تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

آراء

الغباء الاستراتيجي في ادارة الدولة العراقية الراهنة

raed jabarkhadomليس من الممكن ان تسير عجلة دون ان تعرف الى اين تسير وكيف ومتى ولماذا، ومن المستحيل ان تسير دول وشعوب ومجتمعات وافراد دون وجود رؤية او مسار وبوصلة تحدد لها مسارها وخطوات عملها وخارطة طريق ترشدها لغاياتها التي تنشدها، واستراتيجية ترسم لها بنيتها الفكرية والسياسية والاقتصادية والحياتية، سواء في العاجل من الايام او في آجلها، وغياب ذلك في أي بلد من البلدان وفي أي ميدان كان، يعني انهيار ذلك البلد ودماره وموته تماماً، لأن عماد الامم والشعوب والمجتمعات وبقاؤها يقوم على وضع خطط استراتيجية تحدد مسارها ومسيرتها في هذا الوجود.

ان الدول والشعوب المتقدمة تضع الخطط والبرامج والمشاريع الاستراتيجية نصب اعيُنها، وتسعى لتطبيقها وفق منهج علمي وعملي سليم، ولكن الدول والشعوب المتخلفة تفتقر لمثل هذه الخطط والاستراتيجيات، وهذا ما يؤدي الى تخلفها وتأخرها وركودها عكس الدول المتقدمة، وبالتالي تنعكس نتائج الامور على بنية الدول والجتمعات والافراد بحسب خططها وتخطيطها وبرامجها ومشاريعها الاستراتيجية الموضوعة، والتطبيق السليم والعلمي لها، فعالمنا اليوم يتميز عن السابق تميزاً كبيراً بقواعد تفكيره وطريقة مسيره وخطط برامجه المرسومة وفق بنى علمية كبيرة، وبالتالي انتج ذلك احد العلوم المهمة والكبيرة الا وهو (علم المستقبليات) هذا العلم الذي به يتحدد رقي الامم والشعوب او تخلفها، ولكن اين نحن اليوم من هذا العلم، وما مدى استفادتنا منه والعمل به لخلق بيئة سياسية واقتصادية واجتماعية وعلمية سليمة وصالحة، دون اللجوء الى الحلول السريعة والمستعجلة والتي تتسم بالشخصنة والغلو الفردي والحزبي والطائفي في اتخاذ القرار وتحريك عجلة البلد.

ان الحكومات الصالحة منها او الطالحة تضع الخطط والاهداف نصب اعيُنها، للعمل بها والسير عليها، وقد يستغرب البعض من قول ان للحكومات الطالحة خطط وبرامج استراتيجية، نعم ان الخطط والبرامج الاستراتيجية لها اهداف وغايات صالحة او طالحة، بحسب بنية ونية صانعيها والمؤسسين لها او من يدعون لها، وتقف وراء ذلك اليوم مراكز بحوث ودراسات سياسية واقتصادية وعلمية جبارة لغرض وضع الخطط والبرامج الاستراتيجية، سواء لغرض تطبيقها في بلدانهم او للهيمنة والسيطرة على العالم واستغلال ونهب ثرواته، او لبيعها الى الآخرين كأفكار جاهزة لمن يدفع ثمنها الباهض.

والسؤال الكبير الذي نود طرحه ومناقشته هنا ما هو حجم استفادة الحكومة العراقية الراهنة من الخطط والبرامج التنموية، وهل من سياسة استراتيجية، واستراتيجية سياسية واقتصادية واجتماعية وتنموية تعتمدها الحكومة في ادارة شؤونها، سواء في اوقات الرخاء او الشدة، في السلم او الحرب، في الانتعاش او الازمات ؟.

ان الناظر الى سياسة الدولة العراقية وحكوماتها المتعاقبة ما بعد 2003 يرى ان الهيمنة الحزبية هي المسيطرة وهي الصانعة للقرار، سواء بصورة التفرد، او بصورة التوافق السياسي بين الاحزاب، بصورة التفاهمات والاتفاقات السرية او المعلنة التي تنعقد تحت مباديء مصلحية، ( مصلحتي اولاً ) بقدر ما يستفيده رئيس الحزب او جماعته من مكاسب لقاء الاتفاقات الحاصلة فيما بينهم، ومن يدفع ويعطي اكثر للحزب او الجماعة يتًحالف معه ويتم الاتفاق، والاحزاب التي لا تدفع تكون هي الخاسر الاكبر في العملية السياسية، وبذلك نشأت احزاب كبرى (حيتان) واحزاب صغرى، اما ان تكون هذه طعماً للاحزاب الكبرى او تتحالف معها، لغرض تحقيق الربح والنفع والفائدة الكبرى من صفقاتها السياسية المبرمة.

هذه هي الطريقة والاسلوب والمنهج الذي تدار به سياسة الدولة العراقية الديمقراطية الجديدة بتنوع احزابها وتياراتها السياسية والدينية والايدولوجية، وهي سياسة مصلحة الحزب اولاً والمصلحة الشخصية الفجة، اما مصلحة البلد والشعب واصلاح واقعه وتحسين حياته واعداد مستقبله العاجل او الآجل منه، فهو امر غائب عن سياسة الدولة وبرامجها وخططها منذ تأسيسها ما بعد 2003، لانها صيغت وفق اسس منظمة ومصممة في غرف ومطابخ اجنبية لا تمت بصلة لواقعنا وليست منه في شيء، لقد تم تأسيس سياسة الدولة العراقية الديمقراطية الجديدة حسب مقاسات مَن اسسها وصنعها، وتم تدريسها وتدريبها ووضعها في عقول من اتًي بهم من سياسين واحزاب وافراد عاشوا بالقرب من اصحاب القرار وصناع استراتيجية الدولة العراقية الجديدة، القائمة على هيمنة الاحزاب وتفردها وعبوديتها المطلقة للدول المؤسسة لسياسيها والتي فرضت عليها حركتها وكيفية ادارة امورها. ولذلك ترى ان الدولة العراقية اليوم ممزقة شر ممزق، وكل حزب بما لديهم فرحون، بما لديهم من خطط وبرامج واموال ورجال وسند، يهدد بها بعضهم بعضاً، ويضرب بعضهم بعضاً، وهذا الحال قد انعكس سلباً على واقع الفرد والمجتمع العراقي، الواقع المُدمر الذي اصابه الخراب والفساد والانحراف من جراء سياسات الاحزاب، وتدخل دول الجوار والدول الاجنبية في صناعة القرار وفي ادارة الدولة وما انتجته تلك السياسات الخاطئة من حروب وويلات وازمات يمر بها البلد اليوم ما لا يحمد عقباه، فالبلاد قد غرقت بالحروب منذ 1980 ولم نشهد الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والحياتي الى يومنا هذا، وذلك بسبب تلك السياسات الطائشة والمهيمنة من الداخل او الخارج، وبسبب غياب الهوية الوطنية والمواطنة، والانقسام الطائفي والحزبي والاجتماعي الحاصل في بنية المجتمع العراقي، وسيطرة جماعة على جماعة، وهيمنة فئة على فئة، واحتكار القرارات من قبل حزب عى حزب، وصعود طبقة على حساب طبقات، وغياب الخطط والبرامج التنموية والاستراتيجية الكبرى في ادارة البلاد، وبالتالي اليوم نعيش وفق هذه السياسات البائسة التي اودت بنا الى هذا الحال، فحالنا اليوم لا يسر صديق ولكنه يسر عدونا، ويعمل هذا العدوعلى الايقاع بنا بما اوتي من قوة ومال وايدولوجيات منحرفة لا تريد بنا خيراً، وهذا الامر قائم منذ سنين طوال مضت وسيبقى قائماً بيننا حتى نتحد ونتكاتف ونتحدى عدونا المتربص بنا سوءا كي نطيح به وندحره.

اننا نتعرض اليوم الى محن ومصائب وويلات وازمات شديدة تعصف بنا من كل جانب، وذئاب الدار والجوار تنهش بنا وتأكلنا وتقتلنا ولم يبق لنا من باقية، وقد مكنهم اخواننا في هذا البلد منا واعانهم على ذلك، فبئس القوم انتم وبئس الاخوة يامن تمكننون اعداؤنا منا لتقبضون ثمن ذلك، مهما علا ثمنكم هذا في بيع وقتل ونهب ابناء شعبكم وبلدكم فهو يظل ثمن بخس، وسيعود بلدي الى سالف عهده قوي متكاتف وموحد بهمة اهله ليقتص منكم ما فعلتموه جزاء خيانتكم العظمى وفعلكم العار الذي فعلتموه.  

ان الدولة العراقية الراهنة، عرجاء عمياء صلعاء، لا تغني ولا تسمن من جوع، لا تمتلك من خبرة وخطط ومشاريع استثمارية وتنموية في ادارة البلاد، بقصد منها او دون قصد، ومآل امورنا الى المزيد من الكوارث والازمات والمحن ما لم تثبت وجودها الحقيقي وتغير من سياستها وادرتها في قيادة البلاد، وترسم الخطط وتعد البرامج الاستراتيجية الفاعلة والمثمرة والجادة لانقاذ البلاد من كل ذلك، فنحن لا نحتاج الى نوايا صادقة فحسب، بل ونحتاج الى فعل صادق وحقيقي وجاد ايضاً، كي تثبتوا للمواطن انكم قادة وزعماء تملكون من الاصلاح شيء وتفقهون معناه، اما بهذه الخطى الهزيلة والدور الضعيف والخطط الغبية فلا نضمن اننا سنلمس منكم أي اصلاح وتغيير وتحسين لواقع الفرد والمجتمع العراقي الراهن، ومآل امورنا الى خراب ودمار وحروب ودماء وعنف وكراهية اكثر واكبر ستأكل الاخضر واليابس لا سمح الله . ويبقى السؤال قائماً الى متى يمُارس هذا الغباء الاستراتيجي في ادراة الدولة العراقية االراهنة، فهل من مجيب؟.                

  

د. رائد جبار كاظم

                    

في المثقف اليوم