آراء

ما يكشف المسكوت عنه

khadom almosawiالوقائع الدامغة وحدها هي التي تكشف المسكوت عنه، وتفضح من يصمت ويتفرج او يعمل على التهرب منها والإنكار لها، المعلن او المستتر. هذا الذي تقوله مؤسسات دولية جزء من تلك الحقائق المسكوت عنها. وبشكل عام تحاول المساهمة في الكشف، إلا انها بحكم وضعها تهتم بالسرد العام والإحصاء العددي اكثر من عمق الجراح وآلامها العامة قبل الخاصة. الامر الذي ينبغي رفع الصوت عاليا وكشف هذه الوقائع دون تراخ او تباطؤ او لف ودوران..ما هي هذه الوقائع؟. من المسؤول عنها؟ وكيف يتم التحقق منها وإجراء ما يلزم بشأنها؟.

مثلا حسب وكالات الانباء، وفي أحدث تقرير للأمم المتحدة أعلنت البعثة الأممية في العراق يوم 13 تموز/يوليو 2015 مقتل أكثر من 14 ألف مدني وجرح نحو 30 ألفا آخرين منذ مطلع عام 2014. اي خلال اكثر من عام ونصف، وأكدت المنظمة أن الأعداد الصادرة بالتقرير تعود للضحايا الذين تمكنت من توثيق مقتلهم، مشيرة إلى أن العدد الفعلي قد يكون أعلى بكثير. (وهذا هو واقع الحال!). وسجلت المنظمة الدولية في تقرير لبعثتها في بغداد أن العدد الحقيقي للقتلى والجرحى بالتفاصيل، هو 44 ألفا و136 ضحية مدنية على الأقل، موضحة أن العدد يشمل 14 ألفا و947 قتيلا و29 ألفا و189 جريحا. هذه الارقام واللغة التي تتحدث عنها باردة لا تعنى بحرارة دم هؤلاء الضحايا وأهاليهم، ابائهم وأمهاتهم، زوجاتهم وأبنائهم، حبيباتهم وأصدقائهم، ذويهم من كل الاطراف والصلات. وهو ما تمكنت منه كما تعلن. بين هؤلاء ضحايا موقعين رئيسيين حصل فيهما ما يسمى قانونيا وإنسانيا مجازر ابادة جماعية، رغم كل ما حدث واعتبر ضمنا في الاطار ذاته، او في التسمية نفسها. هذان الموقعان هما سجن بادوش في الموصل ومقر الكلية الجوية التي اطلق عليها اسم سبايكر، فضيحة مستترة اخرى، في صلاح الدين. والسؤال هنا يوضح الجريمة المرتكبة فيهما ولأسباب تضاف الى شمولية الجريمة لكل الضحايا الذين تمكنت المنظمة الدولية من احصائهم او لم تتمكن، ولديها مصادر كثيرة داخلية وخارجية تزودها بما تريده هي او مراجعها الموجهة لها. ولابد من الاشارة الى ان من قام بهذه المجازر هو تنظيم ما يسمى اعلاميا بالدولة او داعش مختصرا. وهو اقدم على ذلك بمنهجه وأسلوبه وخياره، وزاد عليه بنشر صور المجازر في اعلامه الخاص والعام، اعلامه الحربي، المملوك له او المتضامن معه والموجه لخدمته، والذي يستخدم كل الوسائل المتاحة، المرئي والمسموع والمقروء، والتواصل الاجتماعي وكل التقنية الجديدة، من مواقعه المتعددة والمنتشرة، بمختلف اللغات ولاسيما العربية. واستكمالا للسؤال، لماذا الانكار او التستر على هذه الجرائم والمجرم يعترف بها علنا وصراحة؟!.

تصفحت الشبكة العنكبوتية للمعلومات، غوغل، ووضعت عنوان، اسمي الموقعين المذكورين. فماذا كانت النتيجة؟. يمكنك العودة مرة اخرى ولاحظ معي هذا التشابك الخطير والكبير في التغطية على الجرائم والسكوت على المجازر. ولا احيلك الى اللجان التي كلفت بالتحقيق والوصول الى الوقائع الدامغة وإعلانها علنا ورسميا، حسب مهمتها ووظيفتها ومصداقيتها، وإنما اربط ما هو موجود ومعلن ومن يعمل على تبهيت القضايا والتركيز على غيرها او لفلفتها بما يضمن له تمريرها وتخطيها وحتى التخلي عنها، والدعوة لما يريده هو او يكلف به خارجها وبعيدا عنها. فضلا عن المواقف السياسية والمذهبية والطائفية الصارخة التي تعري اصحابها وخلفياتهم الايديولوجية او انتماءاتهم الحزبية وما يعرف عن توجهاتها العامة وأفكارها المنشورة. هنا يتطلب التوقف ومعرفة الوقائع وتوثيقها والأدلة وشواهدها بالملموس والمحرج لمن يناور عليها.

لا توجد اخبار عن مجزرة القوة الجوية في صلاح الدين بالقدر والكمية والنوعية والمصداقية مقارنة بما نقل عن قرار محكمة عراقية بإعدام 24 مجرما ثبتت ادانتهم في المجزرة. حيث لا تخلو وسيلة اعلامية في كل البلدان العربية وبمختلف اشكالها إلا ونقلت الخبر، اما كخبر او ضمن تقرير او في اطار التحليل الطائفي والتعاطف معه ومحاولة تغيير الموضع الرئيسي للجريمة. اكثر من 1700 ضحية تنسى او تهمل و24 مجرما هي القضية. وكذلك في القضية الاخرى. التي لم تحظ حتى بالاهتمام الرسمي ايضا. ولكن تقريرا واسعا نشرته صحيفة تصدر باللغة العربية في بريطانيا، لأسباب لها. في هذا التقرير يؤكد "من مجموع 2700 سجين كانوا في السجن قبل الحادثة (!)، هناك 300 سجين سلموا أنفسهم أو ألقي القبض عليهم بحسب ما يكشفه الناطق باسم وزارة العدل، حيدر السعدي. فيما بقي مصير 2400 سجين قيد المجهول. يؤكد السعدي، أن الوزارة لم تصل بعد إلى عدد السجناء الذين أعدمهم تنظيم داعش، وأن والتحقيقات جارية لمعرفة عددهم الحقيقي والمواقع التي أعدموا فيها. قبل هذا، قالت الوزارة لجريدة الصباح الحكومية إن السجناء تم إعدامهم في مكان قريب من سجن بادوش (الموقع رقم واحد/ وادي بادوش)، من دون الإشارة إلى أية مواقع أخرى. وأن الوزارة تنتظر أن يتم استعادة هذه المناطق من يد داعش لمعرفة عدد الضحايا، (يرجح قادة التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، أن لا يتم استعادة مدينة الموصل قبل مرور سنة من الآن) ( هكذا ورد في النص، ومر عام والموصل لم تتحرر، ولم يذكر الكثير عن هؤلاء الضحايا، مَن هم ومن اين وكيف اعتقلوا ونقلوا الى سجن بادوش؟!). بالعودة إلى شهادات الناجين، تمكن كاتب التحقيق من تحديد عدد تقريبي لضحايا سجن بادوش، لكنه رقم مبني على شهادات ناجين، ولا يرقى إلى أن يكون رقما دقيقا تماما، وليس ملزما لأي طرف. (عدد 12/11/2014)".

هذه القضايا المسكوت عنها رغم العدد الكبير من الضحايا البشرية فيها، ارواح بشر ابرياء في مصيرهم، والتي تضمنها التقرير الاممي كأعداد فقط، وكذلك التقارير الاخرى، تظل شاهدا ودليلا على ما يحصل اليوم وادانة للساكتين عنها، وبانتظار لجان التحقيق. ولعل اعادة داعش بث مشاهد جديدة لعمليات القتل الجماعي في مجزرة القوة الجوية اواسط تموز/ يوليو الماضي، تثير او تعيد ايضا ما يلزمه الواجب الاخلاقي والإنساني والقانوني. ويرد على كل العاملين في وسائل الاعلام العربي الرسمي خصوصا، والتأكيد على عقبى الضمير الانساني لمن تبقى لديه منه شيئا.

اين الجواب الواقعي للاسئلة العديدة،.. لماذا حصل ويحصل؟، من هو المسؤول عن المسكوت عنه في كل ما يجري؟.. وما هي العبرة بعد كل ما جرى من يوم الجريمة وحتى الان؟. ان الافلات من العقاب والتستر على المجازر يمهد الطريق الى امثالها وينتهك الحقوق والقانون، ويسيء لمشاعر اهالي الضحايا وللوقائع والتاريخ. لا يمكن الصمت بعد ولا السكوت. لم يعد ممكنا ابدا، فان دماء الضحايا فم!، كما قال الشاعر الجواهري الكبير.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم