تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

آراء

بروميثيوس والحكومة العراقية

raid jabarkhadomهناك فرق كبير بين ما فعله بروميثيوس(*)، وبين ما تقوم به الحكومة العراقية تجاه شعبها، لقد قام برومثيوس، كما تروي الاساطير اليونانية القديمة، بأفعال وخدمات جليلة وقيمة تجاه البشر، وقد تفانى في حبهم وشغف حباً وعشقاً بهم، وأخلص في خدمتهم، وتحمل اشد العذاب والآلام من اجل اخلاصه وخدمته وحبه للبشر، وقد عُرف في الاساطير القديمة بأنه (سارق النار)، لأنه بعد ان قدم كل ما يستطيع تقديمه للبشر الذين كُلف بخلقهم، من خير وهناء ومحبة وعلم ومعرفة، وأراد لهم ان يكونوا بأفضل حال ودون حاجة لأي نقص او نعمة، لأنه مكلف بخلق البشر والسهر على راحتهم وخدمتهم، وقد أسرف وبالغ بروميثيوس في مداراته للبشر والسهر على تقديم افضل ما يحتاجون أليه في حياتهم، ومن حبه العميق والجنوني للبشر أنه رأى مجموعة منهم محرومون من الدفء والأمن والاستقرار، فقرر أن يحضر لهم النيران التى تدفئهم وتأنسهم بنورها، وقد تحمل عناء ذلك ومشقته، الأمر الذي جعله يذهب لجلب النار وسرقتها من الآلهة، من أجل ان يستأنس بها الانسان وأن يمارس حياته بصورة اكثر كمالاً وأستقراراً، ولكنه عوقب من قبل الآلهة أشد العقاب بأن حُكم عليه بالقيد والعذاب والسجن المؤبد في أعالي الجبال، مدى الحياة، وكان كل صباح يأتيه نسر عملاق ينهش كبده، الذى يعود لينمو من جديد في المساء ليستمر عقاب بروميثيوس الأبدى. وكان بروميثيوس يتلقى عقابه متماسكاً سعيداً، لأن البشر يعيشون حياه سعيدة، ولكونه بعيد النظر وقادر على التنبؤ، فقد كان يعلم أنه سيأتى أحد الأبطال من أبناء الآلهة ويخلصه من عذابه. وكان يرى أيضاً أنه سيأتى من نسل زيوس من يقتله ويتولى الحكم من بعده، لتكون نهاية زيوس المتجبر. وهذا ما حصل بالفعل على يد هرقل البطل، الذي أنقذ برومثيوس من سجنه وقيوده وعذاباته، منتصراً للحق والخير والفضيلة.        

تلك هي وقفة برومثيوس المشرفة تاريخياً، فقد عُرف بأنه سارق النار، من أجل خدمة البشر وتقدمهم واحيائهم وتحقيق كامل راحتهم وسلامتهم، فهل وقفت الحكومة العراقية موقفاً مشرفاً وفاضلاً ونيراً تجاه شعبها العراقي، المحروم والمأزوم، وأن تكون نظرتها ثاقبة وحكيمة وأستراتيجية ورحيمة، وتقدم لشعبها كما قدم برومثيوس للبشر، من خير وأمن وأمان وعدل وأحسان ورحمة وغفران، أم أنها ستكون معاقبة للشعب ومنتقمة منه كما عاقب زيوس برومثيوس؟ لا اعرف أي الادوار ستلعب الحكومة العراقية، دور برومثيوس العادل، صوت الحق والرحمة والشفقة، أم صوت زيوس، صوت الظلم والحقد والكراهية؟

أعتقد أن الحكومة العراقية ذات وعي ودراية ونظرة بعيدة جداً، أكبر من رؤية بروميثيوس، كما أنها لم تكن غبية كغباء زيوس لتكلف احداً بعمل بالنيابة عنها، أنها تمارس عملها بنفسها كي لا يفُتضح امرها ويكُشف سرها ويهُتك سترها، انها هنا زيوس بصورة برومثيوس، لقد سرقت النار بمعية النفط لتحرق به الشعب العراقي وتنتقم منه شر أنتقام، هذا اولاً، وثانياً سرقت قوت وميزانية وتعب الشعب العراقي وأحالته الى فقر مدقع. وثالثاً أنها لم تترك له أملاً في الخلاص من حالته ووضعه المأسوي، وتحاول قتل كل بطلٍ ومحررٍ ومنقذٍ يخرج لأنقاذ الشعب العراقي من مأساته وهمومه وازمته الخانقة القاتلة. أنها ذلك النسر الذي يأكل بأكبادنا وأرواحنا وأولادنا وحياتنا كل يوم، دون رحمة او شفقة او حرمة. فأنهم لم يبقوا لنا نفطاً الا شفطوه، ولا فلساً الا لفطوه، ولا نوراً الا أطفوه، ولا مكاناً الا حرقوه، ولا عزاً الا سرقوه، ولا فرحاً الا ادموه، أنهم احالوا حياتنا جحيماً، وبلدنا سجناً وخيماً، لا يرعون حرمة ولا ذمة.

لقد تكالب علينا يابرومثيوس كل طغاة العالم وجبابرته، ليدمروا بلدنا الجميل ويفتكوا به، وأرسلوا عليه جيشاً أبابيل، ترميه بحقارةٍ من سجيل، وجعلوا بلدي كعصف مأكول، في مهب الريح، وأنت مقيد تنظر ألينا، الى حالنا وواقعنا وحياتنا وأهلينا، أينك يا برومثيوس، أين هرقل، ليمسخ كل هؤلاء الخونة ويحيلهم قروداً وخنازيراً وحميراً وبغالاً، ننتفع بالحمل عليهم، وأن كانوا هم الآن قروداً وخنازيراً وحميراً وبغالاً، ينتفعون بنا ويحملون علينا، ونكون حطباً لنارهم، ووقوداً لمآربهم، نحن مستعدون أن نكون حطباً ووقوداً للخلاص منهم وزوالهم وأجتثاثهم من الوجود برمته، وأملنا فيك يا برومثيوس ان تعيد لنا الأمل والحياة والأمن والأمان والاستقرار على هذه الأرض، وأن تمنحنا السلام والوئام والرحمة والاطمئنان، لأنك انت من علمتنا كل ذلك وزرعته فينا، وعلمتنا كيف نقاوم كل ظالم، وأن نواجه كل طاغي، مهما استطال البلاء ومهما أستبد الألم.

 

د. رائد جبار كاظم

............................

(*) كان بروميثيوس واحد من حكماء التايتن. كان أسمه يعنى بعيد النظر وقد كان يملك المقدره على التنبؤ بالمستقبل . عهد زيوس إلى بروميثيوس وأخيه ابيمثيوس تشكيل الحيوانات والبشر .قام ابيمثيوس بتشكيل الحيوانات بينما شكل بروميثيوس البشر، أنهى ابيمثيوس الحيوانات بسرعه بينما استغرق بروميثيوس الكثير من الوقت بالرغم من رغبة بروميثوس اتقان تشكيل البشر إلا أن بطئه الشديد جعل أخيه يستهلك كل الموارد المتاحه في تشكيل الحيوانات : السرعة في العدو ، الرؤيه عن بعد ، السمع عن مسافات بعيده كما أعطاهم رداء من الفراء ليدفئهم من البرد، ومختلف الأسلحه للدفاع عن نفسها مثل القرون والأنياب ولم يبق شئ للأنسان .

أشفق بروميثيوس على البشر ولجأ إلى زيوس طالباً مساعدته فقد هام بروميثوس حباً بالبشر أكثر مما توقع زيوس الذي لم يشاركه في حبه للبشر ، بل كان يريدهم أن يكونوا ضعفاء خائفين حتى لا يمتلكوا القوة التى تمكنهم من تحديه في أحد الأيام .كان زيوس يرى أن المعرفة والمهارات والمواهب لن تجلب الا الشقاء للبشر الفانين ، ولكن بروميثيوس كان له رأى أخر وفضل البشر على ملكه المجنون بالسلطه والعظمه ، أعطى بروميثيوس البشر العديد من العطايا والهبات التى سرقها من آلهة الأولمب هيفاستوس وأثينا وغيرهم فأعطاهم فنون العمارة والبناء، النجارة، أستخراج المعادن، علم الفلك، تحديد الفصول، الأرقام والحروف الهجائيه، كما علمهم كيفية أستئناس حيوانات ابيمثيوس وركوبها والأبحار بالسفن ، كما أعطاهم موهبة التداوى والشفاء.

غضب زيوس من بروميثيوس غضباً شديداً ورأي انه بالغ في شأن البشر ولكنه لم يعاقبه وأكتفى بتحذيره . لم يكتفى بروميثيوس بتشكيل البشر بكل تلك الهبات بل قام بسرقة النار من جبل الأولمب وأعطاء قبس منها للبشر فقد حزن بروميثيوس لرؤية البشر في برد الشتاء محرومون من الدفء والأمن فقرر أن يحضر لهم النيران التى تدفئهم وتأنسهم بنورها ، ذهب بروميثيوس إلى هيفاستوس في جبل الأولمب سراً حتى لا يفتضح أمره لزيوس ، أخذ يبحث بين الكهوف والمغارات عن مقر هيفاستوس وفجأه شق الظلام شراره من النار ووجد برميثيوس نفسه أمام البوابه الضخمة لمقر أله الحداده هيفاستوس (المكلف بصناعة الأسلحه والدروع للآلهه وفوق ذلك صنع صواعق زيوس) . وبينما هيفاستوس منشغل بعمله استطاع بروميثيوس أن يسرق أحد صواعق زيوس وأخفاها داخل عصا مجوفه صنعها من النباتات ثم اعطي قبس منها للبشر، تعلم البشر كيف يقتلوا الحيوانات ويطهون لحومها، تصاعدت رائحة الشواء إلى الأولمب وعلم زيوس بخيانة بروميثيوس وسرقته للنار ورأى ان البشر لن يدينون له الولاء المناسب اذا غرقوا في النعم فقدم بروميثيوس له عرضاً دليل على الولاء ، عرض عليه أن يقاسم البشر لحومهم الشهيه مقابل أن يسمح لهم الأحتفاظ بالنار.قام بروميثيوس المشهور بالدهاء والمكر بتقديم قربانبن إلى زيوس وآلهة الأولمب. كان القربانين أحداهم عباره عن قطع من اللحم الطازجه هي عباره عن كل ما يؤكل في الثور مخبأه داخل الامعاء (شئ طاهر زكي في صوره كريهه)، والقربان الأخر كان عباره عن عظام ثور ملفوفه في دهن وشحم براق (شئ كريه في صوره مبهره). خدع زيوس وأختار القربان الثانى للآلهه وبذلك أستطاع البشر الأحتفاظ باللحم لنفسهم وحرق العظام بعد كسيها بالدهن كقربان للآلهه . غضب زيوس لذلك غضباً شديداً أهتز له جبل الأولمب، وقرر عقاب بروميثيوس على الأثم الذى أرتكبه في حق سادة الأولمب. أستدعى هيفاستوس وطلب منه أن يصنع سلاسل قويه حتى يقيد بها بروميثيوس على صخره في جبال القوقاز . وكان كل صباح يأتيه نسر عملاق يدعى اثون ينهش كبده، الذى يعود لينمو من جديد في المساء ليستمر عقاب بروميثيوس الأبدى .كان بروميثيوس يتلقى عقابه متماسكاً سعيداً لأن البشر يعيشون حياه سعيده، ولكونه بعيد النظر وقادر على التنبؤ، فقد كان يعلم أنه سيأتى أحد الأبطال من أبناء الآلهة ويخلصه من عذابه . وكان يرى أيضاً أنه سيأتى من نسل زيوس من يقتله ويتولى الحكم من بعده، لتكون نهاية زيوس المتجبر. وهذا ما حصل بالفعل على يد البطل هرقل. (موسوعة ويكيبيديا. الموسوعة الحرة. مادة بروميثيوس) .                

في المثقف اليوم