آراء

العراق: امريكا اللاعب الاول والاخير

باحوال هذا البلد وبشكل مباشر بعيد الانتهاء من الحرب العراقية الايرانية، فقد وجهت الولايات المتحدة الامريكية أمبراطوريتها الاعلامية الهائلة بتجاهه، وقد كان للبرنامج التسليحي والبرنامج النووي حصة الاسد في التركيز الاعلامي الامريكي انذاك، وجاء الى بغداد وفد من الكونغرس الامريكي ليقابله صدام حسين لمناقشة كل مايتعلق ببرنامج حكومة بغداد العسكري، بطبيعة الحال زيارة الوفد كانت بموافقة الرئيس الامريكي وهي استكشافية خصوصا انها برئاسة السيناتور المتمرس روبرت دول، استمر هذا الوضع الى 2/8/1990 .

 

في هذا اليوم احتلت قوات حكومة العراق الكويت وبعد ذلك بستة ايام جعلتها المحافظة العراقية ال19، تلقفت الولايات المتحدة الامريكية الفرصة التي جاءتها كهدية من السماء فعملت على استغلالها أيما استغلال فوجهت مسار الاحداث بالوجهة التي تبتغيها، حشدت فيها مايقارب ثلاثين بلدا حطت جيوشها في ارض الجزيرة العربية من ضمنها بلدان عربية يدعي مسؤلوها بانهم يهيؤن قواتهم لمحاربة اسرائيل، لكن امريكا غاضبة ويجب ارضاؤها ولو على حساب التاريخ والمباديء، وهنا عملت امريكا بكل جهدها كي تفشل وتحبط وتطيح باي فرصة او بارقة امل يمكن ان تحل الازمة، ساعدها في ذلك عدم فهم الحاكم العراقي وفريقه بحقائق الامور وعنجهية في التفكير وضيق في الافق، الامر الذي ادى الى ان تشن امريكا حربا هي من اقسى الحروب في 17 /1/ 1991دمرت كل البنية التحتية المتهالكة اصلا في العراق، لتعقبها احداث في الجنوب والشمال العراقيين سميت من قبل القائمين عليها ومؤيديها بالانتفاضة الشعبانية، واطلق عليها حكم صدام حسين بصفحة الغدر والخيانة وهنا يقصد ايران، واطلق على المشاركين فيها اسم الغوغاء، لكن مالذي حدث ؟ان ما حدث ان اميركا سمحت لحكومة العراق باستخدام طائرات الهليكوبتر بقصف تجمعات المعارضين وكذلك بتحرك دبابات الحرس الجمهوري بقسوة وبطش شديدين، اذن امريكا لم تسمح لكل من يريد التحرك الا باوامر منها 0

 

بعد ذلك جاء دور تدمير النسيج الاجتماعي في البلد عبر اصدار قرار مجلس الامن الدولي 687 والذي اعطى ولاية كاملة لمفتشي الامم المتحدة على كل الاراضي العراقية بزعم التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل العراقية وبرعاية وتوجيه امريكي بالطبع وقد اسميت هذا القرار في كتابي (الاحتلال الامريكي للعراق :مقدمات واسباب )اسميته بقرار الموت، في هذه الاثناء تجمعت كل قوى المعارضة العراقية في مؤتمرات في بيروت وفينا وبرعاية امريكية تشمل حتى التمويل وحينها اعلن عن تشكيل المؤتمر الوطني العراقي الذي ضم جميع اطياف المعارضة العراقية في الخارج، وقد أجهضت امريكا كل المحاولات التي سعت للاطاحة بحكم صدام حسين لان الوقت لايلائمها حتى لو كانت من شخوص يعتبرون قريبين لطروحاتها، يعد ذلك صدر قانون تحرير العراق من قبل الكونغرس الامريكي في عهد الرئيس كلينتون وخصصت اموال لدفعها لقوى المعارصة العراقية انذاك 0

 

اقترب عام 2003 وشعرت الادارة الامريكية ان الوقت قد حان لقطف الثمار وتحركت الالة الاعلامية بالتزامن مع الجيوش والدبلوماسية من اجل ان يكون الامر قد هيأ تماما على كافة المستويات، وبنفس الوقت جمعت المعارضة في مؤتمر لندن وبرعاية مباشرة من زلماي خليل زاد الذي عين فيما بعد سفيرا لامريكا في بغداد، وطبعا شاركت القوى التي كانت متجمعة في ايران في هذا المؤتمر، والسؤال لو كانت ايران تستطيع ان تسقط صدام حسين سواء بهذه القوى او بنفس طريقة امريكا اعتقد لما توانت عن ذلك، لكن هي تعرف ان العراق خط احمر بالنسبة لامريكا ، شن الهجوم على العراق دون اللجوء الى موافقة مجلس الامن الدولي، احتلت القوات الغازية الاراضي العراقية وعين بريمر حاكما مدنيا بعد ان اعفي المسؤول العسكري غارنر ليشكل مجلسا للحكم على اسس طائفية، عين فيه اللبرالي نصير الجادرجي على السنة والشيوعي حميد مجيد على الشيعة، قبل هذه الخطوة اصدر بريمر عدة اوامر او قرارات منها حل الجيش وحل وزارة الاعلام ومنها ايضا قانون اجتثاث البعث 0

 

جاء شهر حزيران 2004 ليسلم بريمر الامور المدنية الى اياد علاوي بعد حل مجلس الحكم ليصبح رئيس وزراء دون القدرة على تعيين الوزراء فجاءت امريكا بالامم المتحدة وممثلها الاخضر الابراهيمي ليسمى اعضاء الحكومة عبر هذا الدبلوماسي الجزائري وباشراف امريكي، وقد عين بعض من الوزراء دون ان يعرفهم رئيس الحكومة وقد قضوا معظم ايام توزيرهم خارج العراق، وعند سؤال اياد علاوي عن تقصير البعض من اعضاء حكومته اجاب بانه لم يكن صاحب قرار في تعيينهم وبالتالي لايستطيع ان يستبدلهم باخرين 0جاء الدور بعد ذلك على حكومة ابراهيم الجعفري الانتقالية التي شكلت اثر انتخابات 2005والمجيء بجمعية وطنية والتي صبغتها الصبغة الطائفية، فقد كان من اهم مهام هذه الجمعية هو كتابة الدستور الدائم، حدثت اشكالية بعد هذه الانتخابات حيث قاطعتها معظم قيادات الطائفة السنية، الامر الذي حدى بامريكا بان تضغط على رئيس الوزراء المكلف ابراهيم الجعفري باشراك السنة في الحكومة، ومارست الضغط ايضا على لجنة صياغة الدستور لاشراك شخصيات من السنة في كتابة الدستور، من هذه الشخصيات التي اعلنت في باديء الامر انها ضد العملية السياسة لانها طائفية اوغير ذلك هو صالح المطلك الذي اصبح فيما بعد احد اعضاء مجلس النواب الذي خلف الجمعية الوطنية، استمر في ظل حكومة الجعفري الاقتتال الطائفي وامتد الى الى حكومة المالكي والتي اعلنت في عهدها خطة فرض القانون وكذلك الستراتيجية الجديدة الامريكية والتي اعلنها الرئيس بوش والقاضية بزيادة عديد القوات الامريكية، انطفأ بعض الشيء التناحر الطائفي ليحل محله الادعاء بالوطنية والمفارقة ان هذه الدعوات جاءت من نفس المتناحرين بالطائفية انفسهم، فما الذي جرى ؟ الحقيقة ان امريكا ارادت ولمطالب داخلية امريكية وليس له علاقة بالعراق او شؤونه ارادت ان تبين للداخل الامريكي ان الخطة الامريكية في العراق قد اتت اكلها لااكثر 0

 

اقتربت انتخابات مجلس النواب 2010 وقبلها بعدة اشهر اخذت التحذيرات تنطلق من جديد بان العراق سيشهد انحدارا امنيا اثناء التحضير للانتخابات، وفعلا حدثت عدة انفجارات سميت باسماء ايامها، واعلن بعد ذلك عن اكتشاف حقيقة هي ان اجهزة كشف المتفجرات التي هللت لها اجهزة الحكومة وطبلت بانها اجهزة فاشلة، وبهذه الاجواء فوجيء الناس ان احد الذين شاركوا في كتابة الدستور مشمول باجراءات قانون المسائلة والعدالة واعني به صالح المطلك، وهذا القانون هومحض صياغة امريكية وقد صودق عليه من قبل مجلس النواب بالحاح واصرار من قبل الذين شملوا به وقد قوبل باعتراض القوى التي كانت معارضة للبعث وحكمه ، وقد نظمت الاجتماعات والمؤتمرات التي تعرف وتحذر من ان هذا القانون هو انما تهيئة لعودة البعثيين لكن التحضير لانتخابات 2010 قلبت الامور على العكس تماما ليستبعد الذين الحوا عليه، دخلت امريكا على الخط متمثلة ببايدن نائب الرئيس الامريكي واراد ان يجس النبض باقتراح تاجيل البت بمصير المستبعدين الى مابعد الانتخابات، وبطبيعة الحال ان هذا لم يكن بصيغة الامر بل كما مر اقتراح سرب لاختباراو فحص مايجري اذا ما طبق ما اقترحه بايدن، وجد ان مساوئه اكثر من محاسنه ليس للعراق بل لامريكا، اما لماذا استبعد هؤلاء على فرض انهم سيستبعدون كليا من العملية السياسية ؟ والجواب على مستويين، فاما الاول تريد الولايات المتحدة الامريكية خلط الاوراق من جديد لتعيد ترتيبها على الاسس الطائفية التي تروق لها ووجدت في هؤلاء المستبعدين خير من ينفخ في نار الطائفية في العراق، او ان هؤلاء قد انتهت مهمتهم فقد صيغ الدستور و خرجت القاعدة من العراق خروجا شبه كلي فما حاجة امريكا لهم اذن !وانا لااعتقد ان مهمتهم قد انتهت فالعمل في العراق لازال في بداياته ومشروع امريكا الفكري في العراق يحتاج الى نافخي النار من الطرفين الكبيرين فيه، ولذلك ان المستبعدين يعون هذا الامر ويعون ايضا ان امريكا هي اللاعب الرئيسي في العراق ولذلك لجأوا الى السفارة الامريكية واخذوا يتحججون بالاتفاقية الامنية، وينادون ان امريكا ضامنة الديمقراطية في هذا البلد وعليها ان تضمن حقوقهم، ولو يعرفون لاعبا اخر قادر على ذلك غيرها لتوجهوا اليه حتى لو كانت ايران الذين مافتئوا يتهمونها بالتدخل في الشأن العراقي يحاولون في كل سانحة لهم ان ينسى العراقي او يمحو من ذهنه ان في بلده احتلال، هو الاحتلال الامريكي، ومايخرج من المطبخ السياسي هو بطبيعة الحال بذوق امريكي توضع بعض من النكهة العراقية عليه، ومذكين بذلك نار الطائفية التي كلما حاول البعض اطفائها يأججونها متذرعين بحجة التدخل الايراني، وايضا وبأيمائة امريكية بينة واضحة يتغافلون التدخل التركي في الشأن العراقي ليس فقط بعد الاحتلال الامريكي عام 2003 ولكن منذ تأسست الحكومة العراقية في 1921على يد الادارة البريطانية، وكذلك يتغافلون ماللاردن من دور في رعاية الجماعات الارهابية والسعودية ايضا والكويت التي اقامت الدنيا ولم تقعدها عندما اعلن ان الحكومة العراقية ستشتري طائرات f16، والملاحظ في ذلك ان هذه البلدان وحكامها مرعية من قبل الراعي الامريكي، حالها حال الحاكم العراقي وبقائهم على عروشهم مرهون برضى هذا الراعي، فأذن كيف يستطيع هؤلاء ان يتحدون الارادة الامريكية في العراق لولا وجود مصلحة امريكية في هذا التدخل وذلك لتمزيق النسيج الاجتماعي العراقي من خلال الصراع الطائفي والمحاصصة الطائفية ولابد لهذا الصراع من ادوات في الداخل العراقي لتمرير هذه السياسة ولتحقيق المصلحة الامريكية وهؤلاء هم ادواتها، وفي الختام قد يوجه سؤال مفاده هل تشكك بنوايا القائمين على هيئة المسائلة والعدالة ؟والجواب بالقطع هو النفي فهؤلاء امامهم نصوص يطبقونها، لم يشرعوها هم، وسؤال اخر هل تنفي التدخل الايراني في العراق؟ والجواب بل أؤكده، لكن هل تستطيع ايران تغيير الستراتيجيات في العراق، الامريكية بطبيعة الحال، والجواب على ذلك ان الوقائع تؤكد ان الستراتيجيات هي من وضع امريكا فقط  فالانتخابات لاتغير الا الوجوه .

 

رائد عبدالحسين السوداني

  

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تذكر قبل ان تنتخب .. دور الشعب في تقرير مستقبل العراق 03 - 05/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم