نصوص أدبية

نصوص أدبية

خُذْ مِنْ ضُلُوعِي

وَاُبْنِ بَيْتًا يَسْتُرُ عُرْيَكَ.. !

هَلْ نَثَرْتَ يَا صَاحِبِي لِلْعَصَافِيرِ

بَعْضًا مِنْ مَاءِ اُلْحُزْنِ

وَجَمَعْتَ شَتَاتِي اُلْمَكْتُوبِ بِحِبْرِ اُلْمَوْتْ؟.

أَنَا هُنَا .. بِغَيْرِ يدٍ

فَكَيْفَ أَرْوِي دَمْعَ رَسَائلِي؟

وَبِغَيْرِ مَلَامِحَ

تِلْكَ اُلَّتِي كُنْتُ أَمْلِكُهَا لَمْ تَعُدْ تُلَمْلِمُ اُنْهِيَارِي

وَحْدَهَا اُلْعَوَاصِفُ اُلْآنَ فِي دَمِي

أَهِيمُ بِلاَ حَقَائِبَ ..

أَجُرُّ بَعْضِي اُلَّذِي يُحَاوِل جَمْعَ بَعْضِي

مَوْتٌ هُنَا وَهُنَاكْ..

تَضِيقُ عِبَارَاتِي أَمَامَ ظِلَالِ المَكَانْ

فَيَا لهذَا النَّحِيبِ يَمُرُّ قِطَارُهُ فِي خَلاَيَايْ!

أَنا لَسْتُ هُنَا..

غَدَوْتُ طَلَلاً

رِيحًا تَخُطُّ فَوْقَ وَجْهِ المَاءْ

وَشْمًا مُوجِعًا بِالبُكَاءْ.

***

نجاة الزباير

10 شتنبر2023

يصطاد زبائنَهِ بذكاءِ العارفِ،

بمقدارِ ملعقةِ شاي يُسقي العاشقَ غريزةً رطبةً،

ويُجلِسه فوقَ عشبٍ على مقاسِ حقيقتهِ،

هذا هو المكان …

جدرانُه الكلمات،

الكلماتُ شعرُ

غناء النار،

قمحُ الفرانِ

هديلُ حمام .

وسقفُه …

شهقاتُ عشبٍ محمولةٌ على أمواجِ شرسةٍ .

**

بائعُ الورد ينتظرُ صمتَ العاشقِ

ليمنحه شهادةَ حسنِ الاصغاءِ والارتباكِ،

فيملأُ رأسَه بالأحمرَ القاني كعلمِ السوفيت،

قبـلَ أن يفتّت أثاثَه كورباشوف .

**

يستعينُ البائعُ بالشيطانِ

فيدبُّ الشكُّ الى قلبِ الحبيبة،

تتوجّسُ من أن يخذلَها عاشقُها،

وبدبوسٍ تُخطئُه العينُ

يثقبُ بالونَ قلقِها .

**

تاريخهما مغمورٌ في قَلبِ الوردةِ،

الوردةُ تنثرُ ذراتِ تعفّفِها بشراسةِ كاهنٍ،

نفضَ العاشقُ ركامَ تردّدِه فأعادتِ الوردةُ عافيتها .

***

مهدي القريشي

أوقفــوا هـــــذا الدمـــارْ     ارفعـوا عنها الحصارْ

انقـــــذوها أصبحـتْ غزّ    ةُ أكـوامَ حجـــــــــــارْ

أوقفوا القصفَ الذي يحـ    ـرقهـــا ليـــلَ نهــــــارْ

أخمـــدوا محرقــةَ البـــا     غيــنَ أحفـــــاد التتـارْ

واحــذروا أنْ تُبدلوا الـما    ءَ بزيـــتٍ فهـــيَ نــارْ

هـذهِ الحربُ انحطــاط ٌ      إنّــها وصمــة ُ عـــارْ

فــي جبينِ الدولِ العـظـ    ــمى وخــزْيٌ للكبــــارْ

هـلْ شعرتــمْ أيّــها القا     دةُ أصحــاب القــــــرارْ

بشعــــورِ الأمِّ إذْ تحـ      ـملُ أشـــلاءَ الصغـــــارْ

وهْــيَ لا تلقــــى ملاذا ً   بيـنَ أكـــــوامِ الحجــــارْ

أيـــها القـــادةُ إنْ لـــمْ     تنصفوا أهــلَ الديـــــــارْ

فمآلُ القوّةِ العمْــــــــ     ـيــاءِ يـأسٌ وانتحـــــــــارْ

غزةُ العزّةِ تحيــــــا     أبدأً رغـــــمَ الدمـــــــــــارْ

حرّةَ بالرغْـمِ من ألـ     ــفِ جــــــدارٍ وجــــــــدارْ

                     ***

جميل حسين الساعدي

...........................

كتبت القصيدة في العشرين من تشرين الأول للعام  2023

لأن جوادك مكسور الخاطر.

يشتم القباطنة في المبغى.

يجلب الغيمة من ذقن الزبون.

ويحمحم في الصلاة.

لأن جوادك بعين واحدة.

وقوائم من الجبس .

خسر الحروب كلها.

خسر التاج وفصوص الحكمة.

قمر الغابة الأسمر.

مفاتيح القلعة البهية.

القنديل في الشرفة.

الأميرة في ألبوم العائلة.

لذلك ستقف على تفاحة الوقت بساق  واحدة.

في انتظار خاتم سليمان.

*

دخلت الكنيسة

بمخالب فهد متربص.

حاملا قارب التوبة بأسناني الهشة.

وفي دمي يلهث التنين.

آلاف السنين من النكران والجحود.

من الصديد واللامعنى.

البركات هنا والجوقة ترتق البراهين.

أعلى البرج.

*

أنهارك مظلمة جدا.

المراكب ترصع أعشاشها باللازورد.

أنا السمكة التي تقرص المياه.

لتؤمن وجبتها من النور.

بأسنانك مزقت المسافة الحلوة.

وفي القبو الداكن

قتلت الفهد الذي يلعق متناقضاتنا

بشراهة باذخة.

صنعت مني مسيحا أرعن.

تغسلين صلبانه بدم الحيض.

وضحكت على ذقن السرير.

أف, النميمة ليس البرد الذي يهشم العظام.

وفي الحانة يشنق أتباعي الواحد تلو الآخر.

بعت وجهي لمطاردي العواصف.

آزرك البرابرة في الجنازة.

بين أصابعك تخفين تابوتي الأزرق.

*

لأن خيول المطر جائعة. .

تهشم النوافذ وكثبان النوستاليا.

لأن الباص سيسقط في التجربة.

وتغرد الهاوية بغزارة.

يتلاشى المغنون ويطير شلال الدم.

لأن العدم ينظف البندقية.

لشن سهرة عائلية في الجحيم.

لأني منذور للخسران.

خانني الجسر.

خذلتني طبائع الأشياء.

لأن العالم سرد عدمي خالص

والروائي معلق في خرم الإبرة.

لأن الله قلق جدا.

والملائكة ذابوا في المحيط.

لأن الآخرين هم الموت والقيامة.

لذلك قلت للمعنى وداعا

وارتديت قناع المهرج.

*

أفن الأقزام يصعدون المنصة.

العربات تكبو في مضائق الشريان.

الصولجان بيد العراف.

أيها الغراب لا تمزح معي.

السفينة تثغو في المغارة

الوحوش تتقاسم الغنيمة.

لتسليتي أقفز من الباص في حنجرة القرش.

كان عرقي ذهبا خالصا.

الإوزة جائزتي في الهاوية.

*

بكينا مع الأسد في الخلوة

قذفتنا الثعالب بالقش والحجارة.

لم نجد أما ولا شجرة

لترويض الهواجس.

ذهب الرعاة إلى المستشفى.

القطيع في غرفة الإنعاش.

طاردوا خبزنا اليومي.

لم نر الضوء آخر النفق.

لم تصدق نبوءة الخوري.

والهواء هو الصديق الأبدي.

***

فتحي مهذب/ تونس

..........................

(أمازيغي)

Xateṛ tuqqit tessazdeg lmukḥlt..!

***

Xateṛ zzimel-nnek d ameṛṛẓu n lbel

Yethawec "Iqabṭanen" di tefawwaḥet..

Yetkuṛṛed tejnut si tmaret n beb-nnes..

Di teẓalliṭ yetḥamḥem..!

Xateṛ jaduṛ-nnek s tict n tiṭ..

ʷiḍaṛṛen n uluḍ

Timanɣayyin kul twabdelen-t fell-as

Tif yeǧa.. D iqalmen n temriret

Yur n tejmut abeṛbac

Ixellaṣen n teqliεet yeḥlan

Kenki di teskajet..!

Tegallit gi zzmem n tewacult

F sin ax trbadded f yeḍaffut n ʷakud.. F y-ict n uḍaṛ..

Ad teṛjid txatemt n "Suliman"..!!

*

Udfeɣ tefacka n iṛumayyen

S ʷaccaren n ʷaksel yetṛaja

Tefluket n utubi.. S tiɣmas-inu refdeɣ

U deg idammen-inu yessalhet ubatrur..!

Metta d ilan n ʷaṣṣaddef d lmajḥud..!?

N uzanẓeṛ.. D cṛa ma yellan

Lbeṛaket dey.. D lḥelqet hgenni lbuṛhen..

F y-ixef n yuman..!

*

Isaffen-nnek sellsen lhul

Tiflak tεaccen-t s uẓawrut

Neč aslem y-inakkcen amen

Mank tfawet ad-tef

S lecḍaf-nnek sɣaṛṣeɣ amacwaṛ yeḥlan..

U di ddamus isallsen

Aksel yettallɣen amεaṛeḍ-nneɣ s laẓ amuqṛan.. Nɣiɣ

Ssi-y tiga aṛumi amaxbuḍ

Isiglen-nnes s idammen n usired tessared..

F ccireb n ubayaṣ teḍṣa..

Uʷf.. Tutlayet n tiwa ur telli d lguṛṛ ag ṛaẓẓen iɣsen..!!

U d temaswayet tucennaḍen imaddukel-inu.. ʷay s ʷay..

Udem-inu zzenzeɣ-t i y-imalḥeq n legrari

Ak εawn-en "Ibeṛbṛayyen" di leεza..

Jer n ideuḍan-nnem tezdurid tesanduqet-inu tenilit..!

*

Xateṛ ijudaṛ n ʷanẓaṛ slaẓen

Ṭṭiqan ṛaẓen.. D iεaṛṛamen n tucta..

Xateṛ tṛuli g ujeṛṛab ad-yaḍu

U lexla ad yeccarɣet seg ubuḍ

Icannayen ad ddurin.. Aceṛcaṛbn idammen ad-yafeg

Xateṛ tuqqit tessazdeg lmukḥelt..

Mank ad-thalkeq twacult gi lεafifet..

Xateṛ texaṣṣaṛet i neč

Ṣaɣer ixun-ay..!!

Ṭbeε n leḥwayej izerra iss-i

ʷamaḍal yenna f lqallt-inu ṭul

ʷamanney yetwacbeḍ gi tiṭ n tissagnit

Xateṛ akuc yennazgem lhul

ʷinniren fsin di telawin

Xateṛ heyyin d nehni d temattent.. D tematnit..!

F sin nniɣ unamek ǧiɣ-c

ʷudel n ubujaḍ iṛḍeɣ..!

*

Uʷf.. Tijalet temεint ulin

Tikeṛṛaṣ terrakmlen-t g ixannaqen n iẓewṛan..

Amur g ufus n umusnaw

A jaref id-i ur-tqajjem

Tefluket hjugga g uxanju

Laɣwel beṭṭan zzufet

Mank ad-nfukkeɣ ad-neggzeɣ g iri n umačey n ilel

Tidi-inu d uṛeɣ yexleṣ tella..

Tebṛaket d azaglul-inu gi lexret..!!

*

Id n ʷarr nila beṛṛa

Ikaεben ḥeǧrinaneɣ-d s ʷahdir d ukarfel..

Ur nufi temamet.. Nniɣ d tesaṭṭut

Ad nessaṛkeḥ imurrej

Γer umasgenfi-inilten uguren

Adrim gi tegruret n usaki

F ʷaɣṛum-nneɣ n ʷass nettuḥawez

Anaggaru n y-ifri tefawet ur neẓṛi

Ur nemmin temazen-t n "Lxuri"..

Tenaffut d nettet d temaddukelt ad yeqqimen..!

***

-Asafru n Utunsi: Fathi Mhadhbi

-Temaziɣet n: Mazigh Yedder

تحت الأنقاض 

داكن وجه القمر

أعد الحصى مع تراتيل الأنين

تحت الركام أسمع صراخ أمي هزات ارتدادية

أشجب قمصان أبي على ناصية الشارع

صافرات الإنذار تدوي فوق رؤوسنا

أنين إخوتي يمزقني ويكسره الصدى

يدي تحاول الخروج من كوة ضوء

استعصت الرؤيا واستعصت النجاة

بكل سهولة تمر نملة عبر شق صخري

ويمر الأمل حثيثا

تحلقنا فوقنا أرواحنا العارية من الحياة

*

كل هذا الذهول

بلون الموت

أودع إخوتي!

***

صباح القصير - المغرب

في غـزةِ العـزِ ما يُغـني عن الكَلِـمِ

رغـمَ الجراحِ ورغـمَ الموتِ في شَـممِ

*

في غـزّةِ العــزِ تأريــخٌ وملحــمةٌ

فـيـها تـقــولُ لمـاجـــورٍ ومُـنـهـــزِمِ

*

مـا عـاد مِـثْـلِـكُـمُ يُـرجى لِـمَكـرُمَـةٍ

فالحـرُّ يـأنَـفُ أخـذَ العـونِ مِنْ خـدَمِ

*

هـا أنـتُـمُ أيـها الاعـرابُ مَسـخَرةٌ

فَـطَـبّـعـوا طبعُـكمْ في الـخلقِ كالغـنمِ

*

وأنـتـمُ أيّـها الاعــرابُ مَـعــذرةً

الى الـنـعـالِ إذا مـا صـارَ بـالـقـدَمِ

*

والنَـعــلُ أرفـعُ لو قـارنتُ مـنـزِلـةً

وُجْـودُكـم أيـهـا الارذالُ كـالـعَـــدمِ

*

أنـتُـمْ تـرونَ ولا إحسـاسُ عـنـدكمُ

وتـسمـعـونَ كـأنَّ السـمعَ في صـممِ

*

كُـنتُمْ تـقـولون: هـا نحنُ لمـقدِسنا

سـبعـون عـامًا وأنـتمْ غُـدةُ الـورمِ

*

قـالوا السـلامَ فـصفّـقـتمْ لـهُ طـربًا

أيْـنَ الـســلامُ غـدا في هـيـأة الامـمِ

*

والـعالمُ الـحُـرُّ حـرٌ في مصالـحـهِ

تـمضي القضيةُ في الـتعليلِ والحُـلُمِ

*

والعالم الحـرِّ لا تـعنيه إنْ ذُكِـرتْ

ومـجلـسُ الامـنِ راعـيـهِ بـلا قِـيَـمِ

*

إذا تُـحَـرّكُ فـالفـيـتو سَـيـلطُمُـها

حـتى تـعودَ الى الادراجِ في الـقـممِ

*

وينتهي الامـرُ باستشراءِ غاصبها

يعـيثُ فـيها وأهـلُ الحقِّ في الخِـيَـمِ

*

في غــزةِ الـعزِ طوفانٌ لهُ شَـهِدتْ

هذي الصواريخُ في سيلٍ من الحُـممِ

*

هذي الصواريخُ سِجّيلٌ بها وُعِـدتْ

دمـارُ صِـهـيونَ في الاسـفارِ مِن قِـدَمِ

*

هُـمْ يُـخْـرِبونَ بأيـدهِـمْ بـيـوتَـهمُ

والمـؤمنينَ رجالِ الصـدقِ والهـممِ

*

لا بُـدّ أن تنتهي المأساةُ في وطنٍ

عانى بـنوهُ وعاشـوا الوهمَ في سـأمِ

*

لا بُـدَّ أن تنتهي المأساةُ في زمنٍ

لا يـؤخـذُ الـحقُّ حتّى يـرتوي بـدمِ

*

لا بـدَّ أن تنتهي المأساةُ فانطلقتْ

في غـزةِ الـعـزِ إبــراءً الى الـذِمَـمِ

***

الحاج عطا الحاج يوسف منصور

الدنمارك / كوبنهاجن

الجمعة 19 تشرين أول 2023

يا وطنا من نسيج الجراحات

إليك دعواتنا...اهاتنا....

أوجاعنا...صرخاتنا

نمنحك مفاتيح الأرواح

وهي اضعف الإيمان

فاقبلها منا

قد اطلقت فينقا

من رماد العصور

وسويتنا بشرا

في زمن الدمى

منحتنا فرحة

في العقد الاخير

من الزمن المستطير

حيث تتسع المنافي

تضيق القبور

ولا...يهتز ميزان الضمير

*

أيها الموت الممتد

من البحر إلى البحر

أفق......

قبضة القدس تدق بابك

أطفال غزة

أشعلوا وجع التراب طوفانا

صمت المدى شموسا

تفيض من كف النهار

سيفا للمجد  ثار

زلزالا هز عرش الطغيان

عاصفة من لهيب

تنقش الحقيقة

في ضمير الجدار

طيراً أبابيل

تتنزل مثل النبوءات

بالمعجزات والنار

يطٌايرون زوبعةً

في دماء المحتلين

مجانق لهب يشتعلون

فوق الأرض ...تحت الأرض

ومن كل فج يطلعون

فالدم الحر لا ينسى ابدا

سيفا غاله  غدرا

سيكسر جرة الظما الفسيحة

يقود انتفاضات الطيور

على عروش القهر

وظلم العصور

*

زغردي يا ازهار الدماء

لم يبق للفجر الا

دقائق معدودات من رصاص

شوارع تكبير  وابتهالات

ليتهاوى الجدار

تنتهي اسطورة

الجيش الجبار

***

مالكة حبرشيد - المغرب

في اليومِ الأولِّ من أيّامِ الأسبوعْ

وضعَ الشّاعرُ  سبعَ مرايا

في سبعِ زوايا

ومضى يتفرّجْ

كانَ هنالكَ في مرآةِ اليومِ الأوَّلِ

مخلوقٌ أهْوَجْ

يتمنّى أن يَبْلُغَ أعلى درجاتِ مُدَرَّجْ

لكِنْ عاكَسَهُ دَرَجٌ أَعْوَجْ

فاَخْتَلَتْ خُطْوَتُهُ، ثُمّ تَدَحْرَجْ

= 2 =

في ثاني مرآةٍ، كانَ هنالكْ لصّانْ

يختصمانِ إذا اختلفا،

ثُمّ يقولانْ

إنّهما متّفقانْ

و خلافهُما ليسَ سوى

زوبعةٍ في فنجانْ

صرخَ الشّاعرُ:

سأُكَسِّرُ هذي المرآةَ الآنْ

باستهزاءٍ جاوبَهُ اللّصانْ

إنّا لا نسرقُ أفراداً

بَلْ نَسْرِقُ بُلْدانْ

= 3 =

اِقتربَ الشّاعرُ  من ثالثِ مرآةٍ،

يتمنّى أنْ يَشْهَدْ

شيئاً يُفْرِحُهُ

لكِنْ فاجَأَهُ

أنّ المرآةْ

تصرخُ هيهاتْ

أنْ تَشْهَدَ ما يُفْرِحُ نَفْسَكَ،

هيهاتْ

= 4 =

سألَ الشّاعرُ، وهو  يطيلُ النظراتْ

في رابعِ مرآةْ

هل هذا هو  وجهي حقاً

مالي أبْصرُهُ مختلفاً جداً؟

لَمْ يَسْمَعْ ردّاً

= 5 =

كانتْ خامسُ مرآةٍ،

ترقَبُهُ

لتعاتِبَهُ

لكِنْ حينَ أتاها

نَسِيَتْ ما كانتْ

تنوي أن تُخْبِرَهُ

أخذتْ ترميهِ بأسئلةٍ

كُتِبَتْ بحروفٍ يجهلُها

فمتى، أو كيفَ سيقرأَها؟!

= 6 =

حين اقتربَ الشّاعرُ من سادسِ مرآةْ

أدهشَهُ أنْ يُبْصِرَ  أوراقاً تتمزّقْ

تخرجُ منها أقلامٌ دون دواةْ

صار بحزنٍ وعذابٍ يسألْ

ماذا يُمْكِنُ لي أنْ أفعلْ ؟

= 7 =

وهو يَغذُّ خُطاهُ لسابعِ مرآةْ

كانَ يراها

حينَ أتاها

تتطايرُ  في الريحْ

تَصْغُرُ ...

تَصْغُرُ ...

تَصْغُرُ ...

تُصْبحُ لا  تَنْبَصِرُ

***

شعر: خالد الحلٍّي

ملبورن - استراليا

تعالوا وانظروا ظلمَ اليهودِ

فهم ينوون محواً من وجودِ

*

وهم ينوون حذف الإسم عنّا

فلا التاريخ يبقى بالتليدِ

*

ولا للقدس بعد اليوم بقيا

فلا من قال يا قدساه عودي

*

ولا من قال فلننظر لآتٍ

سيطلع مشرقاً فوق النجودِ

*

و لا من قال إسرائيل كوني

بخسئ الحال في حال القرودِ

*

فلن يُغتال بعد اليوم شعبٌ

ولن يُجلى إلى خلف الحدودِ

*

رأينا ﷲ فوق العرش يبكي

على الأطفال بالحزن الشديدِ

*

لأنَّ العُرْبَ .. أهل الأرض ناخوا

إلى الأعداء من أجل النقودِ

*

(أبا عمّار) لو في الحال تأتي

ترى الشبّان في هذي اللحودِ

*

ترى النسوان بالنيران أضحنْ

بأشلاءٍ وتمزيق النُّهودِ

*

ترى البنيان لا بنيان يعلو

أذابَ القصفُ بنيان الحديدِ

*

أحال القصف حتى الصخر فحماً

وأحرق بالقنابلِ كلَّ بيدِ

*

فهل في القلب بعد الآن أنسٌ

وهل نسلا بمحتفلٍ وعيدِ!؟

*

مضت أفراحُ أهلينا (بغزّا)

وحلَّ الحزنُ ما بين الحشودِ

*

فذا قد مات تحت القصف نزفاً

وذا قد مات مقطوعَ الوريدِ

*

وذا قد كان فوق الأرض حيّاً

نراه اليوم في نعش الشهيدِ

*

وبئس الحال إنّا اليوم نرنو

لآتٍ ضاع من أمسٍ سعيدِ

*

يخيب الظن بعد الشك لمّا

يموت الحقُّ في هذا الوجودِ

*

أطالَ النومُ عمرَ الذُّلّ حتى

غدا للبعض بالعيش الرغيدِ

*

متى تصحون!؟

لو تصحون يوماً..

يعود العِزُّ بالمجد التليدِ!

***

رعد الدخيلي

وقف قريباً من النعوش المتراصّة في مقبرة البلْدة، تأمّلها طويلاً بعد أن أحْضَر مسْتلْزمات الحفْر. خُيِّلَ إليْهِ أنّه يسمع أصواتاً غير عادية تملأ المكان.. فرك أذُنَيْه، أمال رأسه قليلاً وكأنّه يُريد أن يتأكّد.. رفرف طائرٌ صغير فوق رأسه المائل، تابعهُ لِوَهلةٍ بِعيْنيْهِ الوَاسِعتيْن وقدْ شدّتْهُ الألوان ُ العجيبة وهي تُسَرْبِلُ ريش هذا المخلوق الصّغير..

عادت الأصواتُ إلى سمْعه.. ألْهَتْهُ عن الطائر العجيب، انحنى أكثر.. جحظتْ عيْناهُ.. النُّعوشُ تهتزُّ برِفْق..الضّجّة تعْلو شيْئا فشيْئاً..

أحد النُّعوش:

- " بيْن جنبيّ يرقد رضيعٌ كالقمر؛ غسلتْه الدّماء.. كفّنتْه السّماء، أهْرقتْ عليْه خوَابيَ عِطرٍ مُعَتّق.. على ثغْرِهِ بقايا حليبِ أمِّه.."

نعْشٌ آخر:

- " تسْكُنُني رضيعة؛ بيْن أناِملها الرّقيقة؛ الْتفّتْ خصلة طويلة منْ شعر أمّها.. على جَبِينِها رِباطٌ مِن حرير، انْتظمَتْ رُسوماتُهُ على طِرازِ أعْلام صغيرة، رشَّتْها قطراتُ دمٍ... عِطْرُها ضمّخَ الكفن؛ فأغْدَقَني طيباً وأغْرَقَني مِسْكـــــا..."

استمرّ الحفّارُ في الاستماع إلى بقية النّعوش وهو يكبحُ جماح خياله، حتّى إذا وصلَ مُنْتَهاها؛ واستعدّ لإنْزالها في قبورها؛ إذا بالطائر الملوّن؛ يُحلّق فوق رأسه من جديد ثمّ ينقر النّعوش نقرات خفيفة، ويستقرّ فوق أحد الأغصان المزْهرة... تتصاعد روائحُ القُرُنْفُل والعنْبر والكافور والريحان..! يسْبَح المكان في عبق أريجٍ لا يوصَف.. يُغْمض الحفّارُ عيْنيْه، يملأ رأتيْهِ بهذا الدّفَق العجيب.. يتمنى لو أنّهُ كان داخلَ واحدٍ منْ هذه النُّعُوش.

مع حلول المساء؛ يُضيءُ الحفّارُ شُموعاً في كوخه البائس.. الرّائحة تسْكنُ أنْفَه.. تنتشر في أرْجاء الكوخ، تغْسِلُ بُؤسَه.. أصوات النّعوش؛ تسْكنُ المَكان..

يأخذ الحفّارُ لوْحة وقلَماً عثر عليْهما في إحْدى الخَرابات بجانب الكوخ.. يتأمّلُهُما.. تُغافِلُهُ دمْعة، تنزلُ فوق اللوحة، تغْسِلُها مِنْ بقايا دمٍ لِتِلْميـــــــــــــذٍ؛ مَزَّقَتْ أحْلامَهُ وُحوش البرّية..

يُنظِّفُ اللوحة، يتجهّزُ للكتابة...القلم بيْن أصابعهِ بمِدَادِه الأحمر المُعَتّق؛ يسيحُ على اللوحة:  "هلْ هذه جَثاميـــــنُ؛ أمْ صَنادِيقُ رَياحِيـــــن..؟!"

يترك اللوحة تجِفُّ.. يحملُها في الغد، يُثَبِّتُها على رؤوس قبور البارحة.. إنها "الشاهدة" تُوثّقُ لِنُعوشِ الرّيْحان وتحكي عن أزِمِنة الخذْلان..!

***

شميسة غربي / الجزائر

في الشقة العليا، الأعلى. نطل على خمارة فيكتوريا، مقهى بدر، الشارع الرئيسي حيث كل شيء ممكن، موجود. ماذا لو انهارت العمارة التي أسكن إحدى شققها؟ سأبكي لشيء واحد؛ لتساقط الجدران على المقهى وحينها سأفقد مقعدي، ذاتي التي ألفتها في ركن المقهى، رؤية العابرين وأنا أحتسي فنجاني الأسود. سأبكي لتكسر زجاج دكان بائع الأحذية.. سأفقد آخر نظرة على الموضة العالمية، سأبكي لأن الدا محمد لن يبيع الحليب هذا الصباح، سيشربه الطوب المتناثر داخل الدكان وخارجه.

كنت هادئا إلى حدود التاسعة صباحا. ما كانت لتقع الفاجعة لو أني غادرت السرير ساعتها. فمن عادتي أن أغادر السرير على صوت آذان الظهر، الصبح أدعه للصبحيين، أما أنا فمن الظهريين. أجل الصلاة فرض، لكن نسامح تاركها، كل شيء غير ملزم. نأكل مع الشيطان، يهضمنا ونهضمه، حلوة هي شياطين الصباح، حلوة.. حلوة كخميرة هذا الصباح، هادئة كأعصاب خميرة هذا الصباح. هادئة.. هادئة إلى أن ثارت زوابعها فكنت أول ضحية.. لا تحدثوني فذاك قدركم.

في البدء اختلت بي النسوة. مات؟ نائم؟ مات!  مات. كان لطيفا...محترما، خبيثا يغازل الزيجات، مترفعا بثقافته العارية.. نائم، مات. كيف يموت والمحيا باسم؟ ماذا وقع؟ أطللت من الشرفة، انتابني الذهول.. كل شيء تغير، كل البنايات محطمة؛ عمارتنا، المقهى، الخمارة، دكان الدا محمد، عربة بائع الحلزون... كل شيء لا يلازم صورته الأصلية. أجزاء الأجساد منعزلة عن أصحابها. المنظر يثير الحسرة في النفوس.

استدرت وجهي قليلا متعمدا الحركة، الكرسي مثبت كعادته في الزاوية. لا أدري متى وكيف غادرت صمتي؟ جلست على المقعد بالمقهى، وضعت الطاولة أمامي بعدما انتشلتها من تحت الركام، أخذت أحدث أهل الحي بحماس، جلهم من الأموات، وبعضهم من المعطوبين... من المجادلين لخطبتي: امرأة في الستين من عمرها فقدت رجلها الأيسر، طالبة جامعية فقدت يدها، وكم تمنيت لو فقدت لسانها، طفل في الثامنة فقد يده هو الآخر، أما الباقون فكانوا من السامعين، الهاضمين لما أقول، في البدء حثثتهم على الصبر، وأن قدرهم ذلك. خاطبتهم الخطوبة.. الخطابة. حدثتهم عن الحركات والتموجات الباطن أرضية، نظرية النمو والارتقاء، التناسخ، الجاذبية، الديمقراطية، الرأسمالية والاشتراكية، العلمانية، الديانات وعلاقتها بالسلطة تأثيرا وتأثرا. حدثتهم عن تضحيات السلف من أجل الأرض، القادة والساسة، الساسة ملائكة فلا تجادلوني. تجادلوهم لجاجة. مثلكم مثل الحطب، يفني ذاته، عروته ولا يقاوم. كل يسبح، فسبحوا. سب... حوا. واسبحوا... قذرة هي أجسامكم، نظفوها، نظفوها، غدا عيدنا، سنعلن عن ميلاد امبراطوريتنا الأولى. كل واحد منا سيعلن ميلادها، ميلادنا.  سنمزق تاريخنا المؤرخ، ونعلن أننا هنا ولدنا... لم نغادر البيوت التي كسرنا زجاج إطاراتها بصرختنا الأولى. كلنا سنعلن، سنلعن كلنا، س.ن.ل.ع.ن... قالت الطالبة: سأعلنك زوجا، وقالت العجوز: سأعلنك ابنا، وقال الصبي: سأعلنك أخا أكبر. قالت الجثث المتناثرة في الشارع: سنعلن أنك قائدنا الأكبر، لا نجادلك فيما هو أصغر أو أكبر، قدرنا أنت. قُدْنا يا سيدنا الأكرم.

باسم الطاعة أعلنت الإصلاحات البشرية. غادرت المقعد في اتجاه عرضي حيث الجثث المتناثرة، بسرعة البرق أخذت أرمم ما تطاير من الأجساد؛ الأيدي، الأرجل، الرؤوس، العيون، وحتى الأمعاء والكبد.. ما بداخل الداخل. تارة أصيب اختيار الأشلاء فتلائم صاحبها، وأخرى يتباعد الاختيار والذات. لا تجادلوني ما دامت الأجساد كاملة الأعضاء... سنغير ما أصلحناه، ما أفسدناه. كل شيء يتغير، فالزموا الطاعة، وما يمليه القدر والقائد. طبعا سأغير أعضاء بعضكم، لن أدع رعيتي بصورة لم نألفها، تألفها الرعايا ولا الرعاة. كل شيء سيتغير في منحى الما صلح. يحزنني قبلكم أن أرى أحدكم برجلين.. يدين من نوع واحد، أن أجد أحدا من رعيتي بأطراف رجل ورأس امرأة.. يحزنني اللا كمال في الأعضاء، فاصبروا وصابروا. إذ نيل المطالب بالتملي، فانتظروني خلف اليوم، هناك وراء شبابيك بنك المال، نوافذ فيكتوريا القاصرة. دعوني، دعوني أقص عليكم غراميات فيكتوريا وأمها شامة بنت الحاج المعطي. دعوا آذانكم وادخلوا الخمارة طاهرين، تجدوها تحتسي أقداحها. لا تنظروا صوبها، تأملوا صورتها التي اعتلت جدران الخمارة، تأملوا الصورة فقط. كلموها.. غازلوها.. ارجوها، اشربوا أقداحها وتغنوا بالاسم.. للاسم، واهتفوا للاسم.. بالاسم. واسألوا أسماءكم، آلهتكم عمن هم الأغبياء، أهل الصبح أم الظهر، اسألوا.. أسألوا. سألوا حتى تطاير غبار الأجوبة، زوابع الأسئلة. وفي غرّة الصراخ والنواح أطللت من الشرفة.

الساعة الواحدة زوالا. المصلون ودعوا المسجد بعدما أدوا صلاة الظهر، لم أستيقظ اليوم على صوت الآذان. أطللت من الشرفة، ثم من النافذة، كل شيء لازم صورته. العابرون من الرجال والنساء، العمارة، المقهى، الخمارة، دكان الدا محمد، عربة بائع الحلزون، السيدة العجوز يشو تغزل الصوف بباب منزلها، ثورية، ثو... ريتا تطالع دروسها الجامعية بالشرفة المقابلة، تضع آخر اللمسات لاستقبال نتيجة التكرار أو البطالة، ستحصل على الإجازة... العطلة. الطفل المشاكس سعيد يعبر الشارع دون مبالاة بحركة السير، يسابق المدخنين إلى نقطة المحور. كل شيء يوحي بالأمس. الحياة شريط موسيقي كلما لازمته أطول ازداد مللك له. لا عجبا، فكلما وضعت رأسي على وسادتي إلا واشتقت لجديد الغد، وما أن تسطع شمس الصباح حتى يتكرس لي الانطباع بأن اليوم صورة طبق الأصل من يوم أمس، صورة مصادق عليها من طرف السلطات العليا الحاكمة للبلاد والعباد، صاحبة الأوتاد وقلة الأولاد. أما نحن فلا يمكن أن نجد مكانا في المقاهي، السينما، المسارح، الشوارع، الخمارات، المستشفيات، السجون، الحافلات، الحمامات، المدارس، المقبرة الوحيدة في المدينة. كل شيء يئن من مخلوق وحيد يدعى البشر، ويدعى والبشر... وا البشر. والب... شر... شر... شر.

***

قصة قصيرة

كتبها: عبد الحكيم البقريني (المغرب)

سأنزع كبدك يا ماركوس لوشيوس كراسوس

وأرميها من شباك الطائرة..

لتلتهمها النسور في الأعالي..

سأقطع رأسك المهوشة بأسناني..

سأهدي قوسك ورماحك لمتسول ضرير..

بزتك العسكرية لسجين سابق..

أنا جلاديتور الملعون..

سأحرق روما الحديثة

وأعيد المجد لجبل فيزوفيوس..

سأعيد زرقاء اليمامة إلى بغداد

لترصد حركات النجوم

ومضارب القتلة ..

أنا إبنك المطارد يا سبارتكوس..

قاهر الفهود وصانع الرياح..

سيد الينابيع الزرقاء..

ليتبعني العبيد ونساء تراكيه..

دراجون نيام ببنادق صيد..

جدول مصاب بجنون الفلاسفة..

إمرأة تنبح في جنازة مثل جرو بائس..

أوركسترا جنود فروا من مملكة هاديس..

طيور العقعق الحزينة..

سألعق حليب مسدسي وأخرب

خيمة النبلاء..

سنقاتل التنين الأسود في الغابة المسحورة..

سأجرك يا روما الرجيمة إلى الهاوية.

***

فتحي مهذب

...............................

ترجمة الأديب المغربي

Abdellatif Alami

Je suis ton fils hanté Ô Spartacus

Je vais t’extirper le foie ô Marcus Licinus Crassus

Et le jeter par le hublot de l’avion

Afin que les aigles l’avalent dans les monts

Je te couperai la tête trouble de mes dents

J’offrirai ton arc et tes flèches à un mendiant non-voyant,

Ton uniforme à un ancien prisonnier

Je suis le maudit Gladiateur

Je brûlerai la nouvelle Rome

Et rendrai sa gloire au mont Vésuve

Je rendrai à Bagdad sa colombe

Pour qu’elle scrute les mouvements des étoiles

Et les sabres des assassins

Je suis ton fils ô Spartacus

Vainqueur des guépards et faiseur de vents

Maître des sources bleues

Et afin que me suivent les esclaves et les femmes de Tarakia,

Les cyclistes léthargiques portant des carabines,

Un ruisseau atteint de la folie des philosophes,

Une femme aboyant dans des obsèques

Comme un malheureux chiot,

Un orchestre de soldats fuyant le Royaume d’Hadès,

Les pies tristes,

Je lècherai le lait de mon révolver

Et détruirai la tente des nobles

Nous lutterons contre le dragon noir dans la forêt ensorcelée

Je te traînerai ô maudite Rome et te jetterai dans le précipice.

من ضجيجِ العدمِ

تسحقني قوةٌ واهنةٌ

تُذيبُ ملامحي

في بوتقةِ التّلاشي

*

أيُّ ضجيجٍ ؟

يصمُّ آذانَ الوقتِ

عن لحظاتٍ جميلةٍ

تُدعى الحياة !

*

أيُّ ضجيجٍ ؟

يُراقصُ جنونَ المعنى

ليصدحَ بقصيدةٍ !

*

أيُّ ضجيجٍ ؟

يسحقُ ذلكَ الهدوءَ

المترامي خلفَ أمواجٍ

مشلولَةٍ

مكتوفةِ الأيدي

أمام شواطئ الغدرِ

*

أيُّ ضجيجٍ ؟

يمسحُ ذاكَ الصَّفاءَ

من بَريقِ العيونِ

لتَنهَمرَ دمعاً !

*

أيُّ ضجيجٍ ؟

يلاطفُ قساوةَ المشاهدِ

المتراميةِ

على ركامِ الأمسِ

ويبني قصوراً

للسّارقينَ

والمارقينَ

على أنقاضنا !

*

أيُّ ضجيجٍ؟

يُسكِتُ ذلك العويلَ

لأمٍّ ثكلى

على ابنها الشّهيدِ

الذي يُباعُ وطنُهُ

المعطَُّرُ بدمهِ

في حانات ِ البؤسِ

*

أيُّ ضجيجٍ؟

يرسمُ معاني الوطنيّةِ

بالهتافِ

والجوعُ أرملةٌ … نواحها هديلُ !

*

أيُّ ضجيجٍ ؟

أعلنهُ الزّمنُ

نشيداً

نردّدُهُ على إيقاعِ الدّمعِ

كلَّ انفجارٍ !

*

أيُّ ضجيجٍ ؟

يمحو

كلَّ هذا الضّجيجِ

ويرسمنا إيقاعاً

يهذي بابتساماتٍ

حيرى

ضاعتْ بالزّحامِ

وتاهتْ

تبحثُ بينَ كلِّ إيقاعاتِ الشّجنِ

عن صمتنا الرّجيم

*

أيُّ ضجيجٍ ؟

يُراودني عن ذاتهِ

يغتصبُ صمتي

ببعضِ هراءٍ

يُردّدُ صدى الآخرين َ

وينسى صوتهُ

على صريرِ الآه

لحناً جنائزيّاً … أضاع مداهُ !

*

أيُّ ضجيجٍ ؟

يقولُ للحزنِ

" كُنْ

فيكون "

مثلَ الدّمعِ

على أعتابِ الصدِّ

يثرثرُ النّداءُ

استغاثةً !

يضيعُ الصّدى !

وتُدفَنُ ناياتُ الوجعِ

لتنبتَ  الأحجيات !

*

أيُّ ضجيجٍ ؟

ينامُ تحتَ صداهُ

لأمومةٍ يائسةٍ

تأرجحُ ابنها

على حبالِ صوتِها

أزماناً

ليسقطَ شهيداً

أرادَ أن يقطفَ الثُريّا

فتَوَّجَ بروحهِ ثراهُ

*

أيُّ ضجيجٍ ؟

يصوغُ الآهاتِ … آهاً

يستفزُّ الدّمعَ سواقي ألمٍ

تضيعُ في شعابِ الرّوحِ

أسراباً

تتوهُ هديلاً  .. وعويلاً

وتغرقُ في نهرٍ

أضاعَ مجراهُ

***

سلام البهية السماوي

قصيدة من مدموعتي النثرية (عابرون)

توَشَّحْتِ أنتِ

بالمَدى

والخافِقَيْنِ ...

لَكِ في الوجودِ

جِلْبابُ ناسِكَةٍ

غدا !

وإذا المغيبُ

أسْدَل حُمْرةَ

فعلى الخدودِ

كأنّما نام النّدى

يا أنتِ ...

يا أنتِ التي

رَسَمْتِ من عَيْنَيْكِ

أُولى القُبْلَتَيْنِ،

للذي ...

بكِ آمن واهْتَدى

وأنا ...

يا ألفَ ألفَ آهٍ

مَنْ أنا،

قد قُلْتَها...

لَيْسَتْ خواطِر مُسْتهام

ووساوس، أو هواجِسْ

إنّما

خَفَقان قلْبي والوَجيب

لأنينِ نَبْضكِ والْجِراح

يعْلو صَدى

ها أنّي أسْمعُ صَمْتُكِ

لُغَة السّماء

لو أنّكِ...

بُحْتِ بها

هو الهلاك والرّدى

للغاصبِ المُحْتَلِّ،

وأذناب العِدى

يا قبلتي ...

ومعبدي،

وجرح تأريخي،

وعُقْدة قصتي

لَهَبٌ تَأجّج في جراحي

وحُزْنُكِ،

حُزْنُ عاشوراء

وصرخة زينب

ومثلما

يُبْكيني يوم الطَّفِّ

تُبْكيني أنتِ حَبيبتي

لأنّ دَمْعُكِ

صَديد جراحات الضحايا

والفِدا

فأنتِ الآن أنتِ

كَرْبلاء

بَيْنَ إخْوة يوسف

وأشْرار البغايا والعِدى

***

الدكتور ابراهيم الخزعلي - موسكو

10/01/2018

خدعوك يا فلسطين خدعوك

وبخناجرهم المسمومة طعنوك

*

عملاء وخونة ومطبعون ومرتزقة

عبيد مصابون بالهلع وفي اعناقهم مشنقة

*

القدس الشريفة بريئة منهم

وفلسطين تنفرمن عفونتهم

*

لله درك  يا فلسطين

لله درك يا غزة

*

طوفان الاقصى

طوق البسالة

وهالات الشهامة

وروح المجد الاعلى

*

غزة بين نارين

الارهاب الاسرائيلي

والارهاب الامريكي

*

الصهيونية والنازية

توأمان شريران

ينامان في سرير واحد

دستورهما الابادة الجماعية

*

سيجرف الطوفان

الجرذان الحقيرة

الى مستنقع الذل والهوان

*

ثمة ارهابي عجوز في البيت الاسود

وفئر نتن في مواخير تل ابيب

وغرب صهيوني منحاز للمستبد

*

اما العرب والمسلمون

الحالمون بالصلاة في المسجد الأقصى

اتركوهم ينامون

ولا تزعجونهم

فهم في سباتهم العميق يتبولون

والخوف في احشائهم يتناسل كالديدان

وفي مياه المجاري يسبحون

*

سخر الله الحميروالبغال

من فصيلة الحكام العرب

لتركبها اسرائيل

وتهشهم بعصا الغضب

ولهم فيها مآرب اخرى

كالتطهير العرقي

والتهجير القسري

وتذليل العرب

***

بن يونس ماجن

يرّن صدى صوتها الرقيق في قلبي، وأنا أقف في حديقة البيت، أسحق قرص دواء في يدي.. ماما، حلمتُ بأنّ امرأة ملاكاً هبطت من السماء إلى سريري، وقالت لي إنها ستنقذني من مشكلتي. ثم نظرتُ إلى شباك الغرفة، ورأيتُ ضباباً في الخارج، انقشع، وظهرت أشجار خضر.

كان صباحاً جميلاً، بعيداً، داعبت فيه شمس الأمل حمائم روحينا التائقتين الى السلام. إذ فتحت صغيرتي جنّة عينيها في قلبي كذلك، لتخبرني برؤياها.

وأخذنا ننتظر، بصمت، موعد تحقيق معجزة الشفاء التي أنبأتنا به الرؤيا النورانية، لتتمكن صغيرتي من وداع الشلل وكرسيها، فينطلق غزال روحها، قبل قدميها، إلى بساتين الفرح والامتنان، وحق الحياة.

لم نتوقع أننا فسّرنا الأمل المبثوث في الرؤيا بغير معناه الظاهر لوعينا، وكإننا عشنا وهماً بلون أخضر اتشحت به أشجار الخديعة وراء شباك الأمل الكاذب.

غابت صغيرتي جنة بعد الرؤيا، وبقيتُ أرى الأشجار خضراً في ليالي حزني على مدى سنوات تشبثي بوهم العودة، حتى كدت أفقد صوابي، ما دعاني للجوء إلى الحبوب المهدئة، لعلها تبدد الوهم الجميل.

يستمر جرس صوتها يرّن في قلبي وذاكرتي، وأنا واقفة في الحديقة، حيث تلعب ابنتي دنيا. كم تشبه أختها في الشكل والصفات والإهتمامات، كإنهما توأم.. كملامح الوجه.. الصوت الرقيق.. النعومة.. حب الألوان نفسها.. تفضيل بعض الأطعمة على سواها.. أسلوب المرح وبث الفرح. الفارق الوحيد بينهما هو ولادة دنيا سالمة من الإعاقة، وسلامتها من التسمّر على كرسي المقعدين. بقيتُ أحتفظ بكرسي جنّة في غرفة المعيشة، كي تكون حاضرة معنا دائماً.

رزقتُ بدنيا بعد مرور سنين كالحة على فراق جنّة، تعمدت اختيار هذا الاسم لها، لعلها تبقى في دنياي، لا تغادرني كما فعلت أختها. أخذت تكبر أمام عيني، كالغزال، تقفز هنا وهناك في أرجاء البيت كإنه مرج أخضر، فتضج ضحكات براءتها في قلبي الحزين. كم تمنيت لو شاركتنا جنّة ضحكاتنا. كانت الغصة في قلبي.

لاحظتُ موهبة دنيا في الرسم. بدأتْ بشخابيط خضر، وبعد وقت رسمتْ على ورقة بيضاء شباكاً مضيئاً وأشجاراً خضراً.. ما أثار استغرابي. كانت كلما ترسم جزءاً من اللوحة ترفع عينيها إليّ، كأنها تريد أن تخبرني بشيء.  في حياتها، كانت جنّة ترسم كذلك. أصابع دنيا الطويلة الرفيعة تشبه أصابع جنّة، مثلما أسلوب الرسم متشابه.

صباح اليوم ـ الذي يوافق ذكرى رحيل جنة ـ استيقظتُ على صوت دنيا، وهي تقول لي إنها رأت في المنام امرأة ملاكاً طلبتْ منها أن تضع ورقة الرسم على شباك الغرفة المطلة على الحديقة. فعلت دنيا ما طلبته منها المرأة الملاك، انبثقت من اللوحة أشرطة ضوئية، انفتح الشباك، وقفزنا منه، كطفلتين مشاغبتين، الى الحديقة، حيث بدت لنا كمرج أخضر، وأخذت صغيرتي دنيا تدور حول نفسها بقدمي السعادة وثوبها الوردي، وصوت جنّة يرّن في رأسي.

فجأة، تظهر امرأة الرؤيا الملائكية مبتسمة واقفة وراء صغيرتي دنيا، تؤشر إليها، وتومئ بوجهها إليّ، قبل أن تلتف نحو الأشجار مبتعدة حتى تختفي، وهي تدحرج كرسي المقعدين أمامها ليختفي هو الآخر معها.. متى دخلت البيت وأخذته؟.. يدق السؤال في رأسي، بينما يتصاعد نغم صوت جنّة من قيثارة ذاكرتي، يعيد عليّ قصّ رؤياها البعيدة زمنياً القريبة روحياً، فتتسمر عيناي على دنيا.. أفهم لحظتها سر التطابق الغريب بينها وبين أختها. أسحق قرص الدواء في باطن يدي.. تغمرني سعادة عجيبة، وأنا أهرع إليها، أحتضنها بشوق عارم، ونأخذ بالدوران معاً أمام الأشجار الخضر التي نشعر بها تتراقص على أصداء ضحكاتنا، أنا وابنتي الوحيدة جنّة.

***

قصة قصيرة

 أسماء محمد مصطفى

تبتعدينَ مخترقة صمتَ الرُخام

أمدّ إليكِ يميني

لأسحبكِ إلى قلقي الراكدِ والدبق

كلما ابتعدتِ، ابتعدتْ يميني عني

حتى بلغت ذراعي في استطالتها الأفق

لكنّ الأفق يتلاشى

وتتلاشين معه

وأبقى حائراً

كيفَ اقنع يميني لتعودَ إليّ؟

بل كيفَ أعيدُ ذراعي لطولها الأول؟

- 2 –

أتخبّطُ تائهاً

في حقلٍ من الأسئلة الملغومة

لكنها لا تتفجّرُ تحتَ قدميّ العمياوين

لأنّ تحت كل جفن مني شمعة منكِ

- 3 –

منذ اليوم

لم أعد أراكِ في المطبخ

تمسحين عن الصحون ما تراكم من التعب

وما عُدتِ تُطعمين أبناءَكِ

ما زرعتِ في مقلتيكِ

من أحلام قابلة للمضغ

إنتهى وقتُ الدرس

وتوزّع التلاميذ على المسالخ

لذبح حقائبهم التي تخور من الخوف

بينما أنتِ تحضّين المنضدة الولود

على إنجاب الكثير من دفاتر الألفة

وكراريس الحنان

منذ اليوم ستنسى الشمسُ

أنّ لها في بيتنا أبناءَ أخت

لقد رحلتِ

تاركة أبناءَكِ يبحثون في ألبوم الصور

عن بقعة مظللة

تقيهم من حرارة الغياب

- 4 –

لا تعجبي يا أمي لنضوب النهر

فقد استنفدنا منه لبكائنا الكثيرَ من الدموع

***

شعر: ليث الصندوق

كنت جالسًا أنا وطفولتي تحت شجرة الزيتون المُعمّرة في حاكورة بيتنا القروي البسيط، عندما شعرت بحركة مُريبة تخترق الصمت المخيّم حولي. سمعت استغاثة فرخ طير صغير، فالتفت إلى حيث خمّنت أنه ينبعث منه، فإذا بي أرى ويا للهول أفعى تنساب من قلب الشجرة الوارفة تحمل في فمها فرخًا غضًّا طريًا، لم ينبت له ريش بعد، يطلق زقزقات الاستغاثة، طالبًا النجدة. تجمّدت في مكاني. فكّرت في أن أرمي الافعى بحجر إلا أنني خشيت أن تتحوّل إلي وتغرس أنيابها السامّة في جسدي الصغير. انسابت الافعى مختفية بين الواح الزينكو المحيطة بالحاكورة، غابت الافعى هناك إلا أنها لم تغب عن ذهني. ترى كيف ستفتك بذلك الفرخ الصغير؟ وأي استغاثة سيطلق بعد تلك المريعة؟ بل ماذا ستقول أمه وماذا سيفعل والده عندما يفتقدانه؟ حالة من الأسى النابع من أعماق الخوف انتابتني، دون أن أعرف ماذا بإمكاني أن افعل.

وضعت أمي في منتصف النهار صحن العدس المجروش، وإلى جانبه حبّة حامض وراس بصل، وهي تقول لي:

-كلّ.. أنت تحب المجروش.

بقيت صامتًا. افتعلت أمي عدم الانتباه لما ران على الغرفة الصغيرة من صمت ابتدأ منتشرًا في أنحائها من جسدي الطفل. فعادت تُربّت على ظهر:

-ألا يعجبك الطعام؟ لو لم نكن غرباء في هذه القرية وبقينا في قريتنا.. كان اعددت لك المحمّر.. والمنسف.

تابعت صمتي.. كان ما انتابني من وجل في ساعات الصباح المبكّرة، قد تغلّغل في أعماقي. وضعت أمي يدها على جبيني، وقالت:

-حرارتك مرتفعة.. أنت يجلب أن تأكل.. وتابعت: إذا لم تأكل سنضطر لأخذك إلى الحكيم.. ويلي مِن أين نأتي بالمال لندفع له؟

ارتميت في حضن أمي. لائذًا به من أنياب تلك الافعى. وتصوّرت أنني أنا من شدت عليه بأنيابها.

-أنا خائف يا أمي. قلت، فتساءلت أمي:

-ما الذي يخيفك يا مُهجة قلبي؟

عندها رويت لها ما حصل في الصباح تحت زيتونتنا المُباركة. فربّتت على ظهري مُطمئنة وروت حكاية طويلة عن الافعى.. لخصتها في النهاية بأن الافعى المجاورة لا تؤذي مستضيفيها أصحاب البيت. عندها انبريت قائلًا لها:

-لكنني رأيتها تشدّ بأنيابها على فرخ صغير.

عندها اسقط الامر من يد أمي.. وضربت كفًا بكف قائلة " والعمل.. ماذا سنعمل..".

في صبيحة اليوم التالي. شعرت بحركة هامسة في القرب من فراشي. رابني الامر فافتعلت مواصلة النوم. وسمعت أمي تحكي لأبي عن تلك الافعى اللعينة موضحةً أنها دبّت الرعب في قلبي، وأنها قد تؤذي أيَ واحدٍ منّا. فتضيف بذلك مصيبة أخرى إلى ما لحق بنا من مصائب التشريد والتهجير. عندها سمعت أبي يسألها وماذا بإمكاننا أن نفعل؟ ازدادت ملامح الحيرة في وجه أمي الجميل وقامتها الممشوقة، عندها لم يكن أمام أبي سوى أن يعدها بإيجاد الحلّ المناسب لتلك المُصيبة الرهيبة، مُشيرًا أنه سيتخذ الاجراء المناسب في ساعات المغرب.. بعد انتهاء عمله في الكوبانية اليهودية المجاورة. ومضى منطلقًا في متاهته.

بعد مغادرة أبي رحت أتساءل عما سيفعله أبي. أعرف أنه سيجد الحلّ المناسب. لكن ما هو ذلك الحلّ؟ هل سيواجه الافعى بيديه العاريتين؟ لا.. لا.. أنا لن أسمح له، وتصوّرت أن تلك الافعى ستغرس أنيابها في جسده الأعزل المسكين، وأنه سيموت ويغادر دنيانا تاركًا ايانا للمزيد من المصائب. فجُن جنوني، ورحت أنتظر المغرب متخذًا كلّ الإجراءات والاحتياطات اللازمة. أبي لن يموت. لن أسمح له بأن يغمض عينيه ويرحل منطويًا على سمّ تلك الافعى اللعينة.

عاد أبي في المساء. ارتدى "ساكتته" العتيقة. قطف قرنفلة من حوض استرخى هناك في حضن حاكورتنا. وضعها في جيب ساكتته، ووضع خطوته الأولى في الحاكورة. متوجهًا إلى الشارع المحاذي. إلى أين سيتوجّه أبي الآن؟.. وماذا سيفعل.. تراكضت الأسئلة صوبي مثل ألف فرخ أفعى وفرخ. عندها لم يكن منّي إلا أن اركض وراءه، عندما أدركته. أمسك بيدي. "لا تخف. يوم غد أو بعده لن تجد تلك الافعى مكانًا لها في حاكورتنا"، قال أبي وهو ينظر للأفق البعيد.

مضينا أنا وأبي في شوارع القرية متنقليَن من شارع إلى آخر، ومن بيدر إلى بيدر. توقّف أبي قُبالة بيت ظهرت في أسفله بقالة ملأى بالمأكولات الشهية الساحرة. اعتقدت أنه سيشتري لي منها شيئًا يخفّف عني وينسيني ما أنا فيه من قلق وخوف، إلا أنني فوجئت به ينادي صاحب البيت.. أبو جمال.. أسعد المصري. أطلّ صاحب البيت من شرفته العالية وأطلت معه بارودته. نزل إلينا حيث وقفنا في الطريق. سأل أبي عمّا أتي به إليه في بيته. فروى أبي له حكايتي مع تلك الافعى وما انتابني من جزع ورعب لوجودها في الحاكورة. عندها افترشت وجه المصري ابتسامة، "وما المطلوب منّي؟، سأل والدي وهو يُرسل نظرة غامضة نحوي. فرد أبي أريدك أن تكمن تحت زيتونتنا.. حتى تظهر تلك الافعى، فتُطلق عليها من جفتك الفتّاك. بعدها جرى حديث بين الاثنين. حول مُقابل تلك العملية الخطرة. واتفقا على أن يقوم ذلك الصياد الشجاع بالمهمة على أكمل وجه.. وأن يريحنا من تلك الافعى.

رانت علينا.. على الشارع والدكان المفتوح بشائر الارتياح، ومضينا أنا وأبي عائدَين إلى بيتنا الخطر.. بيت الافعى الرهيبة فيما عاد صيادنا المُطهّم إلى شرفته العالية، وهو يعدنا بأن يبدأ عمليته العتيدة ابتداءً من صبيحة اليوم التالي. في اليوم التالي.. الثالث من ظهور الافعى في محيطنا.. سمعنا طرقًا قويًا على بوابة الحاكورة. بعد قليل دخل أبو جمال وعلى كتفه جفته المُخلّص. وتوجّه من فوره إلى الحاكورة.. اتخذ موقعه تحت زيتونتنا الملغومة، وجلس هناك بانتظار انسلال تلك الملعونة ليطلق عليها رصاصة الموت. مضى الوقت. دون أن تظهر تلك الافعى. فما كان من أمي إلا أن أعدت له العدس المجروش.. الحامض وراس البصل البلدي. وقدّمتها له على طبق من قش بلادنا. تناول بطلُنا المغوار طعامه هنيئًا مريئًا. مسح فمه واستلقى بانتظار إنهاء مَهمته. مضت الأيام يومًا ينطح يومًا.. دون أن تنتهي تلك المهمة الصعبة.. الامر الذي أقلقنا جميعًا.. فالرجل يلتهم معظم ما لدينا من مأكولات. والمهمة تتواصل دون أن تجد لها حلًا.. أثارني هذا الوضع.. في اليوم السابع. كمنت وراء سياج حاكورتنا.. وفوجئت.. يا للهول.. بذلك البطل المغوار.. يلعب مع أفعى زيتونتنا ويُغدق عليها مبتسمًا ومحرّكًا شاربيه.. ماسحًا لحيته بعد تناوله ما قدّمته اليه الوالدة من مجروش.. و.. آتيًا عليه عن بكرة أبيه.

***

قصة: ناجي ظاهر

سَقتني شَراباً

حُلو المَذاقِ

فصار في فمي مُراً كالعَلقَمِ

حدَّثَتني عن ذِكرياتٍ

كانت تَحومُ على غيرِ هُدىً

بينها وبيني

وعلى منضدتي تركتْ

حُزمَةً من كَمَدٍ

ومِنديلأً وردياَ

ما زال مُبللاً بالخَيبةِ والدَّمعِ

نافذتي مُشرَعةٌ

صاغرةٌ تتلقَّى

سياطَ الرِّيح بلا هوادةٍ

وأوراق الشَّجرِ اليابسةِ

في حديقتي

تَغرَقُ في الظُلمةِ

والحُلمُ في قاعِ الكأسِ

ثُمالَةً تَجِفُّ على مهلٍ

تنتابُني قشعريرَةٌ

فترتجفُ الأخيلةُ في أوصالي

ويصيرُ جسدي غُربالاً

رويداً رويداً

تَفرّ مِنهُ رُوحي

نعيقُ غُربانٍ

وصَليلُ سُيوفٍ

يخترقُ مَساماتي

أصحو ولا أصحو

كأنَّني هنا ولستُ هُنا

أحاولُ أن ألمُسُها

تصطدمُ يدي بالجِدارِ

وتكتوي بِلهيبٍ من الأرَقِ

في عيني وجَعُ المَرافئِ

وضَحكَةُ الماضي

وضوعُ العَبقِ

وعلى مَقْرُبَةٍ

رسائلَ اعتَراها اصفِرارٌ

تَرقُدُ ميِّتةً في أدراجِ النِّسْيَانِ

والهَمساتُ الخافتةُ

ما تزال تجوبُ فضاءاتي

مثل فحيحٍ أو هسيسٍ

أو بوحُ غيمةٍ

لقطرةِ مطرٍ

أراها في كُلِّ الوُجوهِ

وفي كُلِّ الأركانِ

وفي بَواباتِ الزَّمانِ

ولكنَّني أبداً لا أراها

اشتَعِلُ رُغبةً

واشتياقاتي جُذْوَةً

أَصرَخُ صَمتاً

وعُيوني مَوسُومةٌ

بِضجيجِ العَتمةِ

أراها في كُلِّ دفاتري

وفي جَميعِ قُصَاصَاتي

وأسمَعُ صَدى تنهُداتِها

فوق ستائرَ غُرفتي

لكنَّني أبداَ لا أراها

***

جورج عازار "ستوكهولم-السويد"

اللوحة للفنان التشكيلي السوري يعقوب اسحق

إذ غازلتها والأبصار ترقبني

هل تحمل جنسية غربية..

فقلت لهم

وقد ملكت مقاليد الكلام

مالا تعرفونه

أنا أحمل نفساً أبية ..

*

عنوان حضارة

وشموخ أرض وفية ..

وطني بقاع الدنيا

وأحلامي أحلام فتى

قمم الجبال فوق السحاب

لا تكن لنفسه رضية ..

مزارع أشواق مروجها

بساتين تفاح ودراق

وروضة مضت زيتونة

لا شرقية ولا غربية ..

سفوح جبالها في صفحة القلب

ثلج لم يشخ (1)

وحجة الأعداء باغتصابه ردية

مروجها نسائم تسري في عروقي (2)

ووديانها  ملاعب وجداول

تُسدي الهوى في السواجير سجية ..

وفي كدر الخطوب ارتسمت

أحلام أطفال وتراتيل شيوخ

صلوا على وطن (3)

أعيته المعاول العدية ..

*

هنا زرقة البحر ومراسي الأشواق (4)

كلاهما يكبر بالفعال ويعزف

من محيط البحر ألحاناً شدية ..

وفي التاريخ حاضرة

شهباء شامخة (5)

غلابة سكبت

قدوداً من الشوق نقيّة ..

وما مَنْبجَ إلا سواجير شعر(6)

ماجت السنابل في سهوبها

لو أنت ناظر سرائر ذهبية ..

وفي الأفلاج على الفرات ديرٌ (7)

يرفل فيه الزور معلقاً

بألطاف جَنية ..

و رَقّ حالي وأيّ حال

بين الدجى و النهار

في رائعات الرقة الزكية ..(8)

وبين الحجارة السوداء سرت (9)

بثوبها الأبيض

شيخة العقول بهية ..

وتخالها وجه الربيع وهي لهم

شوكة حسناء (10)

دونها الأرض طيفٌ

وبدر وثريا ..

وحماة الدروب (11)

إذا تبسمت نواعير العاصي

نثرت في الفضاء

عناقيد شجية ..

وتلك التي رقد الوليد (12)

في حضنها

نسجت في الحب شرانق

بين لوعة وحمية ...

هذي القلاع وتلك الحصون

تروي حكايات ومآثر

في ظلمة العسر هنية ..

عاد الصيف إلى محاضرها

شوقاً من سرف الهوى

وأقبلت من وراء الغيب

تسكب صحائف النور

ثرية ...

والقلب مضطرب إلى لقياها

لواعج فيه، وصبابة ورجيّة ...

***

د. علي الباشا - كاتب سوري مقيم في السويد

...................................

إشارة وتوضيح:

1- جبل الشيخ في الجولان السوري المحتل.

2- دمشق وساحة المرجة التاريخية.

3- الأزمة السورية.

4- اللاذقية وطرطوس على الساحل السوري.

5- حلب التي تسمى بالشهباء، وفيها قلعة تاريخية. وتسمى مغانيها بالقدود الحلبية التي توافي في مجانسها الموشحات الأندلسية.

6- منبج في شمال سورية والإشارة إلى مواطن الشعر" دوقلة المنبجي والبحتري وأبو فراس، وغيرهم". والسواجير نسبة إلى نهر الساجور شمالي منبج لقول البحتري: يا أبا جعفر غدونا حديثاً.... في سواجير منبج مستفيضا.

7- دير الزور والإشارة إلى الجسر الخشبي المعلق الذي يقطع الفرات.

8- الرقة على نهر الفرات حاضرة هارون الرشيد.

9- السويداء في جنوب سورية.

10- الحسكة في شمال سورية.

11- حماه والنواعير على نهر العاصي.

12- حمص ومرقد خالد بن الوليد.

نامي يا صغيرتي

على أجنحةِ الخرافةِ

التَحِفي

عذابكِ

وجوعكِ

وبردكِ

فلا أذنٌ تسمعُ أنينكِ

ولا عينٌ

ترى وشمَ الألَمِ

على محيَّاكِ

نامي

واحلُمي بقلبٍ رؤومٍ

وبلدٍ وثير الجناحِ

نامي

واحلمي بالدِّفءِ

ولو اصطكَّتْ أسنانكِ

على إيقاعِ الرّيحِ

التي تدورُ حولكِ

لاقتلاعكِ

نامي

والعني الزَّمنَ

الذي لا يُهدهدُ طفولتكِ

ولا يرأفُ بيُتمِكِ

هناكَ على حبالِ العاصفةِ

سرقاتٌ تحملُ اسمكِ

أودَعوها في بنوكِ

ضمائرهم المحنطة …

***

سلام البهية السماوي

المطر يهطل بشراسة الصفعات المتوالية على وجهٍ مستكين، ترقبه من خلف شباك البيت الريفي الأنيق، مأواها الأثير كلما واتتها رغبة بالهروب من كل شيء، ذات الجدران التي شهدت تعطش عمّار دون ارتواء، بمحض إرادته كي يظفر بها زوجةً لا عشيقة مبتذلة ضمن عشيقات جولاته التي تغيِّبه عنها لفترات أخذت تتطاول بعد احتلالٍ تهاوت تحت وقع عصفه قلعة حصينة بسرعةٍ مباغتة لتتحول إلى ركام ترامى فوق رؤوس أسراها.

 كادت توقن، بدل المرة مرات، إنها لن تراه مجددًا، وعليها أن تعتاد العيش معلقة بظروف لا تعلم عنها شيئًا سوى ما يفضي به عن سكرٍ أو عصبية هوجاء لا تلوح لها نهاية، تخيفها منه حد الرعب قدر إشفاقها عليه وعلى مصيرها معه، رغم أن سقوط النظام أتاح له حرية لم يحلم بها من قبل، كما أخبرها بنفسه في فرحةٍ انفعالية، وكأنه أحد ضحايا الديكتاتورية التي تناقلت جرائمها مختلف وسائل الإعلام في كل مكان، حرية استمدت ثراءها من حسابات سرية موَزعة في العديد من المصارف الكبرى، غابت الرقابة عنها، عن قصد أو غير قصد؟ فتم الاتفاق على تقاسمها ضمن تصفيات التركة (المخفية) بين المسؤولين عنها.3834 ahmad

 مساومات ومفاوضات وحروب مصالح يصعب عليها حتى تخيلها، وهو لم يقل الكثير، مجرد كلمات متقاطعة يصعب عليها لملمة أحاجيها الأقرب إلى الطلاسم، تبهت أمامها الكثير من الصور وتخفت الأخبار التي كانت قد تناقلت إلى مسامعها، منه أيضًا في الغالب، عن الحروب الباردة بين أحزاب المعارضة وطرق سيطرته على تحركاتها وضبطها في سياق متناغم يعزف له اللحن الذي يريد في النهاية، بينما كان زياد وشريكه من ضمن ضحاياها.

 بعد سفره لم تستطع أن تحل محله في شركته التي اجتهد بتأسيسها، رغم أن كل شيء كان مهيئًا لأجلها، كما وعدها عمّار، كان حزنها عليه أكبر من أي أمنية يمكن أن تداعب خيالها، أقوى من أي إغراء حاولت إقناع نفسها بأنه يمكن أن يعوضها عن كل خوف شهدته منذ كانت صغيرة، ومن رغبتها بإهمال كل صوتٍ يسكنها.

 أخبرت زوجها الثاني بأنها لا تريد أن تكون قطعة شطرنج، أو دمية بخيوط يحركها أنى شاء، ضحك وقال: "الجميع يحرِكون ويحرَكون، أما الباقون بلا حراك فيكتفون بالفرجة من بعيد وتنهد الحسرات"

 كانت تعلم إن كلامه يختزل جلَّ ما عاشت وعايشت على مدى عمر، لكنها لم تود أن تصغي لوسوسة تلك الأفكار طويلًا لئلا تزيدها تشتتًا، مكتفية بدور امرأتِ الرجل المتمرَس على تحريك المشهد برمته، فوجدت نفسها جزءًا منه دون اختيار منها، وإن وافقت على الارتباط به عن وعيٍ كامل، واقتناع بأنه خير سبيل أمامها لإنهاء مطاردة القط والفأر التي أنهكتها وما كان يمكن لها أن تستمر إلى ما لا نهاية.

 رنَّ الموبايل فلم تنتبه إلا بعد دقائق، نغماته المتكررة برتابة خالطت صوت الزخات العاتية في أذنيها، اقتحم إحداهما بقوةٍ باكية صوت والدتها في بغداد، تثقلها بفاجعة مقتل والدها، قليل الخروج من الدار منذ عقود، برصاصٍ عشوائي رشقه جندي أمريكي مذعور على المارة بعد اقتراب سيارة لم يراعِ سائقها المسافة التي يجب المحافظة عليها خلف الرتل العسكري.

 تشوَش صوت النحيب في رأسها حتى ظنت لوهلة إنه من ضمن الهواجس التي تواتيها كلما جمدت أمام ما يبثه التلفاز من مآسٍ تفوق أغرب الكوابيس خيالًا.

 تحَجرَ الدمع في عينيها، ولم تجد قدرة على الصراخ، ولا حتى النوم، ولو كنوعٍ من الهروب، بعد تناولها عدة حبوب مهدِئة، كادت تتصل بنوال لتخبرها بمصاب مقتل رفيقها القديم الذي لم تره منذ عمر في شارعٍ من الشوارع التي مضوا بين جنباتها منادين بشعاراتهم الثورية الخفاقة، ودت الارتماء في حضنها الدافئ الذي احتوى غربتها وكل غربة طريدة لأجيالٍ مختلفة، كما يتراءى لها دومًا، إلا أنها ألقت الهاتف على الكنبة بما تبقى من وعي، كما لو أنها تنبهت لتوها إلى فقدان المرأة التي اغتالها وجع الاغتراب من قبل أن تسقط قطرة دم واحدة في بلادهم، ومرجَل الحرب يستمر في الغليان بانتظار لحظة الانفجار.   

 عبثتْ الابتسامة على نحوٍ مراوغ في قسمات وجهها الحزينة عندما رأته في جنازتها، كان ينشج كالطفل أمام جثمانها، قبل وبعد مواراته الثرى، مستعيدًا طيف والدته التي وافتها المنية وهو بعيد عنها، يتجدد داخله تأنيب نفسه على ترك محبيه يموتون دون أن يكون معهم في لحظاتهم الأخيرة، يبصر في خمول عيونهم ذات الانطفاء الذي شهده مرارًا، عند إصابته بالطلق الناري في باريس، وعند كل أزمة قلبية تشله عن الحراك وتوصله إلى العالم المجهول إلا قليلًا، ولمّا يستعيد وعيه ينتابه شعور غريب أن بعضًا منه قد عاد إلى الحياة بينما بقي البعض الآخر مفقودًا، تائهًا خارج حدود الزمان والمكان، لا يحسن السيطرة عليه تمامًا إلا بعد فترة، رويدًا رويدا، حالة عصية على التفسير أو الشرح، حاول تسطيرها ضمن نصٍ من نصوصه غير المكتملة، والمستمرة في التزايد، دون الوصول إلى ما يريد تجسيده، بذات تفاصيل تلك الأزمات الغريبة، كل مرة تختلف عن سابقتها، مهما بدت متشابهة.

 ظل جامدًا في مكانه، بعد رحيل الجميع، يحدِق في حفرةٍ رُدِمت لتوها، غابت عنها الأصوات الناحبة وما بقي غير السكون، هيمَن على حواسه فاستسلم للصمت بالكامل، شأن كمال وأسامة قبل أن ينجح المقرَبون من الأصحاب في إقناع كلٍ منهما مبارحة المكان، بينما ظلت تنظر إليه من بعيد، يشدها الحزن المجدول بشوقٍ كبير للإقبال نحوه، ضمه قويًا إلى صدرها، إلا أنها اضطرت إلى ملازمة خولة المنهارة حزنًا على العمة والوالدة في آنٍ واحد، منذ أن تناوشت شبابها سنوات الغربة العابثة.

 مشَتْ إلى جانبها بتؤدة، تلتفت نحو جموده بين خطوة وأخرى والدمع يهطل من عينيها مدرارًا، على المتوفاة ونفسها أيضًا، على حالهما والنهاية الموحشة التى تنتظرها، بعيدًا عن بلادها ، وبمعزلٍ عن الذين يبقون على قيد الحياة من الأهل، والأقارب والأصحاب، عن شوارع جالتها حكايات نوال في عمرٍ سبق زمن الترحال الذي ظل يؤثر على نبضات قلبها حتى استسلمت لوجيب الحياة الأخير، والحرب تقرع طبولها المفزعة بين الضلوع، أخبارها المتتابعة تنذر بشرر يمكن أن تسوق نيرانُه العراق إلى التهلكة، لا نظامه فحسب، وكل الأحلام التي منَّت نفسها بها على مدى عقود لن يكون لملامحها وجود في سوح الجنون المقبِل من كل فجٍ مظلم.

 شهقتْ هالة فرحة المصالحة وإنهاء القطيعة التي فرضتها عليها نوال إثر زواجها بعمّار، كان جَلد كلماتها ونظراتها الغاضبة أقسى من كل ما لاقته خلال السنوات الراكضة في ثنايا الضباب.

 بكتْ أكثر مما فعلت لدى مغادرتها بغداد برفقة محمد، وهي لا تعرف إن كانت سترى والديها وشقيقيها ثانيةً أم لا، وكلمات نوال تتردد في أذنيها، قالت وكأنها تبصق في وجهها، إنها غبية ومتهورة، ولا تعرف كيف تتصرف… كما ظل موج التعنيف يتلاطم قويًا في مسامعها مهما حاولت التشاغل عنه: "يا مجنونة، أنا تزوجت رجل المبادئ الذي كان يلتهب حماسة فانتهيتُ إلى خيبة وخذلان، وأنت تتزوجين أحد رجال المهمات القذرة المعروفة لكل العراقيين في الخارج... أليس هذا نفسه الذي قلتِ إنه يطاردك مثل أي مهووس صاحب سلطة؟... يعني كنتِ تلتقين به من قبل أن تطَلقي؟... هو الذي حرَّضك ضد محمد، ولأجله أجهضتِ!..."

 وجدتّ في نظراتها ما لم ينجر لسانها إلى نطقه صراحةً، ودت أن تقسِم إنها ليست كما تظن، رفيقة فراشه، ولمّا أراد الاحتفاظ بها وحده أصر ألا يشاركه فيها زوجها أكثر من ذلك، فأمرها بتركه ونبذ كل ما يربطها به، هل ظنت أيضًا أن الجنين يمكن أن يكون من عمّار، ولهذا سارعت إلى الإجهاض؟

 أوَ يمكن أن يكون ذات الهاجس قد خطر لدى محمد لدى علمه بسرعة زواجها من عمّار، وخوفه من رجل المخابرات المُهاب في الداخل والخارج أجبره على الصمت الذليل؟ مع أن أمرًا مثل هذا كان سيضعه في واجهة الصراع بين المعارضة والنظام الذي يرسل أعوانه ليتجسسوا على تفاصيل حياة الثائرين من أجل الحرية بلا أي رادع أخلاقي، وها هو أحدهم يستلب زوجة معارض يحارب الديكتاتورية من أجل كسره في عقر داره.

 أملتْ ألا يستغل محمد هذا فعلًا في حملته الانتخابية للوصول إلى عضوية البرلمان في دورته الأولى، عندما رأته عبر التلفاز وهو يجلس بين صفوف المرشَحين لتمثيل حقوق الشعب في العهد الجديد. 

 بعد أن تركتْ خولة في شقتها، وقد اطمأنت عليها بعض الشيء، سارعت بالذهاب إلى شقة زياد في رغبةٍ جامحة لأن تكون معه، دون أن تسمح أن يصدها شيء عنه، فتح لها باب الشقة، ظلا ينظران إلى بعضهما لدقيقة أو دقائق، والدمع يتجدد في العيون، شرع الباب أكثر فدخلت مطأطئة الرأس كما لو أن مجلس عزاء نوال مقام في شقته، لا في مكان آخر، وكما حصل قبل نحو ثلاث سنوات، تمنَت أن يحتضنها قويًا ويسكنها أضلعه فور غلق الباب عليهما، هذه المرة كان جسدها أكثر توقًا إليه، وكأن الموت وهبه نشوة حياة غريبة، وعلى نحوٍ شديد الغموض لا تدرك له تفسيرًا محددا، ظلَ السكون يخيِّم بسُحبه الثقيلة حتى تمردت على صمته الموحش، كما لو أنه لا يراها.

قالت: جئتُ لأطمئن على حالك، قلقت عليك في الجنازة.

زياد: رحمها الله، ماتت حزنًا على بلاد تركتها منذ عمر بلا أمل في الرجوع.

ـ الأعمار بيد الله، كانت تصر على متابعة الأخبار كلما حاولت أنا وخولة إغلاق التلفزيون أو تغيير القناة.

ارتمى على الكنبة، وجلستْ إلى جانبه، أحاطت وجهه بكفيها فالتفت نحوها، ثم قالت: أنت مرهَق، يجب أن ترتاح، لا أريد أن يزداد مصابي، أحتاج إليك كثيرًا، حتى وإن كنتَ لا تريد أن تراني وتتجنب الكلام معي كما حصل كلما وجدتني عند الخالة نوال، رحمها الله.

أحنتْ رأسها، وقد أدركتها غصة بكاء، ثم أردفت: وعندما أتصِل بك تغلق الخط دون أن تقول أي كلمة، أو لا ترد، لا تعرف ماذا فعل بي صدك بهذه الطريقة المهينة.

ـ ماذا تريدين أن أقول لزوجة عمّار دون غيره، تعرفين أن زوجك الهمام كان وراء خسارتي شركتي هنا؟ ما قصتي معك ومن تتزوجين، واحد ينوي قتلي والآخر، صمتَ ثم أردف: ما بيني وبينه مطاردة قد لا تنتهي حتى بعد سقوط نظام قائده الشجاع.

ـ أنا لم أود أبدًا أن أدخل دائرة الصراع الملعونة الدائرة بينكما، فلماذا تحَمِلني باستمرار ما لا شأن لي به، ماذا كنت تريدني أن أفعل بعد طلاقي من محمد؟ أبقى في شقتك حتى أدبِّر أموري، والله أعلم كيف كان سوف يتسنى لي تدبرها ولو بعد سنوات؟ أم أعود للعمل في مؤسسة كمال ياسين؟ أنت تعرف أنها غير بعيدة عن يد عمّار.

ـ لا تمثلي دور الفريسة المطاردة من كل الاتجاهات، كما أنك غير مطالَبة بتبرير شيء لي ولا لأي أحد.

ـ أنا لا أبرر، ولا أحتاج تعاطف أحد، لكني أريد أن أتكلم معك كما لو كنتَ أتكلم مع نفسي، سكتت ثم قالت متجاسرةً على ترددها: لو أنك لم تسافر، أو عرضتَ عليَ أن أذهب معك إلى أي مكان، ربما كانت ستتغير أمور كثيرة و...

قاطعها صارخًا: لو لو لو... كل حياتي تدور حول (لو) الملعونة هذه، وكالعادة أكون أنا المذنب دومًا، أنا الذي أضيع كل شيء من يدي، لكن لا، هذه المرة لن أسمح أن أكون شماعة أعذار لأيٍ كان، وكأني وعدتكِ وهربت.

ـ أنت لا تفهم أو لا تريد أن تفهم، أخبرتك أني أريد التكلم معك بحرية تامة، دون أن أفرض عليك أي شيء أو أحَمِلك ذنبًا، كيف تكون كاتبًا مرهَف الحس وأنت لا تعرف ما أريد قوله حتى لو لم أنطق بكلمة.

ـ لا تقولي إنكِ تحبينني، وهذه المرة مستعدة لترك عمّار لأجلي؟ تريدين أن نكون مثل حبات مسبحة تدوِرينها في يدك كما تشائين؟

تنهدت، ثم قالت: كم احتملتُك منذ يوم أن تعرَفت عليك، لسانك الطويل يقذف الكلمات كالحجارة نحوي.

ـ ولساني الطويل جعلني دومًا في مرمى قصف من كل الجهات، حتى ونحن نستعد لتلَقي الضربات المهدِدة باقتلاع كل شيء، أبقى منعزلًا عن الجميع تقريبًا، أنا نفسي لا أعرف إن كنت أريد الحرب لأتخلص من كابوس رافقني عمرًا ودمر حياتي وحياة الملايين، أم أني أريد أن أهتف ضدها بعلو الصوت في المظاهرات والاجتماعات المندِدة بكل وَيلات الحرب المقبِلة نحو أهل بلدي، وأنشر المقالات المكذِبة لادعاءات وجود أسلحة الدمار الشامل، وأمريكا قبل غيرها تعرف أن الطاغية المنصور لو كان يمتلك عُشر ما يزعمون لمّا كفَ عن التباهي الأرعن، لكن عندئذٍ سوف أكون من أتباع النظام المتخَفين، أو ربما تتم فبرَكة قصة أن واحدًا مثل زوجك استطاع أن يتوصل معي إلى اتفاق مغرٍ لم أستطع رفضه، يقضي بنسيان كل ما حصل لي، والأهم دم والدي المُراق في قبو أو ساحة استعراضات، لا في جبهة من جبهات حرب القادسية المجيدة.

ـ ولهذا أنت منعزل عن الناس وتجلس في شقتك أكثر الوقت، كما قالت الخالة نوال، رحمها الله، والحسرة تاكلها عليك. 

ـ كانت تشعر بي وتفهمني من غير أن أتكلم، كانت تتعارك مع أمي كلما احتد تأنيبها لي، رحمهما الله، تركتني الواحدة بعد الأخرى، الدنيا مصرة أن أبقى وحيدًا، أعيش مع أشخاص لا وجود ملموس لهم.

 نظرتْ إلى عينيه في سؤال مرتاب إن كان يقصد زوجته السابقة أيضًا، وربما ما ذكر نوالًا ووالدته إلا لكي يتغزل بحبها وشدة هلعها عليه، دون نطق اسمها خجلًا من إعلان عمق حاجته إليها، في الماضي والحاضر وإلى ما لا نهاية.

اصطنعتْ ضحكة باهتة أطلت من وجهها الحزين، وقالت: حظك ألا تبقى غيري معك، إلى جوارك، حاضرة بروحها وجسدها، وليس مجرد طيف تناجيه في خيالك.

علا صوتها أكثر كأنها تخشى ألا يسمعها، وأحاطت كفها ذقنه لتصوِب وجهه نحوها وتلتقي نظراتهما دون إفلات: انظر إلي، أنا التي معك، وليست أي واحدة أخرى.

ـ أنتِ مخاتَلة أرسلَها لي القدر، مثل ضحكة مخادِعة لا معنى محدد لها، سرعان ما تختفي كما ومضت فجأة، استغرقه الصمت، ثم قال: أم أن زوجك هو الذي أرسلك لـ...

قاطعته قائلة في غضب: لأستعلم له عن أخبارك، أم لأسكِرك وأخدرك وأفتش بين أوراقك وفي الكمبيوتر عن أسرار الحرب وما سيحصل بعدها، خبَلك سيقتلك، حسب ما فهمت منك قبل قليل إنك لا تجد لنفسك مكانًا محددًا ضمن ما يحدث الآن، ولا في المستقبل ربما، كل شيء تغير وسيتغير كثيرًا، أكثر مما يمكن أن يتخيله عقل، إليس هذا كلامك أيضًا عندما كنت تزور الخالة نوال وتصر على تجاهلي كأني غير موجودة؟

 نهضتْ، وهمّت بالمغادرة، مغادرة الشقة وحياته، تود أن تقسِم ألا تسعى لمعاودة رؤيته مرة أخرى تحت أي ظرف ومهما هفَت أشواقها نحوه، إلا أن يده تعلقت بأصابع كفها قبل أن تخطو خطوة واحدة، فمنعها من الابتعاد عنه، نهض فتلامسَ الجسدان إلا قليلا، وبسرعة مغافلة بددَ ذلك القليل، احتضنها ومانعت، ممانعة غلبَ عليها الدلال، لكنها ما لبثت أن أولجت شفتيها في إيقاع شفتيه المتشَكيتين حرمانًا وشغفًا منسيا، في هذيان سكرات السنين المطارَدة، في أنات غربة طويلة لفظتها حسرات فقدان نورا، يعرف أنها ليست مثل أي امرأة ممن ومضنَ من ثنايا طيف حبيبته التي تخشاها رغم بعدها عنه وانشغالها في حياة مستقرة بعيدة عن حياة التسكع المرصوفة بالخطر المستنزِف أنفاسه شيئًا فشيئًا نحو حتفه، يبصره يقترب منه إثر كل نجاة يحظى بها، تثقله بحزنٍ أكبر، توَجس أكبر وأكبر من مقبلات أقداره، انتهت به إلى الرفرفة في سمائها الحانية عند مغيب يوم ربيعي، نسيمه ليس كأي نسيمٍ شهده أيٌ منهما من قبل.

 منعتْ دموعًا تلألأت في عينيها من النزول، دمع نشوة وفرحة ظفر أنها تتدثر أحضانه، هي لا واحدة أخرى، ليته يتأكد من ذلك أيضًا، ولو لبعض الوقت، بعض الحنين إلى كل ما افتقدتْ في دنياها، لن تخدع نفسها وتأمل مشاركته حياة كاملة بكافة تفاصيلها، ولن تسعى إلى استنطاق كلمة حب منه، تتمعن وتترنم بمدى صدق ونقاء أحرفها، لتترك ما بينهما بلا تسمية من جديد، بلا وصف، بلا تحليل وتأويل يهويان بها إلى ما تهرَبت من وصمةِ إذلاله منذ أن تعرَفت على عمّار، مع أنها بين ذراعيه ليست امرأة مبتذَلة تخون زوجها، ليست مجرد عشيقة، ولا رفيقة فراش، ففي ذروة الشغف المحموم الذي جمَعهما كانت تتعرف إلى نفسها، وجودها الحقيقي بعد بعثرة غياب، بعد تشرد أجمل سنواتها في محَن غربة ظنت أنها لن تعود منها أبدا.

***

أحمد غانم عبد الجليل - كاتب عراقي

...................................

* من رواية "عصفورة الكواليس"

البحر عليكَ شهيد، والكلماتْ

والرمل وقافلة الأطلالْ

أنّك مهووسٌ بالصمت وبالأحزانْ

تأتيك على جبلٍ من نور كلّ مساءٍ فاتنة تُدعى غزة هاشم

تهمس في عينيكَ بحزنٍ: غزة وجه آخر للطف

الرملُ يفرّط بالماء وما فرّط بالدم

ترجع طفلا فتغنيك لكي تغفو

بغزّة يورق الأملُ فلا خوفٌ ولا وجلُ

وغزّة هاشمٍ فعلت فلا عجْزٌ ولا كسلُ

الأمس يراكَ قريبا وبعيدا

واليوم يراك بعيدا وقريبا

ذلك يعني أنّ بحار الدنيا أضحت حمراء اللون

فافرحْ

إنّي اشتقت إلى عطرٍ

يأخذني نحوك مصلوبا بالدم

عندك وحدك أرثي نفسي

دمنا وحده يكفي

يسقي كل رمال الدنيا كي تصبح زاهية الألوانْ

دمنا وحده يمتدّ من النهر إلى البحرْ

من آهات النّرجس حتى أحلام الفجرْ

أنت أنا دمعٌ ودمٌ واحدْ

ارض الطفّ وغزّة دمعٌ ودم واحدْ

***

د. قصي الشيخ عسكر

أكتائبُ القسّامِ كيْفَ تُقسَّمُ

تلكَ المنايا في اليهودِ وتُرْسَمُ؟

*

خُطَطٌ كما الدُّوَلِ العِظامِ تَخُطُّها

وإرادةٌ منهم أجلُّ وأعظمُ

*

صُلْبٌ كما زُبَرِ الحديدِ كأَنَّهمْ

جيشٌ معَ الشُّهُبِ النيازِكِ أقْدَموا

*

نسَقٌ تسيرُ همومُهُمْ وجباهُهُمْ

نَسَقاً وينكَفِيءُ القضاءُ المُبرَمُ

*

القُدْسُ للشُّرَفاءِ مِثلُ وثيقةٍ

وبها يُزَكّى كلُّ مَن هو مُسْلِمُ

*

نَسَفتْ حماسُ مِنَ الأساسِ دِعايةً

هيَ جيشُ إسرائيلَ قدْ لا يُهزمُ

*

وبنَتْ على أنقاضِ دولةِ غاصِبٍ

نُصُباً لإسرائيلَ دوماً تُرْجَمُ

*

اضرِبْ حماسُ وزِدْ عليهِمْ عصْفَةً

منْ كلِّ صاروخٍ يَدُكُّ ويَرْجُمُ

*

حيَّيْتُ وِحْدةَ مُؤمنينَ تسارعوا

مِنْ كلِّ صوبٍ والشِّعارُ مُقَدَّمُ

*

لا فرقَ بينَ تسَنُّنٍ وتَشَيُّعٍ

فالكلُّ عندَ الكُلِّ شخصٌ مُسْلِمُ

*

حَيَّيْتُ حِزْبَ اللهِ بورِكَ جِسْمُهُ

والقلبُ والعَقْلُ السليمُ الأسلمُ

*

جعلَ الشِّمالَ لهُمْ لهيباً مُحْرِقاً

وأتى الصعيدُ بمائِهِ يَتَيَمَّمُ

*

ورأيتُ عزرائيلَ يقبضُ جُمْلةً

تعِبَتْ يداهُ فصارَ لهْماً يلْهَمُ

*

وكأنَّ عزرائيلَ يَحْمِلُ فأسَهُ

لِيُحَطِّمَ  الجُرذانَ حيثُ تُحَطَّمُ

*

وإذا نَجا منهُ القليلُ يَدوسُهمْ

بالنَّعْلِ نصرُ اللهِ رجْماً يرجُمُ

*

وكأنَّ نعْلَكَ في الوغى بَلْدوزرٌ

ليُزيلَ أعداءَ النَبِيِّ مُصَمَّمُ

*

حُييتَ ماشٍ للمعاركِ حاسراً

أنتَ الذي وقتَ السلامِ مُعَمَّمُ

*

اطْحَنْ جماجمَهم لتضمنَ أنها

حتى من الدُّخْنِ المُنَعَّمِ أنْعَمُ

*

أنا لا أعَلِّمُكَ القِتالَ وأنتَ في

صفِّ النزالِ مُدَرِّسٌ ومُعَلِّمُ

*

يا حَشْدُ شَعْبي يا حُماةَ مبادئي

يا ضوءَ عيني والمُقابِلُ مُظْلِمُ

*

يا بلسَماً والجُرْحُ في أعْماقِنا

والجُرحُ لا يَشْفيهِ إلاّ البلْسَمُ

*

لا تضْحكوا أبداً ولا تَتَبَسَّمُوا

إنّا نُريدُ الأرضَ ترْجُفُ منكمُ

*

هُبُّوا جميعاً فالمَساجِدُ هُدِّمَتْ

والقُدْسُ يُحْرِقُها العَدُوُّ المُجْرِمُ

*

ولنَفْتَحِ الأبوابَ حولَكِ غَزَّةٌ

ولنُقْفِلِ الأبوابَ كي يتَعَلَّموا

*

درساً بخيبرَ ذاقَهُ آباؤُهمْ

سَمِعَتْ أواخِرُهمْ وقالَ الأقدَمُ

*

لا تَرْحَمُوا أحداً ترحَّمَ إنها

حربُ الحُسينِ دمٌ يُقَابِلُهُ دَمُ

*

لا تتركوا أحداً سيكشفُ عورةً

بلْ عالجوهُ بطعنةٍ تتكلمُ

*

وتقولُ أنتَ قدِ اغتصَبْتَ وها أنا

أسقيكَ من نفسِ الإناءِ أتفهَمُ؟

*

وكلوا الصَّهايِنَةَ اللحومَ وجِلْدَها

وعِظامَها فشَرابُ ليْلَتِنا الدَّمُ

*

لا تضحكوا أبَداً نُريدُ مَجازِراً

حمراءَ يفْهَمُها الذي لا يفهمُ

*

ولْتعلموا أنَّ اليهودَ محَطُّهُمْ

أرضُ العراقِ وبابلٌ هي مَنْجَمُ

*

قدِّمْ لهمْ سُمّاً أشدَّ مَضَاضَةً

وأمضَّ مما زَقَّ صِلٌّ أرقمُ

*

اسلخْ جماجمَ (تل أبيبَ) وقل لها

التَمْرُ في أرضِ العراقِ مُسَمَّمُ

*

هذا العراقُ إلامَ تبقى أحمَقاً

أتُريدُ في بغدادَ أيضاً تحكُمُ

*

احلمْ أبا كلِّ اليهودِ فإنّها

بغدادُ يخسَرُها الذي لا يحْلُمُ

*

إنَّ العراقَ حضارةٌ وخُضَارةٌ

ونَضَارةٌ وغَضارَةٌ وتقَدُّمُ

*

وإذا تفاخرَ بالجديدِ مُفاخِرٌ

فافْخَرْ فموطِنُكَ العراقُ الأقدمُ

*

أكتائبُ القسّامِ وحَّدَ صَفَّنا

تلكَ الفذاذةُ والإباءُ المُفعَمُ

*

وضياءُ غزَّةَ لنْ يغيبَ شُعاعُهُ

يُهْدى لكلِّ مناضلٍ ويُسَلَّمُ

*

هي غزَّةٌ لا بدَّ مِنْ تدوينِها

أبداً تظلُّ على الزمانِ تُقَدَّمُ

*

هي غزّةٌ لابُدَّ مِنْ تكريمِها

بالنَّصرِ والدَّمِ والخلودِ تُكّرّمُ

***

وحيد خيون

13-10-2023

وَتـُضْحِكُـنَا سُـنْـبُـلاَتُ الْأَمَانِي

نُـعَـانِـقُ لَـيْـلَ اللِّـقَـاءِ الْـحَـنُـونْ

وَأَسْقِيكِ مَاءَ الْهَوَى مِنْ فُؤَادِي

فَـتَـنْـبُـتُ فِيكِ زُهُورُ الْمَحَـبَّـةْ

قُلُوبٌ تَدُقُّ بِبَابِ الْجُنُونْ

وَلَمْ نَـنْـسَ لَـيْـلَـةَ حُبٍّ مَصُونْ

وَلَمْ نَـنْـسَ نَـبْـضَ الْحِكَايَاتِ

لَمْ نَـنْـسَ هَذَا الْجُنُونَ الْقَدِيمْ

لَـيَالِـي الشِّـتَاءِ الْحَـنُـونَةُ تَحْـنُـو

وَهَـلَّتْ عَـلَـيْـنَـا

بُدُورُ الْأَمَلْ

فَـهَـيَّـا

نُـنَـادِي الصَّـبَاحَ

تَـعَـالَيْ

نَـعِـيشُ الْـحَـيَـاةَ

بِأَحْـلَى الْـمَـعَـانِي

وَنُـشْـعِلُ نَارَ الضُّـلُوعِ

وَكُونِي

بِدَايَةَ عَصْرٍ جَدِيدٍ

لِرَشْفِ الْـقُـبَـلْ

***

شعر: أ. د. محسن عبد المعطي

شاعر وناقد وروائي مصري

داخل شواري فوق بردعة حمار، وكما توضع أكياس الحبوب وصناديق الخضر، أو تحشر الخرفان الى الأسواق، وضعني أبي في جهة من الشواري، ركبتاي الى صدري، وحافظ على توازن الشواري من الجهة الأخرى بصندوق من الذرة فكر أن يبيعه في المدينة..

كان عمري لا يتجاوز الثامنة الا بقليل.. بنت بضة، بسمنة خفيفة وسحنة قمحية، طويلة القامة مقارنة بعمري..

 كل أهل الدوار كانوا يشهدون بجمالي، نظرات الذكور تلتهمني برغبة وإعجاب: دعج عيون برموش طويلة سوداء، يرتاح الليل على مقلتيها، وقد مياس تحمله سيقان طويلة مملوءة ومفتولة بجمال..

لم يقدر لي أن أدخل مدرسة، فمدرسة دوارنا لا تتعدى حجرتين، بعيدتين عن المركز، لم يفلح ابن ولا بنت في التخرج من المدرسة بنجاح، فهي مجرد فرعية منسية: معلمان لا يتغير لهما أسم وأحيانا لا يرى لهما أهل الدوار وجها.

أثاث من عهد جدي فرزوه من بين متلاشيات حملوها لحمام القائد، فتطوع أحد شباب الدوار بتحويلها الى مقاعد دراسية، ونصف سبورة باهتة اللون من ورق مقوى، أما الحيطان فهي اوسخ من زرائب قريتنا، أرض رملية بلا ترصيص وسقف من الدوم والطين وسيقان الشجر، فسحت للضوء منافذ يتم سدها بقطع قزديرية كلما اطل الخريف والى شهور الحصاد..

كل من في الدوار كان يعي قدره في رقعة منسية: مهمة الدولة ان تجعل من أبناء القرية مصنعا للخدم والخادمات لا أن ترقى بهم الى صفوف بني البشر المتعلمين وإلا من يخدم الأسياد في المدن المحظوظة؟..

بصراحة أنا نفسي كنت لا أعارض مغادرة قريتي فقد مللت فقرها ونسيانها من خريطة التنمية، أهلها تجاهلتهم الدولة فتجاهلوا الحياة والقيم وصارت أحاديثهم لا تخرج عن السحر والسحرة والشياطين والمردة لا يميزون بين حلال وحرام، وبعد أن قننت الدولة زواج القاصرات صارت كل بنت تحاول الفرار الى المدينة تبدأ كخادمة في البيوت وقد تنتهي في أوكار أخرى، المهم أن تنجو من عراك يومي مع الجوع وسوء الطقس وعواء ذئاب المراعي..

دخلنا المدينة عصرا بعد أن خرجنا من القرية قبل أن يبزغ نهار.. اخترقنا دروبا وأزقة الى أن وقف بي الحمار في باب متجر كبير. تركني أبي في "الشواري" وترجل الى داخل المتجر حيث كان يجلس رجل ستيني بلحية بيضاء، خلف منضدة خشبية طويلة، يرتدي جلبابا رماديا وعلى رأسه عمامة مطرزة بالأصفر، أضافت لقامته القصيرة طولا..

سمعت المارة يقولون عن صاحب المتجر " الحاج مول دار السلعة ديال الخدامات "..

عاد اليَّ أبي، حررني من "الشواري" كما يحرر خروف ليلة عيد، ثم تقدمني وهو يقول: "بوسي لسيدك يده "..

كان صاحب المتجر يتفحصني من قمة رأسي الى أخمص قدمي، لا يشارك أبي كلمة الا وعيونه تخترق ذاتي بالطول والعرض دون حياء ولا اعتبار لأبي..

فتح درجا وأخرج لأبي مالا، ما أن شد عليه ابي قبضته حتى عاد الى حماره دون كلمة وداع منه، ثم دعاني الحاج لأتبعه الى غرفة كانت ملحقة بالمتجر مؤثثة كغرفة نوم بها سرير خشبي وفراش أرضي، تلفزة على الحائط وصور جدارية لآدم وحواء ودعوات وآيات قرآنية..

توهمت الغرفة غرفتي، تخصني وحدي ورغم إحساسي بملكيتها فقد تركت دموعي تنساب على خدي، فانا لم أودع أبي، والى أمي وأخوتي الصغار قد قمطني حنين وشوق، حتى قريتي التي مللتها قد حركت صدري بألم للابتعاد عنها..

أرحت نفسي على كرسي وقد مددت رجلي بعد تشنجهما داخل "الشواري " ومسافة الطريق الطويلة.. كنت لا اعرف ما يجب ان أقوم به، أنتظر عودة سيدي الحاج ليأمرني بما يريد.. كانت باب صغيره بستارة شفافة الى يميني، من فضولي أزحت الستارة قليلا فأدركت ان المكان حمام ومرحاض.. ما أزعجني هو حركة القطارات التي لا يتوقف لها صرير، فالمحطة لم تكن بعيدة من الموقع الذي انا فيه..

اثارتني رائحة الرطوبة، فشرعت عيوني تدور في محاجرها بحثا عن نافذة للتهوية.. كوة صغيرة قريبة من باب الحمام فتحتها فهبت منها نسمات من هواء..

شرع الجوع يغرغر في بطني، والعطش قد حول حنجرتي الى جفاف، قنينة من مشروب غازي مُرّ على طاولة صغيرة بللت به حلقي الجاف..

من حسن حظي أن صاحب المتجر لم يتأخر كثيرا في عودة، أتى بلمجة وقنينة مشروب غازي، قال:

كلي ثم ادخلي الحمام واغتسلي..

من صندوقة عند راس السرير اخرج ثيابا نسائية، وضعها على الفراش حتى ارتديها بعد الحمام..

من أين له بهذه الثياب؟ ربما مما خلفته الخادمات قبلي، معناه لست اول من يدخل هذا الوكر..

لما خرجت من الحمام وجدت باب المتجر مقفلة ولا أحد موجود..

رهبة من خوف سرت في جسدي وأحسست كأن جدران الغرفة تطبق علي بضيق، ساءلت نفسي:

ـ لماذا أتى بي أبي الى هذا الرجل؟ ولماذا اختاره بالضبط؟ غيري من بنات الدوار يغادرن القرية الى منازل العمل مباشرة..

حسب ما سمعت من حديث أبي مع أمي أنه سيضعني بين يدي رجل سمسار ثقة ويعرف كيف يدير عمله وهو من يؤدي الأجور الشهرية لأولياء الخادمات دورة بعد دورة..

وكما سمعت أمي ترد على أبي:

ـ يقوم بذلك حتى يبعد أولياء الخادمات من الاتصال المباشر بالاسر فلا تعرف أسرة الثمن الحقيقي الذي تشتغل به بنتهم، هي تجارة في البشر بأبخس الأثمنة، قبح الله الفاقة التي تجعلنا نضحي ببناتنا..

لم يعد صاحب المتجر الا عند ظلام الليل، أخافني وهو يفتح بابا صغيرة قلب الحمام ظاهرها خزانة لأدوات حلاقته وخلفيتها باب حديدية الى زنقة صغيرة..

خلع جلبابه وصدريته ثم فك تكة سرواله الفضفاض وأنزله بين قدميه، لملمه ورماه فوق جلبابه..

كنت أتابعه بدقة من تريد أن تتعلم وَهْما مني أنه قد يحتفظ بي كخادمة لديه وحيث أنه أكبر من أبي بكثير فما خامرني خوف من النوم معه في غرفة واحدة..

الرجل شخصية أبهة، غنى، وصباغة من وقار، حتما له بيت وزوجة وما غرفته هذه الا مكان لراحته متى ضغطت عليه شيخوخة وساعات العمل بتعب..

دخل الحمام ثم عاد ونسمات من عطر تفوح منه، أخرج قارورة صغيرة من خزانة فوق رأس السرير، رش يديه رشات صغيرة، اقترب مني ومسح يديه على وجهي، كان عطرا قويا أنى لقروية صغيرة مثلي أن تعرف نوعه أو اسمه، حتى رائحته لم أحظ بها يوما بين زهور الربيع..

ابتسمت في وجهه ثقة به وتقديرا له، لكن ما لبث أن شدني اليه، احتضنني، وعلى خدي وضع شفاهه، ارتعبت !!.. صددته بكلتي يدي وابتعدت..

الي نظر بعيون تحمل شررا وقال:

ـ هل بدأنا؟ تعرفين أننا معا هنا ولا أحد قد يسمع لك صوتا، فدعيني استمتع بك بلا مقاومة.. آويتك، ألا أستحق منك جزاء؟

أي جزاء يريد؟.. ليس جسدي ولا عفتي وكرامة إنسانيتي !!..

لم أجد غير دموعي، الرجل الشيخ ذو المظهر المغري بالإيمان والتقوى، يسقط عنه القناع وتمحي صباغتة، فيتحول شيطانا يملي أمرا.. بدأت وصية أمي تلعلع في رأسي:

"أنى كنت ومهما وقع فاياك أن تتركي أيا كان يمس منطقتك المحرمة "

لكن ابي قد قادني الى حتفي، باعني وأخذ الثمن ثم تركني لمصيري. لم يكلف نفسه حتى توديعي بتحية ودعاء..

كيف غاب عنه سلوك الرجل؟.. أم هو نفسه قد اغتر بمظهره وسمعته المزورة؟

لم انتبه من غفلتي الا وصاحب المتجر يضع يده على فمي، يسقطني أرضا ثم يغتصبني كما يتم اغتصاب الأطفال الذكور.. .

تألمت، بكيت، ورغم التقزز والكراهية التي اصابتني مما فعله بي فقد حمدت الله أن وصية أمي لازالت سائرة ومنطقتي المحرمة لازالت بخير..

حاول الحاج أن يعاملني خلال ليلته بكل لطف وحنان وان يقنعني بما فعل وأن صغري يحرم عليه أن يقع معي في ما قد يعرض مستقبلي للضياع.

ـ أنا ابن أصول وأعرف وضع بنت بدوية وصغيرة قد تفقد بكارتها..

لم يكتف الحاج بمرة او مرتين في تلك الليلة، كان يصر على أن اعتاد بعدما رأى ان مقاومتي تخف شيئا فشيئا، وقبل أن ينام دفع الي ورقة من فئة خمسين درهما وقال:

اول كنوز صندوقتك..

فرض علي الحاج أن أغتسل بعد كل عملية ومنع عني ان أرتدي سروالا طويلا أو أغطي صدري وشعري..

كان لا يشبع، وكلما مل من متجره وغاب عنه زواره أتاني..

 في كل مرة كان يسألني:

ألا تحسين بشي؟

كنت أحرك رأسي سلبا وأقول:

الألم الذي يصيبني بعد كل عملية..

كم فكرت في الهروب، لكن الى أين؟ لم أخبر الموقع بعد، ولا اعرف مخرجا أنجو فيه بما تبقى من كرامتي..

رغم أن الحاج كان يحاول أن يحسسني أني صرت له كزوجة يتغزل في عيوني وخدودي وقدي المياس، ويراضيني بما يجلبه من مأكولات وفواكه كما يقسم لي أنه يحبني ولا أحد غيري قد يشاركني الغرفة مادمت طيعة أخضع لرغبات ما يريد ويفضل، فقد أيقنت أنه يعشق الممارسة مع الذكور وأنه مثلي الميول..

 وضعت فيه ثقتي، كنت يوميا أرى من باب غرفتي العشرات من الخادمات يأتين الى متجره وحدهن او مع مرافقين ومرافقات ولم يجرؤ على دعوة أي منهن الى الغرفة..

كما أن الكثير من الأطفال كانوا يزورونه فيردهم..

بدات أتعوده وله أرتاح رغم ما كان يمارسه علي أحيانا من عنف جسدي ويصر عليه من رغبات كانت تؤلمني ومن جرائها أتقيأ بعد غثيان، خصوصا أيام حيضي..

 كان بسنه وخبرته يدرك شروعي في التجاوب معه، فكثيرا ما كنت أنتفض ولا أدري لماذا؟

في إحدى الليالي أحسست بنوع من الإرهاق، عطس وألم في مفاصلي كبداية لزكام اثر خروجي من الحمام فأمدني الحاج من خزانته بعلكة وأمرني بأكلها، ما أن أصبح الصباح حتى وجدت نفسي امرأة بلا بكارة ولدمائي أثر على فخدي..

حين سالته قال: ماشاء الله كان..

بكيت لكنه لم يهدئ من روعي كما تعود من قبل، لم يضمني الى صدره أو يقبل خدي ضاحكا كما ألفته، وانما ركلني بقدمه وقال:

عندي او عند غيري ستفقدين غلالة ما عادت تهتم بها بنت شريفة فأحرى واحدة مثلك..

فاجأني انقلابه عني، ذبحني بكلامه، أصابني نوع من الدوار، أحسست بحقارتي وبسقوطي المريع، وأدركت أنه يستعد لوضع خاتمة النهاية على وجودي معه.. يلزم أن أضبط نفسي وافكر في اولوياتي، تذكرت عبارة كانت ترددها أمي لأبي:

الحيلة تغلب السبع..

فهل أنا أخلو من ذكاء؟.. من سلوكات الحاج ومما كان يحكيه عن زبنائه والمقالب التي حاولوا أن يزجوه فيها قد تعلمت الكثير، ويلزمني ان أتصرف مستفيدة مما تعلمت، وعلى مهل يؤكل الباذنجان، فما دمت أمام ثعلب مكار فلكل مكر دواء ولا عشت ان خرجت وقد فقدت عفتي وأنا خاوية الوفاض..

عانقت الحاج، قبلت يديه ووجنتيه، وقلت:

تعرف أني صرت لك واني قد تعودتك وتعودت احساساتي معك، فلك نفسي وما ملكت، لاقيمة لغلالة، أمام ما تعلمته منك حتى صرتَ لي مهندسَ جسد، لك قد وهبته، فأنا كلي لك ولحمي من خيرك..

مغرور !!.. الي قد ارتاح واطمأن، ومن غروره آمن أني بدوية غفل وغبية لا تعرف من نفسها الا ما تعيشه، لكنه اشترط علي أن يجلب بنتا أخرى معي.. أو يدفعني الى أحد البيوت ان كنت لا اطيق أخرى تشاركني فيه:

ـ ما تعودت أن أعيش مع اية خادمة اكثر من أسبوع، أما معك فقد أوشكت على السنة، وبصراحة فأنت جميلة لذيذة، وأكثر من ذلك طيبة ومطيعة..

ـ طيبة من أثر الفقر الذي علمني الصبر وقوة الاحتمال، ومطيعة لاني تركته يفعل بي ما يريد وكما يريد ومتى يريد وأنى لأمة أن تعترض وأبوها قد أخذ الثمن وعاد من حيث أتى..

غلبتني دموعي وعرفت ان المكر من طموح الرجل به يقتات وعليه يعيش، وقد ابلغني أن من فض بكارتي هو صديق له استدعاه بعد غيبوبتي، وقد أدى ما عليه فقد كانت غايته أن يحولني الى امرأة تبيع جسدها وله يعود الثمن.. وقد اقترح عليه صديقه دارا للدعارة قد أجني منها أموالا طائلة بدل العمل في بيوت الأغنياء..

زاد امعانا في تحقيري وقال:

ـ أحرم على نفسي أن أشرب في اناء ولغ كلب فيه..

تقبلت الإهانة بجرح بليغ عميق وتوسلته ان يمهلني أياما الى أن ارتاح من الصدمة ففضائله معي متجذرة في أعماقي فقد أسلو قليلا وأطاوعه في كل ما يرغب ويريد..

بت ليلة أظهرت له فيها ما تعلمت وما صرت أطيقه واستعذبه رغم آلامي الداخلية، واستطعت ان أتركه يشرب بنهم مما ولغ فيه كلب قبله كما ادعى، أحس بالعياء، وارتمى على الأرض تعبا منهوكا بعد أن ازدرد قطعة من معجونه، فغاب في نومة عميقة..

ماتركت جزيئة في الغرفة وفي الحمام الا مرت عليها يدي بمسح بكل دقة وعناية ثم ربطت يديه بسريره دون ان يحس بي، ومن جذوره بموسى حادة قطعت للثعلب ذيله، وضعته في فمه وطوقت شفاهه بلصاق بعد أن أخذت ما يلزمني من مال وثياب، دمالج وخواتم وسلاسل ذهبية مما كانت تسرقه الخادمات من البيوت.. تركته يسبح في دمائه لا يستطيع ان يصيح أو يستغيث وخرجت من الباب الصغيرة في الحمام وقد أشفيت غليلي وانتقمت لكرامتي..

ما عاد يهمني ماذا قد اصادفه غدا؟ هل أنجو؟ هل أحصل؟

لا يهمني ماذا يقال عني إذا تم ضبطي، المهم ما حققته انتقاما لكرامتي؟ هو ذا ثأري وحقي المشروع !!..

كانت الطريق خالية والظلام ستري، لم تكن محطة القطار بعيدة فأضواؤها كانت تتبدى قريبا من المتجر، لهذا لم أته أو أخطئ الطريق، ابتعت تذكرة ورحلت الى وجهة القطار التي كانت مراكش، وعن موقعي ليست بعيدة.. ما أن وصلت المدينة حتى وجدت حافلات تتجه نحو أغادير..

 لم اتردد في السفر اليها، وحسب ما كان يحكيه الحاج الحقير عنها في ليالي السهر " فالداخل اليها مفقود "..

في الحافلة صادفت فتاة أوكرانية تتكلم الدارجة المغربية، كانت نظرتها الي نظرة خبيرة، فكما تدعي انها تقضي العقد الثاني في أغادير، من نظرتها الأولى اهتبلت بقامتي وتناسق جسدي فاقترحت علي العمل في حمام تسيره.. اشتغلت في بيتها أياما علمتني كيف استغل جسدي في الاثارة والاغراء، لا يهم مع من أجد نفسي شابا أم شيخا ذكرا أم أنثى، ثم شغلتني بعد ترضية منها بما طلبت..

وجدت نفسي مستقلة في سكناي، حرة أتصرف حسب رغباتي، وما أريده أنا.. كان ظهوري في حياة الأوكرانية فأل خير، انثى صغيرة تزداد مع الأيام حلاوة حتى صار دخلي يفوق بكثير ماكنت أنتظر وأتمنى وقد صار حمامها وجهة استقبال أثيرة..

بعد شهر وأنا أمام التلفاز في بيتي أثارني خبر بانتباه:

 الشرطة فكت خيوط جريمة لحادثة مروعة ذهب ضحيتها رجل في عقده السادس يملك محلا لتدبير شؤون الخادمات، ضاقت به زوجته لسمعته السيئة فاتخذ من متجره محلا لسكناه فأتت اليه زوجته ذات صباح، قتلته بقطع عضوه التناسلي، وقد شهدت بنتها الكبيرة أن أمها قد أخبرتها ذات صباح انها ستزور اباها الذي صار يغيب عن البيت، ويبدو ان الزوجة دخلت السكنى السرية للحاج فوجدته مقتولا أو هي من قتلته بطريقة بشعة تاركة بعض بصماتها على أحد خديه كما وجدت بصماتها على القفل وخزانة جدارية، وقد لقيت الزوجة حتفها وهي عائدة في تاكسي اثر حادثة مع حافلة للنقل الجماعي فقد سائقها السيطرة عليها ودخلت في التاكسي فاردت المرأة قتيلة، وقد بقي السر مكتوما في صدر البنت من جراء غيبوبتها اثر الصدمة التي اصابتها في موت الأب والام..

لم أوذي أحدا أبدا في حياتي ولا حتى حيوانا عن قصد، كانت غايتي ان انزل المدينة وأكتسب من خبرتها بعد أن فقدت خبرة التعليم المدرسي، من إهمال لقريتي، لكن رياحي جرت بما اغرى أبي من طمع وما حرض السمسار الذي تلقفني باستغلال صباي وغفلتي بقناع ثعلبي هو مزيج من الدين والكذب والنفاق والجشع ما حرك غليان دمي بعد أن جعلني افقد كرامتي ثم بكارتي ثم محاولا أن يرميني جيفة متقيئة..

 تجردت نفسي من كل أثر للرحمة فقتلته بالطريقة التي يستحق وكنت مستعدة أن أنال القصاص.. وكان الحظ معي وقد صرف الله بعدالته الأمور كما أراد.

***

محمد الدرقاوي - المغرب

لن نحاججَ ما اعتقدناهُ قويمًا.. دَخلنا كُردستانَ ذات نضال خِفافًا ومنها خرجنا حَيرَةً..

الى كلِّ من شاركني ملحَ الرفقَةِ، خبزِة ذكر..

***

في الأناشيدِ جِراحٌ لِعيوني

وبِقايا لِلغصونِ

كُلّما أدمَيتُ لِلشمسِ أصابيعي

وعادت لي الظنونُ

وَشَمَ الغارُ على زَندي اللّقاحَ

اخضَرٌ صَدرُ الرفاقِ

قَمَرًا يَأتونَ مِن وسَطِ الزّحامِ

حاملينِ المَوتَ مِن عَتْبَةِ داري

يَنحَتونَ الصَّخرَ مِن وَقعِ خُطاهم

كَفّهَم يَنبوعُ ماءٍ وشجرْ

*

تسألوني: ـ؟

أيْنَ أزهارُ الأغاني

في صَباحاتِ المَدارِسْ

وانتِظارِ الفَجرَ في قَلبِ القَرَنفُلْ؟

أين غَنَّتنا العَصافيرُ

مَواعيدًا مَعَ العُشقِ

نُجومًا

وبَخورًا

وألق؟

أين ذَيّاكَ الندى

قُبلَةٌ تَبحَثُ عَن ضَحكَتِها

عُنقودَ سُكَّرْ؟

أين ألوانُ النهارِ؟

: ايّها الهابِطُ في حُلمِ الظهيرَةْ

لا تَسَلني

هُوَ ذا مُستَودَعُ الفَيروزِ

مَذبوحً الشفاهِ

راكِضًا عِبرَ الشّوارعِ

زَنبقُ البَصرَةِ

بَغدادَ

وكُردستانِ يَركُضْ

داميًا عبرَ الشوارعِ

انها كلُّ بِلادي

دَمُها المَهدورُ مَجنونٌ

ويركضْ

فَجرَها المَسبيِّ

مجنون ويركض

نَخلَها المَشدوهِ يَركُضْ

الدَّمُ الصاعِدُ في تَرتيلِ زَهرِ الهَيْلِ

مجنون ويركض

عارِيًا يَصرَخُ في قَلبِ الزّمانِ

: السرابُ في ضِفافِ الفُقراءِ

واختِلاجُ البَحرِ مُرجًا لِخيولِ الأغنِياءِ

انني أتلو عِليكُم

إنني أتلو عليكم

إنني أتلو عليكم

هَسهسات النخل

إذ يَجفِلُ من هَتكِ المَراثي

فانظِروا طَوقَ الحَمامِ

مَسكنَ الوَردِ الذّي يَمضي شَهيدًا

في القُيودِ

وحدَهُ يَجثِمُ في صَمتِ الضَجيجِ

وحده يَهبِطُ في أعمِدَةِ الذّعرِ مُلوَّعْ

وحده يولَدُ في رَحمِ الشقاءِ

تَنهَشُ الجَّزماتُ مِن غاباتِهِ

رَملَهُ الدّرّي

والتَّمرَ

وحَبّاِت المَطَرْ

انظُروا

هذي السّماءُ الشجَريَّةْ

تَتَمَزَّقْ

الصبايا

زَعفَرانَ الهَيكَلِ المَفجوعِ

ابصارَ البَراعمِ

تُنثِرُ الأحقادَ جَمرًا ونَفيرًا وتُقاتِلْ

سَنُقاتِلْ

سَنُقاتِلْ

نَزرَعُ الحِقدَ على الأرضِ

لِهيبًا وَصَواعِقْ

وسَنَبني بِالجِراحاتِ حُقولًا لِلزَّوابِعْ

فالسَّلامُ

لُغَةً في أذرُعِ العُمّالِ

مِلحًا لِلصباحِ

وانطِلاقَ الخُطوِّ وَقدٌ

في الجذورِ العاصِفاتِ

داوِيًا صَوتُ الشغيلةِ

صاخِبًا صَوتُ البَنادِقِ

عَبَقُ الماءِ يًقاتِلْ

نَسَماتِ الفَجرِ

ذَرّاتُ الترابِ

انْ حُفاةً أو عُراةً

زَمهَريرًا كانَت الأيامُ

او رَعدًا ونارًا

سنقاتل

رَغمَ آلافِ المَقابِرِ

طَلقَةٌ نَخرِجُ من بَينِ عِظامِ الشهداءِ

حَجَرًا نولَدُ مِن تَحتِ الحَجَرْ

وَهَجًا نُبعَثُ مِن جِنحِ الرياحِ

ونُجومًا نحنُ في كُلِّ سَماءٍ

فَسَلامًا

قامَةُ العُمّالِ يا نَسغَ الحَياةِ

اصرَخي بين عُيوني وقفي

مارِدًا فوقَ الجِبالِ

كَرمَةً بين الصخورِ

غَضَبًا أنتِ وَظِلَّ الإقترابِ

فَرَحًا كوني ونَبَضَ الإختِراقِ

أنتِ يا مَوعِدَ ساعاتِ انتِصاري

امَّهاتُ الشهَداءِ

امهاتُ السجَناءِ

امهاتُ العالمِ الرافِضَ لِلحربِ

يُزَيِّتنِ البَنادقَ

ويُعَطِّرنَ السلامْ

**  *

طارق الحلفي - كردستان / العراق

آب 1983

من ديوان" إمرأة من ماء البحر" 2007

نامـتْ عــلى نَـزْفِ البراءةِ أعينٌ

باســم الـعــروبةِ ، دمعُها مِـدرارُ

*

اُسْـــدٌ عـلى إخـوانِـهـم بـتَطـرُّفٍ

ومـــع الـغُــزاة ، بوَهْـنِهـم أبـقـارُ

*

أنــفـاسُ غــزّة مَـزّقـتْ أسـتارَهم

فَـتَسـرَّبــتْ مِـن جُـبْــنِـهـم أسْـرارُ

*

عــارٌ عــلى نوْط الزّعامةِ يَعـتلي

صَـدرَ الخــيانـة، فاثأري  يا نـارُ

*

يَتَـناوبـون عـلى أداء خُـضوعِهـم

ســداً لِـنـقـصٍ ، والخُـطى مِـعيـارُ

*

ياطـُهرَ غزّة قد كشفـتَ رؤوسَ مَن

فــيهــا الـنّــفـــاقُ مُعَـشِــشٌ مِـكْـثارُ

*

تــعـلـو مـآذنَهــم ، بِـصَوْتِ مـُكـبِّــرٍ

وَدَمٌ  لإخـــوانٍ  لــهـــم ، أنـــهـــارُ

*

مِـعـوان صاروا  لـلعــدو بِصَـمْـتِهم

والحــقُّ أبـْـلـجُ ، مــا عـليــه غُــبـارُ

*

للأرض طُهْـرٌ سـاءَه  دنَـسُ الـعِـدى

والـطـهْــرُ إن شــاخَ الـقَــذى قَـهّــارُ

*

السـيـفُ يأبى الغِـمْـدَ في سُوح الوغى

والـنصرُ يـصنـعُ عَـرشَــه الإصـرارُ

***

(من بحر الكامل)

شعر عدنان عبد النبي البلداوي

Pineapple flavored zombie bullet.

مع ترجمة الفلسطيني الدكتور يوسف حنا.

***

** الوجه الميت

تبا لأغصان الوجه الميت!..

وجهك شجرة مكسوة بالثلوج والفقمات النافقة.

الضريح عربة ملآى بالكاكو.

سيذهب الموتى إلى الكازينو

حاملين نعوشا من الذهب الخالص.

فرقعات مفاصل الباص على كتف الجسر.

الجسر سيسقط مكتظا بدموع زرقاء.

الموسيقى تهطل من ثديك الرصاصي

رصاصة الزومبي بنكهة الأناناس.

خلصيني أيتها الرصاصة من التحديق اليومي في أسرار المغارة.

المنتحرون يجرون ثيران الساعات الحرجة.

المنتحرون جيدون للغاية

سيلتهمون الشمس آخر النهار

وينامون متأثرين بعضة النسيان.

أيها الكناري لا تمت الآن

أيها المايسترو الحزين.

الحديقة مغمى عليها

الأزهار جثث هامدة.

القساوسة يأكلون لحم الرب

يربطون السماء بإيقاع المثانة

تحت معاطفهم تخطط الثعالب.

الصلاة أرنب نافق.

والمحبة فأس من البرونز

جنازتك عذبة

التفكير يمطر بالضفادع.

السماء صيرفي ضرير

ضحكتك ساق عرجاء

صمتك جاهز لقتل إوزة السهو

أيها العابرون

ستندمون طويلا في المغارة

ستسقط الحجج الهشة من أطراف أصابعكم

بينما السحرة يرتمون في البئر

لإضفاء النعومة على وبر المخيلة

أيها القتلة

بنادقكم قش ونميمة

ومطاياكم منذورة للهلاك

الشمس ترضع قطار الساعة الواحدة ونصف.

المسافرون حمام زاجل

والكلمات

ضفائر ذهبية.

أبي غيمة في كنيسة النهار

مليء بالأقفاص

يضربه المشاؤون بجزمة المسكوت عنه.

المفكرون انتحروا ليلة أمس

مخلفين غبارا كثيفا في المبغى

أحبك

أحب سطوع قبرك في الظهيرة

صوتك المختبئ في أدغال رأسي

موتك أكذوبة كبرى

تابوتك غزال يحمل الملائكة

إلى دار الأوبرا

تابوتك شقيقي الأكبر

أوقظ مصباحي كل ليلة

الطريق مدججة بقطاع الطرق

ومجوهرات مخيلتي

تتلامع في المنعطف العبثي

شيعنا المنظرين الكبار إلى الهاوية

شيعنا الأرمل بلباس كنسي

يتبعنا لفيف من اللاأدريين إلى بنات نعش.

كانت أجراس الأحصنة ممتعة للغاية

التأبين دلو مليء بمكعبات المطر

البلاغة أرنب هش

طلقة إثر طلقة

الأحدب الصغير

يستدرج أشباح يوم السبت الأسود

إنتحر برهانك ذو العينين الثاقبتين

طاردتنا ذئاب البراقماتيزم

رفقا أيها الفراغ الطازج

تكلم يا رب

ليصغي إلى نبراتك المنكسرون والثكالى

المراكب مطوقة بزئير المتناقضات

شمس ٢۰٢١ متآمرة ولقيطة

والعربات وحوش من السيراميك

وأخي الأشقر الحزين

بعصابه المترامي

تشربه سحلية النهار

أمام جوقة من العذاب الخالص

كان الله بعيدا جدا عن صراخ العالم.

العالم سمكة سلمون

والعدم دب قطبي

ما أشقاك أيتها الحرب.

***

بقلم فتحي مهذب - تونس

....................

Pineapple flavored zombie bullet.

By Fathi Mohadub / Tunisia

From Arabic Dr. Yousef Hanna / Palestine

***

Dead face

Dammit dead face branches!

Your face is a tree covered with snow and dead seals.

The shrine is a chariot filled with cocoa.

The dead will go to the casino

Carrying coffins of pure gold.

The bus knuckles pops on the bridge's abutment.

The bridge will fall, crowded with blue tears.

Music is pouring down from your leaden breast

Pineapple flavored zombie bullet.

Save me, O bullet, from daily staring at the secrets of the cave.

Suicides drag critical hours bulls.

Suicides are very good

They will devour the sun later today

And sleep affected by the bite of forgetfulness.

Canary, don't die now

You sad maestro.

The park passed out

Flowers are dead bodies.

Priests eat the flesh of God

They bind the sky with the rhythm of the bladder

Under their coats foxes are plotting.

Prayer is a dead rabbit.

And love is a bronze axe

Your funeral is sweet

Thinking rains frogs.

Heaven is a blind banker

Your laugh is a lame leg

Your silence is ready to kill the goose of omission.

O passers-by

You will regret it for a long time in the cave

Fragile flimsy arguments will fall off your fingertips

While witches are throwing themselves in the well

For additional softness to the frizzled imagination

You killers

Your guns are straw and gossip

And your mounts are doomed to perish

The sun suckles the one-and-a-half o'clock train.

Passengers are homing pigeon

and words

Golden braids.

My father is a cloud in the day church,

full of cages

Perpetrators hit him with the boots of unspoken.

The intellectual ideates committed suicide last night

Leaving behind thick dust in the brothel

I love you

I love the brightness of your grave at noon

Your voice hidden in the bushes of my head

Your death is a big lie

Your coffin is a deer carrying angels

to the opera house

Your coffin is my eldest brother

I wake up my lamp every night

The road is overgrown with bandits

And my imagination jewelry

Glittering in the absurd bend

We mourned the great theorists into the abyss

We mourned the widow in church attire

A group of agnostics follows us to Big Dipper.

The horse bells chime was so gratifying

The memorial is a bucket full of rain cubes

Rhetoric is a fragile rabbit

Shot after shot

Little humpback

lures ghosts on Black Saturday

Your piercing-eyed proof committed suicide

Pragmatism wolves chased us

Companion, you fresh emptiness

Speak oh Lord

Let the broken and the bereaved listening to your voice,

The boats are encircled by the roar of contrasts

Sun of 2021 is a conspirator and a bastard

Chariots are ceramic monsters

And my sad blond brother

With his sprawling neurosis

The day lizard drinks him

In front of a choir of pure torment

God was very far from the world screaming.

The whole world is a salmon fish

And nothingness is a polar bear

What miserable you are, oh war.

أطلقْ رَصَاصَكَ كالهتونِ غَزِيرا

واجــعلْ عــدوَّكَ خــائِفاً مَذْعُورا

*

أَقْـــدِمْ تَــقَحَّمْ لــلحصونِ مُــكبِّراً

تَــبّــرْ لِــمَــا قــد دَبَّــرُوا تَــتْبيرا

*

طَــهِّرْ تُــرَابَكَ من بقايا رِجْسِهم

واقْــلَعْ لأَعتى الغاصبينَ جذورا

*

أنــتَ المدافعُ عن حقوقٍ أُهْدِرَتْ

مــاكــنتَ يــومــاً قــاتلاً شــريرا

*

أنتَ ابنُ تلك الأرضِ لستَ بعابرٍ

أوكــنتَ مــن أصــحابها تزويرا

*

دعْ عــنكَ قــولَ المُرْجِفين فإنَّهم

بــاتوا لأعــداءِ الــشعوبِ ظَهِيرا

*

وغــدوا لــكلِّ الــغاصبينَ مَطِيّةً

قـــد مــرَّرُوا أهــدافهم تَــمْرِيرا

*

لــولاهــمُ مـــا دُمِّــرَتْ أوطــانُنا

ووجــدتَ فــي تــلك البلاد فقيرا

*

أو عاشَ في أرضِ العروبةِ حاقدٌ

ســلبَ الــبلادَ ويَــدَّعِي التحريرا

*

الــنــصرُ آتٍ لامــحــالةَ قـــادمٌ

وحِــسَابُهمْ حَــتْمًا يــكونُ عَسِيرا

**

عــبــد الناصر عــليوي الــعبيدي

في الشرقِ المحنطِ بغبارِ الازمنةِ

أفترشُ الوريقاتِ المتناثرةَ

تغرقني المدوناتُ

أشغلُ العقلَ بقصصِ الحضارةِ

أتناثرُ هنا وهناكَ

قالوا حركةُ القلبِ ترسمُ المساراتِ

تراجعتُ منتصراً لزيفِ المدعينَ

أرسمُ الخرائطَ

أينَ منتهى الحدودِ

أتصوفُ

تارةً معَ البسطامي

أُفتشُ عن وهمِ الاتحادِ

او أتقمصُ الحلولَ معَ الحلاجِ

أذهبُ لابن عربي

دلني ايها الشيخُ عن وحدةِ الوجودِ

أبحثُ عن القاتلِ خالد القسري

عن بطشِ سيفهِ برقبةِ الجعدِ ابن درهم

او عن ويلاتِ كليلةَ ودمنةٍ

الباكيةِ عن ابن المقفع

ثم تأتيتيني زمردةُ ابن الراوندي

تبشرني بحريةٍ أتيةٍ ذاتَ صباحٍ

يقظةً تكشفُ تفاهةَ المخاريقِ

آهٍ لكم كانَ تناسقُ عشقي مرهقاً

أصرخُ مع الريحِ أظلُ أصرخُ

متى أحطُ على بقاعٍ دونَ هويةٍ مجهولةٍ

في هذا الشرقِ المعتوهِ

شرقِ الزنازيين وتنانيرَ الموتِ

شواءِ لحمِ الانسانِ

يالخديعةً نحنُ صناعٌ لها

تأتينا التراتبيةُ مزعومةً

انها من وحيٍّ أحتضرَ مهزوماً

أنتكسَ من هولِ الخداعِ

تلبسُ الاثيرِ أنصرفَ نائماً

مكسورَ العنقِ بوسادةِ الاوهامِ

أخلدُ في سكينةِ الهروبِ الى الانفاقِ

أحفرُ لي منافذَ أسرقُ الهواءَ النقيَّ وحدي

آهٍ من تأملاتٍ أفسدتها معاقلُ الهزيمةِ

أفسدتها المقاصلُ والحبالُ

قتلتها غصةُ قرونٍ رفيقها أبليسُ المغردُ

معَ أزمنةِ الخواءِ

ماذا لو جئتُ بطريقِ التجريدِ

طريقِ النبتاتِ ، حتماً يرسمونَ لي تنانيرَ الموتِ

بصورِ الحداثةِ الجديدةِ

***

عبد الامير العبادي

لغزّةَ الحب والإيثار يندلقُ

إذا رأينا بها النيران نحترقُ

*

إذا رأينا بها آلامَ مسغبةٍ

والعرب تسكت.. فيهم نحن لا نثقُ

*

نقول ماذا دها من كان قد ركنت

حكومةٌ منه وأنتاب الجوى فَرَقُ!؟

*

أما رأيتم بني الإسلام تقتلهمْ

قنابلُ الغرب.. فوق العرب تنفلقُ!؟

*

ماذا تريدون أن يأتي إذا سكتتْ

حكومةٌ منكمُ .. ماذا وقد زهقوا

*

أرواحهمْ مات من فيها وقد صعدتْ

لله تشكو ظلاماتٍ وتنطلقُ

*

لكن على الأرض.. بين الصخر مندفناً

ميْتاً بأكوام من سُدتْ بها الطُّرُقُ

*

بينا أرى اليوم أصواتاً مرددةً

لوذوا إلى السلم.. لا التصعيد.. واتفقوا

*

حتى إذا حان وقت الوقف عاودها

غدرٌ كما الأمس.. كم وقفٍ وما صدقوا

*

فلتنجدوا (القدس) و(الأقصى) و(غزَّتَكم)

فليس ينفع ما يُخزى به الورقُ!

***

رعد الدخيلي

بمناسبة طوفان الاقصى

تحفظ كتب الأسلاف

تبكي في ثوب الحداد

ما صنعت المقادير

بالمنارات التي انهارت

... عند الأقدام

والتاريخ الذي

فقد قطرة الضوء الباقية

في فراغ الكون

وحدها شجرة الحنين

تضيء المقبرة الخرساء

وضياعنا في الأضابير

تتوسل الليل الطويل

أن يعود بثورة الروح

وبقايا البلد النازح

تمد أغصانها

تفتح أوراقها

لتغير مسارات القلوب

وتعيد النور

لفجر الأفول

*

ها هي شجرة الحنين

تجمع مساءاتنا الحزينة

تمد أقواس الخروب

عل الملحمة تكتمل

في أرض المجد

حيث التناوب للظلمات

لعبث صخور هشة

سرعان ما تفتتها الرياح

يذهب الليل

يجيء الليل

يدهشنا ثمر جموحها

وسفرها الأقوى

في صلاة الذاهبين

ودمع الغائبين

هي ساعد الأرض

وسيف الوجع

الذي يهتز

حاملا أشلاء التاريخ

وزوبعة ما تبقى منا

لأوراقها أجنحة الحجارة

ولنا دمع الرماد

فأيهم يطلق صهيل الحياة؟

ليكنس عتبات

الأنهار المهجورة

من حسرة الريح

ووقدة الغربة

في أزمنة الردة ؟؟

*

شجرة الحنين

جذورها ضاربة

في كل الأزمان

تراها في كل مكان

أنثى من نور

على جسدها تلتف الثعابين

فوق السرة

تاج صمود

وحزام تحد

أبدا ...لا يلين

في عتمة الارض

تبحث عن سر الحياة

في عيون خانت عنفوانها

ومرايا تعكس خارطة

مشروخة لوطن المنفى

ومنفى الوطن

*

شجرة الحنين

ثابتة عند قارعة النسيان

في انتظار الكواكب المسافرة

خلف حقيقة مسروقة

من الأجساد العابرة

نحو الخلد

يفوح منها

عطر المجد الغابر

ألا يعلمون أن الشجر

لا يقاس بالأقدام

وأنه مهما اغتيل

ينبعث من رماد الموت

صرخة حبلى

بطلقات الحياة ؟؟؟؟

***

مالكة حبرشيد - المغرب

في البدء كان مْحمّد، وكانت الشظية

تجيئين يا غزّة

تشقّين الروح

تنهيدة ثكلى

آه يا غزة

مغطاة بالبكاء

على جسدِ المتوسط،ِ

تسرين كالرعشة

*

أيها البحرُ

لست نفسَك هذا المساء

مسكونا بالرغبة

*

آه يا غزة

أيتها المترددة بين الحرائق

شفتك تنزف الرماد

تتدثرين بالغواية

تمتزجين بالدهشة

تهزئين بالمدن، يا غزة

أنت أكثر جرأة من أن تكوني مدينة

أيتها المجردة من الأوصاف،

الكلية المعنى

*

آه يا غزة

-أحبه

- منذ متى؟

- منذ الشظية

*

يقول: تعالي إلى قلبي

يقول قلبه: ابتعدي، أنا المنفى

*

-كيف يمكن أن يكون صدره برتبة وطن وقلبه منفى؟

*

آه يا غزة

-أحبه

- حتّام؟

- حتى آخر القصيدة الموشومة على ذراعه اليمنى

*

يقول: من أين لي بقلب لم يمسسه حزن كي أحبك؟

أقول: أعطني حزنك كله،

وكل الرماد

أعطني قلبك بلون المآتم،

وهاك قلبي لم يتسنّه

*

أيها البحر

لست نفسك هذا المساء

مسكونا بالرغبة

-لامست ساقيها،

لامست ساقيها،

حبيبتي غزة

***

بقلم إيمان بوطريعة

الى غزة الصامدة

عليها الصلاة والسلام

***

لَوْ أَنّهُمْ حَقّا،

كما قالوا انْتَهَتْ،

وسَتَلْقى حَتْفها

وبما آلَتْ إليهِ،

إبْتَلتْ

مرّةً أُخرى أقول

لمْ تَزَلْ

تُشْعل الآمال

بالنبضِ وبالحب

مِنْ سِدْرَةِ الوَجعِ التي

مِنْها تَغَذّتْ،

ونَمتْ

فَلَمْ تَنْدَمْ

ولَنْ تندم

يَوْمَئِذ هَرَعَتْ

مُغاضِبَةً

لَمّا تَفَجَّر جُرْحها وجعا

بوجهِ الّريح

كسّرَ الصَّمْتَ الزجاجي

والأصنام

والغَيْهب الحجري

على مرأى الرّواةِ

ووعّاظِ السّلاطين

وعشّاقِ الْجواري

في فصول الدّمْ

والشّعراء الزور

في قَصْرِ الخليفة

إذْ عُرِفَ

السّارق المعلوم الهويّهْ

الْمُجْرِمُ الأوّلُ

والآخرُ

في مَسْرحِ المأساةِ

القديمة

والحديثة

ذا عدو الله

والصّبح

وخصْماً للضّياءِ،

فأعشاشِ البلابل

شاهد في محكمة القضية

إنه اغتال الطفولة،

والأحلام

ودفاتر الرّسم

والأقلام

عَنْ سِبْقِ ضغينهْ

كي لا يكونوا حاضرين

فتُعرف الأسرار الخفيه

شياطينٌ مِنَ الأشباحِ

والأوغادْ

من جِنِّ الأساطيرِ،

الخرافاتْ

والأنسِ المُلثّمة

ومَنْ جاؤا مِن الأوباش

جند وكلاب

تجتاح بقاع الضوءِ

وأناشيد البلابل

وابتسامات السماء

كَفُّكِ سيدتي

حِمَمٌ وصاعِقةٌ

ومِدْرار نيازك

على الجلاد

نَزيفاً مِنْ شُهُبْ

والغاصب المحتل

وجْهٌ

وأنْصاف الضّمائرِ

آخَر

وعلى الأرض اليباب

خِصْبٌ ونَماء

تَشْرئِبْ

ومما أشْبَعَها الْجُرحُ

مِنْ أَلمٍ

ومِنْ سَخْطٍ

ومِنْ غَضَبٍ

ومِنْ أَمَلٍ

وإيمانٍ وقُوّهْ

نفَثَتْ ...

ما بين أضْلُعِها الرقيقة

كالحمامة

مِنْ لَهَبْ

صَخبُ الأطفال

والصرخات يعلو

أمْ

نَفْخَةُ إسرافيل؟

أيْقَظَ الأمْوات صداها

وأعاد للتأريخِ

أحرفه الصحيحهْ

وأزاح أوهاماً

( مِنْ قيلٍ وقالَ وعنْ ...)

مِنْ بين أطنان الكتُبْ

فاسْتَفاقت

بلظى القلب

وبركان الغضب

وثَمّةَ أشياء لا تُقالْ

ضمائر سُمّيَتْ

وأُخرى

تلْفُظ ما تَبَقّى

مِنْ حياء

إنّكِ أنتِ

نعم أنتِ

يا رمز العطاء

والبطولة والأباء

فعيناك سماء الله

تَجَلّت فيهما القُدْسُ

تُبْكيني وتُفْرِحني

وتمسح عن وجهي السُّبات

وتوقظني ، وترسمني

وترسم الشمس

لكي أصحو

أصابِعُكِ السّنابُلْ

يا عَهَدْ

أنتِ

علّمت المناجل في المواسم

معنى العطاء

وليس رجال من خَشَبْ

وسيوفاً وخطب

***

د. ابراهيم الخزعلي - موسكو

14/01/2018

كنت في العشرينيات من عمري حين تمّ استدعائي إلى خدمة العلم في لبنان . كان قرار الخدمة بمثابة مكافأة لي، حيث كنت منبهراً بالحرية اللبنانية، وانتشار الفن بكلّ أشكاله، وبالإعلام هناك الذي يرعى المواهب، ويرفعها، حتى تصبح مشهورةً وتصل إلى النجومية، وأقارنه بغياب الاهتمام، وقتل المواهب في بلدي؛ وكانت فيروز وعالمها الحالم شغفي الموسيقي، أسمعها في كلّ وقت، وعالم جبران الفلسفي هو عالمي الأدبي المفضّل، لا أشبع من قراءته، وحفظ الكثير من مقولاته الفلسفية، من وجهة نظر شاب متخرّجٍ للتوّ من كلية الفنون الجميلة، ومحمّلٍ بالأفكار الرومنسية، وأحلام الشهرة والنجومية القادمة "لا محالة!".

الشهور الأولى كانت بمثابة انغماسٍ في هذا الجمال الذي يغطّي كلّ شيءٍ أراه، في الجبال الخضراء، أو الجداول الباردة التي تنساب بين الصخور، أو القرى الصغيرة الغافية على سفوح الجبال، بسقوفها القرميدية، وطرقاتها المتعرّجة المخيفة.

كانت الكتيبة التي أخدم بها في غابة صنوبر عتيقة، أشبه بمخيم سياحي، فوق قمة جبل من جبال الشوف، يشرف مباشرةً على وادٍ سحيقٍ تملؤه السحب في الصباحات، فيشعر المرء أنه واقف، حقيقةً، فوق الغيم.

بالتدريج بدأت حياة الجندية، بثقلها اللزج، والأوامر العسكرية والتدريبات التي لا معنى لها، تنهش، شيئا فشيئاً، من الروح الحالمة، ولم يبق من ذلك الجمال إلا تلك الساعات التي كنت أقضيها، في أوقاتٍ متفرّقة، مع عائلةٍ تسكن في بيتٍ قريبٍ من كتيبتنا، برغم الأوامر المشدّدة بعدم الاحتكاك مع السكان، والحلم بأن أنهي مدّة الخدمة، وأتابع حياتي المهنية في إحدى المجلات اللبنانية، أو "ربما أستطيع أن أقيم معرضي الشخصي في إحدى دور العرض في بيروت".

كان المبيت العسكري للكتيبة يغادر إلى سوريا مرةً في الأسبوع، ونقطة التجمّع في  مقرّ اللواء في دمشق، ومن يتأخّر عن سيارة المبيت ، عند العودة، يأتي على حسابه الخاص بلباسٍ مدني، وعند دخوله الأراضي اللبنانية يذهب إلى أقرب حاجز عسكري للجيش، يبرز هويته العسكرية، ويتكفّل الحاجز بتأمين سيارة تنقله إلى الكتيبة. سمعت من العساكر قصصاً كثيرة عن التصرّفات المسيئة من عناصر الحواجز، والطريقة الفظّة التي يعاملون بها الناس حين يوقفون سيارة أحد المواطنين اللبنانيين؛ لذلك كنت أحرص ألا أتأخّر عن المبيت.

في ذلك اليوم، حين أجبرني ظرفٌ خاصٌّ أن أعود إلى الكتيبة بسيارةٍ مدنية، وصلتُ إلى أوّل حاجزٍ عسكريٍّ في الأراضي اللبنانية، وحين عرف عنصر الحاجز رتبتي العسكرية، تحمّس لإيقاف سيارةٍ متّجهةٍ إلى المنطقة التي تقع فيها كتيبتي. كان فظّاً بشكلٍ أصابني بالحرج، والاشمئزاز من نفسي بأن صرت شريكاً في الإساءة إلى هؤلاء الناس الذين يمثّلون الحرية والجمال وقيم الحياة التي أتوق إليها؛ غير أنّ كلّ ما استطعت فعله، أني رجوت العنصر أن يكون أقلّ فظاظةً مع الناس. ابتسم الجندي ابتسامة استغراب، وربما شفقة؛ لكنه لم يبالِ برجائي، وظلّ يوقف السيارات دون أن ينزل بندقيته.

مرّت سيارةٌ فارهة، وقفت قبل أن يوقفها الجندي. كانت تقودها امرأةٌ جميلة، في كامل زينتها، حين رآها الجندي ابتسم وراح يحدّثها، وهو ينظر إلى صدرها وفخذيها، بتلميحاتٍ وقحة، احمرّ وجهها، وأطلقت شتائم فاضحة، ردّ عليها بشتائم فاضحة أكثر. وبدأت معركة كلامية تدور بين الجندي وبين المرأة، سألته بتحدٍّ: "أنت لا تعرف مع من تتحدّث؟"، ردّ بثقةٍ مستفزة: "بل أعرف تماما."، ثمّ أردف بنبرةٍ تحمل تلميحاً خاصاً: "منذ زمن لم تمرّي على المعلّم". لا أدري أيّ سحرٍ كان لهذه الكلمات.  ما إن سمعتها المرأة حتى امتصّت غضبها، وبمهارة سمكة مرنة، انزلقت في الحديث، لتغيّر مجرى المعركة، ردّت بابتسامةٍ متكلّفة، تكشف تعابيرَ وجهٍ أُهرِقَ ماؤه للتوّ: "سأمرّ قريباً جداّ، وسأشكوك له." والمعلم هذا هو ضابطٌ كبير في جهاز الأمن السوري.

التفتت المرأة نحوي وقالت للجندي: "إلى أين؟"، فأخبرها. فتحتْ باب السيارة، وجلستُ بجانبها وأنا غارقٌ في خجلي واحتقاري لنفسي، ألعن، في داخلي، الجنديَّ، والمعلّم، والظروف السيئة التي جعلتني سبباً في إذلال هذه المرأة. قلت لها تحت تأثير مشاعري: "أنا آسف". ردّت مستغربةً أسفي المباغت: "على ماذا تأسف؟"

- آسف على ما بدر من ذلك الجندي. ما كنت أتمنّى أن أكون سبباً في هذا.

- لا تأسف. تعوّدنا على رزالتهم.

قالت ذلك بحذرٍ في البداية؛ لكنّها، لسببٍ ما راحت تشتم الجنديّ والمعلّم، حتى وصلت شتائمها إلى المعلم الكبير... "ملعون أبوهم... خرّبوا البلد!"، أنهت ثورة غضبها بهذه الشتيمة.

لفت نظري بعض المجلّات أمام المقعد، حملت إحداها ورحت أتصفّحها، أخفي فيها خجلي. سألتني: "هل تحبّ القراءة؟"، وعرفت أنّ مقالها الأخير منشورٌ في المجلة التي في يدي، خجلت أنّي لم أعرفها قبلَ أن تعرّفني بذاتها، رغم حضورها على شاشات التلفاز.

امتدّ بيننا حديثٌ طويل. حدّثتني عن نفسها، وعن صحيفتها، و"الدور التنويري الذي تقوم به"، وعن لبنان والحريّة والجمال... حدّثتها عن نفسي واهتماماتي وطموحي، وامتدّ الحديث حتى وصل إلى النقطة الأكثر بهاء وجمالاً في داخلي: الأدب وجبران وفيروز والطبيعة، والحرية "الكفيلة بأن تخلق من الإنسان العادي فنّاناً... "، استرسلتُ في عرض ما أحفظ من مقولات جبران ومن شعر الأخوين رحباني، وأركّز على الجو انب التي أراها متشابهةً بينهما.

توقفت على حافة الطريق، وقالت: "أنا وصلت".  تردّدت أن أطلب منها المساعدة في أيجاد عملٍ فنيٍّ في المجلة التي تعمل بها؛ لكنها فاجأتني بأن أعطتني مجموعة من البطاقات الصغيرة، عليه أرقام هاتفها وعناوينها الأخرى، "هذا كرتي، وزّعه على أصدقائك. اليوم مساء عندي لقاء تلفزيوني..."، سمّت لي البرنامج والمحطة... "لازم تحضره!"، قالت بابتسامةٍ. تابعت طريقَها، ومشيت أنا نحو الكتيبة.

كانت صورتها، وحديثها السلس الشيّق يعاد تكراره في خيالي، وقرّرت أن أتّصل بها في أقرب وقت، وأطلب منها ما خجلتُ أن أطلبه، "لعلّها الفرصة التي هيئها لي القدر حقاً!"

في المساء، هيّأتُ القهوة وجلست أمام شاشة تلفازي الصغير أتابع برنامجها، أحسستُ، حين ظهرت لأول مرة على الشاشة، بارتعاشةٍ في قلبي، ونشوةٍ من الجمال، وبالرغم من أني لا أحبّ السياسة ولا البرامج السياسية، إلا أني كنت مشدوداً إلى الشاشة، أتابع ما ستقوله.

بدأت حديثها بتوجيه التحية إلى الجيش السوري، "الذي يحافظ على أمن لبنان"، ثمّ تابعت بنبرةٍ فوقيّة: "مشكلة لبنان الحقيقية تكمن في العمّال السوريين الذين ملأوا البلد بتخلفهم وهمجيّتهم، شوّهوا لبنان الجميل... استولوا على كلّ شيء في لبنان... صرنا نحن الأغراب في بلدنا... لبنان ما عاد هو لبنان..."

تذكّرت حديثها السابق في الطريق، وحالها وهي تبتسم لبذاءات عنصر الحاجز، نظرت إلى عدد المجلة الذي أهدتني إياه، تركت كلّ شيء على حاله وشغلتُ جهاز التسجيل؛ ولا يزال صوته يرتفع ويرتفع حتى غابت كل الأصوات الأخرى، ولم أعد أسمع إلا صوت فيروز، ولا أرى إلا صورة لبنان الجميل.

***

قصة قصيرة

الكاتب منذر فالح الغزالي

وَيَتِيهُ الدَّرْبُ مِنِّي

بَيْنَ طَيَّاتِ الظَّلاَمْ

وَأَهِيمُ

وَأَسِيرُ الْعُمْرَ

بَحْثاً عَنْ لُفَافَاتٍ قَدِيمَةْ

هَاتِهَا

وَاسْقِنِي

وَاسْقِ عُمْرِي

وَاسْقِ أَيَّامِي مِنَ الْكَأْسِ الْحَزِينْ

لَيْتَنِي كُنْتُ زُهُوراً

فِي ضَيَاعِ الْبَائِسِينْ

**

دَنْدِنِ اللَّحْنَ حَبِيبِي

وَاعْزِفِ الْحُزْنَ

وغَنِّ

أَنَا مَنْ ضَيَّعَ فِي الْأَحْزَانِ

أَغْلَى مَا حَوَى قَلْبٌ

يَتِيمْ

قَدْ مَشَى دَرْبَ الْيَتَامَى

ثُمَّ غَنَّى لِلنَّدَامَى

فِي.. مَحَطَّاتِ الْأَمَلْ

وَمَشَى دُونَ أَنِيسٍ

بيْنَ أَحْزَانِ الْبَنَفْسِجْ

وَدُمُوعِ الْيَاسَمِينْ

**

يَا حَبِيبِي

لَيْتَنِي أُصْبِحُ نَاياً

قَدْ وَعَى لَحْنَ اللُّحُونْ

عَازِفاً نَارَ الْأَنِينْ

وَاكْتِوَاءَ الصَّابِرِينْ

يَا حَبِيبِي

لاَ تَسَلْنِي

هَلْ مَضَى الْحُلْمُ الْجَمِيلْ؟!

أَمْ يَعِيشُ الْآنَ فِي نَبْضِ السِّنِينْ؟!!

يَا جَمَالاً

يَا هِلاَلاً

يَا ابْتِسَامَاتٍ أَضَأْنَ اللَّيْلَ

لَيْلَ الْعَاشِقِينْ

**

يَا حَبِيبِي

أَنَا لَوْلاَكَ لَمَا عِشْتُ حَيَاتِي

وَمَضَتْ أَيَّامُ عُمْرِي

وَانْتَهَتْ أَحْلاَمُ ذَاتِي

يَا حَبِيبِي

أَنَا طَيْرٌ

أَقْطَعُ الْأَمْيَالَ مِنْ أَجْلِ ابْتِسَامَةْ

أَعْبُرُ الْأَيَّامَ

جِسْراً فَوْقَ جِسْرٍ

مِنْ مَحَطَّاتِ الْأَمَلْ

يَا تُرَى

هَلْ سَأَلْقَاكَ حَبِيبِي؟!!!

بِدُمُوعِي

وَبِأَشْوَاقِ الْقُبَلْ

يَا حَبِيبِي

(أَعْطِنِي النَّايَ وَغَنِّ)

فِي مَحَطَّاتِ الْأَمَلْ

***

شعر: أ. د. محسن عبد المعطي

شاعر وناقد وروائي مصري

صُراخ البعد يصليني

وصمت العرب يكويني

*

وفي قلـــبي ملائـــكةٌ

إلى الأقصــى تناديني

*

وفي سمعي شياطينٌ

عن الأقصى تداريني!

*

تُثبِّطني لــــكي أبقى

بلا دنيـا.. ولا دين

*

وأمحو كل ذاكــــرة ٍ

عن الزيتونِ.. والتين ِ

*

وعن تاريـــــخ أمتنا

وأبطــــــال الميادين ِ

*

وألغي كلمـــــــا أنوي

جهاداً في فلســـطين ِ

*

أنا يا هذه الدنيــــــــــا

ظهيـــــــــراً للمساكين ِ

*

أنا الحرف الذي ضاءت

به ِ شمس الملاييـــــن ِ

*

وعَضْبٌ في يد ِالأحرار ِ

يبطِش ُ بالملاعــــــين

*

ولاة (الـهـــــدِّ).. والمبغى

وطربوش (الممــــاحين)!

*

إباحيو.. الدمـــاءالأرض

للأغيــــــار.. والـــــــدون ِ

*

حبــائلُ مشيخات ِ بَغَت

مؤمركــــــــة المضامين ِ

*

عواهلُ دَانتْ.. انبطحَتْ

لـ (كاهــــانا) الشياطين ِ!

*

عليهم لعنـــــــة الأقصى...

وأعباء المطاحن ِ

*

و ما في الأرض مـن رمل ٍ

وذرّات.. البراكيـــــــــن ِ

*

ومن شرق ٍ إلـــى غرب ٍ

شمال جنوب ِ سِجِّيـن ِ !

*

أجب يارب (لَعْنَتـَـــــهُ)

أجب يارب ذا الحيــن ِ !

***

محمد ثابت السميعي

في البلدان المرعوبة من الكلام

يبتر المواطنون ألسنتهم بأيديهم

مخافة أن تلدغ أحداً

أو ربما يقتلعونها من جذورها

لضمان ألا تنمو عليها براعم سامة

أما في بلداننا الحُرّة

فنحنُ آباءُ الكلام وأبناؤه

لا نبتلع الضفادع لتنُقَّ من بطوننا

أما ألسنتنا

فالسلطات الحكيمة تحُثّنا على تكثيرها

بالانشطار، أو بالترقيد

**

لكلّ مواطن ببلداننا الحُرّة

عشراتُ الألسنة في فمه

بعضنا يُرقّمُها

أو يُلبِسُها أحذية وطاقيات

وبعضنا يربطها بالسلاسل

كي لا تهرب من فمه

منخدعة بنظرات العُشّاق العابثين

**

عندما تمتلئ الأفواه بالألسنة

يفقد بعضنا القدرة على تمييز فمه

فيحشر لقمته في أذنيه

لكننا جميعاً حريصون ألا تتعفّنَ ألسنتنا من الصمت

لذلك يتخذ بعضنا منها أحزمة

لضمان عدم سقوط كرشه منه عند الركض

وبعضنا يحصد منها ما يفيض عن حاجته

فيطبخها

ويولم عليها المحرومين من النطق

أنا اتخذتُ من لساني مجرفة

أحفر بها في جوفي

أملاً في العثور على كلمة حق

***

شعر: ليث الصندوق

بسرد متقطع

أصعد إلى ربوة كتفيك..

دقات قلبي مطر خفيف..

يساقط على قرميد الجسد..

لأن حمامة روحي عالقة بعمودك الفقري..

لأن الهدية الثمينة التي حظيت بها

كانت رصاصة طائشة في القلب..

الحرب ملأت بيوت الجيران

بالدموع والتوابيت..

والجنود الذين ماتوا مساء

خلفوا نصوصا عميقة في مخيال المعزين..

كنت أصغي إلى أوركسترا البنادق.

رقصة القناصة على حبل الهواجس..

كنا نشيع قتلانا مثل نيازك مذعورة.

ندع بريدنا في صندوق الأبدية..

نخاتل وعول الموت في الممرات الضيقة..

كل يذهب إلى سماء حبيبته

على براق المخيلة ..

ليخفف من وطأة المنفى

والغبار العائلي.

***

فتحي مهذب - تونس

.....................

ترجمة الأديب السوداني صلاح القيوايدي

Textes-Contre-la_Guerre 21 En

Narration Intermittente.

En narration intermittente,

Je monterai jusqu'au sommet de tes épaules ...

Mon cœur bat un peu de la pluie..

Il tombe sur la brique du corps ...

Parce que la colombe de mon âme,

Est collée à ta colonne vertébrale.

Parce que le précieux cadeau,

Que tu as reçu,

Ce n'était qu'une balle perdue, dans le cœur.

*

La guerre a rempli les maisons,

De voisins avec des larmes,

Et des cercueils...

Et les soldats morts le soir,

Ont laissé des textes profonds,

Dans l’imaginaire des personnes en deuil.

*

J'écoutais l'orchestre de fusiliers,

La danse des tireurs d'élite, sur la corde des obsessions ...

*

Nous répandons nos morts,

Comme des météores terrifiés,

Nous laissons notre courrier dans la boîte de l'éternité...

Nous nous battons et hurlons la mort,

Dans les couloirs étroits.

*

Tout le monde va au ciel de sa bien-aimée,

Sur l'éclat de l'imagination...

Pour alléger le fardeau de l’exil,

Et la poussière de la famille.

***

Fathi Mohadhab - Tunisie

في نصوص اليوم