آراء

أبو بكر خليفة: كلينتون وترامب وجهان لأمريكا واحدة

abobakir khalifaليس من المتوقع أن تحمل الإنتخابات الرئاسية الأمريكية في ما يعرف بيوم "الثلاثاء الكبير" في الثامن من شهر نوفمبر الجاري، والتي يحتدم الصراع بين متنافسيها (هيلاري كلينتون و دونالد ترامب) أي جديد مغاير للسياسة الخارجية الأمريكية في العالم خاصةً في منطقة الشرق الأوسط،فهذه المناظرات الحامية بين المتنافسين والحرب الإعلامية العاصفة هي أقرب لعروض المصارعة الأمريكية الحرة الترفيهية(WWE )، والتي يشرف على إعداد سيناريوهاتها متخصصون محترفون، فالضربات المذوية التي يتبادلها المتصارعون والتي يصرخ على وقعها الجمهور، لاتوجع إلا المشاهدين والمتابعين، فهكذا هي الثقافة الأمريكية ثقافة التهويل والإثارة، ثقافة صناعة وتسويق الوهم الأمريكي والتي رسختها آلة الإعلام والسينما الأمريكية. ..لذلك لن يتبدل شي وحتى الديكور ربما، حتى أن الملل والسأم باتا يسيطران على عامة الأمريكيين، والذين يرون في الحدث تكراراً في شخوص المشهد السياسي، ومجرد إعادة تدوير لإفرازات السياسة الأمريكية ذاتها المترسخة منذ عقود...فهيلاري كلينتون ربما تعود إلى البيت الأبيض الذي غادرته منذ ستة عشر عاماًً، حيث كانت السيدة الأولى، ومنذ ذلك الحين ظلت قريبة من دهاليز صناعة السياسة الأمريكية،حتى تموقعت بقوة كوزيرة للخارجية الأمريكية في الفترة الرئاسية الأولى من حكم "باراك اوباما"، وساهمت في صنع السياسات التي أدت الى بروز ظاهرة الإرهاب الدولي الأكثر شراسة "داعش"..أما "دونالد ترامب" فهو أيضا ذلك الملياردير الامريكي المعروف إقتصاديا وإعلاميا والذي ألفه الأمريكيون أيضاً، ورغم تصريحاته الشعبوية الفجة والمستفزة خاصةً للمهاجرين والمسلمين والتي وصلت الى حدود الوعد ببناء سور يمنع المكسيكين من الدخول الى امريكا، وكذلك الوعد بمنع دخول المسلمين أيضا؛ إلا أنه سواءاً ربح ترامب أم كلينتون مقعد الرئاسة فإن السياسة الأمريكية لن تخرج عن السياقات والإملاءات المحددة من قبل اللوبيات المعروفة بأموالها وضغوطها وتأثيرها على خفايا صناعة القرار الأمريكي سابقاً ولاحقا ودائماً ألا وهي: اللوبي الصهيوني(أيباك) ولوبي شركات النفط ولوبي شركات السلاح...فاللوبي الصهيوني يتمتع بقوة ونفوذ كبيرين بدءاً من التأثير في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية والفائز فيها وصولاً الى التحكم والتأثير والهيمنة على "السلطة التشريعية"متمثلة في الكونغرس الأميركي، وبالتالي يؤثرون على صنع السياسة الخارجية الأمريكية والتي تتمحور في منطقتنا دائماً في حماية الكيان الصهيوني بالدفع الى القرارات والسياسات الأمريكية التي تؤدي الى تثبيت أركانه وتعزيز قوته وهيمنته على حساب إضعاف وشرذمة الأمة العربية،  وتشكل الجماعة اليهودية الامريكية قمة الهرم الاجتماعي الأمريكي، حيث يشكلون مانسبته 34% من بين أغنى 745 عائلة أمريكية، ويهيمنون على كبريات الشركات الصناعية والتجارية، والتي ينعكس تأثيرها بالتالي على صناعة القرار السياسي الأمريكي، أيضاً يزداد دورهم بروزا حينما نعرف أنهم يتركزون في الولايات الهامة المؤثرة في مجريات الانتخابات الأمريكية وهي: نيويورك، وكالفورنيا، وفلوريدا.. ونذكر على سيبيل المثال دورهم الأبرز في وصول الرئيس السابق "بيل كلينتون"زوح هيلاري الى سدة الحكم في البيت الأبيض حين قام هذا اللوبي بتمويل حملة بيل كلينتون مقابل وعود وتعهدات للدولة الصهيونية. .أما لوبي شركات السلاح ولوبي شركات النفط فدورهما لايقلان عن تأثير اللوبي الصهيوني وربما يتقاطعان معه،فلقد قام هذان اللوبيان مثلا بدفع الأموال الطائلة لإنجاح حملة "جورج دبليو بوش الإبن" الإنتخابية سابقا...واليوم نجد أن لوبي شركات السلاح يدعم دونالد ترامب بشكل مباشر من أجل فوزه برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة هيلاري كلينتون،  ولا عجب في ظل هذا التهور الذي يبديه ترامب والذي يرى بعض المحللين المتشائمين بأنه ربما يقود الى حرب عالمية ثالثة، وأيضاً في ظل رواج تجارة السلاح الذي سيزيد منه إشتعال المنطقة العربية خصوصاً بالحروب الأهلية المستمرة وتغلغل الإرهاب، وتضائل فرص الحلول السلمية قريبا..أيضاً فإن دونالد ترامب وإن كان قد وعد بأنه في حال فوزه بالرئاسة سوف يعمل على الحد من تدخل أمريكا في شؤون الدول الأخرى،فإن ذلك لايعدو في كونه وعدا انتخابيا في مواجهة كلينتون المتهمة بالضلوع في إشعال الأزمات الخارجية ...فامريكا سوف تظل هي أمريكا "إمبراطورية العصر الحديث " ويبقى رؤسائها هم القياصرة الجدد الذين تقودهم العقيدة الإمبريالية التوسعية،عبر سياسات الهيمنة والإحتواء، ولو كلف الأمر إنتاج الأزمات وتخصيبها ورعايتها، لتهشيم إرادات الشعوب وامتصاص مقدراتها، وقطع الطريق على القوى الدولية الصاعدة "كالصين" حتى لا تنافس أمريكا على سدة الهيمنة العالمية ...ولطالما شدت الإنتخابات الرئاسية الأمريكية المتعاقبة الشعوب المنكوبة على أمل أن تحمل تغييرا جوهرياً في السياسات الأمريكية التي لطالما أسفرت عن الكثير من المآسي جراء تدخلات أمريكا وغزواتها التي كلفت الملايين من الضحايا والمشردين، فقبل ثمانية سنوات تفائل الكثيرون في العلم أفراداً وجماعات ودولا بوصول أول رئيس أمريكي من أصول أفريقية ألا وهو باراك أوباما الى سدة رئاسة أمريكا، إلا أن أمريكا ظلت هي أمريكا حتى أن عهده شهد زيادة في الحوادث العنصرية ضد السود من بني جلدته من طرف رجال الشرطة البيض أدى الى قتل العديد منهم،واستهداف رجال الشرطة وقتلهم كردة فعل من الزنوج الأمريكيين...وعلى مستوى السياسات الخارجية لم تتوقف امريكا عن تدخلاتها الكارثية في دول العالم، ولامانع حتى أن تتحول هذه الحروب والأزمات المثارة الى أوراق إنتخابية مخضبة بالدماء،من أجل الوصول الى كرسي الرئاسة في البيت الأبيض، فلقد كشفت "وثائق ويكيليكس"مؤخرا أن هيلاري كلينتون عندما كانت وزيرة الخارجية الأمريكية هي التي دفعت إلى إشعال الحرب ضد ليبيا رغم تردد الرئيس أوباما، من أجل إسقاط القذافي ونظامه بكل القوة الممكنة، حتى تتحصل كلينتون على زخم إضافي في الإنتخابات الرئاسية. ...ختاماً فإن حزب "الحمار" وهي علامة الحزب الديمقراطي هذا الحزب الذي يفترض أن تكون توجهاته هي الأكثر جنوحا لمبادئ السلم والأمن الدوليين من حزب "الفيل"وهي علامة الحزب الجمهوري، حتى أن مؤسس المثالية في السياسة الدولية هو الرئيس الامريكي "ودرو ويلسون" وهو من الحزب الديمقراطي وقد حكم أمريكا من عام 1913حتى 1921، والذي طرح المباديء "الأربعة عشر"للسلم ولإعادة بناء أوروبا من جديد بعد الحرب العالمية الأولى، ويمكن تلخيص في هذه المبادئ في: حق الشعوب في تقرير مصيرها، وضرورة استتباب الحرية والسلام في العالم، وقد فرحت الشعوب العربية في ذلك الزمان بهذا الإعلان حين كانت خاضعة للإستعمار الغربي...إلا أنه منذ أن خرجت أمريكا من عزلتها وإنخرطت بقوة في الحرب العالمية الثانية على رأس حلفائها ضد ألمانيا وحلفائها والتي انتهت بخسارة الأخيرة وحلفائها،لنتتهي بذلك هذه الحرب التي تعتبر الأكثر دموية ودمارا في التاريخ، وإستوت في الجوهر سياسات حزب "الحمار" وسياسات حزب "الفيل"، وليشهد العالم منذ ذلك الوقت الى حد اليوم هيمنة أمريكية، وإن خفت حدتها أثناء الحرب الباردة زمن " الثنائية القطبية" وتبادل النفوذ الدولي مع دولة الإتحاد السوفيتي السابق حتى تفكك هذا الاتحاد، لتنفرد أمريكا بالنفوذ العالمي في زمن   "الأحادية القطبية"، وليزداد العالم تأزما بعد ذلك بدءاً بغزو أفغانستان بحجة محاربة الإرهاب،ثم غزوالعراق واحتلاله بحجة نزع أسلحة الدمار الشامل، وصولاً إلى إضطرابات الربيع العربي ومانتج عنها من تمزيق لليمن، وإحراق سوريا، وتدمير ليبيا، وماتخلل هذه النزاعات والصراعات من بروز ظاهرة "داعش"، ومانتج عن كل هذه المتغيرات من ظاهرة اللجوء الكبرى التي زعزعت أوروبا حيث لم يشهد لها العالم مثيلا منذ الحرب العالمية الثانية..ومازالت الأحداث تتوالى.

 

د.ابوبكر خليفة أبوبكر

 

في المثقف اليوم