آراء

العراق والحكم.. الاسلاميون انموذجاً؟!!

ينبغي في البدء ان نفرق بين الاسلام كدين معصوم لايقول التأويل او التفسير، كونه حمل رسالة سماوية، ومنهج الهي واضح (القران الكريم)، وبين الإسلاميين كاسم او شعار او منهج، لان هناك خلافاً كبير بين النهج والمنهج، فالسياسيون الاسلاميون الذين حكموا العراق بعد سقوط النظام العلماني سواء من السنة او الشيعة، لم تتطابق خطوات او اُسلوب او سلوك مع النهج الاسلامي، مرة كونهم بعيدين عن هذا المنهج، ومرة لا يمكنهم تطبيق هذا النهج مع وجود المغريات في الحكم والسلطة، لهذا لا يمكن إلقاء اي فشل في اي تجربة للاسلاميين بانه فشل للاسلام كدين ومنهج .

هناك هجمة واستهداف للمنظومة الاسلامية عموماً (المرجعية الدينية، الحركات الاسلامية، الحشد الشعبي، وعموم العملية السياسية الجارية في البلاد)، وهي مقصودة وموجهة للمنهج الاسلامي في العراق، خصوصاً الحالة الاسلامية الشيعية، والتي تبنت الحكم في العراق بعد سقوط النظام، وهناك اجندة معدة لاسقاط التجربة التي يقودها الاسلاميون، وتصوير المشهد على انه فشل ذريع للاسلاميين في قيادة البلاد، مع العلم ان النظام القائم لا يمكن عده نظاماً اسلامياً، وإنما هي تجربة عبرت عن جميع الاطياف والالوان، ولابد من الاعتراف أيضاً انها تجربة شابها الكثير من الخلل والعطل في المثير من مفاصل الدولة، والذي بدوره انعكس على تجربة الإسلاميين بشكل عام، كما ان الأجواء الديمقراطية التي سادت الوضع السياسي العراقي بعد السقوط، كان بيئة جيدة لولادة الكثير من الاتجاهات والتيارات المختلفة بدون اجندات واضحة وروية واضحة لها، مما شكل وضعاً غريباً في البيئة السياسية، الامر الذي شكل تدافعاً غير مسبوق وغير منضبط وصراع على المكاسب المالية والسلطة .

ربما فترة الثلاثة عشر عاماً ليست بالفترة الكافية لتقييم حكم الإسلاميين خصوصاً مع وجود التحديات الخطيرة والكبيرة التي رافقت هذه الولادة الجديدة، من ارهاب واقتتال طائفي ومفخخات راح ضحيتها الالاف من الأبرياء العزل من الشعب العراقي، وآخرها الارهاب الداعشي الذي كان امتداد لهذه الاجندات واداة لتغيير خارطة العراق خصوصاً والمنطقة عموماً، كما ان التداخلات والعراقيل وازمة الثقة بين المكونات السياسية، كان احد اسباب تراجع الإسلاميين وفشل تجربتهم، وتحول الديمقراطية الى حكومة المكونات لا حكومة ديمقراطية تحمل عنوان الكفاءة والنزاهة بين أسطرها، وهذا ما ولد صراعاً وتصادماً بين هذه المكونات من جانب، وبينها مجتمعة وبين الحاكم الذي لا يملك الروية والإدارة الصحيحة والمستندة على مهملة الدستورية في حكم البلاد .

كما ان التعايش السلمي بين مكونات الشعب العراقي كان سبباً مهماً في تراجع الإسلاميين، لان الحكومة كان ينبغي لها ان تكون الراعية لكل المكونات وردم اي هوة بين مكونات الشعب الواحد، ويبقى الاعتزاز بالعقيدة والمذهب شي شخصي، ويبقى الجميع يعيش تحت خيمة العراق الواحد، ولكن نجد البعض استخدم سلطته لتعزيز التفرقة بين ابناء الشعب، وتعزيز الصراعات الداخلية، والنفخ في نار الطائفية لتحقيق غايات سياسية وأجندات خارجية، الغاية منها ادخال البلاد في نفق مرعب ومظلم لا يمكن الخروج منه الا بهلاك شعبه او تحقيق الاجندات والاهداف المرسومة، كما هو المراد الان في تقسيم البلاد على اسس طائفية او قومية، وكل هذا يحصل تحت ظل حكومة الإسلاميين، وهذا ما يعد علامة فاصلة وخطيرة في حكم الإسلاميين بالعراق .

اعتقد ان الدوافع أصبحت واضحة المعالم في تسقيط التجربة الاسلامية، وهي الإيحاء ان التجربة الأسلامية أصبحت غير مرغوب بها، ومرة يكون الاستهداف من جهات داخل المنظومة الاسلامية ولأهداف سياسية وانتخابية، ومرة يكون الاستهداف من المنافسين الآخرين وتصوير المشهد بصورة سوداوية قاتمة لاتحمل اي شي من الامل او النجاح، كما ان الشي المهم ان اغلب الذين وصلوا الى الحكم من الاسلاميين لا يملكون خبرة في الحكم كما انهم لم يمارسوا الحكم من قبل، كما ان عدم وجود الروية الواضحة عند البعض من الاسلاميين جعل السواد الاعظم منهم يظهر بمظهر الفاشل، مع توفر اسباب هذا الفشل من تراجع في جميع الجوانب الاقتصادية والأمنية والسياسية .

اعتقد من الضروري الشروع بوضع منهاج واضح للحكم، مع روية أوضح في ادارة موسسات الدولة، والسعي من اجل بناء الدولة على اساس المهنية والكفاءة والنزاهة، وتفعيل موسسات الرقابة والنزاهة سواء على المستوى البرلماني او التنفيذي، ومحاربة الفساد، وطرد المفسدين، وارجاع أموال الدولة من بنوك الخارج، وتفعيل الجانب القضائي ونزاهته، والسعي الجاد في تفعيل دور الصناعة المحلية والجانب الاستثماري والنهوض بالصناعة والزراعة والتي هي من اهم مقومات نجاح الدولة العصرية الحديثة .

 

محمد حسن الساعدي

 

في المثقف اليوم