آراء

انتشار المرجعية الفكرية الظلامية ليس صدفة !!

hamid taoulostما كنت في يوم من الأيام أتخيل أن تصير الأمور إلى ما نعيشه من واقع مرير، ومأساة مروعة غير مسبوقة، جراء الكم الهائل من الفتن المتلاحقة والمتداخلة التي أصبحنا ننام ونصحو على ما تطل علينا به وسائل الإعلام المختلفة أنواعها صبح مساء، من أخبار حوادث النكد، وأخبار الفواجع والهم، التي لا شيء منها وفيها يسر القلوب أو يفرح النفوس، بل كلها تدميها وتقرحها، وتملأ البلاد بالأسى واللوعة من طنجة إلى الكويرة، ومن بين تلك الأخبار المقرفة، التي عصفت ببلادنا مؤخرًا، ما اصطلح على تسميته بـ "فتاتي إنزكات"، الذي أثار لغطا وجدلا لم توقف إلى الآن، حيث هاجم مجموعة من تجار سوق "إنزكان" القارين منهم والجائلين متسوقتين، مكبرين مهللين ضاربين شاتمين، دون سند شرعي و قانوني، لمجرد أن الفتاتين كانتا بـأ"الصاية" التنورة، وبعدهما بأيام قليلة، وفي سوق آخر من نفس المدينة، رجم زملاء لهم في الله، عفوا في التجارة الجائلة، إعلامية بالطماطم، لا لشيء إلا أنها سافرة الشعر، وبعد ذلك بوم أو يومين، وفي مدينة فاس التاريخية، التي حملت في زمن ما لقب "العاصمة العلمية للمملكة " تعرضت مجموعة بلا هوية، لمثلي ثلاثيني، بالضرب والتنكيل، مازجين التكبير بمقولات الجهالة الفجة على الذوق السليم، والعبارات الرديئة والإيحاءات السخيفة البذيئة التي تمجها الأسماع والعقول، لمخالفتها لما جاءت به الشرائع السماوية والقوانين الوضعية والذوق السليم، ومثل ذلك حدث في شمال المغرب حيث تعرض وأحد ممن كلفوا أنفسهم النهي عن المنكر ليسدة تسير في الشارع العام بلباس عادي، لكنها غير محجبة ..

لقد أعادت هذه الأحداث -التي لا تتسع المقالة لسردها لكثرتها - إلى الأذهان همجية طالبان وجماعات النهي عن المنكر والأمر بالمعروف، وذكرتنا، مع الأسف الشديد، بما حدث في مثل هذا الشهر الكريم من سنة 1997 وبالضبط في السابع عشر منه، حيث قام إرهابي من الجماعة الإسلامية الجزائرية، بإنزال "الزهرة أمال زنون زواني" ذات 22 ربيعا طالبة في كلّية الحقوق بالعاصمة الجزائر من الحافلة التي كانت تقلها للعودة إلى بيتها، وقام بذبحها قبيل آذان المغرب، دون رحمة أو شفقة وأمام باقي الركاب، بعد أن وقعت الحافلة في قبضة حاجز للجماعة الإسلامية المسلّحة، وقد كان ذنب الفتاة الوحيد، هو أنها لم ترتدي الحجاب الذي فرضته هذه الجماعة على النساء باسم الله ...

إن ما آلت إليه الأمور في بلادنا مؤخرا، خلال الأيام والشهور القليلة الأخيرة، من استفحال للأحداث والسلوكات غير السوية المؤسفة - سباً وشتماً وضربً وتحرشا - التي تبدو بسيطة في ظاهرها، لكن خطورتها مكمن في تكرارها اليومي، في كل مكان، في الشوارع، وداخل المواصلات العامة، وفي المدارس والجامعات، وحتى داخل الأسرة، وفي المساجد، والذي يخشى، أن يطوره، ويمأسسها، فتصير أمرا طبيعيا وعاديا، واعترافا ضمنيا بها لحق المتطرفين المغالين من الرجال، الذين أصبحوا يقفون أمام الملأ دون وجل أو حياء، وخارج دائرة القانون، ضد حرية المرأة، ويعارضونها، في لباسها وسلوكها الشخصي حتى الذي لا يخالف منه لا دين ولا قانون ولا الأعراف، الأمر الذي أفقد الناس عامة والمرأة على وجه الخصوص، الثقة في إمكانية حماية الحقوق بالقانون، وأفقدهم الأمل في عودة الحياة داخل الدولة، ورسخ لديهم الإيمان بأنهم باتوا يعيشون في غابة البقاء فيها للأقوى ..

علينا أن نغلّب -قبل فوات الأوان -مصلحة الوطن على ما عداها من المصالح الخاصة المغلفة بالدين والتدين المزيف، الذي هو في حقيقته سم ناقع وداء قاتل، لأنه لا مجال للتسويف أو التأجيل للنأي بالوطن عن الفتن والأحقاد التي ليست محض صدفة، بل هي نتاج تخطيط مسبق ومؤامرة خبيثة لقوى عدوة تتربص بأمتنا الدوائر وتبث سموم الفتن والقلاقل، لثني مغربنا الحبيب عن تبوأ المكانة الأسمى المؤهل لها بين البلدان المتحضرة كما كان على مر التاريخ، وإن إيماننا القوي بالله وثقتنا الراسخة في حب المغاربة لوطنهم، لهو تأكيد على قدرتنا على تخطي المصاعب مهما تجاوزت الحدود، وكان قدراتها المزعومة كبيرة، إذا ما نحن اتفقنا على أن أملنا الوحيد في النجاة هو اتفاقنا على العودة لنحيا كبشر في دولة يحكمها قانون يكفل للجميع الحياة الكريمة الآمنة، ويحميها من الموقعين باسم الله على الدفاع عنه، والدود على حرماته، وإصلاح عيوب عباده باسمه بالقتل والتقتيل ..

 

حميد طولست

في المثقف اليوم