آراء

اللاجئون فرصة المستقبل

khadom almosawiحين تقول المستشارة الالمانية انجيلا ميركل بمناسبة احتفالها بأعياد رأس السنة الميلادية عن اللاجئين القادمين الى بلادها كفرصة للمستقبل، فهذا يعني بوضوح مدى الحاجة الفعلية لبلادها لأيد عاملة تدير عجلة اقتصاد البلاد وتطورها. ويعبر التصريح المختصر عن ان اللغط والصراخ حول الازمة والتدفق وغيرها كان للاستهلاك والتغطية والرد المبطن على ما يمكن ان تحاسب عليه هي والحكومات الاوروبية التي لها يد فيما وراء الاسباب الاخرى التي دفعت هذه الجموع للهجرة واللجوء الى اوروبا. فرصة المستقبل ليست كلاما منثورا انها مفردات لها معانيها الفعلية في اوروبا خصوصا ومصيرها التاريخي. فعلى مدار الزمن وفي كل حولياته تقدم مراكز الابحاث الاوروبية اوراقا وتوصيات عن تلك الحاجة الضرورية لديمومة اوروبا بشريا وما يتبعها من مستلزمات اخرى عبر هذا التعويض البشري المجاني لها. فلماذا اذا كل تلك الضجة الاعلامية والصراخ الغربي والعنصري ضد اللاجئين والمهاجرين الى الغرب عموما؟!.

قبل الاجابة او البحث فيها، لابد من ذكر ان قضية اللجوء والهجرة التي اجتاحت العالم في الاعوام الاخيرة هي ليست جديدة وإنها تعكس الاوضاع التي تنطلق منها وتقدم اسبابها التي تشترك فيها عوامل كثيرة من ابرزها ما تتحمل مسؤوليته حكومات الغرب ذاتها، لاسيما ما يجري في البلدان العربية والإسلامية والإفريقية التي تشتعل فيها نيران الحروب والصراعات الداخلية والأهلية والتي تقصفها تحالفات الحكومات الغربية وخدمها وتجرب فيها صناعاتها العسكرية القاتلة والمحرمة والممنوعة قانونيا، مصحوبة بدعم حكومات في المناطق المشتعلة والساخنة بما تملك من المال والنفط والقواعد العسكرية ومخازن السلاح والعتاد والرجال ايضا. هذه كلها تقود الى ما يصير مشهدا صارخا مدعوما بآلة الاعلام والتقنية الاعلامية التي تبث على مدار الساعة صور السيول البشرية ومجموعات الغرقى والموتى في البحار او في البراري والغابات المسيجة على الحدود والقرارات والاجتماعات والمؤتمرات المخادعة ودموع التماسيح المفضوحة. هذا الكلام الالماني رد صريح عليها وتعرية كاملة بلا رتوش او مسوغات اخرى.

بدأ تزايد عدد المهاجرين عام 2014، حسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لماذا هذا التاريخ ومن وضعه او سجله عنوانا؟. ومن رتب ويجب ان يتحمل المسؤولية عنه؟ وقد وصل أكثر من مليون لاجئ ومهاجر إلى أوروبا بحرا، منذ بداية عام 2015، دخل 80 في المائة منهم عبر اليونان، وأغلبهم من جزيرة لبسوس. من سهل لهم الطريق؟ وهو يعرف ان اغلبيتهم قدم من تركيا (844 ألف منهم)، أما البقية فقد عبروا البحر الأبيض المتوسط من ليبيا ومصر ثم إيطاليا. فهل هذه الارقام والأعداد حسابية فقط؟. واعتبرت المفوضية أزمة المهاجرين هذه الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية. وتناقلتها وسائل الاعلام كغيرها، بل زادت عليها الصور المنقولة عنها او من فترات غيرها وأضاف لها مرتزقة الاعلام تلوينات وتعليقات اخرى تصب كلها في الغاء الابعاد الانسانية والدفع في جعلها ازمة بسبب واحد دون التفكير بكل ما احاط ويحيط بها.

جاء في موقع مفوضية الأمم المتحدة على الانترنت أن "عددا متزايدا من المهاجرين يجازفون بحياتهم على قوارب مهترئة، للوصول إلى أوروبا". ويشرح الموقع أن "أغلبية اللاجئين يغامرون بحياتهم لأنهم بحاجة إلى حماية دولية، أو هاربون من الحرب، والعنف والقمع في بلادهم". ويمثل السوريون 49 في المائة من اللاجئين، وما نسبته 21 في المائة فتأتي من أفغانستان وما تبقى من بلدان مختلفة اسيوية وافريقية وحتى اوروبية شرقية. أما عدد الضحايا الذين غرقوا أو فقدوا فهو 3735 شخصا في عام واحد، والأعداد لم تتوقف، لا في الهجرة ولا في الموت.

كم استغل موضوع اللاجئين اعلاميا ودوليا؟ ومن تحدث عنه، في الاغلب ابتعد عن الاسباب الكامنة وراءه، ولم تكن التعبيرات التي وصف بها في عمومها تتطابق مع قسوة ومأساة ما حصل ويجري امام الجميع. التصريحات الاوروبية المتأخرة تقدم بعض اجوبة ناقصة عما حصل وحدث. انطونيو غوترز، رئيس مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة صرح إن جذور أزمة الهجرة في أوروبا ترجع إلى فشل الدبلوماسية. وقال - وهو يتنحى عن منصبه بعد عشر سنوات من العمل - لبي بي سي إن المجتمع الدولي فقد كثيرا من قدرته على منع الصراعات، وحلها في الوقت المناسب. ودعا غوترز إلى دفعة دبلوماسية من أجل السلام. وحذر من أن نظام اللجوء في أوروبا يواجه خطرا جديا بالانهيار. وقال إن التمويل الطوعي للمناشدات الإنسانية غير كاف، وينبغي أن يحل محله نظام عادل قابل للتنبؤ بما يحدث، تساهم فيه كل البلدان. كلام المسؤول الاممي قبل تنحيه لا يعبر عن حلول ولا يضيف كثيرا، ولكنه بأي اعتبار توصيف لبعض ما احاط بالمعاناة التي شاهدها بنفسه وراقبها بحكم وظيفته. وهي في كل الاحوال مأساة انسانية.

ورد في اغلب التحليل السياسي، اضافة لادوار الحكومات الاوروبية وحليفاتها الداعمة لها، تسجيلا الى الدور التركي خصوصا، وما له من اثر في المشهد وما خطط له واستثمره الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته للضغط على الاتحاد الأوروبي في فتح الحدود وتهريب اعداد كبيرة من اللاجئين، والسعي للتهرب من القضايا التي تتعلق بانتهاكات حقوق الانسان في تركيا، مع العمل على اعادة محادثات انضمام تركيا للاتحاد (!)، إلا أن تقارير اخرى أكدت تعرض اللاجئين إلى سوء المعاملة والاستغلال السياسي. وتشير تقارير إلى أن الحكومة التركية استفادت ماليا من الاتحاد الأوروبي بما يتعلق بأعداد اللاجئين السوريين، وغيرهم، والإنكار المتواصل لدورها في تعميق المشاكل والأزمات في المنطقة وصب الزيت على نيرانها المشتعلة.

هذا غيض من فيض ما يتكشف بعد كل ما حصل وما جرى. فكل من اسهم في المأساة يبحث عن فرصته ومصالحه، ولكن من يعيد الضحايا لأهاليهم او يتذكرهم بعد الان؟!

 

كاظم الموسوي

في المثقف اليوم