نصوص أدبية

نصوص أدبية

كم أحب رائحة الذئاب في النصوص.

رائحة كتفيك وأنت تحملين فأسا لكسر أفق المتلقي..

رائحة البحر في الكلمات المليئة بالنوارس.

رائحة الأنثى في الجنازة..

كم أحب إيقاع أقدام المتصوفة

في التجربة..

ضجة أصابعك وهي تودع مراكب الفاتحين..

عبور الجسر في العتمة

لطرد الأرواح الشريرة.

التحديق في لوازم الدفن..

في غيمة سيارة الإسعاف..

في نعش يسرد متواليات الوداع..

في نثر البلبل الأسير..

في ريش الميت آخر المساء..

كم أحب الشيء وضده.

فضة الروح وعيدان الجسد.

صفاء الباطن وكثافة الظاهر..

والغناء في الأماكن المعتمة.

***

فتحي مهذب – تونس

يعود ابراهيم الى القرية ككل مساء سبت متأخرا من الثانوية حيث يقضي ساعتين في المراجعة الإضافية مع أستاذ الرياضيات..

نياحة في البيت تفاجئه، عويل، صياح، ولطمات على الخدود والصدور !!..

ضاقت نفس إبراهيم وارتعبت..مَن الميت؟ !!..

وقف وسط البيت مشدوها لا يعرف ما حوله!!

أمه أمامه، تكتفي بدموعها المتسربلة في صمت،والنائحات بعيدا عنها، يناوحنها في غرفة تقابلها، تعلو شهقاتهن ولهن يرتفع لغط وأنين...

والده في غرفة ثانية مع ثلة من الرجال، قلة منهم من عرف، أكثرهم بين محوقل ومشدوه، يتبادلون نظرات الحسرة والحزن وآهات التلهف، رجلان تفردا عن الحضور بسمع ونظر وانشغلا في حديث حماسي حول العروبة والجهاد والدعاء على الأعداء..

قصد إبراهيم والده، عانقه مكتفيا برفع يده تحية سلام للآخرين..

ـ عمك عمران قد مات في باخرة أثناء عودته..

قالها الأب وقد بادرته دموعه بحشرجة خانقة..

ـ الله أكبر !!..هل كان مريضا؟..

تصدر أحد الحضور برد، حسبه إبراهيم ناعي الخبر:

ـ لم يكن يشكو أي شيء، كان من ضمن من قتلوا بعد هجوم لقراصنة يمنيين على باخرة إسرائلية..

يعانق إبراهيم أباه في إشفاق وتعاطف كبير..

يدرك تعلق أبيه بعمه، يكاد يكون توأمه، ازدادا معا في عام واحد.. خيره على اسرة إبراهيم بلاحد..

استطاع عم إبراهيم أن يشق طريقه في عالم المال والأعمال،بعد دراسات عليا معمقة، عكس والد إبراهيم الذي لم ينل غير حظ قليل من تعليم كما بلغه العم الذي كان نبوغه يتبدى من صباه، حتى مراحله الدراسية حركها بالقفز على أكثر من مستوى..نال البكالوريا ورحل الى إسرائيل بتحريض من جدة إبراهيم ذات الأصول اليهودية التي كانت ترى ابنها عمران النابغة الذي يقتفي خطو أخواله متعلقا بالدراسة والعلم، واستطاع أن يجمع بين الدراسة والتجارة في كل شيء، عزيمة، مكنته من تحقيق طموحه في ما يريد الوصول اليه بتشجيع من أمه..

 عكس أخيه البكر الذي كان ميالا لحرفة أبيه وأعمامه، تشبثٌ بالأرض قناعة ورضا بلا طموح. مات جد إبراهيم وبكره يشتغل في حقل هو ما تنازل له عنه الجد في حياته..

وقد استطاعت جدته بكدها أن تبني بالأرض بيتا فيه ازداد أبو إبراهيم وبعده عمران وزريبة لرؤوس أغنام جده القليلة وبقرته وحماره، وسيلة نقله الى السوق الأسبوعي، ذاك كل ما ورثه أبو إبراهيم وعنه تنازل عمه..

 تعوَّد أبو إبراهيم أن يحرث الأرض بما يسد رمق الأسرة من إنتاج قليل..

زلزال ضرب المنطقة في إحدى الليالي فخلف دمارا، ساخت الأرض وقضت على ما تملك الأسرة ومعه هلكت الجدة..

تذكر إبراهيم أخته آمنة، فالمفاجأة قد غيبتنه عن السؤال عنها، بادر أباه:

ـ وآمنة هل كانت معه؟ !!..

ـ آمنة أرجأت رحلتها،فقد كان لها موعد مع إحدى الشركات.

كان عم إبراهيم هو المسؤول عن آمنة، انحازت اليه بعد البكالوريا وتابعت دراستها في شعبة الرياضيات ثم في معهد للطاقة الذرية باقتراح من عمها..

لم يكن عمران متزوجا، فما كان يعرفه إبراهيم عنه إضافة الى طول قامته وجمال محياه أنه زير نساء، ما رآه في مكان الا وهو محاط بالنساء من مختلف الأعمار، عبقٌ بعطره ولهن العشيق، كان يرحمه الله واثق الخطو ضحوكا، يتقن النكتة إتقانه للغات ويتلفظ الشهد.. ذكاء يطول به الحياة كما يطول العلم.. ورغم ماقيل عن نسوانيته فقد كان يحمل قلبا متيما بامرأة وسمت صدره بأثر،فلم يغب عن إبراهيم وهو يرى أنثى بزي قبطان بحري يوم جنازة عمه، تجالس أمه منتحبة متحسرة..

كم أثاره الشبه القوي بين السيدة القبطان وبين أمه..كانتا معا مفاجأة وقراءة لنفسية عمه وما يختزنه في صدره..

كثيرا ما كان أبو إبراهيم يحذر أخاه من ركوب البواخر خصوصا في هذا الوقت بالذات حيث حروب الخليج و طغيان الهجرة السرية وانتشار مراكب الحريك والتهريب والاتجار في البشر، لكن عشق العم للفنادق العائمة، وعلاقته المتينة بربانة إسبانية ذات أصول مغربية جعلته لايتأخر عن اية رحلة تكون المغربية فيها..

كازانوفا، لبق، عاشق،بالنساء مولع، يهوى ركوب البحر..

ـ "السفر في البحر متعة رحلات، سماء تسبي إذا تلألأت نجومها، والبحر رحابة حرية من جميع الجهات،، كما أن راكب البحر يستطيع التجوال في أكثر من بلد خصوصا اذا كان مثلي عاشق نسوان، لا أنظر لدين ولا مذهب،ولا لون أو انتماء وطني، الجمال وفقط الجمال هو الناموس الأسمى.. وهو ما ينحت قلبي بإزميل عشق..

في الأسبوع الثاني بعد الدفن والذي لم يرَ إبراهيم جنازة اكتسحها النساء من مختلف الأوطان وجميع الأعمار كما مرت جنازة عمه، أقبل محامي إسرائيلي ليسلم أباه وثائق وصية أخيه:

نصف ثروته المالية كتبها العم لوالد إبراهيم،أما النصف الثاني فقد كان باسم أم إبراهيم مناصفة مع أخته، مع ملحق على أن ينفق الأب من ثروته على ملجأ القرية ودار المسنين بها..

كان نصيب إبراهيم من عمه بيته في إسرائيل مع مكتب للدراسات شراكة بينه وبين أخته آمنة..

عطية تحرك أكثر من قراءة و تأويل..

كان المحامي يحاول أن يمرر لأخ الفقيد أكثر من معلومة عن حياة العم:

ـ لأول مرة يفكر في كتابة وصيته وكأنه كان يستبطن إحساسا بموته..

وأضاف دون أن يدري إبراهيم هل تعمد المحامي اليهودي ما يبوح به أم يوحي اليهم به:

ـ لم يفكر يوما أن يخلف أصولا تجارية في المغرب، بعد ما بلغه من مافيا العقار هنا من أن أكثر اليهود الذين غادروا المغرب قد تم السطو على أملاكهم..

يقاطع إبراهيم المحامي محتجا:

ـ عمي لم يكن يهوديا ولم يخطر له على بال أن يترك وطنه يوما الا لتجارة،أو استشارات دولية يطلبها قادة ورؤساء مكنته منها معارفه وخبرته، وليس معنى ان تكون جدتي يهودية وقد أسلمت على يدي جدي أن يعتنق ابنها المسلم السني الدين اليهودي..

بسمة خبث يرسمها المحامي على محياه فيقول:

أعتذر سيدي، لا اقصد ما ذهبت اليه، نحن اليهود نعتبر الام هي الأصل في النسب والدين والمبدأ، وعمك لم يتحدث يوما عن إسلام جدتك، ولك أجزم أن عمك كان انسانيَّ النزعة فوق كل الديانات وتلك عبقريته وأسباب تفوقه

 و قمة علاقاته الممتازة مع الجميع..

تطلع أبو إبراهيم الى ابنه بنظرة ذات معنى تلزمه الصمت..

كان إبراهيم دوما يضع أباه وعمه موضع مقارنة، أخوان كالتوأم، لكن كانت لكل منهما ميولاته وتعلقاته، أبوه إبراهيم كان اقرب الى جده ايمانا بإسلامه و قناعة بالأرض التي يفلحها وبها يتمسك بالرغم من عطائها القليل، لكن من عيوبه: تسرعه، و بناء أحكام شمولية مسبقة كثيرا ما كان يقف على خطئها، كان يحب أن يسيطر على كل شيء ولا يُحكِّم غير رأيه،فقد أصر على أن يتابع ابنه دراسته في شعبة أدبية حتى يتخصص في العلوم الدينية فوقفت له زوجته بالمرصاد ولم يتنازل الا بعد ان هددته بالطلاق:

ـ انك تحاول أن تهدم طموح ابني وقدراته، الحياة لم تعد ما تأثرت به أنت لتعصبك والتصاقك بقالب جاهز وسهل كنت اليه مطمئنا نفسيا وروحيا، الحياة جهاد، وابني يملك القدرة والوسائل..

كان العم عمران رجلا برغماتيا معتدلا،يفكر في نفسه دون نسيان غيره، بعيدا عن الانغلاق والمثالية،يرفض التسلط والشمولية،الأديان في مفهومه من نبع واحد لهذا فهي وسيلة للتربية والسلوك وعدم الشرك بوحدانية الله بلاسبب للعصبية والصراعات، والله حين خاطب أنبياءه:"آسلمتم" لم يعين أسبقية مسلم عن مسلم إلا بالتقوى..

في الأسابيع التي تلت الجنازة كان إبراهيم يلاحظ انشغال أبيه بشيء، كان زائغ النظرات كمن يستبطن سرا أو يحمل هما،كأنَّ وصية أخيه قد حركت في صدره أمرا دفينا. لم تكن عقبة الرحيل الى إسرائيل ليتسلم إرث أخيه هي ما يشغله لكن أمرا غيره كان يشده بتفكير خصوصا حين يحادث أم إبراهيم عن نصيبها وما تنوي القيام به،فيأتي ردها:

ولماذا لا أسافر؟ بنتي هناك ولي أكبر حجة.. لن تقمطني غربة !!.. حاول أنت أن تتحرك فبيت أخيك فسيح كبير كما أخبرتني آمنة و الثروة التي تركها لك قادرة أن تغير تفكيرك وتعيد تقويم نفسك وستجد أكثر من مساعد وعون يشقون لك طريق غناك إذا أردت أن توظف رصيد بنكك الجديد،المهم أن تلين وتؤمن بذرائعية الحياة.. وتجدد نظراتك الى وجودك الحاضر الذي أمامك،لا ذلك الذي يقيدك بحبل وهمي، لاتنس أن لك بنتا تشبه عمها، ذكاء و قدرة على الخلق والابداع،كما لك ابنا صاعدا مثلهما..

ثورة غضب يحبسها أبو إبراهيم في صدره من كلمات زوجته، يخشى إبراهيم أن تفور من لسانه أبيه ويديه، وقد فعلها مرة في عهد جدة إبراهيم فمنعته من زيارتها وحرمت عليه وجهها شهرا كاملا الى أن تدخلت أم إبراهيم متنازلة..

 حين كان يسأل أبو إبراهيم ابنه عن مدى اقتناعه بما فعله عمه وهل هو به سعيد؟كان إبراهيم لا يجرؤ أن يقول له:

ـ تعمد عمي ان يربطني بمكتبه هناك لأقتفي أثره، و لتظل قدم مغربية مستمرة راسخة قلب إسرائيل كما هي راسخة في أكثر من بقعة أرضية يتمكن بها نشر حضارة عريقة قد تسود العالم..

لكن إبراهيم كان يكتفي بواجهة الحقيقة:

ـ ربما كان واثقا من قدراتي على العمل هناك أو ربما ثقة بأختي التي كان يحبها لشبهها به ذكاء وطموحا وميلها الكبير بقد جدتي جمالا وأنوثة، وأرادني أن أكون لها مؤنسا ورفيقا وهي لي قدوة..

لم يكن يغيب عن إبراهيم إيمان عمران عمه بالعمل الجماعي وحب المغامرة،كما أن مفهوم الوطن لدى عمران لم يكن الرقعة التي ولد فيها المرء، فكل رقعة يستطيع فيها الانسان أن يحس بالانتماء، يطور قدراته، ويكسب رزقه ويحصل فيها على جنسية ذلك هو وطنه..

سوء تفاهم أم إبراهيم وأبيه كان شيئا مألوفا لديه، فارق السن وتباين التنشئة والكم المعرفي بينهما، كما أن أم إبراهيم كانت تحركها إحساسات إعجاب بعمه قبل زواجها من أبيه، لكن امتناع أبيها ورفضه القاطع أن تسافر بنته الى إسرائيل كزوجة، فجَّر طمع والد إبراهيم نحوها، فتمناها لجمالها وقدها واليها قد شدته رغبة، تزوجها بعد تدخل أكثر من شخصية كبيرة في القرية وبعد استئذان من أخيه الذي نصح والد إبراهيم بكل تلقائية:

ـ بادر قبل أن يخطفها منك غريب عن القرية،جمال وخلق ووعي..

كانت أكثر الخصومات تحتد بين الأم والأب حين يكون عم إبراهيم في زيارتهم، لكن كل ذلك لم يكن ليؤثر على علاقة الأخ بأخيه و على قوة رابطة الحب التي توحدهما بألفة متينة،والتي أسستها جدة إبراهيم على الحب والحنان وتبادل الاحترام بين الأخوين، فعمران عند زيارته لم يكن يدخل بيت أخيه الا لغذاء أو عشاء ولا يمكث أكثر من يوم أو يومين لانه ظل يحتفظ بجناح والدته ضمن بيت العائلة..

وحدث ما جعل إبراهيم على وشك كراهية أبيه، فنظرات الأب الزائغة واستغراقه في تفكيرطويل كان وسواسا يحرك عقله بتخريف، كان الأب يشك في أبوته لابنه وقد أدرك إبراهيم ذلك من غياب أمه الذي لم يألفه، فوصية العم أقامت في نفس الأب حرائق..

حين كان يسأل أباه عن سبب غياب أمه كان رد الأب يأتي على غير حقيقة ما يبطن رغم أن أم إبراهيم قد ضبطت الحجة،صوَّرتها وحملتها معها الى بيت أبيها:

ـ أمك اغتنت بعد أن نالت وصية عمك لهذا شرعت تلح في الذهاب الى إسرائيل متفلسفة بتبريرات الديموقراطية والفائدة، والاقتصاد الحر، وتلبية اهتماماتكم وحاجاتكم العلمية التي تأخذ باهتماماتها.وحين عارضتها غضبت وهي الآن في بيت والدها..

هل الغيرة ما يأكل قلب أبيه؟ أم الشك الذي يوسوس في صدره؟.. ربما !!..

إبراهيم قد رأى الدليل يوم جنازة عمه لكن حاشا أن يشك او تتملكه ذرة من سوء الظن، قد يكون عمه قد تعلق يوما بأمه، تمناها زوجة لكن هيهات أن يصل التعلق الى درجة الخيانة!!..

أخذ الأب شعيرات من مشط الابن وقام بتحليل DNA وكانت النتيجة أن إبراهيم متخلق من ماء أبيه لاغيره..

أصرت أم إبراهيم الا تعود الى البيت الا بعد أن تعود بنتها ويتم معها ماقام به الأب مع إبراهيم..

ـ هذا لا يستلزم هذه الفضيحة خصوصا مع أختي وهي من عارضت وبشدة رغبة أبي للاكتفاء بالدراسة في وطنها، فأي ثوب لها قد يفي بالغرض إذا أراد أبي أن يسترسل في غيه..

عاد إبراهيم الى البيت بعد أن استعصى عليه اقناع أمه بعودتها، أول عمل قام به أنه وضع تحت تصرف أبيه مشطا لاخته وجده في حقيبة بدولابها..

بهت الأب، وصار يهتز غضبا:

ـ من أباح لك أن تبحث في ماليس لك وتتحدث فيما لا يهمك؟

ـ يهمني وأكثر يا أبي، لم ابحث ولكن أردت أن أمكنك من اليقين أني لست ابن زانية ولا خائنة عشرة..

 وحده الماضي يشغلك ياأبي، أما الحاضر فعن عقلك غائب !!..

أهذا جزاء عمي فيك وفي أبنائك؟.. أكره أن تغيب لك حقيقة وعي..

نسيت ياأبي.. فعذرك !!..خوفي عليك من كسر،وأنت من يردد دوما:

"من الحزم سوء الظن "

خرج إبراهيم وصدى الباب من غضب يصفق خلفه، يستغفر الله لما بدر منه بعد أن ترك أباه يغلي..

كان يعلم قسوته على والده،لكن كيف يحتمل وأبوه من يجرده من أبوته بشك؟ وفي من؟ في عمه الذي كان الجميع لديه نَفَسه الصاعد النازل.. عمه الذي أعاد أخاه الى سكة الغنى بعد أن فقد كل شيء، الأخ الذي صارت ترشقه عيون الحسد في قرية كان لا يملك فيها غير حقل ثم صار بفضل أخيه هو من يتوسل الزراع جراراته لحرث بقعهم ؛ وصار منتوج أرض الاسرة يكاد يغطي أسواق المنطقة التي يوجدون بها.. عمه الذي سهر على تعليمهم وأداء كل الواجبات سنويا،المهم الا يتقاعس أحدهم عن الدراسة وان ينتبهوا الى المستقبل بكل وعي وتبصر وعقلانية..

قد تختلف المجتمعات في معتقداتها وقيمها باختلاف الثقافات التي تشيع فيها لكن أن يتباين أخوان الى درجة الشك فهذا مايؤرق حقا.. كان أبو إبراهيم وعمه متباينين على مستوى السياقات المعرفية وبنيتهما النفسية فبقدر ما كانت الدراسة تحرر العم فكريا ومعرفيا، و تشحذه الاسفار والرحلات ودعوات الرؤساء بتجارب ومعرفة بالناس، كان الأب مشدودا الى أنماط مجتمع شبه مغلق يصاحب أباه الى حقله، يتشرب من تقاليد البادية ومتابعة الرعاة وأنظمة للحرث والرعي عتيقة..

حاول الأب بكل ما يتمتع به من احترام وتقدير لدى جد إبراهيم لأمه أن يعيد المياه الى مجاريها بينه وبين أم إبراهيم التي أصرت الا تعود الى البيت الا بعد أن ترى نتيجة تحاليل DNA بين الأب وبنته آمنة..

كانت في الواقع تريد ان تقطع شكه من جذوره وكما قالت:

ـ عند كل سوء تفاهم يقع بيننا ومهما كانت تفاهته الا ويرميني بشكوكه وان كانت مغلفة، وينسى أني من أصول عريقة صافية بانتساب الى الدوحة النبوية وليس في عروقي دس ولا لعنة متوارثة..

كان إبراهيم يدرك ايماءات أمه التي كانت تحرق صدره فيعيب عليها ما تقصد لان جدته لابيه أسلمت عن يقين، قرأت القرآن بوعي فصار لها خلق عقل ووجود، أكثر بكثير من غيرها ممن يلغطون به أو يحملونه كحمار يحمل أسفارا بلا فهم ولا إدراك، كانت يرحمها الله لفة قطن، جمال، سماحة،ووداعة، عاشت في قرية جل سكانها مسلمين،أسرتها كانت تتعايش بتآخ وحب ومودة،رآها جد إبراهيم و بها قد تعلق،ولم يتم "كيتوباه "(كتاب عقده عليها) الا بعد يمين ألا يتزوج عليها ولا يطلقها أبدا..أحبته حبا جارفا، وأسلمت قبل أن تدخل بيته رغم ما لحقها من لعنات أهلها..

عادت آمنة في زيارة قصيرة طالبة توكيلا عاما حتى تستطيع التصرف في كل ماتركه عمها ولهم قد ورَّثه وهو كثير، وقد أبلغت أباها أنها كلفت محاميا ضليعا بجميع المعاملات التي تحتاج الى توقيع أبيها ليباشر رقابته بعدها لانها حصلت على منصب مشرفة مساعدة على برنامج نووي و قد يشغلها عملها عن متابعة مصالح ما ورثه أبوها..

استطاع إبراهيم مع أخته أن يعيدا المياه الى مجاريها بين أمهما وابيهما بعد أن تيقن الأب أن أخاه بعيد عن سوء ظنه وتأويلاته الطوباوية دون أن تلم آمنة بما وقع وما اقترفه الأب من سوء ظن في حق أبنائه وزوجته، لكن المفاجأة كانت اعلان الأب رفضه التام وبإصرار أن يترك وطنا هو مثوى والديه،فيه ازداد وترعرع وأن زوجته إذا أرادت السفر مع ابنيه فلن يمنعها، بل يرفض أن تطأ رجله أرض قوم من خالطهم فهو منهم..

حرقة اتهام الأم كانت نارا أبت أن تنطفئ في صدرها، كانت تحملها لعنة تئد شرفها وعفتها ووفاء صانت به كرامة زوج رغم ميولات لاتنكرها لأخيه الذي رفض أبوها تزويجها له بسبب إقامته في دولة اليهود ولكن لن تصل أبدا لتحريم عشرتها، كتبت له إذنا موثقا لزواجه متى أراد في غيابها. ودسته بين وثائق أملاكه..

أعد الأب وكالة مفوضة لآمنة للتصرف وطلب منها العمل على تحويل أمواله الى وطنه ولها الخيار ان تفعل ماشاءت بما تبقى..

ـ أنا أصلا لست في حاجة لأي شيء فمما لدي كفايتي..

***

محمد الدرقاوي ـ المغرب

كانَ للفجرِ لونُ آلبَنَفسَجِ

وللغروبِ لونٌ البرتقالْ

وللّيلِ لونُ آلسّهَرْ

والآن ...

للفجرِ لونُ آلخَبَرْ

وللغروبِ لونُ آلشّحوبِ

وللّيلِ لونُ آلضّجَرْ

*

كانَ للنّاسِ لونُ قُمصانِهِم

إذْ تَقُصُّ حكايا آلمرايا

ورذاذُ آلعُطورْ....

يداعِبُ بسمَةً من حبورْ

جاسَها صوتُ فيروز...

قبلَ آلفُطورْ

وآلأن....

للنّاسِ لونُ أوجاعِهِم

وجوهٌ بها عصرةٌ من وجومْ

وشِفاهٌ تنزُّ الهموم

*

كانَ للحُزنِ لونُ آلزَّعَلْ

إذْ كانَ خَصماً نبيلاً

لمْ يترُكْ صاحِبَهُ كالجثَّةِ آلطافية

والان؟؟؟

يستَهلِكُ آلعافية

*

كانَ للجّوعِ لونُ آلقناعَةِ

لفقيرٍ شديدِ آلوَرَعْ

والآن؟؟؟

يسكنُ آلروحَ .....

عندَ آلشَّبَعْ !!!!

الآن؟؟؟

للجّوعِ لونُ آلطَّمَعْ

*

كانَ للحُبِّ أُغنيةٌ حاضِرةْ

لعبد آلحليم

وفيروز

وعبد آلوهابْ

وللنَفسِ أمنيةٌ هادرةْ

تكافحُ ضدَّ آليبابْ

وللرّوحِ أنشودةٌ ثائرةْ

والآن ..........

حلَّ آلخرابْ

***

احمد فاضل فرهود

 

لم يكن بوسعي

ان احصى دقات الوقت الرتيب

الذي مر من هنا

ولم يعبأ بساعة الحائط المعطلة

2

صرت كمصباح متدلي

من السقف

اتسلق ضوء شمعة مختنقة

واتوق للوصول الى هالة الشمس

3

ما احوجني لطاقية الاخفاء

احاول الانفلات

الى مدارات تتأرجح

بين العتمة والنور

4

ثم ماذا سأفعل

بقصيدة متمردة على القوافي

انا الآن في حيرة من امري

وما جدوى كتابة قصيدة

لا تشبه مزاجي

5

تلك القصيدة التي لم اكتبها بعد

فهي  ليست لي

ومعانيها لا تعنيني

ما انا الا شاعرمجهول

يكتب خربشاته

بلا سابق انذار

6

ما اكثر حروب طواحن الماء

التي لا تنتهي

فهي مجرد فوضى ومناورات

في حظيرة الاشباح الزئبقية

7

كنت كمن اخرجوه

من تحت الانقاض

بعد زلزال عنيف

مقوسا كالمنجل

الاعب حظوظي

والملم احلامي

لعل "فلاش باك" من حياتي

يعيدني الى عتبات

لم تطئها اقدام الذكريات

8

كيف لي ان اتمخض

وانا طفل يرفض الفطام

في رحم امه

التي لا تعرفني

9

وحيدا ابحث تحت انقاض الكلمات

عن حروف غير موجودة بين السطور

وافتش في الكراسة المتآكلة

التي يلقيها التلميذ الكسول

في قمامة المدرسة

عن اسباب الرسوب والنجاح

في امتحان الحياة

10

اود ان احكي عن ماذا حل بي

يوما ما ربما ساكتب شعرا

يرقص على أناته

مجاذيب الطريقة الفراهيدية

وسأسكب كل مشاعري

لمن لا يقرأ ولا يكتب

لعلي انال بها اجرا

واكون من المقربين

***

بن يونس ماجن

(صفحات من دفتر عاشق)

قصة: ناجي ظاهر

(ما سِرتُ إلا وطيفٌ منك يصحَبُني

سُرى أمامي وتأويبًا على اثري)

ابو العلاء المعري

***

العزيزة غالية

اقرُّ بدايةً أنني أكتب إليك هذه الرسالة/ القصة، جراء ما جُدت به عليّ من قسوة، خُيّل إلي أنها لا تعدو كونها أظفارًا حادة تنغرس في قلبي وروحي ليل نهار. منذ التقت عينانا خلال قراءتي قصيدة الحب اليتيمة.. في حياتي، في ذلك المقهى وأنا أشعر بصدّك ساعة بعد ساعة ويومًا بعد يوم.. شهرًا بعد شهر وسنة بعد سنة. لقد وضعتني دائمًا في مواجهة مع نفسي، فهل أنت تحبينني أم تبغضينني أم لا تبالين بأمري، لنفرض أنك لا تبالين بأمري فما الذي فعلته بك حتى يتحجّر قلبُك ولا تعطيني إلا ظهرك كلّما اقتربت منك أو حاولت؟ لماذا لا تكونين صريحة وتضعين حدًا لهذا العذاب المزمن المستديم.

في تلك الامسية.. من ذلك اليوم ما زلت أتذكّر كيف التقت عينانا، وكيف حاولت أن أتهرّب منها حتى لا ينتبه أحدٌ إلى ما بدا من حب بالظهور، فأنا أعرف أن الناس يفسدون الاشياء الجميلة، لذا حاولت أن أخبئك في عينيّ وأن أمضي في طريقي. يومها لحقتِ بي خلال سيري في ذلك الشارع الطويل.. شارع الضباب، استوقفتني تحت ضي القناديل، وقلت لي: إنك أبدعت. قصيدتك دخلت إلى قلبي دون طلب أو استئذان، أشعر أنها كانت قابعة في أعماقي وأنها كانت هاجعة هناك.. موضحةً أنني بإنشادي لها قبل قليل أيقظتها. حينها ابتسمت لك. شعور غامر اجتاحني ليهمس في أذني: افرح يا قلبي جاك نصيبك.. تبلغ مناك ويّا الحبيب افرح.. يا قلبي.. مددتُ يدي لحظتها إلى يدك لتلامسها.. ملامستها البكر المشتاقة لأول حبّ حقيقي في حياتي.. أنا الشاعر التعيس.. الوحيد في هذا الوجود وصحرائه المقفرة.

بعد تلك الامسية كان لا بدّ لي من  أن اتقصّى أخبارك، أن أتابعك حتى لو كنت في أقصى مكان في الدنيا، فرُحتُ أسأل عنك كلّ نسمة رخيّة وهبّة ريح: أين هي؟.. إلى أن عرفت أين أنت.. وكان عليّ أن أزورك، أن أدرك ما إذا كان ما قلته نابعًا من قلبك أم أنه مجرد كلام فرضته اللحظة الطارئة الساحرة وانتهى أمره مثلما تنتهي أغلب الاشياء الجميلة في حياتنا التعيسة الجارية. زاد في بحثي عنك أنك اختفيت وغابت آثار أقدامك على أرض النسيان. ترى أكنت تمتحنين ما حصل وتودين أن تتأكدي مِن أن نبوق تلك الوردة في عتم ليلي إنما كان حقيقيًا؟ ولا لبس فيه؟.. ربّما.. ربّما.. لهذا كله كان عليّ أن أبادر إلى عمل أي فعل يحيي ما نبت في قلبينا.. كما اعتقدت أو خُيّل إلي.. حينها أخذت أفكّر في طريقة جهنمية أعلن لك بها أن ما كان ما هو إلا الحقيقة الرائعة لقلبينا المتلهّفين حبًّا .. توقًا وشوقًا من أحدنا للأخر. أفكاري تلك دفعتني لأن أوجّه إليك سؤالًا.. حاولت أن أجعله ذكيًا بحيث يكون له ما بعده، سألتك عمّا تحبين قراءته من الكتب الادبية، وتوقّعت.. للحقيقة المجرّدة.. أن تقولي الشعر.. ذلك أن الشعر وقصيدته اليتيمة جمعت بين عينينا.. وقد أضمرتُ منذ البدء بالسؤال.. أن أبحث عن كتاب شعري يمكنني من أن أوصل الرسالة إليك لتبدئي قصة حبنا العتيدة.. غير أن ما حصل هو أنك فاجأتني بأنك تودين قراءة كتب شرلوك هولمز. كانت اجابتك هذه أول نُذُر تعمّدك الخلاف معي.. كما شعرت. مع هذا بحثت عن مؤلفات مبتكر شرلوك هولمز الكاتب كونان دويل.. وحمّلت لك عربة منها سيّرتها نحوك.. إلى أن توقفت أمام ملكوتك.. ولم أنس أن أضع فوق رزم تلك الكتب وردةّ حمراء.. لعلّها تفتح كتاب المحبّة الموصد على مصراعي بابه.. كي نعبّ منه كلما شعرنا بالظمأ.

الغريب أنك انكببت على قراءة تلك الكتب ولم تسألي عنّي بعدها كما توقعت.. وقد بقيت أنتظر إلى أن لاحظ صديقٌ مخلصٌ لي ما بي تجاهك من مشاعر موءودة طيبة، فافتعل مناسبة جمعت بيننا وتعمّد أن يجلس أحدنا بالقرب من الآخر إلا أنك فاجأتني أولًا وفاجأته ثانيًا بأنك ناديت مَن يجلس في القرب منك ليفصل بيني وبينك.. عندها شعرت بمرارة لن أنساها ما حييت، إلا أنني عندما وضعت رأسي على مخدتي القاسية في ليلة مضبّبة ماطرة.. حاولت أن أوجد لك العذر.. فأنت لا تريدين أن تلفتي أنظار العُذّال إلى ما نشأ بيننا من استلطاف، لهذا حاولت ما حاولته في أول لقاء بيننا أو شيئًا قريبًا منه. خشية أن يفسد الناس كعادتهم في بلادنا ما بيننا من مشاعر يحلمون بها جميعا ولا يجرؤون على التعبير عنها أو الاقتراب من ملكوتها.

صدُّك هذا لي جذبني إليك أكثر فأكثر.. من ناحية.. ودفعني لأن أفكّر في الانصراف عنك من ناحية أخرى.. غير أن ما حدث أو كان يحدث هو أنّني كلّما حاولت الهروب منك لجأت إليك.. ومع هذا لم ألقَ مِنك سوى الصدّ.. والمزيد من الصدّ؟ هل كنتِ تمتحينني.. وتريدين أن تتأكدي من مصداقية مشاعري نحوك.. وألى متى يمكن أن تضعيني في مثل هكذا امتحان؟ ألا تكفي السنوات تتلوها السنوات وأنا أعدو وراءك.. وأنت تجرين أمامي؟.. أنظري إلى الوراء. أنظري بالله عليك.. فقد تعب حصاني من الجري.. وراء فرسك.. تعب من الامتحان يتلوه امتحان.. وقد آن لي أن أقول لك إن العمر قصير وإن لحظات المحبّة فيه.. هي ما تجعلنا نشعر بعمقه.. فلماذا تواصلين صدّك لي والتعمد في الغياب؟ لماذا تنشبين اظفارك الحادّة في روحي وقلبي.. ولماذا تديرين ظهرك لي.. وأنا أتمنّى أن أرى وجهك.. لنعيش معًا الربيعّ دهورًا.

***

ناجي ظاهر

 

انزلي عليّ بأشد قسوة

اضربيني بعاطفة ممزقة

تمزق ذلك القلب المتمرد

وتقطع في ديجور الروح أسراراً

ارشقيني بسهام عينيك الساحرة

وبريق وجهك وخفقان صوتك

آه على ذاتي المعذبة

أكاد أعدم تعذيباً دون موت

بزمن خالد ما بين الولادة والقبر

لي عذري لأنجو من بحار هيامك

لكن قهر حبالك يكسو صدأ القدر

أنا وحدي وطن قاحل دون ألم

ومعك مدينة فاضلة تعزف

بخناجرها على رقيق جلدي

فالسكر لا يباري وطني

لاني أمارس حريتي في حلمي

وأفسر الحلم بالحلم

ومساحات الضعف في عشقي

هو قدري أرادك في قلبي

فانزلي عليّ بأشد قسوة

لأن في صغري لدي دمية

سرقها الغضب والجهل

وبقيت ألعب في الصخر.

***

حسام عبد الحسين

1 ـ مؤامرة

كما لا يرى النائحون، غير احتدام الشر ..

والشر بريء من دم القذارة؟

المؤامرة شيطان آخر يسكن بيوتهم،

ويعتلي سقف الحقيقة ..

لا يعلمون متى يثأرون من خيانتهم ..

*

2 ـ قناع

كسقط المتاع،

يولون قضم الأنامل،

ليس ندما،

ولكن، تحذيرا من تيار غفل،

يعثر على الطريق، في هدنة الأعداء؟

*

3 ـ الساعة إلا ...

في الساعة الكامنة للهجوم،

يجتمعون، يشرعون، يمددون، يتجرعون، ينشدون، ثم يتضرعون، ....

في الساعة القاصفة للإنسانية،

يستنكرون، يتبرمون، يتندرون، يستعطفون، ثم يبرقون، ......

في الساعة الزاحفة على الكرامة،

يسترقون، يستدبرون، يحملقون، يتناثرون، ثم يستوثقون، ....

لكنهم، سرعان ما يتوارون خلف مكيفاتهم، وكراسيهم ....

*

4 ـ غرق بطيء

الشعوب التي تبصر الحقيقة، يؤلمها قيدها،

والشعوب التي تخرسها الأهواء،

تحذلق باستكانة ناشزة،

تفتح فمها لسعار الكراهية،

ثم تنكث جرم صمتها ..

وتكتفي بالغرق البطيء؟.

*

5 ـ الأغيار

كم من الألم سيستصرخ طمس الغزاة؟

كم من الأهوال ستلفظ غزة،

وتجفل وحش البشرية؟

كم من شجر وحجر في البلاد المقدسة،

من الأكناف العميقة،

ومن وهاد الأطفال والأرامل والمفقودين، ..

المهجرين إلى الأقاصي والحتوف ..

كم لهؤلاء وآخرين تحت الأرض،

سينهض العالم،

ليدحض نظرية القتل الدفاعي،

والنافلة العدمية لإفراغ الأغيار من الصحاري والنفوق التليدة ؟

ها هنا، ليس غير قصائد تتلى،

وستور تعلق على الجدران،

لتحمي الكائنات الدقيقة من الاختباء ..

*

6 ـ سماء الله

لم يكن لإيلام الفجيعة، هذا السقم النفسي الحزين ..

غير هروب واجم، يدرأ العسف الزقوم ..

ويلغي شرر الغيظ واحتراق الأمل ..

رباه، كن لغزة شهدا يسود ألطاف المآثم،

نهرا، يصلي تآويل الوصول ..

وسم ابتلاء، يسبق خطوات الردى،

في اشتداد الغضب ..

*

7 ـ دعاء لغزة

يا غزة العزة،

هذا الشوق لك،

وهذا المضاء السديد،

يبصر أوثاق الكبرياء،

ويوقن أن ما بعد الدجى،

نور ضئيل، ووحشة عنيدة،

تتأبى، مرارة الهزيمة، ونصب الخذلان،

وحشود لا تنصر دمها في قٍماص الابتذال ..

***

مالكة العلوي

احترقت أفكاره هذا الصباح وصارت رمادا، حاول أن يعيد لها الحياة، تخيّلها طائر فينيق ينبعث من رماده، لكن خَياله لم يسعفه ..لم يحدث شيء، ظلت أفكاره رمادا وظل هو حائرا، مترددا خائفا، اقترب من كوم الرماد، أقعى ثم حفّن مدّاً، قربه من أنفه كانت رائحة الرماد زكية ذكرته بعطور فرنسية كانت تضعها زوجته، مثل ايف سان لوران، أو لولو كاشريل، وربما أيضا " رِيف دور " عِطر أمه وجدته المفضل، أيّ صاعقة لئيمة هذه التي استأثرت بأفكاره فأحالتها على هذا الحال؟

أهو تفريط منه أم هي صدفة لعينة؟ تساؤلات رهيبة تَشج رأسه ولا يجد لها جوابا.

تردد لحظة ثم هرول مسرعا وأحضر صندوقا خشبيا كان يضم بعض وثائق والده القديمة ومجموعة من صور العائلة القديمة، وشجرة نسبها التي أوصاه والده بها خيرا، فتحه فانبعثت منه رائحة مشابهة لرماد أفكاره، مد يده وأخرج جرابا أخضر اللون تذكر أنه قد رآه من قبل ضمن محتويات الصندوق، حل تِكّة الجراب، اكتشف أن به غبارا يشبه الرماد

ابتسم :"لعله رماد أفكار أسلافه " لا ضير عليه الأن يمكنه أن يضع أيضا رماد أفكاره في الجراب لأنه المكان الملائم لاحتضانها.

استعاد رباطة جأشه وهو يعيد الصندوق إلى مكانه وقد أصبح له فيه أُثر وذكرى.

***

محمد محضار

16 أبريل 2022

يحدث أن أنادم الجدار

نتنازل في حوار عشوائي.. يكسر رتابة الأيام

الانتظار المتناسل على قفا الصمت

القصائد الساقطة في حضن المواسيم البربرية

والعواصم الهاربة من فسحة الكلام المؤجل

الموت المستعجل.. والدم الـ يبحث عن أرض

تلم الصباحات في رحم الزمن

لتولد بين النارين فجرا.. يفك قيود المأسور من الغضب

*

أرشو الجدار بكاس شاي

فيمنحني الغلبة

وأستكين

*

قد يحدث أن أسابق الشارع

وهو المتمرس في الهروب.. الطاعن في الاختباء

القانع بالمراتب الهزيلة من أجل سيجارة تحرق

ما تبقى في الرئة من دماء

رغيف من حنان الأسلاف.. يدفيء برد الأمعاء

وكل شبر على الرصيف يسأل

عن صبح يعيد للسيف النقاء

*

شدي وثاق الوقت يا مالكة

في الدهاليز صغار يركضون خلف النعوش

والريح زمار تباريح

على قيثارة مكسورة.. يعزف

في مهرجانات ردح.. يغني

تغريبة النوارس.. بعدما شتتها اليباب

الأماني مكلومة تصرخ

: يحيى الوطن

والوطن مقرطس في الجرائد.. متواتر في الرتب

*

يحدث أن تتوزعني المفارق

يشدني البحر المحجور في كف الخليفة

تستدرجني الصحراء المتهاوية نحو نصفها الظليل

في ساحة الجرح أجهضوها

بتروا الرحم الولود وقالوا:

الدنيا لاهية

ولنا فيها نصيب

ألهث في اتجاهين

فتخطفني الصرخات الملتاعة فوق الجبال

تتجاذبني الجهات

والقصيدة تندب حظها السيئ

إذ حضرتني عند فساد الوضوء

*

يحدث كثيرا أن

أصوب الهواء نحو خاصرة الجرح

عل الكون يستعيد ملامحه الوضاءة

أرش الحناء في كل الزوايا لتنخفض حرارة التاريخ

بعد ضربة يأس أصلته بشواظها

فنسي أنه جزء من التراب .. والحجارة والغبار

إبريق الشاي في الركن البعيد ينفث بخاره

مع خيوطه ترتسم في الأفق صور مرعبة

لجنود هاربين من المعركة

أطفال عند ظلال الحافلات يتناوبون على شمة

فتيات يرسمن الطريق بأحمر شفاه على سبورة

نساء يضربن الدفوف عند قارعة القهر

ورجل صبور .. وامرأة جلودة

جبلان من هذه التربة

جدي كان طودا

على قمته يتربع الجشع اليوم

دلى رجليه وعرفه في السماء

يدعو الساقي كي يدير الكؤوس

وجدي لا يبكي

أحفاده يداعبون عظامه العجفاء

والريح تقتلع الأبواب

في فم النار ترميها .. لقمة سائغة

يهتز فرس الموت صهيلا

يزف العرق الباقي إلى المثوى الأخير

وأنا أقتطع من الفؤاد قصيدة

أهديها للأحياء الموتى

للنفس الأخير المجرجر نحو نصل الخنجر

للقادرين على الحقد أكثر

على الموت أكثر وأكثر

وأقول وداعا لأطواري

لأمي التي أثقلت بالأضاليل رأسي

والتمس لي صورة على الحائط

جنبا إلى جنب مع المصفقين

المرابطين على حدود الوطن !

***

مالكة حبرشيد - المغرب

هي من تعرف طبعه.. وتعرف انه انتهج خطة جديدة في التعليم الحديث وترسيخ الاسس الصحيحة لزرع المفاهيم العلمية والتربوية بين الطالب والأستاذ في التعليم الجامعي وبما فيهم طلبة الدكتورا.. ويبدي تحرجه وربما رفضه احيانا ان يمنح شهادة الدكتورا الا لمستحقيها ومن تكون رسالته من النوع الذي تتوافر فيها كافة الشروط المرضية لأعضاء اللجنة المشرفة والتي هو من يترأسها..

دفعها شوقها لحضور مناقشة أطروحة الدكتورا لأحد طلابه..

تقول: قصدته قبيل الوقت لأمتع ناضريّ بأجواء الجامعة وأتذكر الأيام الخوالي التي عشتها في هذا الحرم المقدس برأيي.. فهي كانت احدى تلميذاته التي عشقت فيه وسامته وبساطته وكذلك أمانته وصدقه في اعطائه لدروسه بطريقته التي عرف بها لدى الجميع والتي كانت مغايرة تماما عن بقية زملائه وبطريقة محببة لنفوس طلابه..

وقفتْ بين كلية الآداب وكلية العلوم لتتذكره حيث كان سابقا يجلس قبالتها في نادي الطلبة مع مجموعة من طلابه وهو يرتشف شايا أو قهوة وتكتفي هي بالنظر اليه من بعيد ومن هذا المكان بالذات دون ان ينتبه اليها..ضحكتْ في سرها ثم مضت باتجاه غرفته..

تقول: وحين اقتربت من الغرفة لاحظت أوراقا متناثرة فوق أرضيتها وتفاجأت بموقف بينه وبين مجموعة من الرجال كانوا يبدون وقاحتهم بصراخ غير مبرر ودون خجل أو احساس أنهم داخل حرم الجامعة لذلك أصابني الذعر.. وتحرجت ان أدخل غرفته رغم انه أصبح بمواجهتي وهو في حالة انفعال حاد دون ان ينتبه لوجودي.. كأنه فقد سيطرته على الفاظه ووقاره.. ولم أفهم سبب صراخ الطرفين وشدة انفعالهم..

ولا أدري ان كانوا من كادر الجامعة أو من خارجها..عدت الى بيتنا وشعرت بضربات قلبي المتلاحقة حزنا عليه فهو لا يتمنى ان يؤذي أحدا أو يغمط حق تلميذ من تلاميذه طيلة مدة تدريسه داخل الجامعة لسنوات عديدة ومذ كان يحمل شهادة الماجستير حين تعرفت عليه.. وحين سألني أبنائي عن نتائج زيارتي حدثتهم بأمور بعيدة لا تمت لصلب سؤالهم بصلة حدثتهم عن ذكرياتي حين كنت طالبة وكيف تطورت الجامعة بأبنيتها الحديثة وحدائقها المتنوعة الاشجار والزهور ولم أحدثهم بشيء مما رأيته وآثرت الصمت..لعله يحدثني فيما بعد كما تعود دائما بعد ان نشرب الشاي بجلسة المساء في حديقة منزلنا..

لكنه التزم بصمت مخيف هو الآخر !!!!

منذ ذلك اليوم وهو يمر بحالة ذهول وصمت كأنه مستاء من نفسه.. وكأنه انسلخ عن طبعه.. ثم اعترته صفة جديدة لم يكن يتميز بها من قبل فقد بدا انه لم يستطع ان يخلد للنوم في موعده الدائم.. ولم يعبر عن رأيه في الاحاديث التي تدور بيننا في البيت والتي تطرح للنقاش فيما يخص أمور أولادنا ومشاكلهم سواء في البيت أو المدرسة..

دخلتُ الى غرفة مكتبه أحمل له قهوة المساء عله يزيح ثقل همومه ويحدثني عن تلك الحادثة التي قلبت كيانه ومزاجه وأحاديثه..لكنه حدثني عن كيفية حصوله على شهادة الدكتورا والمصاعب الجمة التي واجهته وكيف ان أستاذه المشرف على رسالته قد رفضها لعدة مرات ثم يعيد هو الكرة دون ملل أو جزع ودون ان يستعين بأحد لأقناع أستاذه لقبولها..انما يحترم جدية الموضوع ونبالة أستاذه لتحقيق أفضل الأهداف العلمية وتوخي مصداقية الرجل بعلمه..

كنت أنصت لكلماته وكأني طالبة في قاعة الدرس بالرغم من اني عايشت معه تلك الظروف بحذافيرها..وتحملت كل أعباء البيت والأبناء اضافة الى وظيفتي في التدريس..أما تلك الحادثة فقد تجاهل ذكرها تماما.. ولم أجرؤ على سؤاله عنها..

بعد حين طلب مني ان أساعده في نقل محاضرة الى حاسوبه وخلال تصفحي عثرتُ على مسودة كان قد كتبها.. انه طلب تقدم به لعميد الجامعة.. ويطلب فيه إعفائه من ترأس اللجنة المشرفة لمناقشة رسائل الدكتوراه

***

سنية عبد عون رشو

(مسرحية قصيرة جدا)

(بعد الموت.

خراب في عمق المسرح، تُفْلِتُ منه طفلتان مُغْبرّتان مًمَزّقتا الثياب شَعْثتا الشعر. تلتقيان فتتشابكان وتسقطان.

تجري طفلة1 نحو يسار المسرح و طفلة2 نحو اليمين حيث تكوّمت مجموعة من الألعاب.

تتكدّس طفلة2 على الألعاب لتحميها وهي تنظر يمينا وشمالا متوجسة شرا، بينما تدور طفلة1 حول ألعابٍ وهمية، ثم تلعب بها).

طفلة2: (تنظر إلى طفلة1 بحقد) هل تلعبين؟

طفلة1: ألعب صباحَ مساءَ.

طفلة2: لكنني افتككتُ كلّ لعبك.

طفلة1: (تقهقه) ولكنها مازالت في رأسي.. أحلم بها كل يوم و لن أضيّعها. (تواصل اللعب) اُنظري إلى هذا القطار، إنه يسير و يتوقف بإشارة من حنكي.. (تضغط على حنكها الأيمن. تخاطب القطار الوهمي غاضبة) توقفْ.. قد أخطئ الحنك أحيانا. (تضغط على حنكها الأيسر. فرحة ) هكذا..

طفلة2: (تُخرج قطارا من كُدس الألعاب وتكسّره شامتة) لن تلعبي به ثانية..

طفلة1: (تقهقه وتواصل اللعب) قلت لكِ إنه في رأسي.. لن تأخذي ما في رأسي..(لطفلة2) هل اشتهيت كلَّ لعبي؟

طفلة1: يكفي أن أشتهي واحدة لآخذ الكل. خشيتُ أن تخفي عني بعضها، لذلك افتكَكْتُها جميعا.. لكنك لا تزالي تلعبين.

طفلة2: حفظتها، وهي الآن في دمي وفي حلمي.

طفلة1: كيف تحلمين بشيء افتككته منكِ بالقوة؟ لو أخذتها برضاك لكان لكِ الحق في أن تحلمي بها. أما وقد سلبتك إياها فقد صارت لي حقيقة وحلما.

طفلة2: (متهكّمة) لقد أخطأتِ الخلطةَ. الحلمُ يتجدّد من جيل لجيل ولا ينكسر، وذاكرتي ولادة. (حالمة) اُنظري إلى هذه العروس الجميلة. إنها ذكرى لعاشقة أتَتْ من البندقية لتقبّل حبيبها في بيتنا1. هل سرقتِ تلك القبلة أيضا؟

طفلة1: بل لم أكن موجودة هنا.

طفلة2: (باطمئنان) الآن وقد تأكّدتُ من الأمر2.

طفلة1: (تًخرج عروسا من كُدس الألعاب و تدوسها بعنف. لطفلة1) أنت أيضا لم تكوني هنا.

طفلة2: بلى.. بلى.. لقد كَتَبَ عليها لودفيكو اسمي.

طفلة1: (تتثبت في أشلاء العروس ثم تلقيها بعيدا حانقة) أما الآن فلم يعد لكِ أصدقاء ولا ذكريات تعيشين بها.

طفلة2: (حزينة) كانوا يحبّونني ولكنهم صاروا يبتعدون عني منذ افتككت لعبي.

 طفلة1: (تقهقه ساخرة) ليس بسبب لعبك.. ليس بسبب لعبك

طفلة2: لماذا إذن أصرخ ولا يجيبون؟

 طفلة1:لكنّهم يستجيبون لي من إشارة إصبع.

 طفلة2: (مندهشة) هَهْ !

طفلة1: ذلك أنني أشفي غليلَهم من العنف.

طفلة2: هل هم عنيفون؟

طفلة1: كانوا في الماضي وكم عذّبوني. العنف حاجة نفسية لا تزول.

طفلة2: (مذهولة) حقا؟

طفلة1: أما وانأ أحقق شهواتهم بالوكالة فقد صاروا رهن إشارتي.

(طفلة1 تدوس الألعاب بعنف بينما تدور طفلة2 حول ألعابها الوهمية غير مبالية ثم تَزُنُّ لحنا، لعلّه :هيلا هيلا يا مطر).

طفلة1: (منتبهة لطفلة 2) تغنّون وترقصون كثيرا !

طفلة2: (ترفع يديها إلى السماء) كّ أيامنا أعياد..(بشماتة) ويوم السبت نلتقي لنزغرد.

طفلة1: (غاضبة) يوم السبت نصطادكم كالعصافير.

طفلة2: بل نطير عاليا.. عاليا (تحاول الطيران)

طفلة1: (آمرة) كيف مُتِّ؟

طفلة2: (وهي ترقص) في حضنِ أمي.

طفلة1: هل ماتت؟

طفلة2: بل تبخّرتْ.

طفلة1: (متهكّمة) لعلها قنبلة فسفورية.

طفلة2: هل عندكم منها؟

طفلة1: (متمتمة) ليس حسب علمي... وان كنت لا أعلم كلّ شيء.

طفلة2: (تنظّم ألعابها) حتى أنت؟ (تنظر إلى السماء) اُنظري، إنها هناك.

 طفلة1: (خائفة) من؟

طفلة2: إنها أمي.

طفلة2: قالوا لي إنكم تنزلون إلى الجحيم حين تُقتلونَ.

طفلة2: بل إنها شهيدة.

طفلة1: الموتُ موتٌ.

طفلة2: كلا. ليس كل موتٍ موتا (مفتخرة) أنا شهيدة.

طفلة1: وأنا حفيدة شهيدة.

طفلة2:(متهكّمة) الشهادة لا تورث. أنت مريضة.

طفلة1: لستُ مريضة.

طفلة2: بل تعانين من مرض الأجداد.

طفلة1: أجدادي سينتقمون... سنقتلكم جميعا.

طفلة2: لن تغلبوهم.

طفلة1: سنحاصرهم وننتظر حتى تَنْفُقَ أسلحتهم ونقضي عليهم.

طفلة2: هل تحاربون جيشا بدون سلاح؟

طفلة1: (متردّدة) كلا.

طفلة2: إذن لن تغلبوهم.

طفلة1: لن يكيدنا شيء.

طفلة2: هل أنتم كيّدون إلى هذه الدرجة؟

طفلة1: كِيدُونْ وكِيدُونْ وكِيدُون3ْ. تلك وصية أبي كل يوم. أبي يعرف كل شيء.

طفلة2: لكنه يقتل الأطفال.

طفلة1: لا تقولي ذلك عن أبي.

طفلة2: هل صار نبيا حتى لا أنتقده4؟

طفلة1: لقد قَتَلَكِ لأجلي.

طفلة2: وما حاجتك بي؟

طفلة1: أردت قلبك.

طفلة2: (متهكمة) وهل أخذه؟

طفلة1: كان يظنُّ ذلك.

طفلة2: (تقهقه) إن قلبي مخبأ في عقلي.

 طفلة1: (يائسة) لذلك لم ينفع.

طفلة2: كم قتل من أسير من أجلي5؟

طفلة1: الكلّ يهون من أجل أن ندحر قلبكِ.

طفلة2: أنت فأرة أنفاق.

طفلة1: (تقصدها غاضبة) بل أنا سيدة البشر.

طفلة2: (تستعدّ لمواجهتها) قلت لك أنتِ فأرة6.

طفلة1: (تتوقف) لا أظنني سأحبّك يوما.

طفلة2: وأنا أيضا.. هل نتقاتل؟

طفلة1: (متردّدة) بل نلعب قليلا أوّلا.

(تأتي طفلة1 بألعابها إلى وسط المسرح تقتربان من بعضهما و تلعبان.

تتملّك طفلة1 حالة هستيرية فتدوس الألعاب بعنف).

طفلة2: هل تملّكتكِ الحالةُ مجدّدا؟

طفلة1: (وقد هدئت) أصدقائي لا يريدون.

طفلة2: ألن يعودوا أصدقائي مجددا؟

طفلة1: ربما بعد أن أموت.

طفلة2: إذن لا بد من قتلك مرة أخرى

(تقتربان من بعضهما و تتراجعان ثم تشتبكان).

طفلة1: (تصرخ) النجدة.. النجدة.. إرهابية.

- ستار-

***

محمد نجيب بوجناح/تونس

.....................

إشارات:

1. إشارة إلى مقطع في مسرحية ''عطيل'' لشكسبير’ وقد ذَكَرَ فيها فلسطين منذ القرن السادس عشر.

إيميليا: أعرف امرأة في البندقية لو وُعدت بقبلة من شفته لسافرت إلى فلسطين في طلبها.

2. من مقطع لخطاب للمندوب الفلسطيني في الأمم المتحدة.

3. كيدون فرقة إرهابية في الموصاد.

4. في فرنسا يحاكم كلّ من ينتقد ناتنياهو، بينما يسمح لجريدة " شارلي هيبدو" بالتهكم على الأنبياء.

5. إشارة إلى تطبيق إسرائيل بروتوكول حنّبعل على أسراها.

6. صرخة طفلة في وجه المحتل: أنتم فئران.

 

في طريقي إلى بيتي

مصابيح الله مهشمة ..

للريح مخالب صقر ..

للعالم طعم براز الغوريلا ..

لا حد لضباب العلل الأولى ..

أخطو مثل سلطعون ..

أحاول تقشير برتقالة رأسي..

التي نضجت في قبو متصوف..

أحاول جر  غابة  كثيفة

بطرف لساني ..

كتابة إسمي على صخرة

هربت من معتقل سري ..

طاردها دخان  ثم تلاشى ..

أحاول طرد تماثيل

تعوي باستمرار داخل صدري ..

ثم تتقاتل في مرتفعات النوم..

أحاول إقناع بلبل حزين

لإعادة التفكير في أصل الأشياء ..

لايقاظ قارب سكران

تتلاعب به أمواج مخيلتي ..

أحاول حقن غيمة بجرعة مورفين ..

وحملها على قوقعة ظهري ..

مثل درويش أحدب

وأقول وداعا لأوجاع الغنغرينا ..

يبتسم لي لقلق مسافر ..

لم أره منذ آخر رمية نرد..

في طريقي الى بيتي

عزيت شجرة بلباس رث

عزيت حجرا  يبكي ..

بكلارنية صلاح فائق

وغزلان وديع سعادة ..

وإصحاح سركون بولس .

***

فتحي مهذب - تونس

ربّةُ الأسْمى وشمْسٌ عَقلها

إسْتشاطتْ فأفاقَ السادرُ

*

لا حُقوقٌ بلْ عُقوقٌ أيْنَعَتْ

غابَها الدنيا قويٌّ آمرُ

*

كذَبَ الإعلامُ فيها وانْبَرى

بضَلالٍ يَبْتغيهِ الناحِرُ

*

دَفنوا الأحْياءَ والقلبُ انْزوى

وضَميرٌ احْتواهُ الفاجرُ

*

صارتِ الايّامُ بركانَ الوَغى

وتَهاوى في رُباها الضامِرُ

*

مُعْجزاتٌ ما خَيالٌ ضَمَّها

تَتوالى والتَداهي ماكِرُ

*

فِعْلُهمْ فِعْلٌ جَريئٌ واثقٌ

كانتِ الأبْطالُ فيهِ الخافِرُ

*

لجَموا أقوى أسودٍ قرْبَهمْ

فتَداعى عَنْ حِماها الساترُ

*

لا تقلْ سوءاً بحّقِّ المُفتَدى

إنّهُ الأتقى وأنتَ الحاسِرُ

*

أيّها التأريخُ حَدِّثْ إننا

نَسْتَطيْبُ الحَيْفَ قالَ الخادِرُ

*

ما عَرَفنا كيفَ نَحْيا أمّةً

فانْهزَمنا وطوانا الغابرُ

*

ما انْتصَرنا ونَكَرْنا عِزَّنا

ولنا فيها قيادٌ ساجرٌ

*

كيْفَ كنّا وانْتَهيْنا ضُدّنا

أمّة التأويلِ مِنها الغادرُ

*

عَقلنا حُرٌّ وعَبدٌ رأيْنا

وبنا ضَيْمٌ أليمٌ هاجِرُ

*

دَمَّروا أيَّ جَميلٍ باسِقٍ

وبها الأنقاضُ روحٌ فاغِرُ

*

مَحَقوا الأرْقامَ حتّى صَفَّروا

كلَّ موجودٍ غزاهُ الناكرُ

*

يا رِحابَ الكوْنِ يا فجْرَ الرؤى

نَطقَ النورُ وأصْغى الذاكِرُ

*

صَوْتها الأقوى مُدانٌ غاشِمٌ

كيفَ للدُنيا عَلاها العاقِرُ

*

تَترُ العَصْرِ أتانا قاضياً

غَضَبُ الله علينا صادِرُ

*

مَوْتنا ديْنٌ يقينٌ لازبٌ

وفسادٌ لحَياةٍ آسِرُ

*

أيّها المَجْعولُ فيْنا قدْوةً

ما اقتدَيْنا والزمانُ الناهِرُ

*

كمْ رَذيلٍ برَذيلٍ شامِخٍ

وأصيلٍ إعْتلاهُ الهابرُ

*

ما لنا فيها حَياةً إزْدَهَتْ

وطنٌ يَبْلى وسَيْفٌ باتِرُ

*

ليْتها الدُنيا سُرورا أيْنَعَتْ

وتوارى في بَعيدٍ ذاعِرُ

*

كيفَ للأوطانِ أضْحَتْ خَندَقا

وبها الكرْسيُ شَعْباً حاجِرُ

*

جُرْحُ أرْضٍ وفؤادٍ نازفٍ

وشبابٌ لقويٍّ زاجِرُ

*

عَرَبيٌّ وحَياتي ثوْرةٌ

ونِضالٌ وصُمودٌ فائرُ

*

صَوْلةُ الأبْطالِ فاقتْ قدْرةً

ما احْتواها في حياةٍ خاطرُ

*

يا أباةَ الضَيْمِ يا نَسلَ الألى

نوَّروا الدُنيا فدامَ الباهِرُ

*

نَصْركمْ نَصْرٌ فريدٌ خالدٌ

وبهِ الأجْيالُ صَوْتٌ جاهرُ

***

د. صادق السامرائي

إلى المحرقة:

الذنوب الكبار

خطايا الضرار

قِصَعْ ( تَلَّ...ريكا)

جلالتهم...

وسمو انبطاحَتِهِمْ...

مع خالص الشغل

في المنطقة !

*

إلى المحرقة:

الرُّخاة

الحُواة

الغواة

الغلاة

عمائم حَشِّ

أداة كل غِشِّ

أساس البلايا

وقتل البرايا

بمهوى الفتاوى

مع خالص الدين

بالزندقة !

*

إلى المحرقةْ:

قِمم (البَيْعِ .. بــَـاعْ)

و(لِـــحَى قينقاعْ)

نفايات هذا الزمان

(المُطَبِّع ِ)

بالزفتِ...

و(الناقةِ السابقةْ)!

*

إلى المحرقة

إلى المحرقة:

(كل مُـــرْتَــزِق ٍ ..

وابن مُـــرتزِقةْ)!

***

محمد ثابت السميعي - اليمن

ورأيتُ وجهَكَ ..

أو شبيهاً لاختيالِ الكونِ

مُختصراً  بعينينِ اثنتينِ..

تُلَقِّطانِ الآنَ عن تعبي

تفاصيلَ ارتباكِ النظرة الأولى

وخوفي

أن يكونَ الوجهُ هذا أنتَ ..

ماذا لو سواكَ؟

ولا سواكْ ..!

ونظرْتَ ..

أزهرَ فيَّ حقلٌ من بَهارِ البَوحِ

ثمَّ مشيتَ ..

كادتْ تستفيقُ حدائقُ الدنيا جميعاً

حيثما مرَّتْ خُطاكْ..

أوشكتُ تكذيبَ انغماسي فيكَ

لولا أنَّ بي صوتاً أثيريّاً

أفاقَ من البعيد يشدُّني:

يا قلبُ ..أنظرْ مَن أتاكْ

ها إنّها صدقتْ رؤاكْ

وجهٌ ..

كرائحةِ البلادِ

تُعيدُها الذّكرى

لمنفيّينَ من زمنٍ

ومثلَ سنابلٍ طلعتْ مباغتةً

بأعصابٍ

تضجُّ من انهياراتِ اليباسْ..!

وجهٌ بطعمِ الاقتباسْ ..!

هو نصفُ ذاكرتي

الّتي ما عِشْتُها يوماً

وذاكِرتي التي سأعيشُها ..!

هو مأزِقُ الأطيارِ

إذْ تعلو

وتعلو

كيفما شاءتْ

ويبقى في مَدانا

ريشُها ...!!

-2-

أهلاً بهذا القُربِ

طوقاً للخَلاصْ ..!

أهلاً ..

بكلِّ ملامحِ الزمنِ الجميلِ

تلبَّستْ وجهاً

يُشَكِّكُ بادِّعاءاتِ الرّصاصْ ..!

أهلاً بما ............

وأفقْتُ من هذا الشّرودِ

مضى

وما التفتتْ لهُ عينٌ !

أكانَ مضى ..؟!؟

كأنَّ مدينةً رحلتْ ..

وقد نسيَتْ بأعماقي شوارعَها ..!

مضى

ويُقالُ إنّ صبيّةً ...

كانت بذاكَ الرُّكنِ جالسةً

أطلَّ على متاعِبِها غريبٌ ما

لكي يَنسى ملامحَ وجهِهِ

مَعَها ...!

***

دانا ابو محمود

صرَخوا في وَجهِهِ:

كيسُ عظامٍ صغيرٍ.. دَخَلَ

الصَّفْعةُ أيضاً دخلتْ،

خَدُّهُ الصغيرُ

ظلَّ مُعلَّقاً في الهواء كخطيئة.

*

فكّر أن يُربّي شاربينِ طويلين ليَنجو

الصّراصيرُ التي مَشَّطتْ العالمَ بشاربينِ جَسورَين،

واستقرّتْ في بيتِهِ

لم تعُد تقَعُ في شِراكِهِ.

*

كلّما رأى يداً تُداعبُ قِطّاً تمنّى أن يكونَهُ،

وحدها القططُ

تتقاضى أجراً باهظاً على كسلها.

*

يوشكُ على الكتابة

تحيطُ الصّوارمُ بيديهِ كأنّهُ يوشكُ على مَذبحة،

الأملُ:

غُرفةٌ صغيرةٌ يُفلتُ غدَهُ فيها

الموتُ:

نقطةٌ مُتدَحرجةٌ تنتظرُ أن يتعبَ النصُّ

أو تبرأَ جروحُهُ لترتاح.

الحبُّ:

يطيرُ إليه مثلَ فراشةٍ منذورةٍ للولَعِ

ولا يجلسُ إليه.

كيف يُخاتِلُ الإملاءَ؟

وضعَ كلَّ لِحيتِهِ على الهمزةِ لتَطمئنّ

وقعَدَ أمْرَدَ البال.

*

يتعلٌقُ بدابّةِ الأملِ إلى رَحابةِ الله

يعودُ خاويَ الوفاض.

يرشو مؤَخّرةَ رأسِهِ

ليذهبَ في جُمجمتِهِ الفَضفاضةِ إلى حديقة عِصيان،

إذ يمرُّ النايُ مثلَ خيطٍ نحيلٍ على خَصْرِ الغيابِ العاري

يتبعُهُ.

يوشكُ أن يقَعَ من ثقوبِ الشَّغَفِ المشغولةِ بالحنين

لولا أنّ أصابعَها سدّتْ عليه الطريق.

*

حين أزاحَ السّتارةَ غضِبتْ..

بارزَها بسيفٍ أطرى من الماء

وقتلها من شدَّة الضّحك.

*

هل رأيتَ المدينةَ؟

هل فَلَيْتَ شوارعَها شارعاً شارعاً،

وأسواقَها دُكّانةً دكانة؟

ليلُها ظِلُّ عصا الشّرطيِّ

نهارُها سيرةٌ لفَداحَةِ الملكِ.

وفيمَ يتعجّلُ الناسُ؟

لعلّه الهروبُ من الغابةِ إلى خَشبِ الأثاثِ

ومن ظلِّ الشّجرةِ إلى قُفْلِ الباب.

*

يحدُّ الوطنَ جداران،

جدارٌ ينقضُّ يَدقُّ عنقَهُ،

جدارٌ يقفُ، يَعْميه.

الثلاثةُ عِلِّيَّةٌ مقدّسةٌ لا يمكن الخروجُ منها أبداً..

إن أردتَ الصعودَ

عليكَ أن تَحفِرَ حُفرةً في الأرض، وتلجَ منها.

الأربعةُ أرضيّةٌ

لكنْ عليكَ أن تَخترعَ السلطانَ

وترشو حاجبَهُ ليفتحَ لكَ الباب!

*

في المرّة الوحيدةِ التي فكّرَ أن يلتقي فيها معَ نفسِهِ،

حالتْ بينهُما المرآة.

***

وليد الزوكاني - سورية

أنا الفينيقُ في زمن ِ الرَّمادِ

عندما يَعزُّ طعم الحَياة

أخطفُ براعمَ الشَّمس ِ

من بساتين ِ الآهات

تَرنَّمْ بشَمسي

سَأُعيدُ الدفءَ إلى قُطبيك

هل هجرتْكَ السَّماءُ؟

هَلُمَّ إلى صَدري

طفلاً، كَهلاً، عاشِقاً

لأُرَمِّمَ هالةَ القَمرِ في عَينَيكَ.

تَسلَّلْ بَينِ رموش ِ اللَّيل

دعْني أسقي

حنينَ الروح ِ من دَمعَتيكَ

رفيفَ البَنَفسَج

يا تَرنيمَة الرَّيحان

أنا مِنكَ وإليك

لفَّني سوارَ عِشقٍ

حولَ مِعصَميَكَ

آهٍ يا أَرَقِي ..

شَوقٌ إليك يلتهمني

*

أنا والنجومُ نَبقى على أملٍ

لتُطِلَّ قبل الغَسَق

أُهزَوجَة من شَفَتيك

تعال وطني

تَوَسَّدِ السَّحابَ

وشتِّت شملَ الضَّبابَ

تَحَدَّ اللهبَ والصقيع

سأكونُ خُلودكَ ورئتيك

***

سلوى فرح - كندا

فرشنا دربنا بالسلم ورداً

و أنضدنا البراعم للأقاحي

*

فلم نبدأ على يوم حروباً

و لم نمسك بقبضات السِّلاحِ

*

و لم نشهر على نحر سيوفاً

و لم نقطر على رمل البطاحِ

*

ولدنا هكذا سلماً سلاماً

و لم ننجب بأرحام السِّفاحِ

*

حملنا حبَّنا حبّاً شعاراً

كقرص الشمس في أُفْق الصَّباحِ

*

مضينا في الورى جيلاً فجيلاً

بخطوات المروءة و السَّماحِ

*

بكينا في الخفا.. كي لا يرَونا

على الإكبار من وقع الجراحِ

*

زهونا هكذا.. نرجو مقاماً

و قَدْراً دائماً رهن الصَّلاحِ

*

رأينا أن نرى صبراً بصيصاً

لما في الأُفْق في الوقت المتاحِ

*

إلى أن قام من قام امتعاضاً

من الأزعاج من صوت النُّباحِ

*

هرعنا كلّنا.. شيباً.. شباباً

فقدّمنا قرابينَ الأضاحي

***

رعد الدخيلي

وصلتني رسالتك بعد إنتظارك لحرفي كل هذا الوقت وفي هذا الزحام المكتظ بالأحداث المرهقة....

كيف أشرح لك صمت قلمي في ظل هذا الهطول المتواصل للبكاء والنزيف وكأن تشرين كان على موعد مع الخراب في تلك البقعة البعيدة من الحياة؟ ...

كيف أشرح لك عجز حرف محبرتي من أن يأتي بسطر ينتشل الأمل من بين أنقاض الحطام وصراخ البراعم؟!

أشعر بقيد حديدي يقيد كلماتي وكأن كل الذي يحدث يفوق لغات العالم وأبجديته... وكأن الصور الآتية من هناك لا تحتاج إلى كلمات تخدش حقيقتها وتشوه تفاصيلها...

يؤلمني هذا العجز الذي شل حركة قلمي وأرداني قتيلاً آخر في الجانب الآخر... هذا العجز الذي يجعل مني شخصاً ثائراً وكأن المواقد تغلي في داخلي...

هذا الضجيج الذي لا يبقيني متوازناً على السطر كأن اهتزاز الورق يفوق الهزات الإرتدادية للأرض...

هذا الإلتحام المباشر بين حرفي الفارغ والألم الذي إختصر الحياة كلها في دقائق وتوابيت الموت تسير أفواج نحو السماء...

ماذا أقول وكيف أصف حجم الأيام الحبلى بالألم وكأن العالم كله يصرخ طالباً النجدة وإنقاذ الحياة؟

ماذا أقول وأنا أرى بحراً من الدماء يغرق الكلمات؟ وكيف أصف بكاء الرجال وصراخ النساء وموت الأطفال وظلام البيوت ووحشة الشوارع.

***

مريم الشكيلية / سلطنة عُمان...

أشـكـو الـى يـنـبـوعِـكَ الـضـوئـيِّ

مـن عـطـشـي

ويـشـكـونـي إلـيَّ الـصَّـبـرُ

أنـسـجُ شــوكـهُ ثوبًـا

فـأسْـعِـفـنـي بِـرَشـفـةِ سـلـسـبـيـلْ

*

وبـبُـردَةٍ مـن  وَردِ  روضِـكَ

تـسـتـعـيـدُ بـهـا حـمـامـتـيَ الـهـديـلْ

*

وبـمـا يُـضـيءُ دُجـى صـبـاحـاتـي

ويُـقـمِـرُ لـيـلـيَ الـمُـتـأبِّـدَ الـدَّيـجـورِ ..

يُـدنـي مـن يَـدي

تُــفَّـاحـةَ الإثـمِ الـحَـلالِ ..

ومـن جـلـيـدِ خـريـفيَ الـحـجريِّ

دفءَ ربـيـعـِـكَ الـمـائـيِّ يـا مَـسـرى " بُـراقـي "

نـحـوَ

" مِـعـراجِ " الـصـبـابـةِ والـهـوى

ونـهـايـةِ الـدربِ الـطـويـلْ

*

وتُـعـيـدُ نـبـضًـا

لِـلـمـشـوقِ الـسـومـريِّ

الآثِـمِ .. الـمُـتـبَـتِّـلِ .. الـشـيـخِ .. الـفـتـى ..

الـحَـيِّ .. الـقـتـيـلْ

*

لِـتـقـومَ فـي رمـضـاءِ بـاديـةِ الـسـمـاوةِ

أنـهـرٌ تـغـفـو عـلـى شـطـآنِـهـا الـغـزلانُ آمـنـةً

وواحـاتُ الـنـخـيـلْ

*

ويـجـيءُ جـيـلٌ

لـيـسَ يـعـرفُ أنَّ قـبـلَ مـجـيـئِـهِ

مـا  جـاءَ فـي " أوروكَ "

جـيـلْ

*

وأنـا وأنـتَ :

" بُـثـيـنـةٌ " يـحـدو بـهـودجِـهـا " جــمـيـلْ "

*

نـرتـادُ فـوقَ ســريـرنـا

جُـزُرًا بَـكـورًا

لـم تـطـأْهـا قـبْـلـنـا قَـدَمٌ ..

ومـا مـرَّتْ بـذاكـرةِ الـعـصـافـيـرِ .. الـفَـراشِ .. الـسـنـدبـادِ

ولا بـأحـلامِ الـخـلـيـلـةِ والـخـلـيـلْ

*

هَـيَّـأتُ لـلـتـنُّـورِ أحـطـابـي

فـهَـيِّـئْ  لـيْ رغـيـفـًا مـن طـحـيـنِـكَ

يُـشـبِـعُ الـقـلـبَ الـمُـوَزَّعَ بـيـنَ فـردوسٍ ونـيـرانٍ

لأفـتـحَ قُـفـلَ بـابِ الـمـسـتـحـيـلْ

*

لِــنُـشِـيـدَ " أوروكَ " الـجـديـدةَ

حـيـثُ لا خـوفٌ عـلـى الـغـزلانِ مـن ذئـبٍ

ولا مـنْ ســومـريٍّ عـاشِـقٍ صـبٍّ

يُـفـكِّـرُ بـالـرَّحـيـلْ

*

عـن أرضِـهِ الأولـى

ومـلـعَـبِـهِ الـقـديـمِ

وأشـرَفِ الـشـجـرِ الـنـخيـلْ

***

يحيى السماوي

السماوة  25/11/2023

بمـناســبة قـرب الانتخابات

اِغْـمِسْ بـنانَـك لا زَيفٌ ولابـَطَـرُ

واخْـتَـرْ نَـزيهاً ، له الآمالُ تنتظرُ

*

لا يـُـلدغ المَرءُ مِن جُحْـرٍ لِثانـيةٍ

إنّ التجاربَ مـيـزانٌ  بـهـا عِــبَـرُ

*

شاوِرْ أخا ثِقةٍ إنْ كنتَ في حَرَجٍ

فالنفسُ مِن طبعها تُـنهي و تأتمرُ

*

سَدِد خُطاك ولاتبصم على عَجـَلٍ

كم من سَفـيهٍ بثوب العدل يستـتـرُ

*

وكم وعـودٍ تُـريك الأفـقَ مُبتسماً

لكنهـا فـي ضباب الوَهْـم تــنغـمرُ

*

أدّوا يـَمـينـاً بـما قـد أقسموا عَـلَناً

لــكنَّ أكثرهـم بالعهـد قـد غَـدَروا

*

فـكن لبـيـباً ودقـق في شـؤونـهُـمً

لا يـنفع اللومُ إن جهـالهم عَـثَروا

*

لا، لا تُـجامل ، كـفانا مـا ألَـمَّ بنـا

فالجهـلُ إن شـاع لا يُـبقي ولايـذرُ

*

صوِّتْ لِحـُـرّ، فإن نابَـتْـكَ نـائـبـةٌ

تـلـقاه بالحـق عَـوْنا، لـيس يـعتـذرُ

*

الصوتُ كالـدّر لا ترمي بـه عَبَـثاً

فـرُبَّ صَوْتٍ ، به الأحوالُ تزدهرُ

*

ماخان حُـرٌ،فـطُهْـرُ الأصل يمنعـه

قـد جَسَّـدَتْ ذلك الأشـعارُ والسُّـوَرُ

*

ثَـقّـفْ بـنيك اذا اختاروا مُرشَّـحهم

فالقولُ منك يَـعِـيه السّـمعُ والبـصرُ

*

فـكم شِـــعارٍ بــليـغٍ فـي دعـايـتـِــه

لـكـنَّ خَـلْـفـــه أمّـيٌ ،  بـــه خَــوَرُ

*

اِغْـمِــسْ بَـنانَـك ، فالأحـفادُ ناظِرةٌ

تـخطـو خُطاكَ ، فدعها فيك تفتخرُ

*

الخُـلـدُ للمخلصين الصادقـين ومَـنْ

خـانَ الـبـلادَ ، فـلا عيـن ٌ ولا أثـرُ

***

شعر عدنان عبد النبي البلداوي

قضمة ظل في أحشاء الأجل..

الخُلُوُّ القاسي الذي لا ينتهي!

لغة تنحت شكها من رَذاذ الكلام

أو رصاص طائش ..

أو غيمة تائهة..

*

كقبضة يد ريح

أو غفوة حلم لنهار عاصف ،

عماء لليل طويل ..

أُقلب الساعة،

فترقب وجه بوم حزين،

يهفهف أشياءه القبيحة على مرأى السراب ..

*

بَارِدٌ صمتها،

تَهُبُّ الاصداء ، فَيُسْمَعُ صَوْتُ حفيفها..

إذ تقول:

ما الفراغ في بيداء مقفرة؟

وما غصن يميد ملاحةً،

دون أن تجف عيون الوهن..

*

الخفيفُ للطَّي، والهائم للقطا..

والشعر ليس حجة،

اكتب وثر واستل سيف الحذر ..

كن جديرا بالفراغ،

كما يحلو للغربان أن تقدح من معارك خَطْمها ..

عينيها المنقوفتين ،

ريش مِغْزَل،

(كأنهُ ورقُ البسباسِ مغسول)

*

إذاك، فر إلى أمكنة أخرى،

دونها الأفرغة المكرورة..

صُبَب المنحدرات،

الأهواء السحيقة..

حيثما تكلَّف الشّوق والعِشق،

ثم انكشف،

كي لا ترى روحك العطشى ..

من إشمام واستواء،

وماء سخي لايقبض ..

ومحبرة تنكتب بعين جائلة

وقلب يخفق ..

هذا الفراغ السني يهزم طاقتي،

ويوجع الطموح الواعد في جدار النسيان!!

***

د. مصطَفَى غَلْمَان

شاعر وإعلامي مغربي

 

انه يوم آخر تطاردني فيه

لك أسبابك الكثيرة

ولي فضول المسنين

لا بأس، سبب واحد سيكفي

البارحة لبستُ ملابسَ شتوية

وحذاءً طبيًّا

شربت شاي الأعشاب

وخرجت للمشي

صندوق البريد كالعادة

فيه ما لا يَسُرُّ وما لا يَسُرُّ

شاهدت ُجارنا يُدَخِّنُ بشراهة

بينما يبول كلبه الأبيض على الواقع

شجرة الكستناء التي أمام شرفة بيتي

انكسر منها فرع وسقط بصمت

أيها الموت

أنت الثقب الأسود والمحارب الناعم الذي يجذبني اليه

***

فارس مطر

هَذَا الدَّمُ الَّذِي يَنْسَابُ فِي حَلْقِ التُّرَابِ..

وَيُمَيدُ نَشْوَانًا وَيُهْزَأُ بِالْمَذَابِحِ وَالْعَذَابِ..

وَيَفِيضُ مِنْ جُرْحٍ سَحِيقٍ غَائِرٍ ..

عُمْقُهُ يَمْتَدُّ فِي الْوَطَنِ الْمُصَابِ..

هَذَا الدَّمُ الْقُدْسِيُّ سَيَبْقَى هَادِرًا..

وَذَاتُ فَجْرٍ سَيْمُوجُ كَالْعُبَابِ..

سُيُولُهُ الْغُضْبَى سَتَقْذِفُ الْأَعَادِي..

وَتُحِيلُ كُلُّ مَا غَرَسُوا سَرَابٌ..

طُوفَانِهُ الْحَقُّ سَيُمْحَقُ مَحْضٌ بَاطِلٌ..

وَيُزِيلُ أَرْكَانَ الْخُرَافَةِ وَالْخَرَابِ..

وَيَحْسَبُونَ  انَّهُمْ  إِذَا مَادَمُرُوا أُمِرُوا..

وَإِذَا مَاذَبَحُوا رَبِحُوا وَتُقْرَعُ الْأَنْخَابُ..

هَذَا الدَّمُ الْقُدْسِيُّ تَشْرَبُهُ الْجُذُورُ ..

سَيَسْطَعُ فِي يَقِينِ كُلِّ جِيلٍ كَالشِّهَابِ..

سَتَذْهَلُونَ مِنْ صَوْلَتِهِ ذَاتَ فَجْرٍ

غَاضِبًاً مُزْمَجِرًا يَجْتَاحُ الْيَبَابَ..

وَقْتُهَا مَنْ يُنْقِذُ الْغُزَاةَ مِنْ مَصِيرِهِمْ..

حِينَ الدَّمِ الْقُدْسِيُّ يَبْدَأُ بِالْحِسَابِ.

***

د.أبوبكر خليفة أبوبكر

 

مابـينَ ذكـْرِكَ ، والأيامِ ، والألمِ

جرحاً طويْتُ فلمْ أهدأْ ولمْ أَنَمِ

*

جرحاً يُنازفُني، يجري بما حملَتْ

مظالمُ الأرضِ مِنْ جَوْرٍ على قَدَمِ

*

مظالـمٌ لو روتْهـا الريـحُ ما بقِيَـتْ

في حقلِها زهرةٌ والصَخْرُ في عَلَمِ

*

يا رِفْقَةَ الروحِ، يا حُلْماً لمُنتَظَرٍ

ببارقِ الأملِ المعمـودِ بالقِيَـمِ

*

الروحُ مِنْ بعدِكُمْ دارَ الزمانُ بها

بينَ العواصـفِ والأنواءِ والضُـرَمِ

*

غِبْتُمْ وغِبْنا "فما ابتلَّتْ جوانحُنا

شوقاً إليكمْ" ولا بُرْءً منَ السَقَمِ

*

وما اسْتكانَتْ لنا عينٌ وأعيُنُكُمْ

طيَّ الترابِ وطيَّ القلبِ والحُلُمِ

*

حُلْـمٌ بـأنْ نلتـقي يـومـاً برابـعـةٍ

مِنَ النهارِ فنُحيي النورَ في الظُلَمِ

*

ما كانَ في خاطرٍ أنَّ النهارَ لظىً

والليلُ شـوكُ قتـادٍ وافـرُ النَهَـمِ

*

فإنَّ ظلمَ ذوي الأحقادِ سائقُهُ

كراهةُ النورِ والأحلامِ والشِيَمِ

*

ماتَتْ ضمائرُهُمْ مِنْ سالفٍ غبرُوا

فما حوَتْ غيرَ  صُفْر الريحِ والنِقَـمِ

**

ما بينَ وجهِـكَ والأنفـاسِ والكَلِـمِ

وقفْتُ مُضطرِباً والحرفُ فوقَ فمي

*

الأمُ والأختُ والأزواجُ في لَهَفٍ

ماذا أُحدِّثُ والأحزانُ في عَرِمِ؟

*

مـرّتْ دهـورٌ وفي الأنبـاءِ مَخبرُكُـمْ

والقومُ في قالِهِمْ والقيلُ في الحُكُمِ

*

أيـنَ الذينَ تبـارَوا بالسـيوفِ لنـا

وأينَ مَنْ أشعلوا النيرانَ في الخِيَمِ؟

*

وغيَّبوكـمْ وما غابـوا، فسادنُهُمْ

في خيرِ مُحتَكَمٍ، في خيرِ مُغتَنَمِ؟

*

هذي حليمةُ قد عادَتْ لسيرتِها

وعادَ أصحابُها مِنْ ساقطِ الصنَمِ

*

توارثَتْها بنو سُفيانَ مُذْ خُلِقَتْ

وإنْ تسـلَّلتِ الأقوامُ بالعِمَمِ

*

ياقومُ، إنَّ انتظارَ المَنِّ مَعجَزةٌ

وما التوسُّلُ بالأبوابِ مِنْ غُنُمِ

*

هُبُّـوا بخَيلِكُمو فالشـاهدُ العَـجَـزُ

وأَطْلِقُوا الصوتَ شُدُّوا شدَّ مُعْتَزِمِ

*

لا خيرَ في الصوت مكبوتاً ومُنقَسِماً

الخيرُ في الجَمْعِ صرّاخاً على القِمَمِ

**

ما بيـنَ صوتِـكَ والأصـداءِ والهِمَـمِ

رفعْتُ حرفيَ مسدوداً على القَلَمِ

*

فرُبَّ حرفٍ كحدِّ السيفِ صارمُهُ

ورُبَّ سيفٍ نبا في ساحِ مُلتَحَمِ

نبكيكَ في يومِ ذكراكَ التي نزلَتْ

نـزولَ صـاعقةٍ هُـدَّتْ بها قـدمي

*

لم يبقَ منكَ سوى الذكرى نداولُها

روايةً مِنْ صفَحاتِ الذبحِ في الأُمَمِ

***

عبد الستار نورعلي

الأربعاء 21 آذار 2018

**  يفرنقع المعزون

تزرب جثتك الجميلة بالدموع

وفي المساء تأكل ثعالب متناقضاتها.

ما أبهى قيامتها في العتمة.

الأمطار غريبة مثلي

تحمل رائحة الدادائيين في معطفها الأشيب.

أيها النمر الأسود

عليك الهبوط من السقف

أو من كتف شجرة اللوز المتشققة

الساحة تعح برهبان القرون الوسطى.

أنت تفكر مثل مسدس مكسور الخاطر

أو مثل سماء بساقين من البرونز الخالص.

سأهديك تابوتا جميلا.

أميرة بمهبل من الكستناء.

عاصفة من الجواري لتكسر زجاج التفكير الفلسفي.

المشنقة تخطف سلة حبيبتي الملآى بمكعبات الضوء.

المشنقة تطل من الشباك

مثل بومة عمياء.

يهاجمني الحفارون في عز النوم.

أوقظ سحليات المخيلة

قبل سقوط المغارة.

شربت سمكة السهو

وأممت قاع المحيط.

قواربنا ملآى بأسماك الأسئلة الكبرى.

سأعتني جيدا بقوافل المنتحرين.

سأبني أعشاشا لإخفاء غيوم هواجسهم.

سأحتفي بجيادهم الحزينة

سأكتفي بعض أصابع الصيرورة

هذه البنت الشهوانية

التي تشرب مياه الليل والنهار.

الضوء المتساقط من عنق قوس قزح.

أيتها الشجرة يا شقيقتي

أيها النهر يا أخي العميق

في الربوة نقاتل بوم الدوق الكبير

مطوقين بالفضة والغزلان

نفتح النار على المومياوات

نتبع فيلقا من الفلاسفة

لتخليص العميان من العار  والفضيحة.

نقول: أفكاركم بنادقكم.

الزواحف تترصدكم بالجوار

اللاشيء يجأر في الجحر

آه أيتها الظواهر

يا غابة بؤسي الكثيفة.

تعبرون

العدم بيتنا الأبدي

في الرقعة نترك الملائك والشياطين

نترك الخير  والشر يتقاتلان

مثل كلبي بولدوغ

نترك الأرملة تجر عربة الفراغ

بدمعتين من الماس.

نترك  المسن على دراجة من  قش.

ندع العالم يجأر بالجنون

وراء عربات الموتى.

***

فتحي مهذب - تونس

 

سَبعون عاما وصوت المجهول

يتردد مُتموّجا مُدويا كالهَزيم

سبعون عاما وليل الغربة

يتمدد مُقطّع الأوصال

سبعون عاما ولا حديث إلا عن نجيع دم

يشق ربى غارقة في الوجع

لن أبالغ إذا قلت: أن الزمن تَسَرّب

إليه الملل

وصار حديث الأشلاء ولُغة الموت

مجرد تسلية في حضرة " الجَزيرة"

يمضغون العِلك.. يزدردون الفشار

يتفرجون على الخراب والدّمَار

وقد يكتبون تغريده : يدعون للنَّفير

والصمود " لأن النصر قادم"

يحصد الموت ما شاء من أرواح

وتصرخ سيدة عجوز :

" نحن نُذبح كالشياه يا تجار القضية

نتنفس البارود ورائحة العفن "

سبعون عاما ولا بارقة نور

تحمل بشرى فك الحصار

ودك حصون الطغاة

سبعون عاما من المراثي

والنوازل الفاشية تقتل وجه الحقيقة

لن أبالغ إذا قلت: أن الحياة لبست ثوب الموت

وأن الذهاب المبكر صار فريضة.

وأن الغد مجرد وهم

مجرد حلم

غزة تنام

على حزن

وتصحو على ألم

وبابتسامة شاحبة

تصافح شمس الصباح

ثم ترخي دوائبها

السود في ضجر

قد انهكها سخام

الأيام البئيسة

وأثقل كاهلها

وجع الغزاة

*

غزة تتنفّسُ

صمتا

وتحترق في آتون

العتمات

غزة قمرها

جريح

ونجومها بلا بريق

غزة ترتجف كفراشة

هائمة

و تفتح صدرها المثخن بالكلوم

لمزيد من الطعنات

***

محمد محضار

 

أرسم.. وردة

بحجم القمر

أكتب حرفا.. لكل العبر

أكتب كلمة.. باسم الله

بلادي..

بندقية..

لن أرسم.. وردة

أرسم بندقية !!

بحجم طفل.. وأخرى بحجم العالم

لن أرسم بندقية.. بندقية.. موت.. ودمار

أرسم حلوة لعيد.. ميلادي

بدون سكين..

وبدون ذكرى..لهذه السنين

أرسم دمعة

على ذاك الألم..

بل أكتب اسما..لهذا الألم

أرسم طيرا أسيرا

وقلبا جريحا

وطفلا قتيلا

بل أكتب سلاما

وأزرع حياة

وأنشر عدلا

لن أرسم قربانا.. لتلك النسور

ولا نارا.. لغصن الزيتون

بل أرسم خبزا., لتلك البطون

ووردا لتلك.. القبور

وشمسا.. لذاك الجليد

أكتب كلمة.. لتلك العهود

وأخرى.. لوراء الحدود

وتبقى أخرى,, حكايا الجدود

لن أرسم قميصا

مخضبا بدماء

ووطنا.. على الأطلال

آه  تعبت..

غادرتني كلماتي

ومسحت رسوماتي

وتعفنت.. حلوة ميلادي

لكن.. سأرسم.. وأكتب

أرسم قلما بحجم الوطن

وصفحة.. لهذا الألم

بل أكتب.. حرفا.. وكلمة

وقضية لهذا الوطن

***

الشاعرة: صبحة بغورة

هارب ...

وغدي تاريخ بيدي

ويدي .. تحمل قضيتي

قضيتي منحتها دمي

ووردة ..

أجهض العابثون عبقها

وسرقوا أنفاسها البريئة

أيها المتواري

في بياض الحقيقة

أسمع .. تنهيدة فلسطين

الحالمة

وأنات زيتونتي

برماد سنينها الغابرة

أهديتها طفولتي

طفحت ذاكرتي

بمحنة القبور

والأضرحة،، الباكيات

أرسم بريشتي،، بقايا القبلات

هوايتي ملغاة

وجه هائم بالطرقات

اسمع تنهيدة فلسطين

الحالمة

تشكل أفكاري

خرائط اللغات

ومجهول المسافات

وصمت النظرات

بلا حركات.. بلا نبضات

ترفضني المحيطات

أفتح تابوتا

أبحث عن أغنية

رددتها الحناجر

وعن نورس له شهوة الإبحار

وشعر له ثورة الأحرار

أسكرني الدمع

هدهدني الرعد

مزقتني الجراح

اسمع تنهيدة فلسطين

الحالمة

حاملة حجارة ساخنة

وقد غدت أطلالها

مفخرة القراصنة

أين الفارس

لينقذ الفاتنة

هارب ..

قناديل الرحيل المظلمة

لفلسطين .. تحن الذكريات

وأمل يدغدغه الرجاء

وكلام يمقته الجبناء

أبسط أشرعتي

أجمع قوتي

حكاية أرضي

تبناها دفتري

دفتري عشق لغتي

لغتي .. حريتي

وكل ما أبتغي

قلم .. وزنبقة

ورياحين حبلى بالزقزقة .

***

الشاعرة / صبحة بغورة

جميع سكان الحي يعرفون صمصم، رأس كبير بشعر مخرص مغبر غزير، يصطلي على قامة قصيرة، منه تبرق عيون صغيرة بشق عمودي كثعلب يتحين لافتراس ؛ أنف طويل معقوف كدمية الطفل الخشبي بينيكيو، أذناه كبيرتان كثعلب فينيقي، أما شفتاه فقد زمت العليا على السفلى كمن تخاف عليها من هرب ..

صمصم !! ..اسم يرهب الكبير قبل الصغير ويحذر كل فضولي إن هو تدخل فيما لا يعنيه، أو سولت له نفسه أن يهتم بما يرى، فمهما أبصرت عين أو تخيل عقل من وقائع تحدث في إقامة صمصم فهذا شأن خاص لايهم غير صمصم نفسه ..

لم يكن مسكن صمصم غير مربط لبغل، يساكنه بغل، استغل البغل الثاني زاوية بعيدة عنه فِراشا من حلفاء وتبن فوق صناديق خشبية كمكان لراحته بنهار وسريرا لنومه بليل ..غير بعيد عنه وفي ركن يلاصق الباب مكان ضيق يخصصه لجلوسه واستقبال المتعاملين معه..

قلما يجالس صمصم أحدا، فزبانية عصابته من ذكور وإناث، هم بلاعمل، حشاشون ومتسولون، ماسحو أحذية، ومن لا أُسرة لهم، الجميع يعمل انطلاقا من أماكن تواجده، تتباين أعمارهم ما بين الطفولة والكهولة، أما التواصل معهم فيتم هاتفيا متى كان صمصم في حاجة الى أحد منهم منفرد ا أو مصاحبا ذكرا و أنثى حسب المهمة التي سيكلف بها ويسخر من أجلها ..

شبكة من اللصوص وقطاعي الطرق تغطي الحي والى أحياء أخرى تمتد بلا خوف من سلطة أو خشية من أحد، بل كثيرا ما تتكئ السلطة على شبكة صمصم بأمر، كما على نفس الشبكة تعتمد نقابات وأحزاب أيام الانتخابات فكثيرا ما يتم حسم النتائج حسب تدخل الشبكة والاوامر التي تتلقاها وعلى صمصم تملى والثمن الذي يتم دفعه ..

بطش صمصم وجبروته يرهب جميع السكان وكما عبر بعض المقيمين في الحي في اجتماع تشاوري للجيران :

ـ أكثرنا صار يُحوِّل اتجاه غدوه ورواحه بعيدا عن إقامة صمصم حتى لايمر قريبا من هذا الخنزير الذي لم يجد ناهيا ولا منتهيا ..

ـ أسئلة القيم والأخلاق غائبة عن ميزانه وعمن يتعامل معه ..

ـ الى متى نجبن بصمت أمام هذا الظلم الذي تخشى ان تحاربه سلطة بل له تشجع بغض بصر؟

ـ أليس هو الخوف الساكن فينا؟..

ـ بل هو الخوف على فلذات أكبادنا، فمن يعيلهم إذا ما فقدونا في زمن ماتت فيه القيم والأخلاق التي ورثناها عن آبائنا ..

لما مات بغل صمصم في ظروف مشبوهة أجرمت شبكته بتقطيع البغل وتوزيع أعضائه في أكياس تمَّ التخلص منها في واد قريب.. وحين ضج السكان بالروائح الكريهة والنتنة التي اكتسحت الحي ادعى صمصم أن ثلاجته قد فسدت وكان بها لحم ولم ينتبه لتوقفها عن التبريد، ودرءا من انتقامه فقد أيدته السلطة إثرالبحث في الأمر ؛ لكن بعد إضرابات قوية قامت بها المدينة احتجاجا على إهمالها ونسيانها من مشاريع التنمية وإطلاق يد صمصم وزبانيته في أرزاق السكان، وتسترها عليه، فقد تم القبض عليه وحوكم بسنة سجنا بعد أن اكتشف أحد " الفلاسة "أجزاء من تمفصلات البغل وعظامه في الواد الذي يقسم المدينة الى عدوتين فبلغ "الفلاس" السلطة ومعه رأس الحصان الذي مات في إقامة صمصم كدليل ..

استطاع صمصم أن يفر من السجن، أو له قد تم تدبيرفرار بتيسير اثر مظاهرات عمت البلاد بسبب الغلاء والمبالغة في فرض الضرائب، وضعف الأجور، ومشاكل تعم التعليم والصحة والقضاء ومن تم غاب صمصم عن المدينة زمنا ثم هل بظهوروقد غيَّراسمه ولقبه، وصار الحاج عبد الموجود الموعود، جدد مقره بترميم، فتحول المحل من مربط لبغل وسكن لصمصم الى متجر لكل موروث، هو في الظاهرمتجر للتحف الأثرية والزرابي القديمة، وكل عتيق عريق، لكن خلفيته لم يتغير لها نشاط بما لايُرى، وسبحان من يخلق من الشبه أربعين !!..

متاجر أخرى فتحها الحاج عبد الموجود في أكثر من حي فظهور حكومة جديدة، وإصلاح أنظمة الموظفين الأساسية بعد مفاوضات عسيرة مع التنسيقيات وإبعاد النقابات التي لم تعد محل ثقة، والزيادة في الرواتب مكنت الحاج عبد الموجود من أن يعمل في حرية أكبر ويمارس حياة طبيعية بعد أن غير من لباسه فارتدى البدلة الأوروبية والحذاء العصري فوق الجوارب بدل القمصان الرمادية الطويلة الرثة والجاكيط الوسخة، دون أن ينسى تقليعة قصات الشعر الجديدة كما ارتقى من امتلاك بغل الى صاحب سيارة فارهة، وأسطول شاحنات لنقل البضائع والسلع، ورخص للنقل السياحي .. تزوج بسيدة محامية أغراها بماله ونفوده، دفعها للمشاركة في الانتخابات فنالت مقعدا في مجلس جماعة المدينة كعضوة مستقلة عن الأحزاب التي فقدت بريقها ثم مكنتها أموال الحاج عبد الموجود من ترؤس المجلس وهو ما أطلق يده كممول حفلات وصاحب مشاريع بخبرة وتجربة لم يسمع عنها من قبل أن تصير له اليد الطولى في كل المشاريع التي يقررها المجلس ..

لم ينس الحاج عبد الموجود العاملين معه بل كون وفي اسمه الجديد وبأمر من السلطة شركة للامن والحراسة الخاصة، وهكذا صار علامة للضمان: "حاميها حراميها"

مع الأيام وليوحي بتفكير عصري ومبدع شرع الحاج عبد الموجود يتخلص من أكثر زبانيته من المتسولين وقطاع الطرق ومن الأطفال المشردين، وبائعي السجائر، مَن تنازل له الحاج عن متجر مقابل أداء شهري بالتقسيط، ومَن فتح له دكانا في اسمه مع نسبة في الأرباح، ومَن فضل مبلغا ماليا وانسحب، ومَن اشتغل مخبرا، كما منهم من غلا له رأس باعتراض فتم القضاء عليه غرقا في واد، أومطحونا تحت عجلة قطار، أو مسموما بعضات ثعبان تحت قنطرة..

عشر سنوات يغيب فيها الحاج عبد الموجود عن الظهور، بعد أن طلق زوجته المحامية بالتراضي وصار ت من يستفيد من خبراته في تزوير الميزانيات وتحويل المشاريع والتأثير في معارضيها والانتصار عليهم.. طلقها ومنها قد هبر ميزانيات وتعويضات بلا حساب للأموال السائبة .. سافر الى الشرق الأوسط ثم الأدنى ومنه الى الديار المقدسة، أغرق الوسائط الاجتماعية بصوره وأخبار رحلاته وإحسانه للفقراء والمعوزين، ولم يعد يذكر من ماضيه اسم ولا لقب ولا مهنة، وكما قال عنه أحد شيوح المدينة :

ـ الكعبة ترجم بأبناء الزنا ..

عاد الحاج عبد الموجود بعد حج لبيت المقدس ومعه أنثى كم تقوَّل الناس في موطنها الأصلي وديانتها وإن تعرفوا على مهنتها من صورها عبر بوابات التواصل الاجتماعي ..

يظهر الحاج عبد الموجود و وهو أكثر سمنه وأوفر شحما قد ابيض له شعر، فصار كالثلج نصاعة، شذب لحية، وصار ينتعل البلغة الزيوانية مع جلابيب الشعرة أو المليفة حسب الفصول بدل الخف اللدائني القذر، وعلى الرأس يضع عمامة بيضاء ..

يتحدث الناس عن ورع الشيخ عبد الموجود وتقواه وعن قيام الليل ومداومة صلاة الصبح في جماعة، يظهر في وقت يتحدث الناس عن تسامح ديني وتصالح وتطبيع مع جميع القيم الدينية السماوية والأرضية مهما كان معتنقوها، و كانت شراسة تعاملهم مع غيرهم وهو ما يعيد الناس الى طاعة ربها بعد أن انساقت وراء الملذات وتقليعات المثلية وزواج الانسان مع الحيوان ..

لقد وجدت السلطة أن ظهور الحاج عبد الموجود في صورته الجديدة هو نصر لها حديث كمحاولة لتخدير العامة بقيم عصرية براقة ومغرية، والتشكيك في بعض رجال الدين من سيطروا وبالغوا برجعية وتشدد، وما تبثه بعض الوسائط الاجتماعية من تأويلات دينية وما تكشفه أخرى كنقيض، انحلال خلقي صاريساهم فيه كل من هب ودب واليه جره طمع وإغراء بدخل لم يكن ليحلم به، إباحية فاقت الحد شاعت باسم الفن وحرية الرأي والمعتقد ..

شرع اسم الحاج عبد الموجود يذيع بذكر وينتشر كرجل وطني متشبع بالفكر الديني الحر المنفتح، يتحدث عن الانسان الحديث العصري المتحضروعن الأسرة و تجديد قيمها الضائعة، وضرورة إعادة النظر في قوانينها، والمرأة والدعوة الى تحررها، والمساواة بالمناصفة بينها وبين الرجل، وتقليعات الفكر الابراهيمي لسيادة التلاقح والانعتاق من عبودية الذكورة ..

صارالحاج الموعود يحتل مقاعد في المساجد ويقدم الصدقات وعليها يحث لا يتوقف عن ذكر:

ـ العبرة بالخواتم، إنما أمره، وهو يهدي من يشاء الى صراط مستقيم ..

دون أن يدرك المقصود" بمن يشاء"، وأنى له أن يدرك ؟ ..لسان يلغو بما لا يعي يدلي بدلوه بين الدلاء التي صارت لا تميز بين ماء طاهر وآسن ..

المفارقة أن الرجل الذي لا يتغيب عن صلاة الفجر هو نفسه من كانت زوجته تمتهن الرقص و الى الشارع تخرج سافرة وحين سئل عن ذلك قال :

ـ وهل ينظر الله االى صورنا ؟ ..الأعمال بالنيات !! ..هي زوجتي على سنة الله ورسوله، والله غفار لكل مذنب ؟.. زوجتي كانت تمتهن الرقص وتوقفت عن خطيئتها ؛ من كان منكم بلا خطيئة فليرجم هذه الزانية بحجر !! ..لو اطلعتم على قلبها لوجدتم الحنان والرحمة ..تلك كانت مهنتها ولم تعد، والله يحب التوابين ويحب المتطهرين ..

بعض من عامة الناس اعتقدوا في الحاج عبد الموجود خيرا، فربما الرجل قد غربله الزمن وطهره وان ظل في نفسه أثر من ماض لانعدام معرفة تفصل في مخه بين حرام وحلال بقطع ..

 بعضهم عارض هذا الرأي فعيون الرجل كالثعلب تدور في محاجرها وتتابع كل انثى من خلف، ويصغي بانتباه اذا سمع حديثا عن الصفقات والمشاريع والميزانيات، فماصار يملكه من وسائل للنقل و من شركات للمحروقات يهيمن عليها في سلطة لاتعرف الرحمة تتعارض مع كل تدين يتظاهربه أو صدقات يغري بها الفقراء البائسين، ..

اختلف الناس بين الاعتقاد و التضامن مع الرجل وتأييده في أقواله وسلوكه وبين من قرأ تاريخه من أيام ذبح البغل، واقتحام البيوت، وقطع الطرقات فقالوا :

ـ سحلية تتلون مع الزمن ورغبات السلطة ..

سبحة في اليد وعين غمازة بفسق ..

وكان لكل فئة وجهة يوليها، لكن الذي غاب عن الناس أن الحاج عبد الموجود دوما هو صمصم الموجود لا يتلون الا بأمر، يتقن وضع الأقنعة، اتقانه لتشخيص أدواره حسب ركح السلطة، وبناء على أوامر لإشغال الناس بإثارة إضراب، أو سفك روح بالغت في معارضة السلطة، وتخطيطات المتاجرين بأقواتهم والمتلاعبين بمصائرهم، لا يهمه من مات من شبع أو ذوى من جوع، مادام نصيبه مضمون بوفرة وقبل غيره، يكفيه ان يثبت في مراوغات لاتنكشف للجميع أنه رجل ذو أخلاق، داعم للفقراء من خلال قضية ونقيض، وانه لايجيد السباحة الا في المياه النظيفة بعيدا عن دسائس القوالين الذين لا يؤمنون بغفران ونسيان، وعليه يطلقون دعايات هو منها بريء براءة الذئب من دم يوسف ..

كان يكره أن يكون تحت اية وصاية أخلاقية أوقولبة إنسانية في نمط معين محدد من المهد الى اللحد، أو يتم تذكيره بشعرة ماضيه فهو لم يكن في يوم من الأيام ساذجا أو ينحني لموجة الا بأمر من السلطة التي حددت له الطريق بعد أن اقتنعت بقدرته على إعادة تشكيل المواطنين ببراعته وذكائه من يوم وجدته لقيطا بلا اصل وسهرت على شحنه عبر مطاردتها له وتنشئته في سجونها لتكون منه الحيوان الذي ارادت وله ترتاح..وكما يعبر وبصدق عن نفسه ـ

"الرأس الذي لايدور كدية "

***

محمد الدرقاوي ـ المغرب

 

لكِ احتشدت هذي البوارج والأساطيل

كم أنتِ عظيمة،

يا قلعة الله

على الأرض

2

يا حارس قلعة الله

أيها الفدائي

نورك هذا النور

المنتشر في الدروب

يا حامل مفاتيح المنازل

افتح لنا هذه السماء

نحن ظلال الشهداء

إلى الخلود

3

بين الشهيد والشهيد شهيد

جسر إلى السماء

لبزوغ فجر جديد

4

هؤلاء أحبابك يا الله

الأطفال الذي يتسابقون إلى ملكوتك

بأرواح مثقوبة

وأجساد ممزقة

إلهي.. شقّ لهم طريق القمر

كي ينفلق النور في درب الصعود

5

عشرات الطلقات الإضافية

إلى جسدي

وكأنّ طفولتي تغيظهم

تحرّضهم ليقتلوني عشرات المرات

لسنوات قادمة

6

في عين هدف الجندي

رضّع.. خدّج

ليراجع القانون الإنساني

من أي نطفة لا إنسانية

جاء هذا القاتل

7

غزة

مدينة لا تشبه المدن

قال لي حَمَامُها الأبيض

الذي شوهد بين الدخان

8

هي خطوة يا ولدي

وننجو

قالت الأم الشهيدة

وهي تحمل طفلها الشهيد

9

قالت الأم:

يا ولدي لا تلتفت إلى الوراء

هناك عرب تخلّوا عنّا

بعد أنْ تخلّوا عن كتابهم

عربٌ

شمّروا عن زنودهم أمام المناسف

تراهم رفعوا الزينة وتشفّوا بنا

تعرّوا وفرفشوا

10

ماذا تفعل أيها العجوز

- أزيح الحجارة عن جثماني

المتواري بين الأنقاض

11

يا أبي،

لماذا صرنا نباتاً؟

يا بني،

لأننا الجذور!

ويا أبي، لماذا يجرفون الجذور؟

- لأنهم بلا جذور

12

لا طعام ولا ماء

والقذائف تتراكم على جراحنا

كل ثقب في أجسادنا

نافدة الى السماء

مَنْ غير غزة؟

وعاء لدموعنا

مَنْ غير غزة؟

دثار لعريّنا

يا لله خذنا في معانيك

بأنّ المسيح لم يتحمّل

بقدر ما تحمّلنا من آلام

13

في قلب المجزرة أنا

أيها السيد

أبحث عن قدمي ويدي

لساني لا أجده أيضاً

لأقدم لكَ المديح

الذي يسعدك سماعه

14

نحن الأطفال تقصفنا الطائرات

وعيوننا مفتوحة وذاكرتنا مملوءة

فأين سيذهب القاتل؟

حين يزهر دم الشهداء

15

يا عمي يا رجل الإسعاف

هذا اسمي كتبته على باطن كفّي

إنْ وجدت جسدي أشلاء

ويدي مبتورة وبعيدة عني

فهذا دمي

لن يتوه في تراب وطني

وطن الآباء والأجداد

16

في ممرات المشافي

أحياء نازحون

أطفال ونساء

صراخهم وعويلهم وابتهالاتهم

أقوى من دوي القذائف وهدير الطائرات

وفي المساء،

يتدثرون بأغطية مضمخة بالدماء

بين جثث الشهداء

17

هذه الجثث الممزقة

تحت أنقاض غزة

عار على جبين العالم المتحضر

18

من خلال كوّة ضيقة في الركام

خيط ابيض يتصاعد من أنفاس رجل يحتضر

قال الرجل لأبنه الجريح بجانبه:

يا ولدي، تلك أحلامي

اصعد إليها وتدثر بها

19

لا سلام يلملم أشلائنا

نحن الآن بيد الله

لنا مدينة شيّدها الأطفال

بلحمهم ودمائهم

سنهبط بها إلى الأرض

نهزم عروش الطغيان

سنستعيد الروح

ونعيد بهاء الكوكب

20

تقهقهون الآن أمام جثتي

بعدما ضحكتم سنيناً على شقائي

أنا غزة.. أنا الطوفان

أنا الإنسان

الذي سيبقى حارسا قلعة الله

فوق هذي الأرض

21

منذ مهد التاريخ نولد فلسطينيون

وفي المخيم وفي الشتات/ فلسطينيون

في الوطن والكون

فلسطينيون على طول المدى

نحيا ونبقى.. ونبقى مع البقاء

***

سعيد الشيخ

روائي وشاعر فلسطيني

 

لا تُبَرِّرْ قتلَ طفلٍ

لا تقلْ عنك وعنِّي

إن هذا الطُّفلَ منَّا

إنَّه منك ومنِّي

كيف تمشي في دمائِه

كيف ترضى باكتوائِه !؟

لا تُبَرِّرْ قتلَ طفلٍ

مهما تُغريك الحقارة

كيف تغتالُ الطَّهارة!

وهْوَ رُوحُ الطُّهْرِ فينا

يملأُ الدُّنيا صفاءً

وابتساماً وحنينا

لا تُبَرِّرْ قتلَ طفلٍ

مهما خانتْكَ الرُّجُولةُ

والشَّهامةُ والحَياء

لا تُبَرِّرْ قتلَ طفلٍ

مهما كان القتلُ فينا

قد علا صَوْبَ السَّماء

لا تُبَرِّرْ قتلَ طفلٍ

لا تقلْ عنك وعنِّي

إن هذا الطُّفلَ منَّا

إنَّه منك ومنِّي

***

محمد محمد علي جنيدي - مصر

(كُتِبّتِ القصيدةُ بتاريخ الإثنين 17 مايو/ أيار 2010، وما أشبهَ اليومَ بالأمسِ/ طِبق الأصل!!)

***

ولذاذةُ الكرسيِّ تعصفُ بالعراقِ

والساسةُ التُجّارُ  همْ

أربابُ ألسنةِ النفاقِ

عُبّادُ إغراءِ الكراسي

يسترخصونَ الأرضَ

يحتملونَ وزرَ دمٍ مُراقِ

*

أسفي على بلدي!

تناوشَهُ ذئابٌ،

والثعالبُ خلفَها

أهلاً وجيراناً

وساقاً فوقَ ساقِ

واللصُّ هذا ابنُ الحواسمِ

خاتلٌ في زيِّ راقي

*

نهشوا البلادَ بقضِّها وقضيضِها*

واستمرأوا ألمَ الدموعِ

أنينِها وغزيرِها

نشروا الفسادَ وأفسدوا

طعنوا العبادَ، استوردوا

نارَ الفراقِ

حرقوا حبالَ الوصلِ

في لُحَمِ التلاقي

والناسُ همْ حطبُ الشِقاقِ

*

صارَ العراقُ ضِياعَهمْ وكنوزَهمْ

والشعبُ لا في العيرِ، لا بنفيرِهمْ

لكنّهُ منْ إرثِ آبارِ المآقي

في الفقرِ باقِ

وطعامُهُ وشرابُهُ مرُّ المذاقِ

حتامَ نارُ صراعِهمْ خلفَ الكراسي

ومصيرُ هذا الشعبِ فوقَ الخيطِ

منْ آسٍ لآسِ

جثثٌ ممزقةٌ وألوانُ القواسي

والموتُ في الأرجاءِ راسِ!!**

*

هذا جناهُ عليهِ بوشُ ،

وما جنى غيرَ التمزُّقِ والمآسي

*

قد قيلَ للحريةِ الحمراءِ بابٌ

بالدماءِ يُدَقُّ

لا بجيوشِ غازِ

أو سيفِ فاشيٍّ ونازي

أو عشقِ تاجٍ فوقَ راسِ

أو كلِّ هذا المهرجانِ

منَ التشبُّثِ بالكراسي

***

عبد الستار نورعلي

......................

* (قضّ) هي الحجارة الكبيرة، و(قضيض) هي الحجارة الصغيرة

** راسِ: أصله (راسي)، اسم منقوص حُذفتْ ياؤه للتنوين، وهو من الرسو  بمعنى الرسوخ والثبات

يَـقـظـةُ الوَعي تسْـتَـمِـدُ مـَـداهــا

مِن ضَمـيـرٍ ذِي مَـنْـبَعٍ من زلالِ

*

وعـيونُ الإنصافِ ، حقٌ وعـدلٌ

ومسارُالإصلاحِ ، نَـهْـجُ المَعالي

*

مَن غَفا عن حِراسةِ المَجدِ يَهْوي

صَـوْبَ عَوْزٍ ، ومَـدْوَسٍ وابتذالِ

*

تَـشْرَئـبُّ الأعـناقُ صَوْبَ المَعالي

والمعالي تُـجْـبى  بحُسْن الخِصال

*

تتسامى النفـوسُ فـي حِجْـر طُهْـرٍ

والتي في الحضيض نحوَ الزّوال

*

قـــوةُ الفـِـكـرِ، لا تُــقـاسُ بـزَنْــدٍ

إنّ لـلـفـكـر قـوةً فــي الـسـِجـالِ

*

والـتّـباهـي  بلا  رَصيـدٍ  ضَياعٌ

ومَـخـاضٌ ، فـي رائـب الأوْحالِ

*

لاتـدَعْ فــي الغرور نـسْمَـةَ  فَـخْرٍ

يـزْدهي الفخـرُ، فــي نـقاء الفِعال

*

عـبَـقُ الفضل في المواقفِ يـبـقى

رَمْـزَ خـيـْـرٍ علـى مـسـار الليالي

*

لا تُجـادلْ ، إنْ لـم تـكـن بِـجَـدِيـرٍ

رُبَّ أمــرٍ  يُـودي  لِـداءٍ  عُضالِ

*

قـدْوةُ الـقـومِ ، فـي الحـياة رَبــيـعٌ

دائــمُ الـوصْلِ ، فـي رُبى الأجيال

*

فـإذا  ســـاءَ ، فــي المسـيـرة أمـرٌ

حُــكِـّـمَ الـعـقـلُ لاجـتـنـاب الوَبـالِ

*

عِــزّةُ المَـرْءِ، فـي ســجاياه تسري

باقــتـدارٍ ،  تـَحمي خُـطى الأفـعال

*

فـإذا أيــنَـعَــتْ  ثِـــمــارُ الـقـوافـي

أبــدعَ الـوصفُ فـي ثــناء الجَـمال

*

ليس يـُجـدي تـزويق ثوبٍ تَخَـفّـتْ

طـيَّ أردانِـه ، عُــيــوبُ الــرجـالِ

*

والــتّـمـادي ، إذا خَـطـا دون فَـهْـمٍ

مَـهّـدَ الـرأيَ والــرُّؤى ، لـلهـزالِ

***

(من الخفيف)

شعر عدنان عبد النبي البلداوي

 

الأناناس

الوجه الميت

تبا لأغصان الوجه الميت!..

وجهك شجرة مكسوة بالثلوج والفقمات النافقة.

الضريح عربة ملآى بالكاكو.

سيذهب الموتى إلى الكازينو

حاملين نعوشا من الذهب الخالص.

فرقعات مفاصل الباص على كتف الجسر.

الجسر سيسقط مكتظا بدموع زرقاء.

الموسيقى تهطل من ثديك الرصاصي

رصاصة الزومبي بنكهة الأناناس.

خلصيني أيتها الرصاصة من التحديق اليومي في أسرار المغارة.

المنتحرون يجرون ثيران الساعات الحرجة.

المنتحرون جيدون للغاية

سيلتهمون الشمس آخر النهار

وينامون متأثرين بعضة النسيان.

أيها الكناري لا تمت الآن

أيها الماسترو الحزين.

الحديقة مغمى عليها

الأزهار جثث هامدة.

القساوسة يأكلون لحم الله

يربطون السماء بإيقاع المثانة

تحت معاطفهم تخطط الثعالب.

الصلاة أرنب نافق.

والمحبة فأس من البرونز

جنازتك عذبة

التفكير يمطر بالضفادع.

السماء صيرفي ضرير

ضحكتك ساق عرجاء

صمتك جاهز لقتل إوزة السهو

أيها العابرون

ستندمون طويلا في المغارة

ستسقط الحجج الهشة من أطراف أصابعكم

بينما السحرة يرتمون في البئر

لإضفاء النعومة على وبر المخيلة

أيها القتلة

بنادقكم قش ونميمة

ومطاياكم منذورة للهلاك

الشمس ترضع قطار الساعة الواحدة ونصف.

المسافرون حمام زاجل

والكلمات

ظفائر ذهبية.

أبي غيمة في كنيسة النهار

مليء بالأقفاص

يضربه المشاؤون بجزمة المسكوت عنه.

المفكرون انتحروا ليلة أمس

مخلفين غبارا كثيفا في المبغى

أحبك

أحب سطوع قبرك في الظهيرة

صوتك المختبئ في أدغال رأسي

موتك أكذوبة كبرى

تابوتك غزال يحمل الملائكة

إلى دار الأوبرا

تابوتك شقيقي الأكبر

أوقظ مصباحي كل ليلة

الطريق مدججة بقطاع الطرق

ومجوهرات مخيلتي

تتلامع في المنعطف العبثي

شيعنا المنظرين الكبار إلى الهاوية

شيعنا الأرمل بلباس كنسي

يتبعنا لفيف من اللاأدريين إلى بنات نعش.

كانت أجراس الأحصنة ممتعة للغاية

التأبين دلو مليء بمكعبات المطر

البلاغة أرنب هش

طلقة إثر طلقة

الأحدب الصغير

يستدرج أشباح يوم السبت الأسود

إنتحر برهانك ذو العينين الثاقبتين

طاردتنا ذئاب البراقماتيزم

رفقا أيها الفراغ الطازج

تكلم يا رب

ليصغي إلى نبراتك المنكسرون والثكالى

المراكب مطوقة بزئير المتناقضات

شمس 2023 متآمرة ولقيطة

والعربات وحوش من السيراميك

وأخي الأشقر الحزين

بعصابه المترامي

تشربه سحلية النهار

أمام جوقة من العذاب الخالص

كان الله بعيدا جدا عن صراخ العالم.

العالم سمكة سلمون

والعدم دب قطبي

ما أشقاك أيتها الحرب.

***

فتحي مهذب - تونس

سأكتبُ و(اليمن تكتبْ)

قضــــايانا بكــــل الحُبْ

*

سأكتب عن مآسينا

وحائطنا الذي يندُبْ

*

وكيف رعاتنا ارتاعوا

وحاطونا بكل الرعبْ!

*

وأصلحوا شأنهم وغدوا

مطايا من لهم ينكُبْ

*

ومازالوا.. كما هانوا

وما لانوا لمن يشجبْ!

*

فكم من مُشْر ِق ٍفينا

دعونا لَه ُ: (بأن يَغْرُبْ)!؟

*

وكم من ظامئٍ  ٍيرجو

وعنه نحن كم نَحْجُبْ

*

وكم من جائع ٍيغفو

على أمعائه ِيَعْصُبْ

*

وكم من أغبر ٍجفَّ

يَجُرُّهُ.. وضْعه ُيصعبْ

*

وكم من آهــة ٍ تاهتْ

ولاقتْ آهــــة تنْحُبْ

*

وكم من  دمعة ٍنَزَحَتْ

وتحت جراحها تسكُبْ !

*

وكم قتلى.. وكم جرحى

هنا..وهناك..من يحسُبْ؟!

*

أهذا كلٌّ مايؤسي؟!

أهذا كلٌّ مايَحْزُبْ؟!

*

ألا تجدينا (عنترةٌ)

ألايكفينا من يَخطب؟!

*

علينا البيهس الأقوى

وتيسٌ في الوغى يَهرب!

*

مآسينا بلا عُمْر ٍ

وسِنٍّ عندهُ تَرْسُبْ!

*

ساكتب عن روائعكم

وشهد الحرف كم يَعْذُبْ

*

فللزهرات إبداعٌ

فرادته ُ بما يَهْذُبْ

*

ومانَشتمَّهُ أدباً

يضوع تأدُّباً يَسْلُبْ

*

روائعكم مرايانا

رؤاكم فيها لاتَصْعُبْ

*

ألا فلتحفظوا الوطنا

بأُمَّ عيونكم..واللُبْ

*

ولاتلقوا بأحرفكم

قناعاً للذي يَغصُبْ

*

فقدأخْزَتْهُ هَنْجَمة…

وخاب اليوم إذْ يَحْرُبْ !

***

محمد ثابت السميعي - اليمن

21/12/2019 م

الاحتفال في ذروته أو قريبًا منها، هيصة لم ترَ البلدةُ مثلها منذ عمر. المكان يعبق بشذى الحركة، هذا يروح وتلك تغدو، الجميع منهمكون كلّ بذاته. يهيمن ظلّ مديرة المدرسة على الاماكن دون أن يراها أحد. كلّهم يحبونها ويحترمونها، لدقتها ومبادراتها الخيرية. شعور طاغ يجتاحني أنا المعلّم الضيف في المدرسة.. شعور يهمس في أذني أن الاحتفال أوشك على نهايته وأنه من الافضل والاكمل لي أن أنسحب قبل صمت النهاية. منذ وعيت على الاحتفالات اتخذت قرارًا بيني وبين نفسي هو ألا أنتظر حتى نهاية الحفل وأن أغادره وهو في الذروة بل إن رؤيتي هذه ابتدأت في التبلّور مع مُضي الوقت، فصرت أنتظر اللحظة العالية المرتفعة لاستعد للمغادرة، ولترك المحتفلين الثملين بأجواء الاحتفال يصلون معه إلى نهايته، فيخرجون يرافقهم إحساس بالنهاية، يدفعهم للثرثرة الجوفاء أو.. الصمت الرهيب.

أنسحب من ساحة البلدة أتعمّد ألا يراني أحد في محاولة مني لإغلاق باب التفسيرات الخاطئة، فأنا لم أغادر يا حضرة البيك لأن الاحتفال لم يعجبني، وإنما أنا أغادره لأنني امتلأت به ولا أريد أن أنتظر نهايته الصامتة. ليصلوا.. جميعهم.. إلى تلك النهاية أما أنا فان لي شأنًا آخر. أسير في الطريق المؤدية إلى بيتي في راس الجبل. أمضي.. تلامس يدي الفرحة أغصان الاشجار المتكئة على الاسوار. ما أحلى بلدتي.. أما تلك الورود المجنونة فإنها تبهرني وتكاد تتربّع على عرش قلبي.

أشعر بسيارة تتوقّف إلى جانبي، أرسل النظر إلى داخلها أرى زملائي معلمي المدرسة الرسميين، يدعوني نائب المديرة لأن أرافقهم، إلى احتفال تكريمي تقيمه مدرستُنا احتفالًا بنجاح الحفل، تعال لن تخسر شيئًا، البيت لن يهرب.. ثم إنك واحد منّا ولا يصح أن يتمّ التكريم بدونك. أرسل نظرة إلى بيتي في راس الجبل، فيدرك النائب رغبتي في العودة إليه، إلى مكتبتي، ذكرياتي وأشيائي الصغيرة هناك. يقول لي مرفقًا كلماته بابتسامة ودّية. تعال البيت لن يهرب.. يفتح لي باب السيارة.. أتخذ مقعدي بين بقية المسافرين. وتنطلق السيارة. تنطلق إلى مرتفعات الجبال.. ما هذه الاماكن وأين تقع.. إنني أراها أول مرّة.. الله يستر.

ينزل الجميع من السيارة.. يلفت نظري أنهم جميعًا يرتدون القمصان البيضاء والبناطيل السوداء.. إلا أنا فإن ملابسي عادية.. عادية جدًا.. وصف أحد مُحبيّ ومُحبي كتابتي حالتي فيها بـ" المهرجلة"، ينتظم جميع المُعلّمين، في صف واحد، أقترب منهم أشعر أنني الشكل الشاذ بينهم، لا مكان لك يا كاتبنا المحترم بين هؤلاء المنظّمين المرتّبين. أبتعد عن صف المعلمين يبدأ الاحتفال.. اشعر بنفسي غريبًا.. يبدأ المغيبُ في الزحف إلى رؤوس الجبال تنازعني نفسي بالعودة إلى البيت.. أبتعد عن المحتفلين، أبحث عن طريق أعود عبرها إلى بيتي.. بيت ذكرياتي وأشيائي الحبيبات، أرسل نظرة إلى الجبال المحاذية الشاهقة، أنا لا أستطيع أن أعبرها.. للعودة إلى بيتي.. مع هذا أمضي في الطريق المُفضية إليها. قبل أن أصل إلى حافة الجبال القريبة.. أكتشف أنني إنما أتوقّف قريبًا مِن هُوةٍ يفصلهُا سور يشبه سور الصين العظيم. أجلس هناك وأفكّر فيما عساي أفعل والمساء يقترب ولا أحد يشعر بي وبرغبتي في العودة إلى بيتي .. عالمي الدافئ الحنون.. يمضي الوقت ثقيلًا بطيئًا، أشعر بوقع قدمين رقيقتين تدنوان منّي حيث أجلس.. أشعر بأمل مشرق.. يقترب منّي.. أرى طفلًا ذا عينين لامعتين برّاقتين تشبهان عينيّ عندما كنت طفلًا صغيرًا، الطفل يقترب منّي.. أسأله أين طريق العودة.. يبتسم .. لا أعرف.. قد تكون كلّ الطرق إلا هذا.. ويشير إلى الجبال المنتصبة السامقة قُبالتنا. ما إن أشعر ببصيص أمل الطفولة يقترب منّي حتى يبتعد.. يختفي الطفل من جاني.. أهتف أين ذهبت يا صغيري فتردّد الجبال البعيدة أين اختفيت يا صغيري.. لا صوت يُشبِهُ صوتي سوى صوت الجبال العالية. يلسعني بردُ المساء.. أغادر موقعي.. أبحث عن ذلك الطفل.. أرى كلّ الناس.. إلا هو.. لا أراه، أين اختفيت يا طفلي الحبيب.. أنت فقط من سيعيدُني إلى ذلك البيت.. البعيد القريب.. أمشي في الطريق وحيدًا.. أوجّه السؤالَ ذاته إلى كلّ مَن أراهم، من نساء ورجال شيوخ وعجائز، أكتشف أن أحدًا منهم لا يعرف طريق العودة، وأن لديه سؤالًا يشبه سؤالي.. هم أيضًا يريدون العودة.. أين أنت أيها الطفل الغرير.. أين أنت أيها الامل المُنير.. عُد إلي.. أهمس في أذن نفسي..

المساحات تتحوّل إلى متاهاتٍ أعرف بداياتها ولا أرى نهايتها.. أعرف هذه الاشجار وتلك الحيطان.. لكن أين رأيتها لا أتذكّر.. أتوقّف قريبًا من ثلاث نوافذ متقاربة.. أطلّ من النافذة القريبة الاولى.. أرى نائب المديرة.. يحرّك شفتيه.. ربّما كان يتحدّث إليها.. لكنني لا أسمع ما يقول.. أفهم أنه يدعوني للدخول.. إلا أنني لا أجد الباب.. يبتسم النائب.. يتركني ويعود إلى سيّدته المديرة و.. إلى زملائه المُعلّمين.. القاعة تضجّ بالأفخاذ والطرب.. أما أنا في هذا الخلاء الرهيب.. فإنني الغريب الوحيد.. أنطلق في الساحات والشوارع أهرب من الحيطان العالية والاشجار المُحدودبة على أسوارها.. أريد أن أرى أناسًا مثلي.. تقلّ الاطياف المارة قريبًا منّي.. أستوقف عازفًا على آلة موسيقية قديمة.. أسأله هل تعرف طريق العودة.. فتهمي من عودة دمعة.. ليتني أعرف.. ها هو عمري قارب أعمار تلك الجبال (ويشير نحو الجبال البعيدة)، وأنا أبحث عن الطريق.

أتخذ مجلسي فوق رابية تطلّ على المكان. قلبي يقول لي إن ذلك الطفل لن يتركني وسوف يعيدني إلى ذاتي المُشتاقة.. إلى هناك.. حيث البيت.. بيتي.. وحيث ورداتي المجنونات الحنونات.. أجلس وأنتظر.. أغمض عينيّ فأراه مُقبلًا .. أفتحمها فيغيب.. يتأكد لي مرّة تلو مرّة أن ذلك الطفل في الطريق إليّ وأنه سيصل إلى حيث أنتظره فوق تلك الرابية.. شعور غامر يجتاحني.. إني أراه.. يركض باتجاهي.. ووراءه يركض رتل المُعلمين تتقدمهم مديرتُنا..يركضون جميعهم بلباسهم الابيض والاسود.. لكنّي.. لا أرى أحدًا.. سوى ذلك الطفل الشقي.. طفلي أنا.

***

قصة: ناجي ظاهر

........................

* من مجموعتي القصصية الجديدة "عمود البيت"، وقد نشرت فيها بعنوان" بيت الذكريات".

لا النِمرُ تُنجي لا ولا المِركافا

كـلـتاهـما قـد صــارتا أهـدافـا

*

قد كانتا الدرعَ الحصينَ لغاشمٍ

بهـمـا يـصـولُ ويَـقـتُـلُ الآلافـا

*

وعـليهـما قــام الكيانُ تَجـبُّـرًا

حـتى غــدا في طـبعهِ اسـرافـا

*

ياسـينُ صار الموتَ في جَـنباتِها

فـالـيـومَ عـنهـا جُـنـدُها تـتـجافى

*

طوفانُ غَـزّةَ كالملاحِـمِ سُـطرتْ

عَـجزَ الـبـيانُ لـوصفـهِ مُـذْ طـافـا

*

طُوفانُها الأقصى تَـقصّى حُـلْمَـها

لِـدويـلــــةٍ لا تَـعـرفُ الإنصــافـا

*

هي لو عَلِمتَ شَـراذمٌ قـد جُـمّعـتْ

صارتْ كـيــانًا فـاسِـدًا يـتـنــافى

*

بـوجـــوده كـدُويــلةٍ قـد صُـنِّـعَـتْ

مِـن هَـيـلُـمــانٍ فــــارغٍ يـتـهـافـى

*

مُـتَـمَـرغًـا بـجــرائـمٍ وسَــفالـةٍ

راعـيـهِ بـاركهُ بـهـا اســتِخـفـافـا

*

في هـيـأةٍ لـيـسَتْ لـها مِن هـيـأةٍ

وقــرارُهــا لا يـمـلُـكُ الأطرافـا (*)

*

ودُويـلـةُ الــراعي لكـلِّ رذيــلةٍ

لها أنْ تَحـيفَ كما ترى وتُصافى

*

فهي اللقـيـطةُ في كيانِ دويـلـةٍ

قـامـتْ لكي تـرعى لـه الاهـدافـا

*

والـعالـمُ الـحُــرُّ يعـيـشُ بـوهـمهِ

هــو لـلـقـــويِّ يُـــرَقّـصُ الاردافـا

*

هـي هـيـأةُ الامـمِ الـتي قالــوا لـنا

فـيـها الـعــدالةُ تَـشـمِلُ الاطـرافـا(*)

*

فـتـبـيّـنـتْ مـن أنـها أُكْــذوبـةٌ

راعٍ تـعَــهــدَ أنْ يـقـــودَ خِـــرافـا

*

أمّـا اللـقـيطـةُ فهي في أكـنـافـهِ

تـتـجـاوزُ الـقـانــونَ والاعــرافـا

*

لا شـيءُ يُـلـزِمُـها إذا مـا قرّرتْ

والـراعي قَـــرَّ ووطّــأَ الاكـنـافـا

*

هي ما تزالُ على الغرور كعهدِها

سـترى بـغـزّةَ مـوتَـها اسـتـنزافـا

*

ظنتْ وقـد خابتْ ظنون مُـكابرٍ

بـمجـــازرٍ ومـجــــازرٍ تـتـــلافى

*

طوفـانَ غَــزّةَ وهـو ثـورةَ أمّـةٍ

قـالـتْ كـفى ظُـلـمًا كـفى اسـفافا

*

سـبعون عامًا، بل تزيدُ جراحُها

نزفتْ وكان حصـادُهـا الأخـلافـا

*

طُـوفانُ غَــزّةَ قـد أعــادَ كـرامةً

هُــدِرتْ وآنَ لأُمــــــةٍ تـتـعـــافـى

*

طُـوفانُ غَــزّةَ غَــزّ كلَّ مُـطَـبـعٍ

في جـنـبـهِ ومُـســـوّفٍ قـدْ قــافـا(*)

*

طُوفانُ غَــزّةَ كان فجــرًا صادقًا

صَـحّى الـنـيـامَ وأرعــبَ الـسَـيّافـا(*)

***

الحاج عطا الحاج يوسف منصور

الدنمارك / كوبنهاجن

الجمعة في 17 تشرين 2 / 2023

...........................

(*) الأطراف: هي اليدان والرِجلان والمعنى هو كناية عن قوة التطبيق.

(*) الأطراف: تعني الطرف المقابل للطرف الاخر

(*) قاف الاثر: أي تبع الأثر وسار عليه.

(*) السيّاف: هو حامل السيف والمعنى كناية عن القوي المتحكم بالأمور.

 

ربما انسجُ لي سؤالاً

أسرقهُ من مدخراتي القديمةِ

لعلني أعيدُ قراءةَ قصصِ النساءِ

تجرني ومضاتٌ اكتبها

ترسخُ في ذاكرةٍ فضةٍ

ربما أعثرُ على رسائلِ اولِ امرأةٍ

كانتْ تغازلني عبرَ سطوحِ الدورِ الفقيرةِ

لا هويةَ لمن عشقتُ

سوى انهنَ نساءٌ من طينِ هذهِ الارضِ

وربما استحضرُ لي آنيةَ فخارٍ

كنتُ قد حفرتُ عليها قلباً وسهماً

آهٍ نحنُ المقيدينَ بتيهِ الماضي

ربما نولدُ الفَ مرةٍ ،يبقى موروثنا

القرينُ الشرقيُ الذي تحرقهُ الذكرياتُ

شهدنا النقيُ وغصننا الذي نتوسدُ عليهِ

اصابعي اصابها بللٌ من عرقِ وجنتيكِ الخجولةِ

لا ادري لِم تتنمرُ العيونُ

تتحدثُ كالفمِ الريانِ بالقبلِ

ولِم أشحذُ الشفاهَ بالشفاهِ

أطهرها من دنسِ الريحِ والحسدِ

غداً تتحررُ من الانتظارِ

تحلقُ ،تهبطُ مسرعةً طيراً جريحاً

تلهمني اسراراً  لتدفقَ نشوتي

سأجمعُ حطبي

أشعلُ النيرانَ اطفئُ الثلجَ

ادفنُ الرمادَ بالترابِ

أغطي عورةَ الشجرِ بالاجنحةِ التائهةِ

ترسمني بائعةُ الحبِ لوحةً

تحتمي بظليَ الممتدِ للسماءِ

ثم تكسرُ معابدها التي ضيعتْ عفتها

هي الآنَ تنتظرُ دقَّ اجراسِ التوبةِ

ينزلُ ملاكٌ يعلمها طوافَ العشقِ

لا تكترثي سيدةَ الحبِ

انتِ سورةٌ علقتْ بمحرابِ العاشقينَ

آهٍ يا انتِ تكٌفني ببياضِ هذا الولهِ

لتصعدي طاهرةً لجنانِ الجميلاتِ

***

عبد الامير العبادي

 

في غمرة التلهف للقاء القمر، بعد أن غاب عن الظهور دهرًا من المحن، يتصاعد شوقي متناغمًا مع القلق كلما تسربت خطوط ضوء القمر عبر تناثر السحب في السماء العاتية نحو تلك الحدود المسيجة بأسوار الشجن، فتجعل الصورة واضحة المعالم في دجى الليل.

شعرت أن حياتي سلكت مسارها نحو النهوض، وأن ذكرياتي المدفونة بعد أن تحررت من قيود الخوف قد أعيدت إحياؤها، وصعد عطرها إلى عالم الشغف، والمرح. ما إن تلاشى كابوس الظلام حتى باتت جذوة الحياة تلتقط أنفاسها، وتبعث بدفئها رسائل السكينة بعد أن كانت على وشك الانطفاء.

بدأت ريح الفرح تهب عليّ. لحظات توحي بالهدوء والاسترخاء، في نهار جميلٍ وصافٍ، وكثير الرياح، التي كانت تخترق الطرقات المتعبة وتنزلق بين الأشجار الصامتة، وتلامس أغصانها، فتسمع حفيف الأوراق الشاحبة، التي تسقط فجأة إحداها في الهاوية لتستوطن مثواها الأخير.

تخيلت نفسي وسط حشد من الطيور المتألفة في إحدى ساحات روما تتظاهر حولي وتلتقط الحبوب المتجمعة في باطن كفي. ونسيم ندي يلامس بَشَرَة خدي، فيترك لمسات ضاربة إلى الحمرة. وهناك فرقة موسيقية تعزف سمفونية موزارت تصدح في الأرجاء، فتدغدغ ألحانها نوارس السماء.

كانت ليلتي حزينة مع أنّ سماءها ترفل بالنجوم المضيئة وتحفز المرء على الاستمتاع بالهدوء المعتاد... السعادة الحقيقية تكمن في غسل النفس من آلام الضمير، والشعور بقيمة الإبداعات النابعة من أعماق الوجدان، والبقاء حرًا طليقًا بلا قيود.

تتسارع الخُطا نحو الشواطئ البعيدة المغطاة بالرمال الساخنة، وقد خفت حرارتها وقت الغروب حيث منبع الراحة والتأمل. انظر حولي وأخذ نفسًا عميقًا. لا أحد بجانبي، أنا والطبيعة والسكون الثقيل.

ما أجمل وجه الحياة، أن تنظر إلى الأفق البعيد، وترى قارب الصيد يبحر باتجاه الشمس الغاطسة، وهي على وشك الغرق بتمهل في قاع البحر، وتقول وداعها اليومي، ثم يلتقي الغسق والبحر في عناق أحمر، ضاربًا بلونه زرقة السماء، قبل أن يهبط الظلام بثقله على أنفاس الطبيعة.

هناك أشياء كثيرة، تعني لنا الكثير مهما ابتعدنا عنها فهي راسخة في جذورنا بكل تفاصيلها، لا تمحيها رغوات الأمواج الهائجة. فهي تجسد أفق الحياة، لأنها متماسكة، ومتفقة لطموحاتنا.

الدمار الوقتي لا يعني اليأس والإحباط، بل يعني مرحلة تعيسة في نهر الحياة. لا نجعل من الزمن الخطر المحدق يحبس الأنفاس، فالخط الفاصل بين اليأس والأمل، ليس سوى جدار شفاف يخترقه بريق الإصرار وقوة الإرادة والصمود الحتمي أمام المطبات.

***

كفاح الزهاوي

 

في نصوص اليوم