آراء

البرلـ(مات) العراقي وشهر العسل

raed jabarkhadomفي الوقت الصعب والظرف العصيب الذي يمر به العراق وشعبه، من منزلقات ومهالك خطيرة لا تخفى على أحد من المتابعين للشأن العراقي، تعطل أهم وأخطر سلطة في البلد وهي السلطة التشريعية، ليتمتع أعضاء البرلمان العراقي بعطلة تشريعية لمدة شهر، بعد أن كان معطلاً قبل ذلك لأشهر عدة، بسبب الاحداث والخلافات السياسية والصدامات الكبرى التي جرت بين الكتل والاحزاب والتحالفات حول مكاسبها ومنافعها الحزبية الشخصية، وأختلافهم حول الاصلاحات والتغييرات الاخيرة التي قدمها العبادي، مما أدى الى انشقاق البرلمان الى فريقين : فريق المعتصمين والمعترضين على رئاسة مجلس النواب. وفريق المؤيدين لرئاسة مجلس النواب.

وتمت الخصومة السياسية والتشريعية بين الاثنين، فشكل الفريق الاول رئاسة جديدة لمجلس النواب برئاسة عدنان الجنابي، وتم اقالة سليم الجبوري، وتم تكوين جبهة برلمانية معارضة كما يدعي أصحابها، ولكن الفريق الثاني غير مؤمن بهذه الجبهة ويراها غير شرعية، ولذلك أصر على بقاء الرئاسة الاولى للبرلمان برئاسة الجبوري.

وفي خضم تلك الاحداث الكبرى والكارثية التي يمر بها العراق، وفي ظل الجمود والركود والتعثر البرلماني والحكومي والسياسي، يعلن مجلس النواب العراقي دخوله في عطلة تشريعية، وكأن اعضاء البرلمان قد كانوا في عمل شاق، وجدوا وأجتهدوا في حل الخلافات والنزاعات وتشريع القوانين، ولكن واقع الامر أنهم في عطلة وتعطيل مستمر، ويجتمعون في أوقات معينه حسب ما يشتهون، وهم في وادٍ والبلد في وادٍ آخر، فلا حساب ولا كتاب، ولا تشريع ولا قوانين، ولا محاسبة ومراجعة لما يقومون به، ولا رقابة عليهم من جهة ما، فهم أعلى سلطة في البلد، ولكنهم بعيدون كل البعد عن البلد وهمومه وأحداثه، بل زادت خلافاتهم فيما بينهم، البلد خراباً وخلافاً وتمزقاً، وهم يرفلون بنعيم دائم ، والشعب الى الجحيم، فلا روح وريحان ولا جنة نعيم.

والملفت للنظر في موضوع العطلة التشريعية، انه رغم الخلاف بين فريق المعتصمين والمعترضين وفريق المؤيدين، في سياسة البرلمان، الا أنهما أتفقا على التعطيل والعطلة، وكنا نتوقع من الفريق الاول أن يكون لهم موقفاً مشرفاً وعدم التعطيل، لما يمر به البلد من ظروف وحرب ودمار، وأن يكونوا على قدر عالٍ من المسؤولية تجاه ما يحدث، الا أننا فؤجئنا بالموقف الضعيف لفريق المعتصمين، وعدم أستمرارهم بموقفهم الاصلاحي والتغييري والتحدي والمواجهة، والدليل على ذلك هو أنسحاب الكثير من أعضاء جبهة المعترضين، لتذوب تلك الجبهة المعترضة ذوبان الجليد، ويتفتت موقفهم ليكون هباءاً منثوراً.

والدور الخجول والضعيف ليس للسلطة التشريعية فحسب، بل شمل ايضاً السلطة القضائية، التي لم تحسم أمر الجلسة البرلمانية للمعتصمين برئاسة الجنابي، وجلسة المؤيدين برئاسة الجبوري، الجلسة التي تم فيها التصويت على تغيير وأقالة بعض الوزراء في كابينة العبادي القديمة، والتي جرت تلك الجلسة بسرية تامة، وتم غلق الابواب والتصويت القسري الذي تم من قبل بعض الكتل السياسية لتهدأة المتظاهرين والمعتصمين، وتمشية الامور وفق ما يريدون. ومما يؤسف له أيضاً أن القضاء العراقي عاجز عجزاً تاماً عن بته بالامور القانونية والقضائية، ويماطل ويسوف الامور، شأنه شأن المنظومة البرلمانية والحكومية المتعثرة الخطوات والمعطلة الدور والحركة، فالسلطات الثلاث للدولة العراقية منهارة تماماً، ويسكنها الفوضى والفساد من الاسفل الى الاعلى، وهذا ما جعل العراق يحتل المرتبة الاولى عالمياً في مستوى الفساد.

لقد يأس الشعب العراقي يأساً كبيراً من سلطات الدولة جميعها، لأن تلك السلطات غير جادة في عملها وأدائها، وغير صادقة في كل ما تقوم به من قرارات، وكل سلطة تحجب للسلطة الاخرى فسادها وأعمالها السئية، وهذا ما جعل الدولة فاسدة بجميع سلطاتها ومؤسساتها ومفاصلها، وقد وقع الشعب العراقي ضحية ذلك الفساد الكارثي الخطير، الذي دمر الاقتصاد والاخلاق والمجتمع والحياة اليومية ولم يبق أي مستقبل لنا.

أن البرلمان العراقي يغط بنوم عميق، ونوم في العسل، ولم يتحمل مسؤوليته تجاه البلد بصورة جادة وحقيقية، وأعضاؤه يبحثون عن مصالحهم الشخصية فقط، دون الاهتمام بواجبهم تجاه العراق وشعبه، مما أغرقنا في وحل الارهاب والفساد والمحاصصة والحروب والانتهاكات المستمرة والطائفية المقيتة، والبقاء على هذا الحال يهدد وجودنا وبلدنا وحياتنا أكثر مما نحن فيه من مصائب ومحن وآلام، وعلى الجميع تصحيح مسارات الرؤيا وتحديد رؤيا المسار، لننجوا مما نحن فيه من أحداث، فأننا اما أن ننجوا معاً أو نهلك سوية، والموقف والبلد لا يحتمل المزيد، فقد طفح الكيل، وبلغ السيل الزبى.            

 

د. رائد جبار كاظم

 

في المثقف اليوم