آراء

لغو أطفال أم إستراتيجية إرهاب؟

hamid taoulostكنت أمشي الهوينة في شارع الشهيد الشفشاوني، أحد أقدم شوارع مدينة فاس، شارع "قديم وغشيم" كما يقولون، كئيب كعهدي به، مفتقد لأبسط شروط التمدن، قبل أن تطاله مؤخرا يد الروتوش والتزويق، الذي لم يرق طبعا إلى ما حدث مع بعض الشوارع الرئيسية، "وجه البيعة " للعاصمة العلمية، والتي عرفت الكثير من التزين بالرخام الصيني والنافورات الأوروبية المجلوبة. ما علينا، ليس هذا موضوع حديثنا اليوم، وأعود إلى تمشيتي في شارع الشفشاوني الذي كنت أسرح فيه على مهل مستسلما لعذوبة دفء شمس الربيع، إلى أن استوقفتني عن المسير أصوات عالية لأطفال يلهون، وقد تمنطق بعضهم بما يشبه أحزمة ناسفة، وحمل بعضهم الآخر بنادق وسيوف مصنعوة مما تلفظه المتاجر المتراصة على الشارع، من أوراق مقوى . ركض الأطفال أمامي على طول الرصيف المزدحم بطاولات مطاعم "البيصارة"، عاودوا الكرة إلى نقطة الانطلاق وهم يتصايحون "الله اكبر .. الله أكبر " إلى الجهاد، نظرت إلى الصغار بإعجاب واستغراب متسائلا: يا للمفارقة، هذا شارع الشهيد الشفشاوني الذي أراد لنا مغربا متحررا ومستقبلا مشرقا، يلهو أطفاله اليوم بالسيوف والبنادق والأحزمة الناسفة، لاشك أن الأمر ليس بالهين، باعتبار أن الإرهاب حصيلة ظروف وعوامل تآزرت وتكاثرت حتى سدت الآفاق في ظل انعدام اختيارات سياسية واجتماعية من شأنها تحسين أوضاع الجماهير عامة والأطفال على وجه الخصوص، الذين ينتظرون من مسؤولي المدينة ومثقفيها والمفكرين المستنيرين الذين يؤمنون برسالة المعرفة والإبداع وقيم الحرية، أن يقدموا لهم فكرا مميزا وأدبا ساميا وفنا رفيعا يسمو بنفوسهم ويهذب أخلاقهم ويغرس القيم الجميلة فيهم، حتى يدخلوا به عصر الأنوار، لكن ومع كل أسف الدنيا، كيف يمكن ذلك، في ظل انعدام المرافق الترفيهية الخاصة بالأطفال، وحتى الحديقة الموجودة بأعلى هذا الشارع والتي كانت المتنفس الوحيد لساكنته وباقي ساكنة المدينة الجديدة، قد تم تفويتها لذوي الحظوة من الحزبيين، لتحويلها لمقهى، -ودون الدخول في تفاصيل الحال والأحوال البائسة واليائسة، التي يعاني معها الأطفال كل أنواع التهميش والإقصاء واليأس والفقر والجهل والتجهيل الممنهج الذي يمارسه بعض حماة الدين من على منبر كتاتيبهم –المرخص لها من طرف مسؤولي الوزارة الوصية- وطرق تعليمها الناشرة للغل والكراهية، التي تظهر في ما يلقنون من أدعية على الآخرين الكفرة الخنازير المختلفون معهم في الديانة والثقافة، عن قصد، أو دون الانتباه إلى أن تطرفهم المتعارض مع تسامح الدين الإسلامي الحنيف، والتي تولد الإحساس المرير بانعدام الأمن والتوازن، والجنوح إلى العنف الذي غالبا ما يكرس أفكارا بدائية مريضة تكبر بسرعة مثل كرة الثلج لتشكل صورة ذهنية من مظلومية الإسلام والمسلمين مدعومة بشدة كره الآخر المتسبب في تخلف الإسلام، والتي تصير معتقدات إيمانية غيبية مسلم بها، أكثر ثباتا ورسوخا، تتلقفها الأجيال حديثة السن، وعلى رأسهم الأطفال الأبرياء الذين يدفعون إلى إرهابية دموية مجردة من كل شعور بذنب أو إنسانية وتجعل منهم "كاميكازات" وقتلة المستقبل باسم الدين المختزل في صيحات انتقام بدائية مدمرة للآخر، يدعم انتشارها المتأسلمون الموقرين، الأوصياء على الإنسان والدين، المهوسين بالمتاجرة به لتحقيق مصالحهم الشخصية البحتة، الذين يملكون سلطات واليات التأثير على العقل الباطن (اللاوعى) للأطفال وتوجيه واستثماره بتواطؤ مع أولي أمروهم المغيبي العقل والإرادة، ويضمن لهم البقاء والسيادة، ويدعم زيادة مواردهم المالية على حساب عامة الشعب.

حميد طولست

في المثقف اليوم