آراء

دور الليبراليين الجدد في تخريب الوعي العربي

khadom almosawiتشهد الساحات العربية الاعلامية تطورات كثيرة، لعل من بينها انتشار مواقع الكترونية وفضائيات ووسائل اعلام اخرى ومؤسسات تحمل اسماء ثقافية او جغراستراتيجية او ما شابهها يديرها من يسمون انفسهم بالليبراليين العرب الجدد او ما يطلق عليهم ذلك. ومحصلة هذه كلها تصب في تدمير الشعوب والبلدان العربية كمهمة اساسية لهم وكدور موكل بهم فيه. وواضح الامر ولا يحتاج الى اثبات او دليل انهم يتلقون الدعم الواسع من حكومات خليجية وتتسابق معهم في التطبيع المتعدد الاشكال مع الكيان الصهيوني. وقد يكون لهذه المجموعة سوابق على ما حدث إلا انها استغلت الفرصة او جندت لهذه المهمة التي لا يمكن ان تكون عفوية او تطورا طبيعيا لمسارات فكرية ومنعطفات ايديولوجية وحسب.

في اطار السياسات الصهيو امريكية في كسب العقول والقلوب في العالم، والعربي والإسلامي خصوصا، وضمن سياسات ومخططات الحرب على الارهاب، والتمهيد لغزو واحتلال الدول الموضوعة في برنامج البنتاغون، والذي بدا في افغانستان ولحقه العراق وتوقف لأسبابه المختلفة عند هذين البلدين واستمر بعد ذلك في حملات هجوم متعددة الاشكال، وأبرزها في وسائل الاعلام، على البلدان الاخرى وصولا الى التدخل المباشر في غيرها من البلدان بعد الحراكات والثورات الشعبية في عدد من تلك البلدان. في ضمن هذا الاطار وتلك المخططات والسياسات العدوانية شنت الادارات الغربية حملاتها الاخرى وروجت لها المجموعة هذه بالعربية، عبر وسائلها هي الاخرى. بل تنافست مع الوسائل الغربية في حملاتها وهجمتها الفاشية على العرب والمسلمين، وعلى المقاومة والإسلام، منهجا ودينا، وعلى التقدم والتطور المنشود للطبقات الاجتماعية المتضررة من الاحتلال والاستعباد ومن السياسات الامبريالية والعدوان الاستعماري بكل اشكاله، سواء في فلسطين او العراق او توسيع بناء القواعد العسكرية والاستيطانية في الجزيرة العربية والمغرب العربي.

في الوطن العربي تفاخرت هذه المجموعة بتسمية نفسها بالليبرالية الجديدة. طبعا لم تكن امتدادا طبيعيا لتيار الليبرالية العربية الذي سبق تاريخيا وبنى قيمه التي يمكن اعتبارها تيارا حداثيا مجددا في الفكر والمشهد السياسي العربي، رغم عدم نجاحها او فشلها في تطبيق افكارها ودعواتها في الواقع، ولها اسبابها الكثيرة.

هذه المجموعة من الاصوات الغالبة في وسائل الاعلام المختلفة والمؤتمرات والندوات اليوم تربط اعمالها بحكومات نفطية ريعية، تتخادم ستراتيجيا مع الحماية الغربية لأركانها في السلطات والقمع والإرهاب ولا تمانع من الدخول مع الاعداء في تسويات واستسلام كامل رغم كل ما لديها من مصادر قوة يمكنها ان تدافع بها عن المصالح العربية وتقف بوجه الحملات المعادية وتراعي مصالح الشعوب العربية. إلا انها كما اثبتت الوقائع تسلم المشهد السياسي من جانبها الى ما يخدم المصالح الغربية فقط. ويدعو كما سماه الكاتب العربي بلال الحسن في كتاب له، حمل هذا الاسم، بثقافة الاستسلام ( منشورات رياض الريس- بيروت، ط1، 2005). وناقش فيه بعض الافكار من مقالات مجموعة من المنفذين لتلك السياسة والسائرين في ركابها. وكتب: "لقد اخترت ان اناقش نوعا خاصا من الافكار، يبدو في ظاهره ثوريا وراديكاليا وحداثيا، ولكنه في العمق مغرق في الرجعية وفي الدعوة لتدمير الذات. فكر يجاهد ليصوغ نظرية تبرر الانحناء امام كل مستعمر، وتعتبر خطيئة المستعمر نابعة من ذاتنا نحن، نحن الذين يجب ان نتبدل لكي تصبح نظرتنا الى المستعمر نظرة ايجابية". وأضاف: "والغريب في الامر، انه بينما يدعو هذا النوع من الفكر الى الانحناء وجلد الذات (عبر الاجيال) وهدم ثقافتنا، وقبول المستعمر، والتماهي معه، فان اللغة التي يستعملها هي لغة تستند الى تعابير التغيير والحداثة والتطور. انها عملية منظمة لممارسة عملية خداع لغوية. تماما كما تبرر الولايات المتحدة الامريكية حروبها بأنها عملية نشر الديمقراطية". واستمرت الحملات الهجومية عبر وسائل الاعلام ومؤسسات جديدة، فضائيات وصحف ومواقع الكترونية، ونشاطات واسعة بقدراتها المالية الضخمة التي وضعت لخدمتها. حيث صرح وزير خارجية خليجي، بلسانه وبمفرداته المعروفة بما يعنيه بوضوح وليس لبسا او تدليسا، عن استعداده لوضع كل رصيده المالي (مليارات الدولارات والعقارات في بلدان غربية) لخدمة المخططات الصهيو اميركية في المنطقة، واستثمار هذا المجموعة باستمرار توجهاتها المتخادمة مع المشاريع والمخططات الاجنبية التي تستهدف العالم العربي وقوى التغيير الوطني والثوري.

لعل القول المعروف، "من اقوالهم تعرفونهم" ينطبق بالتمام على ما يصدر من هذه المجموعة، وكذلك في اعمالهم وانحيازاتهم الصارخة لكل ما يدمر الشعوب العربية ويحطم البلدان ويقسم الارادات والاختيارات. وتوزعت هذه المجموعة في تلك المجالات والنشاطات والتباري بينها في كيل الاتهامات وتعبئة الرأي العام بما يضره ويكبله بخطط الاعداء ومشاريعهم الصهيو غربية.  كما تعمل على تكريس ثقافة الاستسلام، والتخاذل والتخادم مع العدو السياسي والطبقي والاجتماعي. فلم يعد عندهم معنى لمقاومة مشاريع الاستعمار والاستيطان، وأصبحت الدعوة الى الوحدة العربية او وحدة الشعب في وطنه ثقيلة على اذهانهم والعمل على تنظيم الاطر النضالية ومفردات الثورة والانتفاضة عسيرة على هضمهم لها ولحملتها ولابد من حد سيوفهم عليها و"الجهاد"! ضدها. وبلغ الامر بهذه المجموعة الانكار للقيم والمثل العربية والإسلامية وحتى التراث الليبرالي العربي. هذا التراث الذي تأسس على اسس الدفاع عن قيم الحداثة والإصلاح على مختلف الصعد وبناء الدولة والاقتصاد والمجتمع لما يخدم المصالح الوطنية والقومية ولا يدفع الى الفوضى والخضوع والاستهانة وإنكار الواقع والوقائع القائمة فعلا لا في مخيلتهم البعيدة عنها.

يسيطر امثال هذه المجموعة على تيار فكري وسياسي، او هكذا يزعمون، يمكن ان يصب مع غيره من تيارات الكتلة التاريخية في خدمة الاهداف الليبرالية التي تسعى الى تعزيز الحريات والبناء والتحديث ومحاربة الاستعباد والدكتاتورية واستلاب الانسان. ولهذا فضح هذه المجموعة مهمة واجبة تقتضي العمل عليها والدعوة معا الى خطاب جديد ونضال كفاحي متواصل من اجل الانسان والمستقبل.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم