آراء

وقفتان مع وزيرين في حكومة المحاصصة الطائفية

1alaa allami- رحمةً بدجلة العجوز يا وزير النقل!

وزير النقل الجديد باقر جبر صولاغ الزبيدي، والذي انتقل إليها من وزارة الداخلية مرورا بالمالية (بعض وزراء حكومة المحاصصة – كما يقول المثل العراقي السائر - كالطماطم يرهم على كل مرقة!) يحاول جاهدا أن يقدم كل أسبوع إنجازا جديدا، وهذا أمر محمود ولكن ليس في جميع الأحوال، فثمة إنجازات تفوق أضرارها فوائدها! فمن النظرة الأولى نجد أن بعض إنجازات الوزير مفيدة ولها إيجابيات ولكن نظرة ثانية متفحصة ترينا أن بعضها مضر بل وخطر لا يتناسب مع الطبيعة الطوبوغرافية والبيئوية العراقية في عصرنا.. هاكم هذين المثالين:

-ابتكر الوزير، أو مستشاريه، مشروع "التكسي النهري"، وهو عبارة عن زوارق سريعة تنطلق عبر نهر دجلة، من الأعظمية نحو الباب الشرقي في مركز بغداد للتخفيف من أزمة السير داخل العاصمة، ولكن الوزير ومهندسيه (بالمناسبة هو نفسه مهندس مدني) لم يأخذوا حالة نهر دجلة الراهنة بنظر الاعتبار. فالنهر الجليل خسر ثلثي مياهه بسبب السدود التركية والمشاريع الإيرانية على منابعه وروافده وهو الآن شحيح المياه لدرجة تفطر القلب وحركة هذه التكسيات النهرية التي هي عبارة عن زوارق سريعة مزودة بمحركات ستكون بكل تأكيد مصدر تلويث للنهر والبيئة وستحول ما تبقى منه إلى مستنقع للزيوت و الفضلات المختلفة (يقال إن هناك نسخة من التكسي النهري ستطلق في نهر شط العرب في البصرة وحالته لا تقل سوءً عن حالة دجلة). فهل يمكن أن يرحم الوزير هذين النهرين ويؤجل مشروعه هذا إلى أن يتعافيا أو أن يفكر بزوارق بمحركات كهربائية أو دون محركات مثلا؟

- المثال الثاني: طرحت الوزارة مشروعات استثمارية سماها الوزير "مشاريع استثمارية استراتيجية" منها مثلا فندق من ستين طابقا في البصرة! ولكن هل يعلم الوزير أن اسم "البصرة" في أحد معانيه هو الأرض الرخوة وذات الأحجار الصغيرة كما قال الأخفش؟ وحتى إذا افترضنا أن التقنيات الهندسية الحديثة قادرة على حل الإشكالات المتعلقة بطبيعة التربة الهشة كما فعلت مع صحاري أبو ظبي ودبي وشيدت أبراجا بلهاء لا معنى لها في بلد يشكل الأجانب 88,4% من سكانه، أي أن نسبة المواطنين الأصليين أقل من 12%، فلماذا الإصرار على التقليد العمى والتعلق ببنية عمرانية لا تمت أصلا لبيئة العراق بصلة، ولماذا لا تعتمد المدرسة المعمارية "الأفقية" البسيطة والأنيقة الملائمة لطبيعة بلادنا؟ في المناسبة، هذه المدرسة المعمارية لا تزال معتمدة في جميع دول العالم بل أن أجمل مدن وعواصم أوروبا ذاتها تأخذ بها، وما بودابست وروما الخاليتان من الأبراج وناطحات السحاب الخالية من الذوق والمسحة الإنسانية إلا مثالان جديران بالاعتبار والتأسي.

- أود التذكير بمشروع لطيف لهذه الوزارة لا بد من التنويه به وهو تحويل عدد من الطائرات الضخمة والتي خرجت من الخدمة إلى مطاعم تقدم خدماتها للمسافرين والمتنزهين قرب مطار بغداد وفي مناطق أخرى، فهذا مشروع مفيد و يمكن اعتباره من المشاريع الصديقة للبيئة إضافة إلى طرافته السياحية.

 

2- بين وزيرين الأول أفندي والآخر معمم:

في الحوار الارتجالي الذي دار بين وزير الخارجية العراقي "الأفندي " الجعفري و وزير الأوقاف المصري" المعمم أو المعتَم" الشيخ محمد مختار جمعة على هامش مؤتمر شرم الشيخ، ونشرته صفحات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي، يقول جمعة ما معناه (يجب إبعاد الدين عن السياسية) فيرد الجعفري الذي يريد البعض اليوم تقديمه كإسلامي متنور و مدني على "سن ورمح" (فضيلة الشيخ، الدين ليس بعيدا عن السياسة، فالرسول "ص" أقام عاصمة الإسلام في المدينة المنورة). ثم يستشهد الجعفري بالآية القرآنية (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، فيرد وزير الأوقاف (مع مفهوم الحكم) أي أن الخلاف في مفهوم الحكم .. فيقول الجعفري : لا، الخلاف في التسييس. يرد جمعة : بل في التوظيف. يقول الجعفري معترضا: بل في التسييس. فأن تكون لديك نظرية سياسية في المعارضة ونظرية سياسية حين تصل إلى السلطة تأسياً برسول الله "ص" هذا سياسة، لا نستطيع أن نقول لا، ولكن ليس تسييس أي لوي "لَـيّ" المفاهيم ولوي الأفكار لتحقيق أغراض شخصية وفئوية فنكون قد خرجنا من السياسة ودخلنا في التسييس.

أفهمُ من هذا الحوار: إنّ مزج الدين بالسياسة وبناء دولة دينية تأسياً بدولة الرسول الكريم في المدينة مقبول من قبل الجعفري ويتحفظ عليه الشيخ الأزهري والوزير المصري، وإنّ التسييس أي تحويل السياسة إلى وسيلة لخدمة الذات الفردية أو الفئوية (و لا توجد سياسة خارج هذا المعنى البرغماتي أي أن الجعفري هو الذي يلوي عنق المفاهيم هنا، ويمكن أن يكون التسييس بالمعنى الذي يقصده الجعفري في دولة دينية أو غير دينية ولها هذه الوظيفة) هو المرفوض من قبل الجعفري وليس إقامة الدولة الدينية هي المرفوضة!

وأسألُ من باب توضيح الفكرة لا من باب الحصول على الجواب الذي أزعمُ معرفته: مَن هو الأقرب إلى منطق ومفاهيم السلفية الانتحارية؟ من هو الأقرب إلى دعاة إقامة الدولة الدينية وشعار "دولة على منهاج النبوة" هل هو الجعفري أم الشيخ الوزير جمعة؟

ملاحظة: لا علاقة لتساؤلاتي هذه بما قاله الرجلان في باب المصالحة والتسامح بين المسلمين وبينهم وبين غير المسلمين فهو كلام مجاملات جميل و بروتوكولي يكرره الجميع بمناسبة وبدونها ولكنه لم ينقص يوماً من أعداد الجثث في حروب الطوائف والأديان .

 

علاء اللامي

في المثقف اليوم