آراء

دماء بروانة .. القتيل واحد والقاتل أيضا!

alaa allamiكيف نفسر الصمت المشوب ببعض التأتأة واللعثمة الذي ساد – الوسط الثقافي العراقي ومجاوره السياسي- بعد مجزرة "بروانة" الإجرامية، والتي راح ضحيتها ما بين 70 إلى مائة مواطن مدني مسالم قتلوا صبراً بعد تطهير قرى شمالي محافظة ديالى من عصابات داعش، وكيف نفسر الضجيج والصخب الهائلين بخصوص مجازر أخرى مشابهة؟ هل اطمأن الجميع إلى لعبة تشكيل لجان التحقيق "الاسفنجية" والتي لا حصر لها؟ هذا السؤال يمكن قلبه وتوجيهه إلى من فعلوا العكس طبعا! وبغض النظر عن التفاصيل وتوجيه الاتهامات للمجرمين الذين ارتكبوا هذه المجازر، وسواء كانوا مدفوعين بأسباب ثأرية عشائرية كما قال البعض، أو بأسباب الانتقام الطائفي، فلا يمكن أن تكون – يا صديقي - إنسانياً وديموقراطياً ومدافعاً عن حقوق الإنسان وضد القتل والقمع في مكان ما، تسكنه غالبية قومية أو طائفية ما، وتسكت عن كل تلك العناوين في مكان آخر: إنَّ مجازر "سبايكر" وسنجار وغيرها مدانة وإجرامية، وكذلك مجزرة "بروانة" ومثيلاتها إذْ أن عدد الضحايا أو طائفتهم الدينية ليس هو المعوَّل عليه هنا أو هناك، إنما التعويل على المبدأ الأساس والبوصلة المنحازة دون تردد أو شروط لدماء الأبرياء أياً وأينما كانوا وضد القتلة أياً وأينما كانوا ومن أي طائفة أو دين أو عرق أو مدينة أو حزب أو قطيع مليشياوي جاؤوا!

حين شاعت أخبار المجزرة، قيل في اليوم الأول، إن مرتكبيها من قبائل عربية سنية "تنكرت" بملابس وأسلحة وعربات الحشد الشعبي – مع أن مقاتلي الحشد ليس لهم ملابس رسمية كما يعلم الجميع- وقتلت من قتلت بدافع الثأر العشائري، وإن عدد القتلى أقل من أربعين، وذكر بعض المتابعين للشأنين الأمني والسياسي العراقي أسماء بعض تلك العشائر. ولكن حقائق أخرى تكشفت بعد مرور يوم أو بعض يوم ومنها أن بلدة بروانة لم تكن من حواضن داعش فهي محاطة بقرى تسكنها غالبية شيعية، وهي تعتبر من المناطق الآمنة والتي لم يقتحمها مسلحو داعش وهي خارج نطاق العمليات باعتراف مسؤولين أمنيين. وسرعان ما شكلت لجان التحقيق المخصصة عادة لامتصاص الغضب والأزمات، فحكومة العبادي شكلت لجنة تحقيق واللجنة الأمن والدفاع النيابية شكلت أخرى ( بناء على طلب القيادات في محافظة ديالى) كما ذكر مصدر نيابي، وظهر كبار الساسة في حكم المحاصصة على الشاشات لتجيروا دماء الضحايا لصالح أحزابهم. وقد قابلهم المنكرون لحدوث الجريمة أو المهونون من شأنها وخطورتها بحملة إعلامية مضادة فاعتبروا (هذه "الأخبار والشائعات" تهدف لطمس الانتصار في ديالى على داعش وتخريب فرحة المنتصرين). ولا ندري ما العيب أو ما المانع من أن تدان المجزرة ويتم التحقيق فيها لكشف المجرمين ويحتفل المنتصرون بانتصارهم؟!

مصدر نيابي قال إنه كان من المقرر أن يذهب وزيرا الدفاع والداخلية إلى مكان المجزرة للتحقيق والإطلاع على الحيثيات عن كثب ولكنهما لم يذهبا بسبب "سوء الأحوال الجوية" !

شهود العيان، ومسؤولون سابقون وحاليون في المحافظة أكدوا عدة أمور نعيد تسجيلها هنا كشهادات جديرة بالتسجيل والتفحص دون أن نجزم بصحتها من عدمه كما وردت في الإعلام :

- النائب كاظم الشمري: اعتبر مجزرة بروانة عملا إجراميا يتكرر كلما تم تحرير منطقة من داعش والمجزرة عبارة عن عمليات تطهير عرقي، كما أنها دعوة صريحة لعدم عودة العوائل النازحة إلى مناطقها بعد تحريرها، وطبقا للمعلومات المتوفرة؛ فالأهالي هناك يعرفون القتلة جيدا وبالأسماء.

- المستشار الإعلامي السابق لمحافظة ديالى تراث العزاوي قال كلاما مهما وخطيرا للصحافة العربية نقتبس منه (أن الجريمة وقعت بعد تحرير قرى شمال المقدادية، حيث تقع قرية بروانة التابعة إلى ناحية أبي صيدا، وهي ذات غالبية سنية دخلت إلى القرية نحو 80 عجلة تابعة للحشد الشعبي، وبعضها سيارات حكومية تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية، وترفع شعارات طائفية، وبدأوا بإخراج الرجال والنساء على مرأى من مركز الشرطة القريب، ونقطة شرطة كانت أقرب، وقتلوا 35 شخصا أمام الناس، ومن ثم قتلوا 25 آخرين في البستان، واستمرت عملية القتل التي جاوزت المائة ضحية بعكس ما يقال إن العدد هو 72 شخصا فقط). وردا على سؤال بشأن صدور تحذيرات لأهالي بروانة بمغادرة المنطقة قبل بدء العمليات العسكرية، قال العزاوي إن (التحذيرات التي صدرت عن وزارة الدفاع وعن قائد الحشد الشعبي هادي العامري لا تشمل هذه المنطقة الآمنة التي هي خارج منطقة العمليات)، علما أن القرى المحيطة بها شيعية، وبالتالي فإن الحجة القائلة بإيوائهم "داعش" مضحكة، لأنهم كان يمكن أن يهربوا أو ينزحوا، ولكنهم يشعرون بأنهم في أمان).

- وقد وردت أسماء بعض المسؤولين الأمنيين والسياسيين الذين قيل بأنهم كانوا موجودين في مكان المجزرة وقت ارتكابها.

إن هذه المجزرة المدانة ستمر كسابقاتها، طالما تولى التحقيق فيها الأشخاص ذاتهم من النظام الطائفي ذاته، وبكل يقين - للأسف – ستتلو هذه المجزرة مجازر أخرى مماثلة بحق أبناء هذه البلدة أو تلك، بغض النظر عن اسم طائفتهم أو مدينتهم فالقاتل واحد هو نظام المحاصصة ودستوره الملغوم والقتيل واحد أيضاً هو المواطن العراقي، بغض النظر عن اسم طائفته ففي عراق اليوم طائفتان فقط: طائفة القتلة المجرمين وطائفة المقتولين الأبرياء! وطالما بقيت العملية السياسية الطائفية جارية فسيجري المزيد من دماء العراقيين الأبرياء وعلينا أن ننتظر المزيد من البروانات والسبايكرات ....الخ.

في المثقف اليوم