول:

ـ سعدات للي عندها راجل يفكر فيها ويشري لها هدية ذهبية..

يلتفت.. بنت عمته تعانقه بضحكة وقبلات على خده..

تبادره كانها تذكره بماض عنها لم يغب:

ـ سنتان لم اشم فيهما هذه الرائحة الزوينة..

لهلا يجعل أحبابنا ينساونا..

هند بنت عمته، خطيبته الأولى قبل زوجته، كانت له هوى، جميلة، بل فاتنة لا ينكر أنه كان يسكر بجمالها، حمل حبها أملا كوضوح النهار، لكنها كانت أخف من رزقها، الخيانة في دمها هدير غليان لا يخمد حتى يتحرك، قبله ارتبطت بثلاثة رجال، وبعده كل يوم لها في رجل مطلب ورغبة.. تركها بعد أن صار غمزات العيون، وثَرْثراتُ الأَلسِنة تطوحه بجَهر وهَمس..

سألته عما يريد شراءه؛ لم يجرؤ على الإفصاح، يعرف طمعها، لن تتركه حتى تسل منه هدية لنفسها..

ادعى أنه فقط كان يقارن بين دملج اشترته زوجته وبين ما يوجد في الواجهة..

بسرعة ودعها معللا ان بديعة في انتظارة..

خرج من القيسارية الى سوق الأحذية، بلغة نسائية مطرزة لفتته بانتباه..شرع يستذكر مقاس قدم زوجته، تبسم وهو يتذكر دغدغة أخمص قدمها وهي تفرك ساقيه بأصابعها، كان يعشق أن يتملاها فهي له هدية عمر، استطاعت أن تنسيه بنت عمته التي ماكان يغفر لها زلة حتى تغرق في غيرها، كانت الخيانة دمها الساري في جسدها..

لا ينكر أثرعشقها الذي لم يخمد أواره الا بعد أن تعرف على بديعة التي استطاعت بذكائها وخفة دمها أن تحول عيونه اليها توق رغبة، وله فتحت اشتياقها سعادة نسيان تكنس خساراته في بنت عمته..

قدم بديعة تلاعب عينيه، تحمل سيقانا مفتولة ممتلئة، طلب رقم 36، تسلم البلغة وعاد الى سوق الذهب، دلف الى متجر كبير مشهور..

لا يهم إن كانت أثمنته مرتفعة، المهم أن يقدم له هدية في مستوى حبه لبدبعة، عشق عمره الماطر لزوجة لا تهفو الا لسعادته..

تقدم من بنت تكون إحدى طاقم المبيعات، يسألها عن هدية تليق بزوجة في أول حملها.

ضحكت وقالت: هل حقا تحبها؟

ـ طبعا أحبها، أليست زوجتي؟ !!..

ساعطيك اجمل هدية ذهبية: زينة ومنفعة وذوق:

ـ سماعات مخصصة للجنين في بطن الأم، آلة لمكبر الصوت تلصقها الام ببطنها ثم تشغل اية نغمة تريد ان تربطها بالطفل الذي ينمو داخل أحشائها وهي وسيلة للتواصل مع الصغيرالقادم، الفكرة اللطيفة هي ان اكسسوراتها تتحول الى خلخال به قطع ذهبية ولؤلؤات يزين قدم الام بعد ولادتها..

أدى الثمن ثم عاد أدراجه الى البيت..

دخل على رؤوس أصابعه، فهو يريد أن يفاجئ بديعة، لا حركة في البيت.. تذكر مثلا كانت تردد ه المرحومة حماته:

"(العافية مطفية والقطة مجلية)"

بكامل الهدوء يتسلل الى غرفة النوم.. لازالت نائمة.. هل يُصحيها؟..

الفرحة تملأ كل كيانه، قر يبا يصبح أبا، وبديعة أما، ضحك للصورة تملا خياله.. معا يتشاركان الفرحة، لا هو من سيشاركها غبطة عمرها، أن تصير أما:

ـ طفل منك يصيرني ملكة الوجود، وأنت لنا لباس الزمان..

كانت ليلة أمس، جذلى وسعادتها في عيونها لامعة، تغزو ضلوعه برسوخ.. كانت بين أحضانه متعة رحيق مسكونة بعشقه..

ـ في أحشائي حبيبي قد زرعت لك بذرة !!..

لك أسقيها حنينا وحبا..

أحس بتعبها، يضمها لتهدأ، لكنها تقاوم كطوفان صارم

ـ ما أحسه حبيبي هو أقوى مما خالجني ليلة دخلتنا، حبك طاغ ياحبيبي !!.. معك أعيد صياغة الهواء في رئتي بخبرة الشوق

حين يعطرنا صبيب..

يضع الهدية على طاولة صغيرة، عيناه لا تفارقان بديعة وهو ينزع عنه جلبابه، ثم يندس الى جانبها..

استغرب لاستغراقها في نومها، كانت بسرعة تصحو ولو في نومة منها عميقة، متى تناهى اليها خطوه، كانت تصحو وله تفتح الأذرع..ثم كقطة تغفو بين أحضانه..

ينفزع والرعب ما شرع يتملكه حين حاول ان يضع يدها بين راحتيه..كانت يدها ثقيلة و قطعة من ثلج، أثارته زرقتها، استقام في مكانه، تلمس جبهتها، برودة تلسع يده..

شفاهها غابت عنهما الحياة، حركها.. أزاح الغطاء عنها، وضع يده على بطنها، ناداها بأعلى صوته.. لا صدى منها، ولاردة فعل فالقلب قد توقف عن الوجيب..عليها رد الغطاء بستر..

هاتف والديه، ثم هاتف الطبيبة الذي أكدت له زيارة زوجته لكنها انصرفت من عندها وهي قلقة عما كشفت عنه الأشعة

بلهفة سألها:

ـ وماذا كشفته الأشعة؟..

ـ ألم تخبرك أن كرة لحمية ضخمة في بطنها ويلزمها عملية بأقصى سرعة؟

صاح كمفزوع داهمة زلزال:

ـ ماتت ياسيدتي، ماتت !!..ماتت وأنا عنها بعيد، ماتت، وما لحقت أن تبلغني ما يغيض، فما تعودت منها غير التفاؤل بمتعة كلمات كالجلنار؟.. حتى الحروف منها كانت كلذة القبل لا تتقاطر على ذاتي الا كعناقيد من جمال النبض.. ماتت فهيهات بعدها أن تلفني بشائر؟..

هوى على كرسي يترقب والديه، دموعه ماطرات وقلبه يكاد يتوقف عن الوجيب

(يا لرزايتك حبيبتي !!..فقدت أبويك وكنت تمنين النفس بطفل يخفف يتمك..

مت حبيبتي بلا وداع دون أن اقبل لك يدا أو أمسح لك وجها بكف، ما انتظرت ُولا تريَّثت فكيف لك قد تسرع قرار؟..)

***

محمد الدرقاوي ـ المغرب

يقول لك الطبيب:

- انت متعبة وعندك التهاب بالمفاصل، لا تحملي ثقلا ولا تنحني، مهما سقطت منك حاجة ثمينة، اتركيها في مكانها، وحافظي على صحتك وامنحي نفسك بعض الراحة، لا تجعلي الاعمال المنزلية تستنزف طاقتك، اعمال المنزل يمكن ان تنتظر، وحين تشعرين بالتعب خذي راحتك بالتمشي، الوقوف يضرك، فقط المشي جيد لصحتك..

تنفذين نصائح الطبيب، فتخرجين لبعض الوقت خارج المنزل، وتزورين جارتك التي بيتها ملاصق لبيتك ـ وحين نعودين... تجدينه قد وقع على الارض وافترش المكان قرب المنزل

- ماذا جرى؟

- وقعت على الارض وجئت زحفا الى هنا !

- هل تستطيع القيام؟

- لا... مستحيل..

تهرعين الى الجارة، تطلبين من ابنها ان يستفسر عن الاطباء الموجودين في عياداتهم:

- لا احد باق، كلهم غادروا، لقد انتهى دوامهم..

-  والمضمد؟

- يقول انه لا يستطيع ان يفعل شيئا، ويجب علينا ان نسرع الى المستشفى.. تأخذين معك راتبك وتنزلين معهم

حمله ابن الجارة، نزل به الدرجات، تسمعين امه:

- ولدي انتبه الى ظهرك ! يا ابني انتبه الى نفسك

ماذا يمكنك ان تفعلي؟ وانت لا تحبين ان تكلفي الناس فوق طاقتهم، كما انه لا احد معك يمكن ان يقوم بالمهمة بدلا عن ابن الجارة، فتصمتين على استحياء..

- هل تصحبني ونذهب به الى المستشفى خالتي؟

- ضروري.....كما تشائين خالتي !

يسرع ابن الجارة في استئجار سيارة اجرة تقلكم الى المستشفى:

وبعد الاشعة:

- يحتاج الى عملية، اصيب بكسر من الفخذ والقدم وبعض من الركبة، اجرة العملية ثماني ملايين من غير تكاليف العلاج، هل توافقين على اجراء العملية هنا ام تذهبين الى مستشفى حكومي؟

توافقين على البقاء في المستشفى الاهلي، وتتصلين بالمعارف والاصدقاء والاقارب، واولادك الذين تزوجوا واستقلوا في بيوتهم،علهم يساعدونك، فانت لا تملكين شيئا فوق راتبك، وكل ما تستلمينه من نقود تصرفينه على متطلبات المنزل، من ايجار ومولدة وانترنت وطعام وادوية، فانت مريضة بعدد من الامراض تحتاج الى عناية والى شراء ادوية باستمرار...يلبي الاصدقاء وابناؤك ما تطلبينه منهم وتجمعين نصف المبلغ المطلوب، ويبقى النصف الاخر، وهو مبلغ كبير، من اين لك تدبيره؟ وتخبرين جارتك التي جاءت تزورك في المستشفى بمعاناتك:

- سوف استدين ما تحتاجين من نقود.. وانا لا املك منها شيئا...

انه مريض وانت تركضين ملبية ما يطلبون منك مرة اشعة واخرى تخطيط وثالثة دواء ورابعة تحليلات، وتسمعين كلمات تدل على التعاطف معك:

- انت مريضة وتحتاجين الى من يرعاك..أليس معك من يعتني بك، نحن معك سنقوم بما يطلبون منك، فانت متعبة..

تصرفين كل ما معك من نقود على الدواء والتحليلات والاشعة، وحين تزوره ابنة عمه تطلبين منها ان تبقى مع قريبها لبعض الوقت ريثما تذهبين الى المنزل لتأتي بملابس له ليغير ملابسه القديمة ولتدبري بعض النقود فقد نفذ ما عندك من نقود، تعتذر ابنة العم لأن عندها شغل، لكنها توافق بعد الحاح منك.. وانت في سيارة الاجرة في طريقك الى المستشفى تسمعينها تتصل بك بالهاتف:

- هيا عودي، انا عندي شغل.. انت قلت دقائق واعود..

تعودين الى المستشفى، تسمعين توبيخا من المريض:

- لماذا تتركين قريبتي لوحدها، انت تعلمين انها مشغولة..

وماذا يمكنك ان تقولي وكل هذا التعب يذهب دون فائدة، تأتيك احدى النزيلات في المستشفى...

- سيدتي هل تحتاجين الى مساعدة؟ يمكنني ان اقدم لك ما تريدين؟

- شكرا لك بارك الله بك..

- انت متعبة وتعتنين بمريض، يبدو عليك انك اكثر مرضا من مريضك..من الواجب ان نساعدك.

- نحن معنا من يساعدنا، وأنت وحيدة، اي شيء تحتاجين لنقوم به بدلا عنك

وصف الطبيب ادوية جديدة،فتأتيك الممرضة

- خذي هذه الوصفة واشتريها من الصيدلية قرب المستشفى..

تذهبين وتعودين بسرعة مع حزمة من الادوية، تأتيك مرة اخرى احدى الممرضات.

- هذه ادوية يحتاجها المريض في العملية !

تسرعين للصيدلية التي قرب المستشفى، تجدين المصعد عاطلا، تذهبين الى مصعد آخر، تجدين الازدحام شديدا في الصيدلية وأنت لا تقدرين على صعود الدرجات الكثيرة لتطلبي الدواء الذي في الوصفة:

- سيدتي هاتي الوصفة وانا اطلبها لك..

- سنلبي حاجتك اولا، فانت لا تستطيعين الانتظار.

تأتيك الطبيبة وتخبرك ان مريضك سوف يدخل غرفة العمليات بعد قليل.

بعد ان دخل غرفة العمليات اتتك الممرضة:

- في غرفة العمليات يطلبون منك ان تذهبي اليهم..

- ماذا جرى؟

- لا ادري... اذهبي لتعرفي..

- المريض حالته المعنوية سيئة، ونريد ان نخبرك انه اصيب بالشلل، لا تخبريه الان، ليعلم الحقيقة بالتدريج !قولي له بعد ان يخرج: ان العملية نجحت

يخرج المريض بعد اجراء العملية:

- مبارك لك نجحت العملية.

توزعين عليهم ما تستطيعين عليه من قطع ورقية من النقود

- غدا سوف يخرج من المستشفى، لا فائدة من بقائه في المستشفى..اتفقي مع من يمكنه ان ينقله الى البيت،

تتصلين بسيارة الاسعاف، وتتفقين معهم على نقل المريض الى البيت..

تتصل بك صديقتك الدكتورة وتخبرك:

- لماذا اجريتم العملية في مستشفى اهلي، سوف اتحدث مع احد المستشفيات الحكومية التي تعرف بحسن عنايتها بالمرضى واتفق معها على نقل مريضك اليهم.. لا تخبرين صديقتك بحالة المريض الفعلية...وانه اصبح مشلولا.

تخبرين المريض بفكرة انه يمكن ان ينتقل الى مستشفى حكومي:

- فكرة حسنة، وهناك مستشفيات حكومية معروفة بحسن الرعاية.

يتصل بأبنة عمه ويخبرها انه يمكن ان ينتقل الى مستشفى حكومي.، فتثور ويعلو صوتها بالهاتف:

- لماذا؟ انا لا اوافق، ابق في المنزل وعلي زوجتك العناية بك...

يلتفت اليك المريض:

- لن أذهب الى مستشفى حكومي ولن اعطيك النقود التي تقولين انك صرفتها علي في المستشفى، فهذا واجبك.. وان كنت لا توافقين اذهبي الى بيت خالتك في الديوانية...

- وهل هذا ليس بيتي؟ حتى اخرج منه الى منزل اخر ليس لي، لن اخرج من منزلي مهما حاولت...

يسكت المريض..وانت لم تخبريه بعد بحقيقة مرضه..

***

صبيحة شبر

17 ايار 2022

وضعت يدها اليمنى على خاصرته وسحبته الى جانبها وبصيغة عتاب بين احباب، قالت له: "تاليها وياك؟”، حركة مفاجئة لم يتوقعها ابن الجيران، ولم تخطر له على بال، ارتعش جسده دون هوادة، وارتخت قدماه ولم يستطع تثبيتهما على الأرض.  كان ذلك في أحد ايام رمضان من ستينات القرن الماضي حينما فاجأته بنت الجيران، اثناء وجوده في مطبخ البيت يمارس شيء يحبه جداً وهو المساعدة في تجهيز فطور رمضان.

سمعت بنت الجيران خطوات اقدام أم البيت قادمة الى المطبخ، فانسحبت وتركت البيت بعد ان قضت حاجة مفتعلة معها. كان نساء الجيران في الاحياء الشعبية يتزاورون كثيراً، ويمونون على بعضهم البعض عند الاحتياج.  تركته وهو في منتهى الذهول، مرعوباً ولكن في غاية الفرح والسرور. شيء هام وغير متوقع قد حدث سيكون له أثر كبير على مجريات حياته. كان في بداية المراهقة لم يتجاوز عمره الاربعة عشر عاماً بينما كانت بنت الجيران أكبر منه سناً فيما لا يقل عن ثلاث او أربع سنوات، مكتملة الانوثة جميلة نحيلة وذات شعر طويل وعيون واسعة ذات نظرة حادة متلهفة لشيء ما.

حينما جذبته اليها لم يستطع حتى ان يستدير بوجهه كي يقابلها او ان يمد يديه الى مفاتن جسمها او ان يحضنها كما حضنته. لم يدم ذلك سوى لحظات معدودة، بقي اثناءها متسمراً في ارضه، إلا انها لحظات مٌزلزلة ارتجت لها كل اوصال مفاصله. انه الحدث الذي نقل ابناء الجيران من الطفولة البريئة الى النضوج الغريزي المبكر، ومن الخيال الى الواقع الملموس، ومن التمني الى التوقع المتكرر، ومن المجهول في عالم الألفة بين الجنسين الى ممارسة يومية لنوع من انواعه.

كان ذلك اليوم هو آخر يوم يقضيه صاحبنا صائماً، رغم انه ظل متظاهراً من انه صائم. كيف يصوم ويصلي وهو مستغرق بأفكار واحلام تثير غريزته وفضوله الطبيعي وغير الطبيعي. كيف يصوم واصبحت زياراتها المتحججة بأنها تريد ملح للطبخ او انها تريد تصريف ربع دينار كي تعطي اخوتها مصروفهم اليومي، او انها طبخت اكلة شهية واستذكرت جيرانها بحصة منها.

كانت تأتي بهذه الحجج المفتعلة وهي تعلم انه في البيت وليس في المدرسة حيث كان ما يزال طالباً في المتوسطة آنذاك، لم تكلمه بعد تلك المقولة المذهلة: تاليها وياك! لأنه لم يكن هناك وقت كي يضيعانه في الكلام، كانا يخطفان لحظات العناق والقبلات الحارة على استعجال خوفاً من الاكتشاف، يسحب نفسه الى مكان ما في البيت ومعظمه كان في مدخل البيت حيث هناك باب ذات زجاج غير شفاف يفصل بين الباب الرئيسية وغرفة الجلوس من جهة وغرفة الضيوف من الجهة الأخرى، في ذلك المربع الصغير كانا يتعانقا ويتبادلان القبلات العنيفة المحرمة على استعجال وتمتد ايديهم الى اماكن مجهولة في اجسادهم لم يكونا قد اكتشفاها من قبل، يكتشفون ما استطاعوا دون كفاية، وكل مرة ينفكا بسرعة عن بعضهما قبيل الارتواء. ارتواء نهايته عطش مستديم.

كل ذلك دون ان ينبسوا بكلمة واحدة، لم تقل له احبك ولم يقل لها ذلك، كلام لا قيمة له هنا، كان هوساً أساسه حرمان لرغبة جامحة في صدر بنت الجيران، هوت على جارهاَ فتلقفها وهوى عليها. كان حباً غريزياً بامتياز واشباع لرغبات جامحة مكبوتة بين بنت الجيران مع ابن الجيران توهجت من حرارتها الجدران ما بين بيوت الجيران.

***

محمد حسين النجفي

رئيس تحرير موقع أفكار حُرة

 

قبل ثلاثين سنة كُسر أنفي في عركة. سال الدم منه بغزارة على صدري. فصُبغت دشداشتي البيضاء الجديدة بلون أحمر في أول أيام العيد. صراحة لم يهمني كثيراً الدم وأنفي الذي تورّم. بل الشيء الوحيد الذي آلمني ودفعني للانتقام هو "أبو صماخ"**. الصبي الذي باغتني بنطحة على وجهي في ذلك اليوم. ولم نكن مخطئين حين أطلقنا عليه لقب "أبو صماخ" لحجم رأسه الكبير وجبهته الصلبة. تلك الجبهة التي درّبها على نطح الخرفان والتيوس، حين كان يستعرض هذا أمامنا في حضيرة المواشي التي كانت ملكاً لأبيه القصّاب. ثم لاحقاً صار يستعرض قوة نطحاته على الأبواب وسيقان الأشجار. حيث كان يفتح الباب بنطحة واحدة. ونطحة أخرى كافية على ساق شجرة حيث كنا نلتف حوله، منتظرين ثمرها الذي يتساقط من قوة النطحة. بعد أن ضربني بجبهته في العركة اعتراني شعورُ غضبٍ هائل دفعني بشدة للانتقام. خصوصاً أن "أبو صماخ" لم يضرب أحداً من البشر في حياته سواي. كل ما في الآمر أن بعض الصبية شجعوه على ترك المناطحة مع الحيوانات والأبواب وأعمدة المرور والأشجار. وأن يجرب "صماخه" (رأسه) في نطح أحدهم. واختارني القدر لهذه العركة في واحدة من مئات العركات التي تحدث عادة بين الصبية في صباحات الأعياد. مازلت أذكر كيف هرول هارباً إلى منزله خوفاً بعد أن نطحني على أنفي. وكيف أخذت وقتاً لم يتعد عشر ثوان لكي أستجمع قوتي وتركيزي. لقد كنتُ مدهوشاً لأنني لم أتوقع أن يباغتني ويضربني!!. ثم أن الشيء المضحك أنني أيضاً لم أجرب العراك في حياتي. وقد كنتُ أملك ذراعين وكفين فيهما من القوة الكافية لتحطيم جدار. لأنني قد درّبتهما سابقاً على حمل الطابوق ورميه صوب أبي. أيامها حين كان يعمل بنّاءً. اضافة لحمل أكياس الإسمنت والرمل وخبطهما بالمسحاة. ولكن ما الفائدة في قوة كفّي وذراعي؟!!. خصوصاً في الواقعةُ بيني وبين "أبو صماخ" التي كانت أول عركة في حياتي، وقد فشلت فيها فشلاً جسيماً، حيث سبقني صاحب الرأس الكبير وخطف مني حلاوة الفوز بتلك العركة. في الحقيقة لم يكن في حساباتي أن أتعارك مع أحدهم في يوم. أكره العراك ولا أميل له مطلقاً. ولولا تشجيع الصبية وتحريضهم لم أدخل في تلك العركة البائسة، ولم تستمر هذه العداوة بيني وبينه لمدة ثلاثين سنة.. على أية حال.. بعد فراره من قبضتي عقب العركة، قررتُ أن أمكث له وأطارده إن عثرت عليه. في شارع أو سوق أو أي مكان لا يهم. المهم أن أمسك به واضربه بكفي "راجدي"، سيظل طنينه يَصرُّ في أذنه حتى آخر يوم في عمره. ومنذ ذلك اليوم لم أهمل تدريب ذراعي لهذا "الراجدي" المؤجل. أي شيء أراه أمامي من غصن شجرة أو مقبض باب أو حجر، أعصره عصرة قوية لكي أقوّي أعصاب كفي. وأكون مستعداً لهذه المهمة التي لم يشغلني شيء غيرها في ذلك الوقت. وصرتُ أراقب مواعيد خروجه من دارهم. مختبئاً خلف جدار منزل في شارعهم تارة، وتارة أخرى خلف شجرة أو سياج المدرسة. ولم أفلح حقيقة في رصده لمدة من الزمن. ربما لأنني اوصلت رسالة تهديد له عبر الصبية أبناء المحلّة فصار يأخذ حذره من مواجهتي. حين قلت لهم أن يخبروه أنني سأصطاده في يوم، وسأضربه بكفّي القوية التي صرتُ أتباهي بها أمام الصبية. ففي الوقت الذي لم أفلح فيه في العثور على "أبو صماخ". كنتُ أمارس هوايتي في تحطيم الطابوق بباطن كفي، وذلك بضربة واحدة أهوي بها صوب الطابوقة. تماماً كما يفعل لاعبو الكاراتيه في استعراضاتهم. وسط صيحات اعجاب الصبية التي ادخلت السرور إلى نفسي وأنستني ثأري. وبالفعل تناسيتُ عامداً أو غير عامد عركتي المنتظرة، وتركت "الراجدي" الذي كنتُ أريد طبعه على خدِّ غريمي للمصادفة بيني وبينه. أين يفلتُ منّي فالدنيا صغيرة ومحلّتنا صغيرة وسأعثر عليه بلا شك. حتى جاء اليوم الذي صادف أن لمحته من بعيد وهو ينوي ركوب باص. وحين رآني حثَّ الخطى صوب الباص مهرولاً. لكنني على الرغم من رغبة الانتقام التي كانت تعتريني لم أهرول وراءه. بل سرتُ على مهل منتظراً أن يفلت مني ويركب تلك السيارة!!. وتكررت المصادفات التي جمعتني به ولم أفعل شيئاً. مرة عند السوق رأيته ورآني، فهرول مسرعاً لكي يدخل في حشد الناس الكثيف. ومرة أخرى تصادفنا عند حلّاق كان يجلس على كرسيه وأنا جالس خلفه داخل المحل. كان ينظر لي عبر المرآة بعينين مملوءتين بالذعر، وأنا أردّ عليه التحديق بعينين مملوءتين بالشزر والغيظ. وحين انتبهتُ إلى قرب انتهاء الحلاق من حلاقة رأسه الكبير، لم أنهض لكي أنتظره خارج المحل وأضربه ذلك "الراجدي" المنتظر. بل نهضتُ وذهبت إلى مغسلة متظاهراً أنني أغسل وجهي. منتظراً منه الإفلات من قبضتي التي تعرّقت من شدة العصر والتوتر. وبالفعل حين عدتُ إلى الكرسي الذي كنت جالساً عليه، كان قد غادر صالون الحلاق فتنهدت مُرتاحاً!!. وهكذا مرت السنوات، وأبو صماخ كلما رآني في مكان ما يفلت مني بإرادتي، فاسحاً له المجال لكي يولي هارباً. ولم أكن أتوقع أن لعبة القط والفأر هذه ستؤدي بنا إلى ما وصلنا إليه الآن. لقد كبرنا ولم أنس غضبي ولم ينس هو خوفه!!. لو كنتُ قد سامحته في الصبا، وتجرّعت مرارة النطحة تلك، لما وقعت هذه المصيبة التي حلّت علينا الآن. على الأقل لو كنتُ قد أخذت حقّي منه بصفعة واحدة، كان قد أنتهى كل شيء بيني وبينه، وصرنا متعادلين لأنسى ثأري وينسى هو الآخر خوفه. لأن الكارثة التي سقطت علينا بعد مرور سنوات لم تكن هيّنة. حدث ماحدث بعد أن رسا قارب عمري في رحلته عند شاطئ العمل الوظيفي. حين صرت أعمل مُعتمداً في دائرة، وكان عملي يتطلب سفري المستمر من أجل المراسلات الرسمية. في إحدى سفراتي الوظيفية، والتي كنتُ أحمل فيها حقيبة مليئة بأوراق لقضاء حوائج الناس المراجعين لدائرتي. ركبت في سيارة أجرة مع بضعة أنفار من المسافرين. ولم أكن أرغب إلا في الجلوس وراء كرسي السائق، بسبب نصيحة قالها ذات يوم صديق. أن الحوادث في السير ينجو منها السائق عادة ومن يجلس خلفه. ولم أعرف أن السائق الذي كان يقود السيارة هو نفسه أبو صماخ!!. كنتُ منكباً على مراجعة الأوراق الرسمية تارة، وتارة أخرى أطالع هاتفي خشية أن يتصل أحدهم. ولكن حين اهتزت السيارة بعد أن رفعتُ ذراعي لكي أحكّ رأسي، انتبهت إلى أن السائق ينظر ناحيتي عبر المرآة المعلقة وسط السيارة. والتي كان من خلالها يصوّب النظرات نحوي. وعندما طالعت عينيه المعكوسة صورتهما في المرآة، عرفتُ فوراً أن سائق هذه السيارة هو نفسه أبو صماخ. ولوهلة توقعتُ أن سبب اهتزاز السيارة كان بسبب أنه كان يطالعني ولم ينتبه إلى دربه. هنا أنزلتُ حقيبتي وحشرتُ جهاز الهاتف في جيب سترتي. وعدتُ إلى لعبتي القديمة. سأتسلى في طريق السفر وأنا أقذف الرعب في قلب "أبو صماخ". وصرتُ بين الفينة والأخرى أرفع ذراعي لكي أحكّ رأسي عامداً. فيظنُّ أنني أنوي ضربه، فتهتز السيارة يميناً وشمالاً بعد أن يفقد السيطرة عليها. ولما يستقر على الدرب يعاود النظر إليّ عبر المرآة، والعرق والذعر يملآن وجهه وقلبه. لم أكن أعلم أن كفّي التي أدّخرت له ذلك "الراجدي" المؤجل، هي ذاتها التي ستكون سبباً للمصيبة التي وقعت علينا. فبعد نظرات ونظرات بيني وبينه عبر مرآة السيارة. تلك النظرات ذاتها التي كنّا نتبادلها منذ ثلاثين سنة وحتى تلك اللحظة. نظراتي المليئة بالثأر والغضب، ونظراته المليئة بالريبة والحذر. ظهر أمامنا حيوان كان ينوي عبور الطريق على رسله، وإذا بي أمدّ ذراعي نحوه وأصرخ منبهاً إياه أن ينظر إلى الطريق (أبو صماخ احذر..). لكنه لم ينتبه للطريق وظنّ أنني أحاول خداعه، لكي أصفعه وأنال ثأري منه أمام الناس. ثم فقدتُ الوعي ولم أفتح عينيّ إلا وإنا في المستشفى. راقداً على سرير وكان أبو صماخ ينام على سرير قربي. لستُ أدري ماذا حلّ بباقي الرّكاب المساكين الذين كانوا معنا في السيارة. لكنني أعلم ماذا حلّ بنا أنا وأبو صماخ. على الرغم من الألم الشديد الذي كنتُ أشعر به، لم يمنعني هذا من الضحك على حالي وحاله، حينما عرفت لاحقاً أن بدني كله سليم. ماعدا ذراعيّ وكفيّ اللواتي تهشمن في الحادث، حين كنتُ لا شعورياً أذود بهن عن وجهي وبدني. ولم يكن ظاهراً من ذراعيّ شيء بسبب جبيرتيهما. ولم أستطع حتى تحريكهما لأن الحركة كانت جدّ مؤلمة. أما أبو صماخ المسكين كان بدنه كله سليماً ماعدا رأسه المرضوخ. والذي كان ملفوفاً أيضاً بجبيرة كبيرة لم تظهر منها سوى عينيه. وكنّا نتبادل ذات النظرات القديمة بيننا، ونحن راقدين على سريرينا في ردهة المستشفى.. 

***

أنمار رحمة الله

 ...................

* راجدي أو راشدي: باللهجة العراقية تعني (صفعة). **أبو صماخ: باللهجة العراقية تعني (صاحب الرأس الكبير). 

 

شاعر

نعشك فراشة

تئز في الهواء.

يلاحقها قطيع من الأكف المصطفقة.

في انتظار وصلة أندلسية

في دار الأوبرا.

يؤديها ستون مترا من الغمام العائلي.

**

لبؤة بأربع عجلات.

وحدها صفارة سيارة الإسعاف

تكسر أغصان الوعي

بمخالب بحتها الحزينة.

**

الهاوية .

الظل يقترب من شباك العجوز.

كم هو موجع إيقاع عكازته .

وقرقعة صمته العدمي.

**

النبع الذي جن.

النبع الذي جن في مرتفعات صوتك البني.

الوقت ليس مناسبا

لقطع شحمة أذنيك

ورميها من الطائرة.

دعي الأشباح لحالها

أطلقي سراح الدلالة المعتقلة.

**

العدم عش الكينونة.

لا يزعجني الموت كثيرا

ولا قرع النعاة لطبول التأبين.

لا يزعجني النوم طويلا

متأبطا اللاشيء.

العدم عش الكينونة.

**

القطار فاكهة المسافر.

المسافة كلب سلوقي.

أرنب صلواتي منطفىء.

الأشجار شهود على مقتلي

في غابة الكلمات.

القطار فاكهتي في الشتاء.

***

فتحي مهذب - تونس

 

"إلى الجد المسن أبو المنذر نبهان،

الذي قال أمام جثة حفيدته:

اصحِ يا ريم، كان نفسي أعمل عيد ميلاد لك"

***

أنا ريم يا جدي

وكانت غزة العامرة مساحات طفولتي

وحلمي

إن بقيتَ حياً يا جدي

ورحلت الدبابات والطائرات

وأقشعت مدينتنا من تحت دخان الحرب

وعدت تزرع القمح في أرضنا

انظر يا جدي إلى السماء

ستراني ما زلت نجمة في عالمك

أرسل إليك كل مساء شعاع الأمل

***

سعيد الشيخ - شاعر فلسطيني

أتقَنتُ الرَّقصَ على اشْلائي

قبل وِلادَتِي و بعدَ الفِراق

السُّفنُ راحِلةٌ

لا تطلبُ مِنِّي التَعلُّقَ بمياهِ البَحْر

مالِحةٌ جداً

بينَ طيَّاتِها المحُ اسْراراً تَتَهادَى

مَطرٌ صامتٌ

يَهمسُ  مِنَ الصَّدى

أبقَى هُناكَ طِفلةٌ  قُربَ الشَّاطِئ

مُدلَلَةُ المَوجْ

تُطعِمُ فَراشاتِها المُلَونَةِ

تُعانقُ الخَيالَ في كُوخِها الرَّملِي

والرِّيحُ تنسِجُ المُستَحيلَ

مَلائكةُ الحَقِ  نَثرَتنِي

لُؤلُؤةً على نَحرِ القَمر

الفراشاتُ لا تُؤذي الأثير

ملاكُ الحَقِ حَوَّلنِي

نَسمَةً وضُوءٍ

ألمِس نَبضِيَ

فيه أسرارُ الشَّغفِ

ماذا  لَو لَم تُشرقُ الشَّمس؟

كُنْ فصلاً  سَرمَدياً، وليسَ كُلَ الفُصول..

كُنْ  وطناً صَامِداً

***

سلوى فرح - كندا

المُفترونَ.. يَفقأونَ عُيُونَهْ

ويَدَّعونَ أنهــمْ (حُرّاسَهُ)

ر ِجَالهُ..

قدّاسَهُ

وأنهم بعُمْرهِمْ

وأهلِهِمْ.. يَفدُونَهْ!

لكنّهُم

هُمْ باسمِهِ يُؤْذُنَهْ!

فهُمْ أولو ظَلاَلَةٍ..

وهم أولو عمالةٍ..

وهم أولو خشونهْ!

هُم واحِدٌ..

في ناديين ِاثنين ِ

ــ في مَرْمَاه ــ يَهزِمُونَهْ!

علماء (ريال ٍ)..

و(قِرْشـِ)ـلونهْ!

***

محمد ثابت السُّمَيْعي - اليمن

٢٠١٧/١٠/٧م

 

سئمتُ الحُزنَ في مَراثي العُمرِ

وليالي العَتمةِ

في انتظار راحلٍ أبداَ لا يعودُ

مَلَلتُ أحلامي

في جِنانِ السَّماواتِ

وحياتي تَرزحُ في القِيعانِ

لستُ نَسراَ ولو رَغِبتُ

فما نبتَ يوماَ لابنِ أُنثى

جناحانِ

ذَاكرتي نَحيبٌ

وقمرٌ يغيبُ

وما وراءَ الأَكَمَة غير السَّرابِ

ذاتي تصارعُ ذاتي

كأنَّني لا حَربَ خُضْتُ

ولا انتصرتُ ولا هُزِمتُ

أنا وَسَطُ الأشياءِ

فإذا عن مساري يوماَ

تجرأتُ وجَنحتُ

موازينُ الكونِ تتَخَلخَلُ وتَضطَرِبُ

حِصَّتي في عطايا الحَظِّ فتافيتٌ

وصقورُ الطَودِ

تَتأهَّب وتترقَّبُ

أفرشُ أحزاني

فوق مرآةِ العُمرِ

أجتَرُّ طَيفَ الحَبقِ

في الظِّلالِ المَنسيةِ

أَلثُمُ بقايا الذِّكرى

فيتفجَّرُ الدَّمُ سُيولاً

فوق يُبسِ الشِّفاهِ

صيادٌ وبُندقيةٌ تَحصِدُ العصافيرَ

والفراشاتُ يَعتريها شَللٌ

وأسرابُ السّنونو

تَعدِلُ عن رحلتِها

وفي ثنايا الجليدِ تُحتَضَر

أُهَدهِدُ هواجسي

فوق سريرِ طُفولتي

وأخوضُ في النَّهرِ

جيئةً وذهاباً

أُفتِشُ بلا جَدوى

عن مَحارةٍ فرَّت

من مِلحِ البِحارِ

وعن شمسٍ هاربةٍ

منذ بدءِ الزَّمانِ

تجتاحُني ثُلوجُ الشِّمالِ

عفنٌ يَتسَلَّق خيالاتي

وأفكاري العتيقة يأكُلُها الصَّدأ

أغلقُ كِتابي

وألَملمُ شَظايا الرُّوحِ

وأنتظِرُ على مَهل ٍنفاذَ الزَّيتِ

في مِصباحي

***

جورج مسعود عازار

ستوكهولم السويد

يسألُونك: من أنتَ؟

قلْ أنا ابنُ الفجيعةِ

ثمرةُ مخاضٍ دامَ جوعًا وكثير نزفٍ

وجع لطالما غنى لنهاراتٍ

رسمتْ تفاصيلَ السّؤال على جدارٍ بالٍ

حين هبتِ الرّيحُ... هدّتُه حتى آخرِ حبةِ رملٍ

*

أنا اللّقيطُ الّذي أنجبتْه الأيامُ الثّكلى

يوم ضاجعتِ الصّمتَ وفقًا لشريعةِ الغابِ

على إيقاعِ الهسيسِ... ورقصاتِ الثعابين

لا أعرفُ كيف تمَّ الوصالُ

ولا متى كشفتْ عورتَها للهيبِ

تُراودُه عن نفسِها... وهي القاصرُ...

لم تبلغ سنَّ الرَّفضِ

ولا أدركتْ ما تغيَّرَ من مدوناتِ الأحوالِ

فامتدتْ لظىً يداعبُ خدودَ الخرابِ

حتى تمَّ تدجيّنُ الاحتراقِ...

مستأنسًا صار كما القطط...

رفيقا لزمنِ الاكتئابِ

حيث الأجسادُ تنطفيء وسط َالجمرِ

الدمُ يشيخُ في الأوردة

لنغدو جموحا مرابطا في هينمات النشيج

*

لا حولَ ولا قوةَ... للبحرِ اليومَ

وقد صار مُسيّجًا بنيرانِ السُّجوفِ

أمواجُه غبارٌ اعتلى وجهَ الفضاءِ

هديرُه أنينٌ أينعَ في كتفِ الخنوعِ

الطّيورُ النّوارسُ... ماتتْ معلّقةً داخلَ طيرانِها

والبطاريقُ لا تملكُ... غيرَ حركاتٍ بهلوانيةٍ

تساعدُها على الاحتفالِ بأوجاعِها

و توزيعِ التحايا على خناجٍر تُجيدُ

اغتيالَ الأصواتِ... قبلَ أن تبرحَ الحناجرَ

*

يسألونك... من أيِّ صوبٍ جئتَ بنايك المكسورِ

ترفعُ النّشازَ على شطوطٍ من هباءٍ

يرتدُّ الصدى مذعورًا نحو صدورٍ

يخفق في حناياه الضياع

لتختارَ لها نهايةً تليقُ بالبؤسِ المعتّقِ

*

هيا... قفْ على تلةِ العصيان

تبرأ من أحزانِك

اكشفْ سرَّك للنّارِ

أعدْ تشكيلَ ملامحِك

التي حفرَ فيها القهرُ أدغالَ الأسى

خذ بيد كوكب يتعثر في الظلام

كن له بوصلة تحميه من ضلالة الهوى

الشياطين... والقمر المعتوه

الذي احكم اعتقال العقول

*

ماذا تقولُ كواسرُ الفصلِ الجديدِ؟

كيف تحمي من القيظِ هشيمَ الأمنياتِ؟

أمازالتْ تعشقُ الموتَ على شطآن الخُذلانِ؟

أمازال بيضُ اللاجدوى يفقسُ تحتَ أجنحتِها؟

وهي تنظرُ إلى الخريفِ وقد عرّى سوأةَ فلذاتِها؟

من يوزعُ الظّلامَ على مجازاتٍ تعترينا؟

يسقي كؤوسَ الهوانِ

للبدلِ والنّعتِ والمنعوتِ

قبلَ إعرابِ الشّارعِ المُنزوي

المحطاتِ التي علاها السُّعالُ

الأرصفةِ التي تحضنُ الكلامَ العصيَّ

وجرائدَ تراودُ الأمسَ عن نفسِه

حتى إذا بهُتَ السّؤالُ

صارتِ الهراوات تقتفي آثارَ العصيانِ

*

لك... لي... ولنا اليوم

أن نفقأ عيونَ خبث

تتابعُ رقصاتِ انتحارِنا

نذبحُ فرحةَ جدارية الزيف

التي تؤرخ محطات استسلامنا

نقطع حبالَ وهمِ تجيدُ ترميمَّ المرايا

لتمعنَ في خداعِنا

لا تبلسمُ جرحي

فقد أعضك عند أولِ صحوةٍ

لا تلحس عرقي

فقد يسحبُ آخرَ ذرةِ رفضٍ

تساعدُك على ارتقاءِ الجبلِ الأسودِ

إن بلغته... لا تنسْ أن تقرأ على مسامعِ الضّلالِ

آياتِ الانبعاثِ

علَّ القومَ يمتطون صهواتِ المحنِ

يخترقون آخرَ قطرةٍ حمراء

ويحررون الأحلامَ من أفرانِ العتمةِ

***

مالكة حبرشيد - المغرب

كُلُّ هذا الضَّجيجِ

نحوَ العلوِّ

يُصدّرهُ نبضٌ

تَعلَّقَ بنجمةٍ

ليُعانقها احتراقاً

ويُعيدُ ترتيبَ الكونِ

بروحِ المحبَّةِ

لنعيدَ المياهَ

إلى فطرتها الأولى

ونُغرقَ الحروبَ

بقبلةٍ

لنسحبَ زمنَ الانتظارِ

تحت أرجلِ الرّيحِ

ونُسرعَ كلّ لقاءٍ

لن نبتلعَ الدّعاءَ

لمن غابوا خلفَ الوداعِ

سنوقفُ الجاذبيَّةَ

إذا شعرنا بالسّقوطِ

نعلو .. ونعلو

على إيقاعِ الودِّ

سنحيطُ الكونَ

بالشّعرِ واللحنِ واللونِ

نتحدَّثُ بوصايا الماءِ

والتّرابِ  والهواء

ونوثِّقُ بها كلّ عهودِ الحياةِ

هي الحياةُ

تجتاحنا

بوعي الجنونِ

لنقفزَ إلى أعالي الخيالِ

سنعملُ بوصايا السّحابِ

ونربتُ بحنوٍّ

على كتِف السَّماءِ

لتمطرَ خيراً

إنّها نقطةُ البدايةِ

لكلِّ البداياتِ

ولا نهايةٌ لانهمارنا

لا عجزٌ ولا وهنٌ

لحقيقةِ الضوءِ

حينَ يقتحمُ سجونَ العتمةِ

حينَ ينفحرُ ضاحكاً

حين يبتسمُ لضميرِ الغيابِ

ويعبسُ في وجهِ المسافةِ

في وجهِ الغربةِ

حينَ يلتقطنا

كصيّادٍ ماهرٍ

ويرمِّمُ نوافذَ الصَّقيعِ بحضنهِ

ويداوي جراحنا بترياقِ العودةِ

ليقفَ نزيفُ اللحظة …

***

سلام البهية السماوي - ملبورن

 

منذُ قرونٍ

والخَليقةُ تنتظرُ دمّوزي

والمُخلّصَ / اليعازرَ والمهدي

{وليسَ جيفارا أَو ماركس أَو لينين}

لكنهم وعلى الرغمِ مما حصلَ ويحصلُ

في هذا العالمِ من خرابٍ وتيهٍ

وإغترابٍ وموتٍ جماعي

فلا المخلصُ جاءَ

وربَّما لن يأتي أَبداً

وما جاءَ المهديُّ

ليجبرَ خواطرَ وقلوبَ الامهاتْ

والاراملِ والحبيباتِ المُنتظراتْ

في طوابيرَ بانتظارِ الخلاصْ

ولم يأتِ ليغيثَ الناسَ

من قسوةِ الجبابرة

ولا اليعازرُ فكّرَ أَنْ يأتي ثانيةً

لأَنَّهُ مصابٌ بالخوفِ والرهابْ

ولادموزي سيحملُ الربيعَ

ويأتي بسلالِ الورد

والخبزِ والفواكهِ الناضجة

ويغمرُ الارضَ الخَرِبَةَ

بالخصبِ والحبِّ والنماء

ويعيدُ للعالمِ خضرتَهُ وبهاءَه

و.....

كلُّ هؤلاء لنْ يأتوا

وربما لمْ يأتوا ابداً

ولكنني ياامرأتي ...

قدْ جئتُ اليكِ

بكمشاتِ البنفسجِ والقرنفلِ والياسمينِ والقدّاحْ

وجئتُكِ بقواريرِ عطورِها وشذاها وعبقِها الفوّاحْ

وجئتُئكِ بطيورِ الحبِّ والعصافيرِ الملونّة

وحماماتِ المآذنِ والساحاتِ والكنائسِ

والقبابِ الذهبية

وأَغصانٍ من الغارِ والآسِ

والقرنفلِ والصنوبرِ والريحانْ

ولكنّ العجيبَ والغريبَ في أَمرِ مزاجِكِ

أَنّكِ لم تأتِ ياحبيبتي الموعودة

وقد تواريتِ في المكانِ

الذي اختفى فيه اليعازرُ / المُخلِّص

وفي العالمِ الآخرِ حيثُ إختفى المهدي

وفي العالم السفلي حيث إختفى دموزي

ولم أَجدْ لكِ أَيَّ أَثرٍ

سوى: قلادتكِ الذهبية

التي تشبهُ البلاد

***

سعد جاسم

تحدثني عيناك

بلغة صامتة

وأقرأ في بريقهما

شوق سنين هاربة

وقصائد حب جميلة

وتاريخ فرح مسروق

أحاول أن أكتشف الصفة

والمعنى في سياقهما

فأغرق في محيط

بلا ضفاف

لأن الصفة لغز

والمعنى طلسم

وأنت عمق ضارب

في الأزمنة الوردية

وفجر يشرق سناه

بعد ليل شاحب

تحدثني عيناك

بلغة الحلم

ويبتسم الفرح المسروق

لأحلام قادمة

تنبئ القلب بغد يرتع

في الاخضرار

وشمس تشرق من

عتمة الانتظار

تحدثني عيناك

بلغة الاستعارات

الصريحة

وتعلن عن ميلاد

ربيع يبتسم وردا

وبريق أمل تحضنه

*

الفراشات

تحدثني عيناك

بلغة الحب الوارف

الظلال

ورحيق الزهر الدافق

الشلال

وترسم لي طريقا

بين ربًا غزيرة الفرح

يرقص النورس

في أحضانها

وتمرح قبرات الحلم

في سمائها

تحدثني عيناك

فتمطر الأشواق

أقمارا نابضة بالحياة

***

محمد محضار - المغرب

 

عالمٌ حرٌّ ولكنْ طبْعهُ

لا ضَميرٌ بل فظيعٌ جائرُ

*

قيمةُ الإنسانِ ضاعَتْ عِندَنا

فأتانا كلُّ وحْشٍ كاسِرُ

*

بفسادٍ وفتاوى شرَّعَتْ

قتلَ إخْوانٍ ليَحْيا الناطرُ

*

إنّها الأيامُ أذْكَتْ نارَها

فاحْترقنا والرمادُ الجامرُ

*

يا بلاداً لا سِيادٌ عِندَها

إنَّهمْ جاؤا فَجاءَ الناحِرُ

*

هَدَموا البنيانَ طمَّوا أهْلها

وتَنامى في رُباها الآشِرُ

*

كُلهمْ فيها لقومٍ أذْعَنوا

غِزيةً صاروا فعَمَّ الضائرُ

*

عَربٌ غابوا وعُرْبٌ غادَرَتْ

وكذا العُدوانُ فيها الحاضرُ

*

أنَفٌ ولّى وهوْنٌ سائدٌ

وخُنوعٌ إجْتباهُ الآخرُ

*

جازعٌ أنتَ بأرْضٍ سُجّرَتْ

كيْفَ تَحْميها وأنتَ القاصِرُ

*

قوّةُ العَصرِ بعَقلٍ أسُّها

لا بكَفٍ فالقويُّ الفاكِرُ

*

هَجَمَ الويْلً عليْنا بُغتَةً

فاحْتَرَقنا والحَريقُ الناحِرُ

*

قاوَموا فيها بقرْنٍ واعدٍ

فأصابوا وأصابَ الهابرُ

*

لا وئامُ أو سَلامٌ إنّها

بَحْرُ نارٍ واللهيبُ الزائرُ

*

أمّة العَقلِ أضاعَتْ عَقلها

وذراعٌ في وَغاها ماذرُ

*

أمّة النيرانِ أوْهَتْ أمّتي

وعلى الأنقاضِ بانَ الآبرُ

*

مَحَقوا كلَّ وجودٍ آمِنٍ

فتَمادى في البلادِ القابرُ

*

غادَروا المَوْتَ لمَوْتٍ قادمٍ

مِنْ شِمالٍ لجَنوبٍ هاجَروا!!

*

قتلوا ألفاً وألفاً بَعدها

والبرايا إعْتراها الطامِرُ

*

عارُها الأقوامُ ظلماً آزرَتْ

وهواها لضراها غامرُ

*

بعَجيْبٍ وغَريْبٍ إنْطلتْ

وبأفكٍ إرْتضاهُ القاهرُ

*

أمّة الخوفِ تَداعى عَزمها

وتَناءَتْ وعَلاها الداثرُ

*

لانْتحارٍ أم لنَصْرٍ خَطوها

وجَوابٌ ما وعاهُ الباصرُ

*

فاضِحٌ أنتَ لقومٍ عاهدوا

قومَ إجْرامٍ رعاهُ القاصرُ

*

أمّة الغربِ وشرقٌ قائمٌ

كعَدوٍ إجْتباهُ الناكِرُ

***

د-صادق السامرائي

 

يَـومـانِ فـي الـفـردوسِ؟

أمْ

لـحـظـتـانْ؟

*

عـشـنـاهـمـا طـفـلـيـنِ

فـي

الـلازمـانْ؟

*

مَـرّا كـمـا الأحـلامُ

فـي مُـقـلـةٍ

أدمـنـتِ الـسـهـادَ فـي

اللامـكـانْ

*

فـي جَـنَّـةٍ أرضـيَّـةٍ عَـرضُـهـا

عـشـرةُ أنـهـارٍ

وبَـحـرا أغـانْ

*

مـا وطـأتْـهـا قـدمٌ قـبـلَـنـا

ولا اخـتـلـى فـي فـيـئِـهـا

عـاشـقـانْ

*

طـفـلـيـنِ

لـم يَـدَّخِـرا لُـعـبـةً

إلآ

ومـن لَـذّاتِـهـا يـنـهـلانْ

*

يَـسـتـجـديـانِ الـليـلَ لا يـنـجـلـي (*)

والـصـبـحَ أنْ يـبـقـى حَـبـيـسَ

الأوانْ

*

نـامـا ـ ومـا نـامـا ـ وإنْ أطـبَـقَـتْ

جـفـونَـهـا مـن خَـدَرٍ

مُـقـلـتـانْ

*

تَـبَـتَّـلا

واسـتَـمـطـرا غـيـمـةً  ..

وابـتـهـلا

قُـبـيـلَ صَـوتِ الأذانْ:

*

أنْ  تُـسْـجَـنَ الـسـاعـاتُ فـي حُـجـرَة

صَـمّـاءَ

لا تـنـفـذ مـنـهـا  الـثـوانْ

*

شَـمَّـرَ عـن خـريـفِـهِ

حـاسِـرًا

عـن شَـبَـقِ الـربـيـعِ  للأقـحـوانْ

*

سَــلَّ حـسـامَ الـشـوقِ مـن غِـمـدِهِ

وكَـرَّ بـالـلـثـمِ عـلى

غُـصـنِ بـانْ

*

وشَـعَّ مـن زيـقِ الـقـمـيـصِ الـضـحـى

كـمـا يـشـعُّ فـي الـدُّجـى

الـفرقـدانْ (**)

*

راوَدَهـا عـن خـبـزِ تـنُّـورِهـا

فـأطـعَـمَـتْ  ..

فـكـانَ  نَـهـمًـا .. وكـانْ ..

*

فـاسـتـيـقـظَ الـمـحراثُ مـن نـومِـهِ

وشَـبَّ فـي الـتـنُّـورِ جَـمـرُ

الـمَـغـانْ

*

تـنـاولا ألـذَّ مـا يُـشـتـهـى ..

وارتَـشَـفـا  مـن الـرَّحـيـقِ

الـدِّنـانْ

*

مَـكَّـنـهـا مـن حُـضـنِـهِ  فـاغـتـدَتْ

مـشـكـاتَـهُ والـبـدرَ

والـشـمْـعَـدانْ

*

ومَـكَّـنـتْـهُ مـن فـراديـسِـهـا

يـقـطـفُ مـن قـاصٍ خـبـيءٍ

ودانْ

*

مـا اسْــتـَـفـتَـيـا غـيـرَ سـريـرِ الـهـوى

ولا سـوى نـشـوتِـهِ

يـطـلـبـانْ

*

ألـبَـسَـنـا الـلـيـلُ: الـدُّجـى ..

والـضـحـى

دَثَّـرَنـا: صَـبَّـًا مَـشـوقـًا

بِـثـانْ

*

وقـامَ بَـردٌ فـارتـجَـفـنـا كـمـا

تَـبَـلَـلـتْ فـي الـغـيـثِ

عـصـفـورتـانْ (***)

**

ألـبَـسـتُـهـا مِـنْ قُـبَـلٍ بُـردة  ..ً

وألـبَـسَـتـنـي مِـعـطـفـًا مـن

جُـمـانْ

*

كـيـفَ الـتـقَـيـنـا يـاسـريـرَ الـمُـنـى

مـاءٌ ونـيـرانٌ  ..

وأُنـسٌ وجـانْ

*

إنْ  عَـطِـشـا

صَـبَـا بـكـأسَــيـهِـمـا

سُــلافـةَ الـلـثـمِ

ويَـسـتَـطـمِـعـانْ:

*

بِـشَـمِّ زهـرِ الـلـوزِ فـي روضـةٍ

أنـدى مـن الـرَّيـحـانِ

والـزُّعـفـرانْ

*

ويـقـطِـفـانِ مـنْ جِـنـى واحـةٍ

مـا لـمْ تـنَـلْـهُ مـن قـطـوفٍ

يَـدانْ

*

يـومـانِ فـي الـفـردوسِ؟

أمْ لـحـظـتـانْ

مـا بـيـنَ مـحـرابِ صـلاةٍ

وحـانْ !

*

تَـشـابـهـا

حـتـى كـأنْ لـم يـكـنْ

بـيـنـهمـا فـرقٌ

كـمـا تـوأمـانْ:

*

كـلاهـمـا  يـسـعـى الـى حَـتـفِـهِ

عـشـقـًـا  ..

هـمـا:

نِـصـفـانِ  مُـسـتَـجْـمَـعـانْ

*

كـ" حَـبَّـةِ الـقـمـحِ ": (****)

بـلا نـصـفِـهـا

تُـصـبـحُ كـاللاشـيءِ

صـنـوَ الـدخـانْ

***

يحيى السماوي

السماوة 8/12/2023

.................................

(*) تناص مقلوب مع قول امرئ القيس:

ألا أيها الليل الطويل ألا انجلِي

بصبحٍ وما الإصباح منك بأمثلِ

(**) الفرقدان لغةً: هما النجم القطبي ونجم آخر يبزغ بالقرب منه .. وهما في القصيدة: النهدان .

(***) إشارة الى قول أبي صخر الهذلي في بيته الشهير:

وإني لتعروني لذكراكِ هزّةٌ

كما انتفض العصفور بلله القطرُ

(****) المعنى مأخوذ من قول للإمام الشافعي نصه: " الشقُّ وسط حبة القمح يرمز الى أن النصف لك ، والنصف الآخر لأخيك "

أيها القطار

أيها الهارب من الصقيع والضوضاء وجلود الموتى

الذي يلتهم مؤخرة السهل

الذي يصعد ويهبط

كما لو أنه يتسلق نهودا من الكريستال

أيها القطار  يا سمكة زرقاء في محيط من الغبار

آثار عجلاتك ماثلة في قلبي

وحوافر الهواجس تضرب النوافذ

صفارتك الشبيهة بأوركسترا ألف جدجد

تملأ الوادي بالصخب والجنون

أيها القطار الذي يحمل الحنطة والنبيذ والنساء

خيولا مرصعة بالذهب والأمطار

موسيقيين بآلات غريبة

منجمين يفتحون النار على بنات نعش

أيها القطار المتلاشي في الكهوف

أيها المسافرون

البوذيون ذوو البشرة النحاسية

والمخيلات المزبدة مثل الأمواج القادمة من قلب باربرا

حقائبكم ضفادع نافقة

وجوهكم مشبعة  بالفقد والفجيعة

وفي عيونكم تلمع التوابيت والأكفان

تثغو شياه الجبال النائية

يا فراشتي الذهبية

سأربطك بحبال مخيلتي

لن أدع العقاب يخطف زبرجد نهديك

سأطرد الملثمين الأشرار من كوة الباب

مثل مقاتل مغولي

سأقتل التنين العالق في سقف المخيلة

آه يا بابربرا

يا فراشتي المبقعة بنعاس الدادائيين

يا سحر المياه المثرثرة

في الشفق

يطردني الرب من شرفته

يعضني فراغ المدن الحجرية

تتقاذفي الصبية بالشتيمة والحجارة

يطاردني العيارون ذوو العيون الممطرة

والعمى يشهر سيفه لمواجهتي

في ساحة ملآى بالنميمة والقش

بأموات على دراجات من الرمل

بزئير تماثيل ملطخة بالدم.

***

فتحي مهذب

لطير الحب

جناحان بنفسجيان

ولقلبي جناحان

لازورديان

طار الاثنان صوب

الافق الجميل معا

وعلى قمة من

كرستال وعنبر

غردا معا

وهناك

عكسا على

مرايا رؤاهما

نور الشمس

تلالؤ النجوم

وهالة القمر

ومن ثم طارا طارا

صوب المدن

والاحياء المهمومة

والمنسية

وصوب الحقول

والمروج المستباحة

عانقا هدهدا

حزينا وضمدا

كركيا جريحا

وفراشة

فقلبي وطير الحب واحد

وقلبي والكراكي

المطاردة

والاوزات الجريحة

واحد واحد .

***

سالم الياس مدالو

 

خمسة آلهةٍ جلسوا ينتظرون على مصاطب المحطة

بين حكمة وأخرى

يكسرون المللَ بمطرقة التأملات

ينظرون إلى السماء

فتثقبها نيران نظراتهم

ويتساقط من ثقوبها الملائكة والشياطين

**

جلسوا متحابين متجاورين

وأتباعهم خارج المحطة

يتراشقون بالتأويلات

ويعتزلون عن بعضهم ببطون الأباريق

**

كلّ إلهٍ يضعُ بين رجليه حقائبه

ومن ثقوب مفاتيحها

تتسللُ أحصنةُ الفاتحين

وعدا عمّا قضمته نصوص كلّ منهم من لحم الآخر

فقد بدا الآلهة متشابهين

بوجوههم التي

تنضح من تجاعيدها دماء ضحايا الفتن

وبأثوابهم المنسوجة من دخان الحرائق

وأعمدة الغبار

**

حين همّوا الركوب ببطاقة واحدة

في القاطرة التي لن تأتي أبداً

لم يعترض ناظرُ المحطة

فهم خمسةُ توائمَ سياميةٍ بجسد واحد

**

في المحطة التالية

كان آلهة آخرون ينتظرون

فظنّ المسافرون أن المصاطبَ أشجارٌ مثمرة

أما ناظرُ المحطة

فقد مَاعَتْ عيناهُ على خديه

وبللتْ قميصَهُ بالحِيرة

**

كلما تعددتِ المحطات

كان هناك آلهة آخرون متشابهين ينتظرون

وكانت هناك حِيرة

يمطّها جرّاً وسحباً بينهم النظّار والمسافرون

ويُحولونها إلى أديان وأساطير

***

شعر: ليث الصندوق

سقطت من سيف جلاد

بتاريخ وجغرافيا

جديدة

جدت لمحو منظوماتها

القديمة

كي تستريح

*

قطرة الدم

احمرت خجلا

لاحمرار اللون

فيها

واستعارت ريشتين

ونامت

في بياض

*

قطرات دم

قانية الغضب

لاحقتها في المنام

عفرت ريشاتها

بسواد ساحر

*

قطرة الدم

صاحت

اتركوا أطفالي وباحاتي

اتركوا جلدي وعظمي

وصباحاتي الصغيرة

*

قطرة ندى

أثمرت

فاحت. بلون

الأرجوان

واستمرت في خرير

أحلام عذارى

في مساءات سجينة

هل لقطرات الندى

أفجار صغيرة

وأهداب طويلة

وامتداد؟

وهل لدمي القاني

شهيد؟

*

في حلم فتاة غريرة

لون الحناء وحده

المشروع .

ودمي المضرغ بالياسمين.

*

قطرة الدم ا ضاعت

وهلتها الأولى

نامت في غمد سياف

بلا معالم

واستساغت لعبة الألوان

والافخاخ

والأحزمة

فإذا الأزهار تنسف

والندى

يسقط عن أوراقه

وشظايا الوردة المفجوعة

تشجو

في مزاريب حزينة .

*

لملمت أحزانها

القطرة

وتنفست

دمعة طفل  وليد

ذات لون وردي

واستعارت بتلتين

ثم صارت طلقتين

في سماء الأرجوان .

***

مفيدة البرغوثي

سبتمبر 2011.

في آخر الليل أطل أخي الاكبر المتوفى منذ أكثر من عقد من الزمان يرافقه حوالي العشرة من اصدقائه الموتى، أرسل ابتسامة صفراء نحوي. قال:

- سأذهب معهم لتقسيم الأرض..

أردت أن أصرخ به. أن أقول له ما ورّثه أبوك لك ولأخوك، سآتي معك سنقسّم الارض بالتساوي بيننا نحن الاخوة الثلاثة، إلا أنه بادرني متابعًا:

- بإمكانك ألا ترافقنا.. أنا أسدّ عنك.

فكّرت في أن أتصل بأخي الاصغر، أن أسأله عن رأيه، لا سيما وأنه شريكنا الثالث في الارث، فبدا أن أخي الاكبر أدرك ما أفكر فيه.. ففاجأني قائلًا:

- بإمكاني أن أسدّ عن أخينا الاصغر أيضًا.

شعور بهزّة وجودية انتابتني.. صاعقة.. زلزلت الارض.. فتطايرت شظاياها في كلّ اتجاه، ماذا يريد أخي؟.. أيريد أن يضمّ إلى المغبونين في الارض مِن إخوة وأشقاء رقمًا آخرَ جديدًا.. أيريد أن يستفرد بالإرث وحده.. لا لن أسمح له.. سأدافع بأسناني عمّا ورّثه لنا والدانا.. ولن أسمح لأي كان أن يهضم حقي وحق أخي الاصغر.. لا لن أترك أخي الاكبر يأكل حقنا.. وإنما سأرافقه إلى هناك.. إلى تلك البلدة البعيدة.. سأمشي إلى جانبه وجانب رفاقه سأتوقّف أينما يتوقفون وسوف أتابع حيثما يتابعون، وعندما سيدخلون مكتب المحامي لتقسيم الارث سأدخل معهم.. لن أوقّع على أي ورقة أو مستند قبل أن أقرأ ما ورد فيها أو فيه.. لي حق في أرض والدى مثلما لأخي الاكبر وأخي الاصغر أيضًا.. وماذا ستفعل أيها الانسان الفِتح الحذر المنكّح؟ هتفت بأعلى صوتي:

- سأرافقهم.

عندها جاءني صوت أخي الاكبر.. ساخرًا:

- سترافق مَن يا شاطر؟ ألا تؤمّن لي؟ ألا تثق بي؟

تناسيت ما قاله أخي وأجريت تعديلًا بسيطًا فيما سبق وقلته. قلت:

- سأرافقكم.

صمت أخي. أثارني صمته أكثر.. صمّمت أن أرافقه مُرغِمًا إياه أو بأية طريقة أخرى.. فالأرض هي آخر ما تبقّى لنا.. ونحن لا يمكن أن نتنازل عنها مهما بلغ الامر.. ومهما كلّف احتفاظنا بها من ثمن.. "عيون الطامعين في أرضنا كثيرة.. علينا أن نحافظ على حقّنا فيها مِن كلّ الطامعين فيها.. حتى لو كان أخي الاكبر". قلت بيني وبين نفسي، وجريت وراء السيارة التي طارت تطوي الارض طيًا بأخي ورفاقه.. شعورٌ بالخفّة انتابني.. أحاط بي من كلّ جانب.. طرت فوق السيارة الطائرة.. توقّفت بمحاذاتها.. أرسلت نظرة إلى داخلها.. كان أخي الاكبر يبدو مرتاحًا.. بأنه خلّفني وراءه.. وبأنه بات بإمكانه أن يستفرد بالأرض.. المورّثة لنا من والدينا.. كان هو وصحبه يرسلون الابتسامات.. وكانت هذه ما تلبث أن تتحوّل إلى ضحكات وقهقهات.. وكنت مِن ناحيتي كلّما شعرت بأن هناك مَن يسحب أرضنا.. إرثنا.. من تحت رجلنا.. أزداد تشبثًا بها.. وأرسل باتجاه العالم المُعتم حولي نظرة مفادها أنني لن أسمح. لقد رحل والداي مخلّفين لنا هذا الارث الثمين.. وعليّ أن أحافظ على حقّي وحق أخي فيه.. كي نخلّفه لذريتنا الصالحة.. "المعركة أمامك يا أبا الشباب.. وعليك أن تتحوّل إلى مقاتل عنيد كي تحافظ على حقّك فيها.. الضعف لا يليق بك في مثل هكذا موقف". قلت لنفسي وتابعت الطيران إلى جانب سيارة الموتى الطائرة.

أخيرًا.. بعد دُهور مِن المطاردة.. تمكّنت مِن أن أحطّ إلى جانب تلك السيّارة الضيّقة العابقة برائحة الموت.. وكنت أرسل نظراتي إليها مُتابعًا كلّ حركة ونأمة.. ها هي تفتح أبوابها.. ها هو أخي الاكبر يترجّل منها وها هم رفاقه يترجّلون ويتوجّهون إلى مبنى كبير انتصب في الناحية المحاذية.. إنهم يمضون نحو هدفهم بخطى ثابتة.. وها أنذا أنضمّ إليهم.. أتابع خطاهم.. هل شعر أخي بخطاي وراء رتله؟ ما إن طرحت هذا السؤال حتى بادرني اخي قائلًا:

- قلت لك بإمكانك إلا تأتي.. على كلّ ما دمت قد أتيت.. وتودّ أن تطّلع على كلّ شيء.. عليّ أن أخبرك أننا وصلنا قبل موعدنا مع المحامي بقليل.. سندخل الآن إلى غرفة في هذا المبنى.. هذه الغرفة لا تتسع إلا لنا.. وأشار إلى مجموعته، وقبل أن أقول له وأنا أين أتوجّه في هذا الظلام.. قال لي:

- لقد حسبت حسابًا لكلّ شيء.. هناك غرفة إلى جانب غرفتنا.. لا يفصلها عنّا سوى جدار من الزجاج.. بإمكانك أن تقضي لحظات الانتظار فيها.

تركت قلبي في الخارج ودخلت غرفة الانتظار المُقترحة.. راود النعاس عينيّ.. اعتقدت أن أخي وضع لي منوّمًا فيها كي أنام.. وكي يخلو له الجوّ ليشرّق ويغرّب في شأن الارض وليفعل بها بالتالي ما يحب ويشاء.. فتمرّدت وانسللت مِن الغرفة.. لاقف بمحاذاة غرفة أخي ومرافقيه.. ومضى الوقت ثقيلًا بطيئًا.. ".. يبدو أن أخي لن يجيبها البرّ" قلت لنفسي وتابعت:" أذا كنت أنت قد خطّطت.. أن أملّ.. وأن أنام.. فأنا صاحٍ لك". بعد لحظات خطر لي أن أتصل بأخي الاصغر.. أن أستعين به على تحصيل مُمتلكنا المهدّد بالسرقة في غيهب الليل.. فاتصلت به.. وأخبرته بما أنا فيه.. لم تمض سوى لحظات في دهر الانتظار.. وإذا بأخي الاصغر يحطّ إلى جانبي.. وتوقّفنا معًا أمام الباب المُغلق.. على أسرار لا عِلم لنا بها.. لنفاجأ بأخي الاكبر يخرج من غرفته ويركض.. ووراءه يركض رفاقه الموتى.. كانوا يتوجّهون صوب غرفة مغلقة.. شعرت أنها غرفة توقيع الاتفاقية الظالمة.. عندها أشرت لأخي الاصغر أن نشرع في الجري وراءهم.. فجرينا وكانوا هم يجرون ونحن نجري.. المثير في الامر أننا.. أخي الاصغر وأنا.. لم نكن نشعر بالتعب.. مثلما كان يفعل أولئك الراكضون وراء أخي الاكبر.. وبقينا نركض حتى أطلّت تباشير الفجر.. من بعيد.. بعيد..

***

قصة: ناجي ظاهر

ها أنا ذا...

رعشةُ غَيثٍ شاردةٌ

أُداعبُ رفيفَ أَحلامكَ...

إيماءَةٌ مُبَلَّلةٌ بالنَّدى

أُهامسُ رموشكَ

نَشوةُ شوق ٍ تدحرجتْ

على درجِ الكاميليا

لتوقِظ نغمَ الذكرياتِ

اسْتَيقظْ يا حارسَ الشَّمس

إنَّهُ كرنفالُ الياسمين..

إنهُ عُرسُ الحرِّيَّة

تَسَلَّقْ إلى هِضابِ فردوسي

وراقصْني

على أَوتارِ الشَّمس

تَنَفسْ من رئَتيّ

اِنْهلْ من ماءِ أَسراري

واختَبِئْ بين جَفنَيّ

كي لا يلمحُكَ اليَأسُ...

يأسرني طيفُكَ يا وطني

خُذ روحي ملجَأ ً

لاِنكِساراتِكَ...

وعمري فانوساً سحريًّا

لتَنهيداتكَ

واستَنِدْ إلى دفئِي

سأُدوِّنُكَ في وجدانِ نَخيلي

عِشْقاً أَبديًّا

وأُهدي إليكَ أُنشودةَ النَّصرِ

ضَلَّ الياسمينُ

فاختبأَ في أَنْفاسكَ

وَتاهَ اللُؤلؤُ في أَعْماقِكَ..

آهٍ .. آهٍ...

صمتُ عينيكَ تاريخِي

أَنْا عصفورتُكَ الدَّمشقِيَّةُ

ليس لي مأوىً

خارجَ مقلَتَيكَ

أَنا   جوريَّتُكَ اَلاِسْتثنائيَّة

ليس لي ندىً إلاَّ من شفَتَيكَ..

لأَجْل آهاتكَ أَنا مُعجَمُ حَنينٍ

لأَجْلِ خَفق ِ قَلبِك

أَنْا مَملَكةُ أنوثَةٍ..

لأنَّك مُعَتَّقٌ

بِنبيذِ الأُسطورةِ

أَنت ملحَمَتي

لأنَّكَ تَمْخُرُ عُبابَ البَحرِ

بأَجنحَة النوارس

أَنْا "ماريا" الحُلم

ولأنَّكَ تَنحَرُ اَلرِّيحَ أَنتَ فارِسي..

لأَنَّكَ قُربانُ المحبةِ أَنْتَ وَطَني..

ولأنَّكَ حبيبي أنا أَحيـا

***

سلوى فرح - كندا

الساعة الآن: (غَزَّةْ)

وكل الثوانيَ عِزَّةْ

*

والزمنُ المُعْتَدي

مُفْـــتَرٍ

لايرى

مايراهُ الزمان !

*

(يتيـــــــــــــــهُ)

فما من دقائق تُسْعِفهُ

كي يفيقَ

وما من أمانْ!

فليس لهُ برهةٌ

لحظةٌ

لمحةٌ

تَتَنَفَّسَهُ بِضْع عُمْرٍ

وبِضْع مكانْ!

*

يا للفضيحةِ

من (شرفٍ) يُستعادُ

بقتل البرايا

وهدم المبانيَ

فوق رؤوس الضحايا

وليس لِــ(عوْرته) سَتْرَهُ

بعد خِزْيّ...

وعارٍ

يُلاحِقهُ بالثوانْ!

*

فها قد أتاهُ

من الدهرِ حِيْنٌ

سيمحوهُ حتماً

حتماً سيمحوهُ

من كل شبرٍ

ومن كل ذرةِ حِبْرٍ

كأنْ لمْ يكُنْ!

أين ذاك الدخانْ؟!

*

عصرنا حاضرٌ

باتحادٍ أبانْ:

قِطَاعٌ..جَنوبٌ

بَرَدَى..فُراتٌ

نِيلٌ أَبِـيْ...

وسيفٌ يَمانْ

"يد الله فوقَ..."

وماشاء كانْ .

*

الساعة الآن:

حان الأواْنْ!

***

محمد ثابت السميعي - اليمن

ديسمبر ٢٠٢٣م

كانت الطيورُ كل عام

في مواسمِ الحصادِ والعطاء ْ

تهْجرُ الأمصارَ والأوطان

تودّعُ البيوت ..

تُقَبّلُ الأرضَ والمياهُ

والأشجارْ

الرٌبيعُ كان

بسمةٌ وزهرةٌ وأغنيه ْ

كلُ شئ كان

الأهلُ والديارُ يحلمون

فثمةَ زمان

وثمة قيامة

هولٌ وإنبعاثُ نار !

جهنمُ تفتحتْ أبوابها

تغضبُ السماء

الفضاءُ لا فضاء

بُعْثِرَتِ القبور

يختلطُ الأحياءُ بالأموات

تطايرُ الأشلاءْ

أكبدٌ، أعضاء

تعانق السماء بالدماء

لعبُ الأطفالِ

شظايا من لحومٍ

من حديدٍ

من أحجارْ

تلال  من اشلاء

تمتزجُ الدماء بالدموع

والأشلاء بالأشلاء

الحديد بالنيران بالاحجار

والأهاتُ بالدخان

قلائدٌ في عنقِ السماء

لوحةٌ عصريةٌ

إسمها الفناءْ

تمطرُ السماءُ من جراحنا

صرخاتنا نيازكٌ

في الأرضِ والسماءْ

كل ما نراهُ من جحيمٍ

من خرابٍ

من دمارْ

يعقبهُ إنتفاخُ في كروشكم

ويومٌ بعد يوم

نُشَرَّدُ، أو نجوعْ

ننْزف، أو نموت

تَحْمَرَّ من دمائنا خُدُودكم

أطفالنا حين يولدون

القيحُ في بطونهم

الجراحُ في صدورهم

الشيبُ والصداع في رؤوسِهِم

ورؤُوسكم وذقونكم

تسْودٌ من أحزانِ أمٌهاتنا

وتشرَبونَ النَّخْبَ على أشلائنا

نَغُصّ في آلامنا

نَغْرقُ في جِراحنا

نَخْجلُ من أنفُسِنا

نَخْجَلُ من ضَميرنا

نَخْجَلُ من تأريخنا

لأنٌكم قادتنا

لأنٌكم حُكٌامَنا

العَرَبيٌ صارَ يَخْجل

في كل بقاعِ الأرض

لأنٌكم زُعَماءنا

في كُلِ يوم نُسْألُ

أو نُهانُ أو نُشْتَمُ

في كُلٌ يوم نَحنُ نُهْدى كالعبيد،

أو نُباع

او نهرب بالزوارق

نغرق في البحار

وليمة تأكلنا الحيتان

لأنٌكُم قادتنا، حُكٌامنا

وكُل يوم تُشْعَل النٌارعلى رؤوسنا

بِنَفطِنا ورجسكم وخُبْثِكم

أطْفال قانا والعراق وغزُة

فراخ في صحونكم

ودماؤنا خموركم

في كل يوم نصرخُ من جراحنا

السماءُ والنجومُ والكواكب

تبكي على مأساتنا

وعيونكم وقلوبكم تسخر من آلامنا

أستغفرُ اللهَ من أسمائكم

أستغفرُ اللهَ من ألقابكم

أستغفرُ اللهَ من أبدانكم

أستغفرُ اللهَ من أثوابكم

الرٌجس في قلوبكم

الرجس في بطونكم

أستغفرُ اللهَ من بطونكم

وقلوبكم

أستغفرُ اللهَ من عيونكم

أستغفرُ اللهَ من وجوهكم

أستغفرُ اللهَ من أعمالكم

أستغفرُ اللهَ من ريائكم

أستغفرُ اللهَ من صمتكم ونطقكم

أستغفرُ اللهَ من (خياركم)

أستغفرُ اللهَ من شراركم

أستغفرُ اللهَ من أحيائكم

أستغفرُ اللهَ من أمواتكم

أستغفرُ اللهَ حين تصبحون

أستغفرُ اللهَ حين تضاجعون بعضكم

أستغفرُ الله حين تولدون

أستغفرُ الله حين تُقبرون

أستغفر اللهَ من عروشكم

أعوذُ باللهَ من قيامكم

أعوذُ باللهَ من قعودكم

أعوذُ باللهَ من همسكم ولمسكم

أعوذُ باللهَ من نباحكم وعوائكم

أعوذُ باللهَ من أحكامكم وشرعكم

أعوذ بالله من دينكم

أعوذُ باللهَ من شناركم وعاركم

أعوذُ باللهَ من رجسكم وعهركم وخزيكم

أعوذُ باللهَ من جبنكم ومكركم وغدركم

أعوذُ باللهَ من بطون أمٌهاتكم

أعوذُ باللهَ من أمركم ونهيكم

أعوذُ باللهَ من سجودكم وركوعكم

فكلما نذكركم

تنتفخُ أوداجنا

فنشتعل وننفجر لأنٌكم قادتنا

أشواك نحن في عيونكم

فانتزعوا الأشواك من عيونكم

وارموا بها عدونا وعدوكم

أو أفقئوا عيونكم

أنٌي أشكٌ في أصولكم

***

الدكتور إبراهيم الخزعلي

3/9/2006

ثار على وجودك خارج المنزل ولم تصلي قبله، كي تستقبليه بابتسامة كما تفعلين دائما، انت ناجحة في عملك وتتمتعين بتقدير مديرك وزملائك وتنالين المكافآت على اجتهادك ودقتك في العمل:

- الزيادة هذه التي حصلت في راتبك يجب ان تساعديني بها لأشتري سيارة جديدة .

تنفذين ما تتوهمين انه ينال رضاه، ولكنه ضنين بهذا الرضا:

- ماذا فعلت انت من اجلي؟ لماذا لا تقدمين على الاستقالة كما تفعل النساء المحبات لأزواجهن؟

-  كيف استقيل وانا اجد في العمل حياتي؟

-  انظري! انت لا ترين في المنزل الا انهاكا لك! وانك تجدينني قيدا ثقيلا يكبلك،استقيلي! لأصدق انك تحبينني! وانك حريصة على هنائي.

تحب زوجها ولا ترغب ان تثير غضبه وتحب العمل ايضا ويمكنها ان توفق بين الامرين في عملها اثبتت نجاحها ومنزلها اية في الجمال والترتيب .

- لا تقدمي على هذا الفعل، انت ناجحة جدا والدائرة تحتاج الى جهودك .

-  استقيلي يا امرأة ودعينا نرتاح من العناء، لمن تعملين انت؟ فانا لا احتاج الى راتبك .

-  خسارة سيدتي سوف اوافق على طلبك مرغما .

-  عندي ضيوف على الغداء هذا اليوم، كوني على استعداد لاستقبالهم .

تهيئين طعام الغداء يثني الضيوف على مهارتك:

- كل هذا الاصناف من صنع يديك؟

-  كلها لذيذة، عاشت يداك!

- كم مملة انت! احب ان اسافر! لست مجبرا على اصطحابك!

يطول غيابه ويفترسك القلق فانت تشتاقين له، ولم يترك لك مصروفا للبيت، وهو يعلم ان نقودك نفذت .وان النقود التي جئت بها من راتبك صرفتها على شؤون المنزل،

يتصل بك هاتفيا صديقه عماد:

- ارى انه من واجبي ان اخبرك ان زوجك اختار امرأة له من البلاد التي سافر اليها وقريبا سوف يتزوج!

 تستدينين من صديقتك احلام والنقود قليلة وانت بلا راتب .

- لماذا لا تعودين الى العمل؟

-  سوف اذهب غدا وان كنت اعلم ان مكاني قد شغلته موظفة اخرى .

-  لا بأس اذهبي وحاولي .

-  اسفين، مكانك مشغول!

-  وهل يمكن ان اجد عندكم مكانا اخر؟

-  لقد نصحناك الا تستعجلي في طاعة زوجك وانت لم تبالي بالنصيحة! ساحاول ان اجد لك مكانا اقل كثيرا من مهاراتك، امهليني وقتا،

***

صبيحة شبر

14 آب 2023

حُلمــي وأمنيتي الوحيـدهْ

أنّـي أســافــرُ فــي قصيـدهْ

*

كيما أحسُّ المــــوجَ وهْــــ

ــــوَ يُعانقُ الجُــزرَ البعيــــدهْ

*

كيمـا أرى النجمــات تبْــــ

ـــســمُ في السماواتِ المديــدهْ

*

يا منْ عرفتُ بها الهوى

وحسـوتُ خمــرتــهُ الفريـدهْ

*

يا مَـــنْ هواها قاتلــــي

ووعودهـــــا ليســت أكيــدهْ

*

جدّدتُ حُبــّكِ إنَّ فــــي

تجديـــــدهِ دنيــــا جديــــدهْ

*

هيَ غير دنيــايَ التــي

تحيــــا بها روحي شريــدهْ

*

هرباً من الضجرِ الذي

يبدو بأشكــــــالٍ عديـــــــدهْ

*

هربـاً من الدورانِ في

فلكِ الحكــــــاياتِ البليــــــدهْ

*

شوقاً إلى الزمنِ الجميـ

ــلِ ، إلى السويعاتِ السعيــدهْ

*

هــــذا أوانُ الحبِّ فلْـــ

ـــننْعــمْ بفرصتنــــا الوحيــــدهْ

*

فالعمرُ يمضي مسرعاً

لا نستطيـــــعُ بأنْ نُعيـــــــدهْ

***

جميل حسين السـاعدي

كُتِبَتْ القصيدة بتاريخ

4/12/2023

..........................

*كتبتُ هذه القصيدة اثر استماعي لأغنية السيدة أم كلثوم ( جددت حبك ليه) من كلمات الشاعر أحمد رامي

https://www.youtube.com/watch?v=cTOgUwS6NuQ

يا ضادْ

يا لغةَ العرَبِ الاجدادْ

يا أحلى قيثارةِ إنشادْ

تنسابُ من الاذن الى الروحِ

يا بلسمَ كلِّ جروحِ

يا فجراً...

سافرَ في الآفاقِ وعادْ

*

يا ملهمَ كلّ الابداعْ

يا باني دولٍ وقلاعْ

رفرفَ في أرضٍ وسفوحِ

يا علَماً يهزأ بالريحِ

يا فخراً

يبقى طول الآمادْ

*

يا أحلى ما فينا

يا أزهى ماضينا

يا أشرفَ فتح مفتوحِ

وترانيما في التسبيحِ

بكَ تاريخُ

العْربِ يُشادْ

يا ضادْ

يا ضادْ

يا لغة الاجدادْ

يا احلى قيثارةِ انشادْ

***

الاستاذ الدكتور محمد تقي جون

كم أرتفعَ الرقمُ  اليومَ..؟!!

عفواً لم أسألكمْ

عن سعرِ الدولار الأمريكي

المتوجُ ملكاً أسطورياً

في بورصاتِ العالمِ

ولم اسألكم

أتأثرتْ اسهمُ المودعينَ

في ناسداكِ دبي

بنزلةِ بردٍ حادةٍ

على إمتدادِ  ثمانٍ وخمسين يوماً

في مسلسلِ رعبٍ أمريكي

يحبسُ أنفاسَ العالمِ

لم أسألكمْ

عن أطولِ  برجٍ عملاقٍ  بدبي..

وكم هو متباهٍ على برجٍ

شيدَ قديماً في بابل

فبلبلَ السنةَ القومِ

بل كان سؤالي ياسادةُ

عن  أطفالٍ ضحايا في غزة

هل ارتفعَ العددُ الآنَ

في اليومِ .. الستين

فوقَ الرقمِ المسموح به

في أرشيفِ الأممِ المتحدةِ

ومنظمةِ حقوقِ الإنسانِ

ومحكمةِ العدلِ الأممية

أم أنه حطَّم رقماً قياسياً

لموسوعةِ غينيس العالميةِ

أم ليسَ هناكَ للرقمِ

حداً أعلى أو أدنى

الأمرُ منوطٌ بدرجة أحساس الساسةِ

في البيتِ الأبيضِ

**

أسألكمْ عن رقمٍ

لهذا اليومُ... السبتُ!!!

المتصلُ الحلقاتِ

لم أسألكم أبدا عن أكوامٍ

لأوراقِ الصحفِ المحترقةِ

تجرفها ريحٌ عاتيةٌ

فتطيرُ عالياً

أجنحةٌ سوداءٌ

وتنزلُ للأرضِ ذراتُ رمادٍ

بل كان سؤالي ياسادةُ

كم طفلاً قتلتم هذا اليومُ ..

***

صالح البياتي

لا لن اُسَلِمها صاغراً

إلى حَفَّارِ القُبُورِ

لن اُسِّلمَ دفاتِرَ أشعاري

ففيها حَلِّي وتِرحالي

وفي جنباتٍها عالياً

تَرنٌّ ضحكةُ أبي

وتفوحُ رائحةُ

رَغيفِ خُبزِ التَّنورِ

الَّذي خبزَتهُ

ذاتَ يومٍ أُمي

وبين الصَّفحاتٍ يتردد

صدى صيحاتِ

رِفاق الطُّفولةِ

فوق أرصفةِ حَيِّنا العتيقِ

وتنطلق وشوشات العصافيرِ

المُتواريةِ بين

أغصانِ شَجرةِ التُّوتِ

ومنها تنبعثُ رائحةُ البَخورِ

في الفضاءاتِ

وتتهادى

فوق أمواجِ التَّرانيمِ

لا لن أُهيلُ الترابَ

فوق سُطورِ القصيدةِ

ففيها وجهُ حبيبتي

وكراسَةُ مدرستي

وشطيرةُ الزَّعترِ والزَّيتِ

المُخَبأةِ في حَقيبتي

إفطاراً في فترة استراحتي

لا لن أُبَدِدَ دفاتري

فهي كُلُّ ذاكرتي

وأجملُ ذِكرياتي

مِن دونِها

كيف أُتنشَّقُ شَذى الرَيحانِ

في حديقتِنا الصغيرةٍ

وكيفَ أُمْسِكُ

في الطُّرقاتِ المُخيفةِ

أطرافَ فُستانِ والدتي

وكيف أشعرُ بالأمانِ

إن يَصمتَ أبي

أتُوهُ وتتعَطَّلُ بوصِلَتي

ويَنخرُ النِسيانُ جَسدَ حِكايتي

لن أَرضخَ أبداً إلى مشيئةِ

حَفَّارِ القبُورِ

ولن أجعلَ قصائدي

وليمةً لِدودِ الأرضِ

فينُبذُني زَّماني

وتهجرني ذاتي

وتتبرأ مني ضَيعتي

***

جورج مسعود عازار ستوكهولم السويد

سيّدةٌ مغناجٌ

تعشقُ مَن يُدلّلها

ومن يقيمُ لها

قُدّاسَ الحبِّ

المتوّجِ بالمشاعرِ الجيّاشةِ

تعشقُ مَن يكفكفُ

دمعها

ومَن يطبطبُ على أوجاعها

واذا ما داهمها اليأسُ

تنامُ كطفلةٍ بريئةٍ

في أحضانِ الشّعرِ

تحلمُ بالمجدِ والشُّهرةِ

ثمّ ترقصُ كمجنونةٍ

على رؤوسِ أصابعِ الوجدِ

وعلى شواطىء أمواج المعنى

تمشي ممشوقةَ القوامِ

في الأمسياتِ

لتعبثَ بالعقولِ

والقلوبِ

ساحرةٌ هيَ

إذا ما ظهرتْ

بكاملِ عنفوانها وزينتها

فعناقُ الشِّعرِ

تراتيلُ الألمِ المقدّسِ

حين يضجّ بالحياةِ

يناجي

كلّ اللغاتِ

ويتفرّدُ

بالعشقِ

والحبِّ

والشغفِ

يتفرَّدُ … بالآهاتِ

يخدشُ رقَّةَ المعنى

ويناجي عيونَ الجمالِ

ورقّةَ النّساءِ

ورجولةَ الرّجالِ

وبراءةَ الأطفالِ

والعشبَ حين يختالُ

على الصَّخرِ

يناجي الحقيقةَ

ويزيّنها .. بالمحال

الشعرُ هو الطفلُ

الذي ينامُ

في حضنِ القصيدةِ

ويردّدُ ترنيمتها

بشغفِ الأمومةِ

يتأبطُ ذراعها

ويمشي إلى أقاصي جزالته

هو انبجاسُ الألقِ

من الأعماقِ

للتّعبير

حزناً

وفرحاً

بخيالاتٍ باسقةٍ

في سماءِ المعاني

وبتراكيبَ جزلةٍ

يسافرُ بأجنحةِ الأبداعِ

إلى عالمِ الأبتكار

تقاسيمٌ موسيقيةٌ

بنسيجٍ أخّاذٍ

تأمّلاتٌ

وإسقاطاتٌ

تحاكي الواقعَ

بشغفِ الخيالِ

وعقلٌ جنوني ٌّ

يسجنُ حواسنا

ويلمُّ أرواحنا المبعثرةَ

يستدرجنا

إلى عالمهِ المسحورِ

بلغةٍ من نارٍ ونورٍ

يدغدغُ الرّوحَ

يناجي العقلَ

بالمحسوسِ والملموسِ

والغريبِ والمألوفِ

يخرجُ عن النَّمَطيّةِ

إلى العمقِ والتكثيفِ

والانبهارِ

ويشقُّ الظّلامَ

بضوءِ النَّهارِ

الشّعرُ هو المعنى

والإيحاءُ

والتّرميزُ

والتّجريدُ

مناجاةُ العقلِ الباطنيِّ

والفكرُ الصّافي

تداخلُ الشّعورِ

واللاشعورِ

وتعميقُ أثرِ الإحساسِ

على الحواسِ

وهو

مفرداتٌ خشبيّةٌ

إذا ما غازلتهُ القصيدةُ

بكلِّ مفرداتِ زينتها

وغنجها

وعفّتُها

إذا ما اغتسلَ

بنثراتِ حبرها

وردّدَ صدى همسِها

لأنَّهُ

تداخلُ الواقعِ

بالحلمِ

اصطيادُ النّجومِ

مشاكسةُ السّماءِ

مغازلةُ الشّمسِ

ترصيعُ ضوءِ القمرِ بالبهاءِ

اصطيادَ حوريّاتِ البحرِ

معاكسةُ الكواكبِ

والوقوفُ على الأطلالِ

بسموِّ النّفسِ

والإيثار

ولأنّهُ …

خصوبةُ الخيالِ

إحساسٌ مرهفٌ

مخزونٌ لغويٌ

وافرٌ وغنيٌ

يؤرجحُ المعنى

ويمتطي صهيلَ البوحِ

كفارسٍ أبيٍّ

يمَجِّدُ الأصالةَ

ويناجي عنوانَ القصيدةِ

ليرسمَ أنينَ الرّوحِ

على جدارِ الرّهبَةِ

بحلمٍ نقيٍّ

***

سلام البهية السماوي

ما زالَ يمرُّ  ببالي كلَّ مساءْ

إِنِّي ما زلتُ أرى كلَّ صباحْ

إِمرأةً تُوقِظُنِي

و تُسائِلُنِي:

لِمَ يأخُذُكَ النّومُ طويلاً؟

لِمَ تَتْرُكُنِي

ساهِرَةً، والحزنُ يُبَعْثِرُني؟

*

أتخيَّلُ إنّي

كُنْتُ وحيداً

أتَوغّلُ بالدَّرْبِ بعيداً

لكِنّكِ تأتينَ سريعاً

و تسيرِينَ بِجَنْبي

فأُحِسُّكِ نبضاً

يتردّدُ في الرُّوحِ نشيداً

أُبْصِرُ  وجْهَكِ مُبْتَهِجاً و سعيداً

أُبْصِرُهُ مُبْتَسِماً

فوقَ وجوهِ النّاسِ،

و مُرْتَسِماً ليلَ نهارْ

في بَتَلاتٍ تَنْضَحُ عِطْرا

بَيْنَ خدودِ الأورادِ،

و بَيْنَ شِفاهِ الأزهارْ

*

أتخيَّلُ إنّا

ذاتَ صباحٍ

يَقْطُرُ حُسْنا

كُنّا

دونَ جناحيْنِ نَطِيرْ

فوقَ بساطِ لا يُبْصِرُهُ أحَدٌ

و نظلُّ نطيرُ...

نَطِيرُ...

نَطِيرْ ...

***

شعر: خالد الحلّي

ملبورن - أستراليا

لا حُبَّ لا قُبُلاتْ

لا شِعْرَ لا مشاعرْ

لا أَبيضَ لا أَسودْ

لا نورَ لا ظلامْ

لا ضمائرَ لا مواقفْ

لا حَقَ لا عدالةْ

لا قانونَ لا سياسةْ

لا نفطَ لا محروقات

لا ذهبَ لا فضَّةْ

لا دولارَ لا يورو

لا مسرّاتِ لا أَحزانْ

لا دينارَ لا درهمْ

لا خيرَ لا شَرْ

لا موتَ لا حياةْ

لا وجودَ لا عدمْ

لا شيءَ ... لاشيءَ

لا شيءَ هُنااااااااااا

لا شيءَ هُنااااااااكْ

فماذا لو أَنَّ وحوشَ اللهِ

الذينَ يَدَّعونَ بأَنهم بشرٌ

ماذا سيَحْدَثُ لو أَنَّهُم

قد ضَربوا غَزَّةَ

بقنبلةٍ نوويةْ ؟؟؟

فَهَلْ سيبقى من بعدِها شِعْرٌ؟

وياسمينٌ وتينٌ وزيتونٌ

وعطرٌ ومرايا وكركراتُ أَطفالٍ

وإبتساماتُ أُمّهاتٍ

وأَحلامُ آباءٍ بسطاء؟

وماذا سيكونُ حالُ العالمِ

ومصيرُ الكونِ والخليقةِ

وكيفَ سيكونُ عليهِ

صباحُ اليومِ التالي

لإبادةِ شعبٍ مخدوعٍ

على مدى عشراتِ السنواتِ

بوعودٍ زائفةٍ وعهودٍ كاذبة

بتقريرِ مصيرِ وطنٍ مُسْتلَبٍ

ومُغتَصبٍ بالنارِ والطائراتِ

والخوفِ والذلِّ والدمِ الذي يملأُ المنازلَ

والشوارعَ والحقولَ الجديبةِ

والمُدنَ الكئيبةَ

وبساتينَ الياسمينِ الحزينْ؟

وكيفَ ستنظرُ الصبايا

في عيونِ العشّاقِ المكسورةِ

من فرطِ المَذلَّةِ والخجلِ

والحياءِ الإنهزاميِّ الكسيرِ

وكيفُ سيرى الآباءُ

وجوهَ صغارِهم وتصاويرَأسلافِهم

في المرايا التي كسَّرتْها الشظايا

في ليالي القصفِ والعصفِ

والجحيمِ المُرِّ

والموتِ الرخيصِ

في غَزَّةِ " هاشم "

التي تشبهُ العنقاءَ

إذْ تنهضُ جمراً

ثمَّ نوراً

من رمادِ المَحْرَقةْ

و" هولوكوست" الفجيعةِ

والخديعةِ والفضيحةِ

و" أُولمبيادِ " الدمِ والدموعْ

***

سعد جاسم

2023-11-10

كم أحب رائحة الذئاب في النصوص.

رائحة كتفيك وأنت تحملين فأسا لكسر أفق المتلقي..

رائحة البحر في الكلمات المليئة بالنوارس.

رائحة الأنثى في الجنازة..

كم أحب إيقاع أقدام المتصوفة

في التجربة..

ضجة أصابعك وهي تودع مراكب الفاتحين..

عبور الجسر في العتمة

لطرد الأرواح الشريرة.

التحديق في لوازم الدفن..

في غيمة سيارة الإسعاف..

في نعش يسرد متواليات الوداع..

في نثر البلبل الأسير..

في ريش الميت آخر المساء..

كم أحب الشيء وضده.

فضة الروح وعيدان الجسد.

صفاء الباطن وكثافة الظاهر..

والغناء في الأماكن المعتمة.

***

فتحي مهذب – تونس

يعود ابراهيم الى القرية ككل مساء سبت متأخرا من الثانوية حيث يقضي ساعتين في المراجعة الإضافية مع أستاذ الرياضيات..

نياحة في البيت تفاجئه، عويل، صياح، ولطمات على الخدود والصدور !!..

ضاقت نفس إبراهيم وارتعبت..مَن الميت؟ !!..

وقف وسط البيت مشدوها لا يعرف ما حوله!!

أمه أمامه، تكتفي بدموعها المتسربلة في صمت،والنائحات بعيدا عنها، يناوحنها في غرفة تقابلها، تعلو شهقاتهن ولهن يرتفع لغط وأنين...

والده في غرفة ثانية مع ثلة من الرجال، قلة منهم من عرف، أكثرهم بين محوقل ومشدوه، يتبادلون نظرات الحسرة والحزن وآهات التلهف، رجلان تفردا عن الحضور بسمع ونظر وانشغلا في حديث حماسي حول العروبة والجهاد والدعاء على الأعداء..

قصد إبراهيم والده، عانقه مكتفيا برفع يده تحية سلام للآخرين..

ـ عمك عمران قد مات في باخرة أثناء عودته..

قالها الأب وقد بادرته دموعه بحشرجة خانقة..

ـ الله أكبر !!..هل كان مريضا؟..

تصدر أحد الحضور برد، حسبه إبراهيم ناعي الخبر:

ـ لم يكن يشكو أي شيء، كان من ضمن من قتلوا بعد هجوم لقراصنة يمنيين على باخرة إسرائلية..

يعانق إبراهيم أباه في إشفاق وتعاطف كبير..

يدرك تعلق أبيه بعمه، يكاد يكون توأمه، ازدادا معا في عام واحد.. خيره على اسرة إبراهيم بلاحد..

استطاع عم إبراهيم أن يشق طريقه في عالم المال والأعمال،بعد دراسات عليا معمقة، عكس والد إبراهيم الذي لم ينل غير حظ قليل من تعليم كما بلغه العم الذي كان نبوغه يتبدى من صباه، حتى مراحله الدراسية حركها بالقفز على أكثر من مستوى..نال البكالوريا ورحل الى إسرائيل بتحريض من جدة إبراهيم ذات الأصول اليهودية التي كانت ترى ابنها عمران النابغة الذي يقتفي خطو أخواله متعلقا بالدراسة والعلم، واستطاع أن يجمع بين الدراسة والتجارة في كل شيء، عزيمة، مكنته من تحقيق طموحه في ما يريد الوصول اليه بتشجيع من أمه..

 عكس أخيه البكر الذي كان ميالا لحرفة أبيه وأعمامه، تشبثٌ بالأرض قناعة ورضا بلا طموح. مات جد إبراهيم وبكره يشتغل في حقل هو ما تنازل له عنه الجد في حياته..

وقد استطاعت جدته بكدها أن تبني بالأرض بيتا فيه ازداد أبو إبراهيم وبعده عمران وزريبة لرؤوس أغنام جده القليلة وبقرته وحماره، وسيلة نقله الى السوق الأسبوعي، ذاك كل ما ورثه أبو إبراهيم وعنه تنازل عمه..

 تعوَّد أبو إبراهيم أن يحرث الأرض بما يسد رمق الأسرة من إنتاج قليل..

زلزال ضرب المنطقة في إحدى الليالي فخلف دمارا، ساخت الأرض وقضت على ما تملك الأسرة ومعه هلكت الجدة..

تذكر إبراهيم أخته آمنة، فالمفاجأة قد غيبتنه عن السؤال عنها، بادر أباه:

ـ وآمنة هل كانت معه؟ !!..

ـ آمنة أرجأت رحلتها،فقد كان لها موعد مع إحدى الشركات.

كان عم إبراهيم هو المسؤول عن آمنة، انحازت اليه بعد البكالوريا وتابعت دراستها في شعبة الرياضيات ثم في معهد للطاقة الذرية باقتراح من عمها..

لم يكن عمران متزوجا، فما كان يعرفه إبراهيم عنه إضافة الى طول قامته وجمال محياه أنه زير نساء، ما رآه في مكان الا وهو محاط بالنساء من مختلف الأعمار، عبقٌ بعطره ولهن العشيق، كان يرحمه الله واثق الخطو ضحوكا، يتقن النكتة إتقانه للغات ويتلفظ الشهد.. ذكاء يطول به الحياة كما يطول العلم.. ورغم ماقيل عن نسوانيته فقد كان يحمل قلبا متيما بامرأة وسمت صدره بأثر،فلم يغب عن إبراهيم وهو يرى أنثى بزي قبطان بحري يوم جنازة عمه، تجالس أمه منتحبة متحسرة..

كم أثاره الشبه القوي بين السيدة القبطان وبين أمه..كانتا معا مفاجأة وقراءة لنفسية عمه وما يختزنه في صدره..

كثيرا ما كان أبو إبراهيم يحذر أخاه من ركوب البواخر خصوصا في هذا الوقت بالذات حيث حروب الخليج و طغيان الهجرة السرية وانتشار مراكب الحريك والتهريب والاتجار في البشر، لكن عشق العم للفنادق العائمة، وعلاقته المتينة بربانة إسبانية ذات أصول مغربية جعلته لايتأخر عن اية رحلة تكون المغربية فيها..

كازانوفا، لبق، عاشق،بالنساء مولع، يهوى ركوب البحر..

ـ "السفر في البحر متعة رحلات، سماء تسبي إذا تلألأت نجومها، والبحر رحابة حرية من جميع الجهات،، كما أن راكب البحر يستطيع التجوال في أكثر من بلد خصوصا اذا كان مثلي عاشق نسوان، لا أنظر لدين ولا مذهب،ولا لون أو انتماء وطني، الجمال وفقط الجمال هو الناموس الأسمى.. وهو ما ينحت قلبي بإزميل عشق..

في الأسبوع الثاني بعد الدفن والذي لم يرَ إبراهيم جنازة اكتسحها النساء من مختلف الأوطان وجميع الأعمار كما مرت جنازة عمه، أقبل محامي إسرائيلي ليسلم أباه وثائق وصية أخيه:

نصف ثروته المالية كتبها العم لوالد إبراهيم،أما النصف الثاني فقد كان باسم أم إبراهيم مناصفة مع أخته، مع ملحق على أن ينفق الأب من ثروته على ملجأ القرية ودار المسنين بها..

كان نصيب إبراهيم من عمه بيته في إسرائيل مع مكتب للدراسات شراكة بينه وبين أخته آمنة..

عطية تحرك أكثر من قراءة و تأويل..

كان المحامي يحاول أن يمرر لأخ الفقيد أكثر من معلومة عن حياة العم:

ـ لأول مرة يفكر في كتابة وصيته وكأنه كان يستبطن إحساسا بموته..

وأضاف دون أن يدري إبراهيم هل تعمد المحامي اليهودي ما يبوح به أم يوحي اليهم به:

ـ لم يفكر يوما أن يخلف أصولا تجارية في المغرب، بعد ما بلغه من مافيا العقار هنا من أن أكثر اليهود الذين غادروا المغرب قد تم السطو على أملاكهم..

يقاطع إبراهيم المحامي محتجا:

ـ عمي لم يكن يهوديا ولم يخطر له على بال أن يترك وطنه يوما الا لتجارة،أو استشارات دولية يطلبها قادة ورؤساء مكنته منها معارفه وخبرته، وليس معنى ان تكون جدتي يهودية وقد أسلمت على يدي جدي أن يعتنق ابنها المسلم السني الدين اليهودي..

بسمة خبث يرسمها المحامي على محياه فيقول:

أعتذر سيدي، لا اقصد ما ذهبت اليه، نحن اليهود نعتبر الام هي الأصل في النسب والدين والمبدأ، وعمك لم يتحدث يوما عن إسلام جدتك، ولك أجزم أن عمك كان انسانيَّ النزعة فوق كل الديانات وتلك عبقريته وأسباب تفوقه

 و قمة علاقاته الممتازة مع الجميع..

تطلع أبو إبراهيم الى ابنه بنظرة ذات معنى تلزمه الصمت..

كان إبراهيم دوما يضع أباه وعمه موضع مقارنة، أخوان كالتوأم، لكن كانت لكل منهما ميولاته وتعلقاته، أبوه إبراهيم كان اقرب الى جده ايمانا بإسلامه و قناعة بالأرض التي يفلحها وبها يتمسك بالرغم من عطائها القليل، لكن من عيوبه: تسرعه، و بناء أحكام شمولية مسبقة كثيرا ما كان يقف على خطئها، كان يحب أن يسيطر على كل شيء ولا يُحكِّم غير رأيه،فقد أصر على أن يتابع ابنه دراسته في شعبة أدبية حتى يتخصص في العلوم الدينية فوقفت له زوجته بالمرصاد ولم يتنازل الا بعد ان هددته بالطلاق:

ـ انك تحاول أن تهدم طموح ابني وقدراته، الحياة لم تعد ما تأثرت به أنت لتعصبك والتصاقك بقالب جاهز وسهل كنت اليه مطمئنا نفسيا وروحيا، الحياة جهاد، وابني يملك القدرة والوسائل..

كان العم عمران رجلا برغماتيا معتدلا،يفكر في نفسه دون نسيان غيره، بعيدا عن الانغلاق والمثالية،يرفض التسلط والشمولية،الأديان في مفهومه من نبع واحد لهذا فهي وسيلة للتربية والسلوك وعدم الشرك بوحدانية الله بلاسبب للعصبية والصراعات، والله حين خاطب أنبياءه:"آسلمتم" لم يعين أسبقية مسلم عن مسلم إلا بالتقوى..

في الأسابيع التي تلت الجنازة كان إبراهيم يلاحظ انشغال أبيه بشيء، كان زائغ النظرات كمن يستبطن سرا أو يحمل هما،كأنَّ وصية أخيه قد حركت في صدره أمرا دفينا. لم تكن عقبة الرحيل الى إسرائيل ليتسلم إرث أخيه هي ما يشغله لكن أمرا غيره كان يشده بتفكير خصوصا حين يحادث أم إبراهيم عن نصيبها وما تنوي القيام به،فيأتي ردها:

ولماذا لا أسافر؟ بنتي هناك ولي أكبر حجة.. لن تقمطني غربة !!.. حاول أنت أن تتحرك فبيت أخيك فسيح كبير كما أخبرتني آمنة و الثروة التي تركها لك قادرة أن تغير تفكيرك وتعيد تقويم نفسك وستجد أكثر من مساعد وعون يشقون لك طريق غناك إذا أردت أن توظف رصيد بنكك الجديد،المهم أن تلين وتؤمن بذرائعية الحياة.. وتجدد نظراتك الى وجودك الحاضر الذي أمامك،لا ذلك الذي يقيدك بحبل وهمي، لاتنس أن لك بنتا تشبه عمها، ذكاء و قدرة على الخلق والابداع،كما لك ابنا صاعدا مثلهما..

ثورة غضب يحبسها أبو إبراهيم في صدره من كلمات زوجته، يخشى إبراهيم أن تفور من لسانه أبيه ويديه، وقد فعلها مرة في عهد جدة إبراهيم فمنعته من زيارتها وحرمت عليه وجهها شهرا كاملا الى أن تدخلت أم إبراهيم متنازلة..

 حين كان يسأل أبو إبراهيم ابنه عن مدى اقتناعه بما فعله عمه وهل هو به سعيد؟كان إبراهيم لا يجرؤ أن يقول له:

ـ تعمد عمي ان يربطني بمكتبه هناك لأقتفي أثره، و لتظل قدم مغربية مستمرة راسخة قلب إسرائيل كما هي راسخة في أكثر من بقعة أرضية يتمكن بها نشر حضارة عريقة قد تسود العالم..

لكن إبراهيم كان يكتفي بواجهة الحقيقة:

ـ ربما كان واثقا من قدراتي على العمل هناك أو ربما ثقة بأختي التي كان يحبها لشبهها به ذكاء وطموحا وميلها الكبير بقد جدتي جمالا وأنوثة، وأرادني أن أكون لها مؤنسا ورفيقا وهي لي قدوة..

لم يكن يغيب عن إبراهيم إيمان عمران عمه بالعمل الجماعي وحب المغامرة،كما أن مفهوم الوطن لدى عمران لم يكن الرقعة التي ولد فيها المرء، فكل رقعة يستطيع فيها الانسان أن يحس بالانتماء، يطور قدراته، ويكسب رزقه ويحصل فيها على جنسية ذلك هو وطنه..

سوء تفاهم أم إبراهيم وأبيه كان شيئا مألوفا لديه، فارق السن وتباين التنشئة والكم المعرفي بينهما، كما أن أم إبراهيم كانت تحركها إحساسات إعجاب بعمه قبل زواجها من أبيه، لكن امتناع أبيها ورفضه القاطع أن تسافر بنته الى إسرائيل كزوجة، فجَّر طمع والد إبراهيم نحوها، فتمناها لجمالها وقدها واليها قد شدته رغبة، تزوجها بعد تدخل أكثر من شخصية كبيرة في القرية وبعد استئذان من أخيه الذي نصح والد إبراهيم بكل تلقائية:

ـ بادر قبل أن يخطفها منك غريب عن القرية،جمال وخلق ووعي..

كانت أكثر الخصومات تحتد بين الأم والأب حين يكون عم إبراهيم في زيارتهم، لكن كل ذلك لم يكن ليؤثر على علاقة الأخ بأخيه و على قوة رابطة الحب التي توحدهما بألفة متينة،والتي أسستها جدة إبراهيم على الحب والحنان وتبادل الاحترام بين الأخوين، فعمران عند زيارته لم يكن يدخل بيت أخيه الا لغذاء أو عشاء ولا يمكث أكثر من يوم أو يومين لانه ظل يحتفظ بجناح والدته ضمن بيت العائلة..

وحدث ما جعل إبراهيم على وشك كراهية أبيه، فنظرات الأب الزائغة واستغراقه في تفكيرطويل كان وسواسا يحرك عقله بتخريف، كان الأب يشك في أبوته لابنه وقد أدرك إبراهيم ذلك من غياب أمه الذي لم يألفه، فوصية العم أقامت في نفس الأب حرائق..

حين كان يسأل أباه عن سبب غياب أمه كان رد الأب يأتي على غير حقيقة ما يبطن رغم أن أم إبراهيم قد ضبطت الحجة،صوَّرتها وحملتها معها الى بيت أبيها:

ـ أمك اغتنت بعد أن نالت وصية عمك لهذا شرعت تلح في الذهاب الى إسرائيل متفلسفة بتبريرات الديموقراطية والفائدة، والاقتصاد الحر، وتلبية اهتماماتكم وحاجاتكم العلمية التي تأخذ باهتماماتها.وحين عارضتها غضبت وهي الآن في بيت والدها..

هل الغيرة ما يأكل قلب أبيه؟ أم الشك الذي يوسوس في صدره؟.. ربما !!..

إبراهيم قد رأى الدليل يوم جنازة عمه لكن حاشا أن يشك او تتملكه ذرة من سوء الظن، قد يكون عمه قد تعلق يوما بأمه، تمناها زوجة لكن هيهات أن يصل التعلق الى درجة الخيانة!!..

أخذ الأب شعيرات من مشط الابن وقام بتحليل DNA وكانت النتيجة أن إبراهيم متخلق من ماء أبيه لاغيره..

أصرت أم إبراهيم الا تعود الى البيت الا بعد أن تعود بنتها ويتم معها ماقام به الأب مع إبراهيم..

ـ هذا لا يستلزم هذه الفضيحة خصوصا مع أختي وهي من عارضت وبشدة رغبة أبي للاكتفاء بالدراسة في وطنها، فأي ثوب لها قد يفي بالغرض إذا أراد أبي أن يسترسل في غيه..

عاد إبراهيم الى البيت بعد أن استعصى عليه اقناع أمه بعودتها، أول عمل قام به أنه وضع تحت تصرف أبيه مشطا لاخته وجده في حقيبة بدولابها..

بهت الأب، وصار يهتز غضبا:

ـ من أباح لك أن تبحث في ماليس لك وتتحدث فيما لا يهمك؟

ـ يهمني وأكثر يا أبي، لم ابحث ولكن أردت أن أمكنك من اليقين أني لست ابن زانية ولا خائنة عشرة..

 وحده الماضي يشغلك ياأبي، أما الحاضر فعن عقلك غائب !!..

أهذا جزاء عمي فيك وفي أبنائك؟.. أكره أن تغيب لك حقيقة وعي..

نسيت ياأبي.. فعذرك !!..خوفي عليك من كسر،وأنت من يردد دوما:

"من الحزم سوء الظن "

خرج إبراهيم وصدى الباب من غضب يصفق خلفه، يستغفر الله لما بدر منه بعد أن ترك أباه يغلي..

كان يعلم قسوته على والده،لكن كيف يحتمل وأبوه من يجرده من أبوته بشك؟ وفي من؟ في عمه الذي كان الجميع لديه نَفَسه الصاعد النازل.. عمه الذي أعاد أخاه الى سكة الغنى بعد أن فقد كل شيء، الأخ الذي صارت ترشقه عيون الحسد في قرية كان لا يملك فيها غير حقل ثم صار بفضل أخيه هو من يتوسل الزراع جراراته لحرث بقعهم ؛ وصار منتوج أرض الاسرة يكاد يغطي أسواق المنطقة التي يوجدون بها.. عمه الذي سهر على تعليمهم وأداء كل الواجبات سنويا،المهم الا يتقاعس أحدهم عن الدراسة وان ينتبهوا الى المستقبل بكل وعي وتبصر وعقلانية..

قد تختلف المجتمعات في معتقداتها وقيمها باختلاف الثقافات التي تشيع فيها لكن أن يتباين أخوان الى درجة الشك فهذا مايؤرق حقا.. كان أبو إبراهيم وعمه متباينين على مستوى السياقات المعرفية وبنيتهما النفسية فبقدر ما كانت الدراسة تحرر العم فكريا ومعرفيا، و تشحذه الاسفار والرحلات ودعوات الرؤساء بتجارب ومعرفة بالناس، كان الأب مشدودا الى أنماط مجتمع شبه مغلق يصاحب أباه الى حقله، يتشرب من تقاليد البادية ومتابعة الرعاة وأنظمة للحرث والرعي عتيقة..

حاول الأب بكل ما يتمتع به من احترام وتقدير لدى جد إبراهيم لأمه أن يعيد المياه الى مجاريها بينه وبين أم إبراهيم التي أصرت الا تعود الى البيت الا بعد أن ترى نتيجة تحاليل DNA بين الأب وبنته آمنة..

كانت في الواقع تريد ان تقطع شكه من جذوره وكما قالت:

ـ عند كل سوء تفاهم يقع بيننا ومهما كانت تفاهته الا ويرميني بشكوكه وان كانت مغلفة، وينسى أني من أصول عريقة صافية بانتساب الى الدوحة النبوية وليس في عروقي دس ولا لعنة متوارثة..

كان إبراهيم يدرك ايماءات أمه التي كانت تحرق صدره فيعيب عليها ما تقصد لان جدته لابيه أسلمت عن يقين، قرأت القرآن بوعي فصار لها خلق عقل ووجود، أكثر بكثير من غيرها ممن يلغطون به أو يحملونه كحمار يحمل أسفارا بلا فهم ولا إدراك، كانت يرحمها الله لفة قطن، جمال، سماحة،ووداعة، عاشت في قرية جل سكانها مسلمين،أسرتها كانت تتعايش بتآخ وحب ومودة،رآها جد إبراهيم و بها قد تعلق،ولم يتم "كيتوباه "(كتاب عقده عليها) الا بعد يمين ألا يتزوج عليها ولا يطلقها أبدا..أحبته حبا جارفا، وأسلمت قبل أن تدخل بيته رغم ما لحقها من لعنات أهلها..

عادت آمنة في زيارة قصيرة طالبة توكيلا عاما حتى تستطيع التصرف في كل ماتركه عمها ولهم قد ورَّثه وهو كثير، وقد أبلغت أباها أنها كلفت محاميا ضليعا بجميع المعاملات التي تحتاج الى توقيع أبيها ليباشر رقابته بعدها لانها حصلت على منصب مشرفة مساعدة على برنامج نووي و قد يشغلها عملها عن متابعة مصالح ما ورثه أبوها..

استطاع إبراهيم مع أخته أن يعيدا المياه الى مجاريها بين أمهما وابيهما بعد أن تيقن الأب أن أخاه بعيد عن سوء ظنه وتأويلاته الطوباوية دون أن تلم آمنة بما وقع وما اقترفه الأب من سوء ظن في حق أبنائه وزوجته، لكن المفاجأة كانت اعلان الأب رفضه التام وبإصرار أن يترك وطنا هو مثوى والديه،فيه ازداد وترعرع وأن زوجته إذا أرادت السفر مع ابنيه فلن يمنعها، بل يرفض أن تطأ رجله أرض قوم من خالطهم فهو منهم..

حرقة اتهام الأم كانت نارا أبت أن تنطفئ في صدرها، كانت تحملها لعنة تئد شرفها وعفتها ووفاء صانت به كرامة زوج رغم ميولات لاتنكرها لأخيه الذي رفض أبوها تزويجها له بسبب إقامته في دولة اليهود ولكن لن تصل أبدا لتحريم عشرتها، كتبت له إذنا موثقا لزواجه متى أراد في غيابها. ودسته بين وثائق أملاكه..

أعد الأب وكالة مفوضة لآمنة للتصرف وطلب منها العمل على تحويل أمواله الى وطنه ولها الخيار ان تفعل ماشاءت بما تبقى..

ـ أنا أصلا لست في حاجة لأي شيء فمما لدي كفايتي..

***

محمد الدرقاوي ـ المغرب

كانَ للفجرِ لونُ آلبَنَفسَجِ

وللغروبِ لونٌ البرتقالْ

وللّيلِ لونُ آلسّهَرْ

والآن ...

للفجرِ لونُ آلخَبَرْ

وللغروبِ لونُ آلشّحوبِ

وللّيلِ لونُ آلضّجَرْ

*

كانَ للنّاسِ لونُ قُمصانِهِم

إذْ تَقُصُّ حكايا آلمرايا

ورذاذُ آلعُطورْ....

يداعِبُ بسمَةً من حبورْ

جاسَها صوتُ فيروز...

قبلَ آلفُطورْ

وآلأن....

للنّاسِ لونُ أوجاعِهِم

وجوهٌ بها عصرةٌ من وجومْ

وشِفاهٌ تنزُّ الهموم

*

كانَ للحُزنِ لونُ آلزَّعَلْ

إذْ كانَ خَصماً نبيلاً

لمْ يترُكْ صاحِبَهُ كالجثَّةِ آلطافية

والان؟؟؟

يستَهلِكُ آلعافية

*

كانَ للجّوعِ لونُ آلقناعَةِ

لفقيرٍ شديدِ آلوَرَعْ

والآن؟؟؟

يسكنُ آلروحَ .....

عندَ آلشَّبَعْ !!!!

الآن؟؟؟

للجّوعِ لونُ آلطَّمَعْ

*

كانَ للحُبِّ أُغنيةٌ حاضِرةْ

لعبد آلحليم

وفيروز

وعبد آلوهابْ

وللنَفسِ أمنيةٌ هادرةْ

تكافحُ ضدَّ آليبابْ

وللرّوحِ أنشودةٌ ثائرةْ

والآن ..........

حلَّ آلخرابْ

***

احمد فاضل فرهود

 

لم يكن بوسعي

ان احصى دقات الوقت الرتيب

الذي مر من هنا

ولم يعبأ بساعة الحائط المعطلة

2

صرت كمصباح متدلي

من السقف

اتسلق ضوء شمعة مختنقة

واتوق للوصول الى هالة الشمس

3

ما احوجني لطاقية الاخفاء

احاول الانفلات

الى مدارات تتأرجح

بين العتمة والنور

4

ثم ماذا سأفعل

بقصيدة متمردة على القوافي

انا الآن في حيرة من امري

وما جدوى كتابة قصيدة

لا تشبه مزاجي

5

تلك القصيدة التي لم اكتبها بعد

فهي  ليست لي

ومعانيها لا تعنيني

ما انا الا شاعرمجهول

يكتب خربشاته

بلا سابق انذار

6

ما اكثر حروب طواحن الماء

التي لا تنتهي

فهي مجرد فوضى ومناورات

في حظيرة الاشباح الزئبقية

7

كنت كمن اخرجوه

من تحت الانقاض

بعد زلزال عنيف

مقوسا كالمنجل

الاعب حظوظي

والملم احلامي

لعل "فلاش باك" من حياتي

يعيدني الى عتبات

لم تطئها اقدام الذكريات

8

كيف لي ان اتمخض

وانا طفل يرفض الفطام

في رحم امه

التي لا تعرفني

9

وحيدا ابحث تحت انقاض الكلمات

عن حروف غير موجودة بين السطور

وافتش في الكراسة المتآكلة

التي يلقيها التلميذ الكسول

في قمامة المدرسة

عن اسباب الرسوب والنجاح

في امتحان الحياة

10

اود ان احكي عن ماذا حل بي

يوما ما ربما ساكتب شعرا

يرقص على أناته

مجاذيب الطريقة الفراهيدية

وسأسكب كل مشاعري

لمن لا يقرأ ولا يكتب

لعلي انال بها اجرا

واكون من المقربين

***

بن يونس ماجن

في نصوص اليوم