آراء

مهزلة المهازل: أحزاب دينية تصوغ قانوناً للأحزاب!

alaa allamiصادق مجلس نواب المنطقة الخضراء الفاسد والمفسد وحامي الفاسدين ومنتج حكومات الفساد التصويت على مشروع قانون الأحزاب الذي تمت صياغته من قبل حكومة المحاصصة الطائفية التي تهيمن عليها الأحزاب الدينية الطائفية والقومية العرقية. هذا القانون الخاص بالأحزاب ونشاطها لم تعلن مسودته على الرأي العام لمناقشته قبل التصويت عليه، فهم لا يحترمون الشعب ولا الرأي العام كما يبدو، ولكن ما تسرب منه، وما هو متوقع منه، يؤكد أنه ستتم المصادقة عليه (وقد تمت فعلا قبل ساعات) من قبل البرلمان الفاسد ليضفي الشرعية الدستورية على واقع الأحزاب الطائفية الدينية والعرقية المسيطرة على الحكم منذ احتلال العراق سنة 2003.

إن عدم التمييز بين الأحزاب الدينية الطائفية (من حيث تكوينها التنظيمي وكتلتها الناخبة أو من حيث برامجها السياسية وشعاراتها وقياداتها) هذه الأحزاب التي لا ينبغي السماح لها بالنشاط السياسي بموجب الدستور المدني، وبين الأحزاب السياسية "الديموقراطية الإسلامية" ذات المرجعيات الثقافية الدينية العامة والتي تعترف بالحياد الديني للدولة وعلمانيتها المتفقة مع طبيعة المجتمع العراقي التعددي والمتنوع، وهذه الأحزاب يمكن لها النشاط، إن عدم التمييز بين هذين النوعين من الأحزاب في هذا القانون المزمع الصدور يقصد به إضفاء الشرعية على الأحزاب من النوع الأول والاستمرار بالمهزلة السياسية المستمرة منذ سنة 2003 وحتى الآن.

والآن وقد تمت المصادقة على قانون الأحزاب السياسية فما الذي يلاحظه الراصد من أول نظرة؟

إن مقتل قانون الأحزاب الذي صادق عليه مجلس النواب اليوم الخميس 27 آب يكمن في نص المادة الخامسة التي تقول (المادة -5-/ أولاً: يؤسس الحزب او التنظيم السياسي على أساس المواطنة وبما لا يتعارض مع أحكام الدستور.ثانياً: لا يجوز تأسيس الحزب او التنظيم السياسي على أساس العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التعصب الطائفي أو العرقي أو القومي).

هذه المادة تحاول أن تجمع الماء والنار في وعاء واحد أي تحاول الجمع بين "مبادئ المواطنة" وبين "اللامواطنة" ممثلة بالطائفية والعنصرية اللتين يقوم عليهما الحكم.

للخروج من المأزق صاغ ملفقو النص المادة/ ثانيا كالتالي (لا يجوز تأسيس الحزب او التنظيم السياسي على أساس العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التعصب الطائفي أو العرقي أو القومي.) وكان يجب أن تصاغ كالتالي ( لا يجوز تأسيس الحزب او التنظيم السياسي على أساس العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو الطائفية) الفرق بين الصيغتين هو وجود كلمة " "التعصب" في الصيغة التي فبركها المشرع في برلمان المحاصصة.

أما كلمتا "العرقية والقومية فهما يمكن أن تكونا موجودتين ضمنا في كلمة "العنصرية" بمعنى، لو جاء حزب كحزب الدعوة أو حركة الإخوان المسلمين ليطلب إجازة للنشاط من السلطات المختصة فهو سيحصل عليها لأنه سيقول نحن حزب ديني وطائفي ولكن ليس حزب متعصب طائفيا! ومثل ذلك سيقول جميع أصحاب الأحزاب المشابهة سواء كانت سنية أو شيعية أو قومية كردية.

الصيغة الثانية (لا يجوز تأسيس الحزب او التنظيم السياسي على أساس العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو الطائفية) لو أقرت لمنعت أي نشاط لأي حزب سياسي طائفي المنهج والبرنامج، ولحددت آليات وشروط أخرى تفصيلية تسمح للأحزاب الديموقراطية الإسلامية بالنشاط لأنها تعترف بحياد وعلمانية الدولة ولمنعت من النشاط الأحزاب والمليشيات الطائفية واقعا التي ترفض حياد وعلمانية الدولة صراحة أو ضمنا... إنها حيلة أخرى يحاول بها مهندسو نظام حكم المحاصصة الطائفية والعرقية الضحك على الشعب العراقي وخداعه ولكنها حيلة فاشلة ولدت ميتة أصلا لأنها جاءت في أيام دفن النظام المحاصصاتي ككل خلال الحركة الاحتجاجية المستمرة والمتصاعدة!

إن القائمين على العملية السياسية الطائفية، وكالمعتاد، يضعون العربة قبل الحصان كما يقال : فبدلا من صياغة دستور مدني علماني أولا، يشتق منه وعلى أساسه قانون للأحزاب وقوانين أخرى لإدارة حياة الدولة المجتمع كما يحدث في سائر دول العالم، تمت صياغة دستور مهلهل وملغوم ومشروط بأكثر من فيتو ذي طابع ومضامين طائفية وعرقية من قبل ممثلي أحزاب دينية وطائفية ثم شرعوا يشتقون قوانين من هذا الدستور وهذا عبث لا طائل تحته يوضحه القول السائر : كل ما قام على باطلٍ باطلٌ!

إن ما حاولت، وتحاول قيادات الأحزاب الدينية والطائفية فعله في العراق هو التالي:

صياغة دستور من قبل حزبيين طائفيين وعرقيين عينهم احتلال أجنبي في مجلس حكم يديره المحتل، دستور مفصل حسب قياسات هذه الأحزاب، ومنه تشتق قوانين مفصلة حسب القياسات نفسها.

أما ما حدث ويحدث في الدول التي اختارت النموذج الديموقراطي الحقيقي في كل أنحاء العالم فهو التالي:

أن تتم صياغة دستور دقيق ومبسط وخال من التعقيدات يراعي واقع المجتمع المعني، سواء إن كان وحيد التكوين المجتمعي أو تعددي ومتنوع، وتتم الصياغة من قبل خبراء دستوريين مهنيين تكلفهم أو تنتخبهم جمعية تأسيسية منتخبة أو ناتجة عن ثورة أو حراك مجتمعي لتقوم الأحزاب السياسية في البلاد بعد أن تتم المصادقة الشعبية والنيابية عليه بتحوير أو تغيير برامجها السياسية وفق هذا الدستور أو أن تحل نفسها وتعيد تأسيسها وفق ما يمليه هذا الدستور.

إن الدستور العراقي الحالي الذي كتب في ليلة ظلماء ومن قبل ممثلي أحزاب دينية وطائفية وممثلي طوائف ومكونات لا يعطي إلا قانون أحزاب كسيحا كهذا الذي سيصادق عليه البرلمان الفاسد. وأن قانون أحزاب يسمح لأحزاب دينية وطائفية وقومية متطرفة ولا يفرق بينها وبين الأحزاب السياسية ذات المرجعيات الثقافية والأخلاقية الدينية العامة والمعترفة بعلمانية وحياد الدولة لا يساوي قيمة الورق التي سيكتب عليه ولن تكون له وظيفة أخرى غير إضفاء الشرعية الدستورية على الأحزاب الفاسدة المسيطرة على الحكم اليوم.

ينبغي إعادة كتابة الدستور من قبل خبراء دستوريين مهنيين تنتخبهم أو تعينهم جمعية تأسيسية يتم بعد ذلك صياغة قوانين منها قانون أحزاب جديد يجتث وإلى الأبد جذور الخراب والدمار الطائفي الذي يدمر العراق.

ولكي نعطي لكلامنا هذا صورة تطبيقية توضيحية نقول : ليس صحيحا أن تتولى حكومة وبرلمان مؤلفان من أحزاب سياسية كحزب الدعوة والإخوان المسلمين "الحزب الإسلامي" والتيار الصدري والمجلس الأعلى والأحزاب القومية الكردية الصياغة والمصادقة على قانون الأحزاب بل المطلوب أن يحدد هذا القانون موقف الدولة من هكذا أحزاب دمرت العراق، وعلى جميع الأحزاب السياسية إما أن تقوم بإعادة تأسيس نفسها كما يقتضي الدستور وقانون الأحزاب أو أن تختفي من الساحة. هذا هو التحدي الحقيقي أمام العراق والعراقيين وما تحاول أحزاب الفساد فعله اليوم هو مهزلة المهازل ولن يكون مصيرها مختلفا عن مصير نظام حكم المحاصصة الطائفية المأزوم والمختنق اليوم برمته.

 

علاء اللامي: كاتب وباحث عراقي

في المثقف اليوم