آراء

وصم العراقيين بـ"غريزة القطيع"على طريق التطبيع مع الصهاينة!

alaa allamiموجة مفاجئة ومشبوهة من الحنان والتعاطف مع "اليهود العراقيين" تجتاح عدة أطراف وأشخاص في الوسط الثقافي والإعلامي العراقي وتتخذ من أبواق معروفة بميولها ويتمويلها كفضائية المدى لصاحبها "شريف روما" التي تسوق الموضوع بنوع من الإلحاح والتفاهة الخارقتين للمألوف وجريدة "العالم" التي تنشر بين الحين والآخر مواد ذات ميول وأغراض تطبيعية مع دولة العدو الإسرائيلي كنا قد تصدينا لأمثلة منها في مناسبات سابقة.

لنسجل أولا، أن هذه الموجة مفتعلة و سطحية وذات توقيت مريب، ولها أغراض سياسية قد لا تخرج عن إطار التطبيع مع العدو الصهيوني تمهيدا لفتح سفاراته وقنصلياته في العراق وخصوصا في الإقليم، وثانيا لم يبقَ من العراقيين اليهود أو " من الطائفة الموسوية" كما تعرف في العراق، إلا عائلتان تعيشان بشكل طبيعي شأنهما شأن الأسر العراقية الأخرى، ما يعني أن حملة (التضامن مع اليهود في العراق) هي مجرد فقاعة لا قيمة لها، وثالثا، أن كاتب السطور وغيره كثيرين دافعوا مرارا وتكرارا طوال السنين الماضية عن ضحايا إسرائيل من يهود العراق و عن مواطنيتهم العراقية العريقة، وكتبوا عن إنجازاتهم الأدبية والفنية والاقتصادية، وطالبوا بمعاملتهم بشكل منصف وعادل، في حين سكت الآخرون عن ذلك سكوتا مطبقا، فلماذا يقترن "الدفاع عن اليهود العراقيين" اليوم بذم وهجاء العراقيين عموماً كشعب واعتبارهم "قطيعا من الحيوانات تحركه الغريزة الأنانية" وفق آخر ما كتبه برهان شاوي في جريدة" العالم" حول هذا الموضوع بعنوان "غريزة القطيع"؟

إن الكاتب، وبعد مقدمة نافلة، يستشهد فيها بكاتب أجنبي هو عالم الأحياء هاملتون و مقالته المعنونة "هندسة القطيع الأناني" يشارك في هذه الموجة " الحُنَيِّنَة" جدا للتضامن مع اليهود مسجلا الحكم الباتر التالي ( في حياتنا الاجتماعية العراقية هناك أمثلة كثيرة عن غريزة القطيع.. وفي تاريخ العراق الحديث تجلى ذلك في فترة (الفرهود) التي مورست ضد اليهود. أو في سحل أعضاء من الحكومة الملكية في شوارع بغداد..) كما يورد أمثلة أخرى منها "تصفيق العراقيين لنظام صدام ثم لمن أسقط نظام صدام و للحكام الجدد" خالطا عن عمد أو عن جهل أو عن كليهما بين نشاط يقوم به جمهور متحزب محدود ضمن أعمال التعبئة الحزبية ونشاطات مجموعات الجواسيس التابعين لمخابرات الغزاة الأجانب و البروباغندا المليشياوية والحكومية وبين نشاطات عامة وحياة شاسعة لشعب أو أمة بكاملها!  

من الواضح أن الكاتب، لم يتعب نفسه قليلا و يقرأ أي مصادر أخرى تخالف قناعاته حول موضوع " الفرهود" ومنها مصادر إسرائيلية اعترفت بأن تهجير اليهود كان خطة نفذها بضعة عملاء للموساد بقيادة شلومو هليل و عضوية يهودا تاجر والبريطاني روبرت دوني/ عرض لكتاب الأستاذ في جامعة إكسفورد، عباس شبلاق، عن يهود العراق والمعنون "هجرة أم تهجير: ظروف وملابسات هجرة يهود العراق" جريدة الشرق الأوسط 30/مايو/2015، قاموا بتفجيرات إجرامية استهدفت اليهود العراقيين. ومعروف أن اليهود العراقيين أنفسهم رفضوا الهجرة من بلادهم في البداية، ثم اضطروا الى ذلك بعد ضغوطات وتفجيرات عملاء الموساد الإسرائيلي و تسهيلات مريبة قدمتها الحكومة الملكية العراقية التابعة لبريطانيا. أما بخصوص "الفرهود" أي سلب ممتلكات اليهود، وهي العملية المدانة والتي قام بها مئات الأشخاص في بغداد من الناقمين والجهلة والمضللين فلا يمكن اعتبارها دليلا على أن العراقيين أو البغداديين تصرفوا وفق ما يسميه شاوي غريزة القطيع، بل كانت رد فعل محدود ومدان ينبغي أن يؤخذ في ظروفه التاريخية وسياقه الخاص والذي شهد جريمة سلب فلسطين وتشريد شعبها في مخيمات اللجوء حتى اليوم، و أيضا ضمن ظروف وملابسات الإجهاض الدموي الذي قامت به القوات البريطانية لانقلاب عسكري وطني حدث في العراق "نقصد انقلاب رشيد عالي الكيلاني" وحملة الإعدامات التي تبعته بحق قادته. وعموما، فلست في معرض تبرير تلك الجريمة، بل في معرض وضعها في سياقها وظروفها الحقيقية وفضح الأباطيل والأغراض المشينة التي حدت بالبعض هذه الأيام لنبش هذا الملف والتباكي على اليهود العراقيين والإساءة للعراقيين كشعب و وصفهم بأوصاف أقل ما يقال عنها أنها ساذجة و"فطيرة" !

أما بخصوص المثال الآخر الذي ساقه الكاتب للتدليل على "قطيعية العراقيين" وغرائزيتهم الحيوانية فهو (سحل أعضاء من الحكومة الملكية في شوارع بغداد) وقد أدينت هذه الممارسة من قبل الكثيرين من الكتاب العراقيين الرصينين والمنصفين ولكن دون تعميمات قدحية بحق الشعب العراقي برمته.

السؤال المهم الذي يمكن أن يوجه لهذا الكاتب ومن في رهطه في "المدى" و"العالم" هو: لماذا لم تحتسبوا ممارسات الشرطة والقوات الملكية الهاشمية و القوات البريطانية الغازية التي قتلت مئات بل وآلاف العراقيين في الفرات والأوسط وشمال العراق/ كردستان وبغداد ذاتها في الانتفاضة السلمية / وثبة كانون 1948 و مجزرة الجسر التي ارتكبت خلالها، لِـمَ لم يحتسبوا كل هذا على مَلاك ظاهرة "غريزة القطيع الأنانية" ؟ أم أن الملكيين وأسيادهم البريطانيين هم من فصيلة "الأسياد ذوي الدم الأزرق النبيل" ولا يجوز نعتهم بالقطيع الغرائزي كالعراقيين !؟

 

علاء اللامي  

*كاتب عراقي

................................

روابط ذات صلة بالمقالة:

رابط مقالة برهان شاوي:

http://alaalem.com/index.php?aa=news&id22=34530

رابط عرض كتاب عباس شبلاق في الشرق الأوسط

http://aawsat.com/home/article/372596/%D9%8A%D9%87%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%AC%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%87%D8%AC%D9%8A%D8%B1

 

 

في المثقف اليوم